حين كنت هناك ، ظننت أني دخلت سلخانة بطريق الخطأ .
كان زحام غريب ، و أطباء يعملون ، هذا يخيط جرحا نافذا ، تحت تهديد سيف ، و هذا ينظف أمعاء غادرت بطن صاحبها ، و المسدس في جنبه .. بين تأوهات ، من كل صنف ، و بكل الألوان والأصوات.
كان المشهد كفيلا بتراجعي ، و مغادرة المكان فورا ، لكن الحالة الحرجة التي كانت عليها مريضتي ، جعلتني أشد إصرارا على عدم المغادرة .
جذب انتباهي صوت طبيب : " لن أعمل ؛ ليمت ".
أنزل الشاب سكينه ، أخفاها في ثيابه :" أرجوك يا دكتور ".
بثبات على قدر ما أثلج صدري أزعجني :" لن أعمل إلا إذا غادرت ، و انتظرت في الخارج ، مع من معك حتى أنتهي ".
خفت عليه كثيرا ، و تمنيت أن يستجيب هذا الشاب ، ومن معه ، و تحفزت لأي حركة دنيئة قد تصدر منهم .
كان حجم الألم على وجهي يتسع ، و كان داخلي ما هو أكبر ، أن تصل بنا الحال ، إلي هذه الأوضاع .. بخطوات وئيدة كنت أدنو من الطبيب ، ودون أن أشعر كنت أمامه ، و كأنني سوف أتلقى عنه الطعنات . خطا متقدما ، و هشهم بيديه في ثباته المدهش ، وعاد حين أصبحوا بالخارج ، ثم علا صوته ، مستنهضا همة الممرضات و الممرضين ، الذين كانوا يتعثرون ، من جلده لهم ، وقد أنهمك في إنقاذ الحالة ، بينما ممرضة بفوطة طبية تمسح العرق المتصبب على وجهه .
لا أدري .. أحسست بالخوف على الطبيب ، و أن هؤلاء لن يفوتوا له هذه ، و لكن إحساسه بنفسه ، و احترامه لعمله ، عاد يؤكد أنه قادر على النفاذ من بين ألسنة اللهب .
كان الآخرون في الأنحاء المترامية للاستقبال يعملون ، ما يزالون تحت نفس التهديد ، و كلما أصابهم الكلل و التعب ، كانت الأسلحة ، و الوجوه تكشر عن أنيابها ، بينما في الخارج ، و حين عبوري إلي هنا ، أبصرت بعض جنود الأمن ، يتهالكون هنا وهناك ، يدخنون ، و يتسامرون مع الأهالي ، و يؤدون أعمالا أخرى ، ليس لها صلة بعملهم .
اقتحمت المكان جماعات غفيرة ، هذه تحمل قتيلا بآلة حادة ، و تلك سيدة نالت من وجهها مدية ، فأصبح بلا ملامح ، ليس إلا الدماء تغرق ثيابها ، و تتهاطل على من يحملها ،
و ثالثة ترفع جسدا آدميا ، تسكن صدره عشر رصاصات .
كانت مساحة الغضب تتسع ، و الاختناق يلتف حول رقبتي .
و لا بد من مغادرة المكان فورا ، لأي جهة أخرى ، مهما تكلف ألأمر .
ملت نحوها :" هيا بنا ، لن أتحمل أكثر من ذلك ".
جاءني صوت :" إلي أين .. أنا معك ، اهدأ لا تكن عجولا ".
كان الطبيب ذاته ، ببسمة واثقة يعاين الحالة ، ثم يهمهم :" هنا قطع في الأوردة ".
كأنه يوجه سؤالا ، و علىّ أن أجيبه :" أبدا .. سقطت على الأرض ، فارتطمت قدمها بكرسي قديم ".
توقف ، نظر إلي مليا ، و كأنه يقول : لن أعمل و أنت تكذب
:" نعم يا دكتور ، هذا ما حدث ، فقد كانت الوقعة قوية ، ولم أدر بنفسي ".
هز رأسه ، و قبضتيه ، ثم كتب بنفس الثقة ، على ورقة الأدوية ، و المحاليل ، و الأربطة اللازمة :" بسرعة ، أريد هذه القائمة".
تعبت كثيرا ، ما بين صيدليات المدينة ،
وقفت بأبوابها كلها ، بحثا عن الأدوية ، لتكتمل قائمة المطلوبات ، و داخلي نقمة ربما أدري سببها ،
و حين أدركت طلبي عدت ركضا .
هالني صراخ ،
و هرج شديد ،
و أصوات عراك تأتي من داخل الاستقبال ،
غذيت خطاي أكثر،
انقلبت داخلا ، فإذا صوت واهن : " أنا هنا .. أنا .. تعال ".
اهتزت أوصالي ،
و هرب الدم من شراييني .
كانت على مكان مرتفع عن الأرض .
و أنا مشتت بينها ، و بين من بالداخل .
خطوت ملسوعا ، دنوت من أنفاسها :" جزروا الطبيب .. ذبحوه حين أصر على طلب مفتش المباحث ، وفتح تحقيق ".
تحوطني بذراعيها ،
لا تفلتني :" هيا بنا إلي عيادة خاصة .. هيا ".
اتكأت على جناحي المهيض ، بينما لم أستطع التحكم في مشاعري ، ومنع عينيّ عن هطول بعض مرارتي !
كان زحام غريب ، و أطباء يعملون ، هذا يخيط جرحا نافذا ، تحت تهديد سيف ، و هذا ينظف أمعاء غادرت بطن صاحبها ، و المسدس في جنبه .. بين تأوهات ، من كل صنف ، و بكل الألوان والأصوات.
كان المشهد كفيلا بتراجعي ، و مغادرة المكان فورا ، لكن الحالة الحرجة التي كانت عليها مريضتي ، جعلتني أشد إصرارا على عدم المغادرة .
جذب انتباهي صوت طبيب : " لن أعمل ؛ ليمت ".
أنزل الشاب سكينه ، أخفاها في ثيابه :" أرجوك يا دكتور ".
بثبات على قدر ما أثلج صدري أزعجني :" لن أعمل إلا إذا غادرت ، و انتظرت في الخارج ، مع من معك حتى أنتهي ".
خفت عليه كثيرا ، و تمنيت أن يستجيب هذا الشاب ، ومن معه ، و تحفزت لأي حركة دنيئة قد تصدر منهم .
كان حجم الألم على وجهي يتسع ، و كان داخلي ما هو أكبر ، أن تصل بنا الحال ، إلي هذه الأوضاع .. بخطوات وئيدة كنت أدنو من الطبيب ، ودون أن أشعر كنت أمامه ، و كأنني سوف أتلقى عنه الطعنات . خطا متقدما ، و هشهم بيديه في ثباته المدهش ، وعاد حين أصبحوا بالخارج ، ثم علا صوته ، مستنهضا همة الممرضات و الممرضين ، الذين كانوا يتعثرون ، من جلده لهم ، وقد أنهمك في إنقاذ الحالة ، بينما ممرضة بفوطة طبية تمسح العرق المتصبب على وجهه .
لا أدري .. أحسست بالخوف على الطبيب ، و أن هؤلاء لن يفوتوا له هذه ، و لكن إحساسه بنفسه ، و احترامه لعمله ، عاد يؤكد أنه قادر على النفاذ من بين ألسنة اللهب .
كان الآخرون في الأنحاء المترامية للاستقبال يعملون ، ما يزالون تحت نفس التهديد ، و كلما أصابهم الكلل و التعب ، كانت الأسلحة ، و الوجوه تكشر عن أنيابها ، بينما في الخارج ، و حين عبوري إلي هنا ، أبصرت بعض جنود الأمن ، يتهالكون هنا وهناك ، يدخنون ، و يتسامرون مع الأهالي ، و يؤدون أعمالا أخرى ، ليس لها صلة بعملهم .
اقتحمت المكان جماعات غفيرة ، هذه تحمل قتيلا بآلة حادة ، و تلك سيدة نالت من وجهها مدية ، فأصبح بلا ملامح ، ليس إلا الدماء تغرق ثيابها ، و تتهاطل على من يحملها ،
و ثالثة ترفع جسدا آدميا ، تسكن صدره عشر رصاصات .
كانت مساحة الغضب تتسع ، و الاختناق يلتف حول رقبتي .
و لا بد من مغادرة المكان فورا ، لأي جهة أخرى ، مهما تكلف ألأمر .
ملت نحوها :" هيا بنا ، لن أتحمل أكثر من ذلك ".
جاءني صوت :" إلي أين .. أنا معك ، اهدأ لا تكن عجولا ".
كان الطبيب ذاته ، ببسمة واثقة يعاين الحالة ، ثم يهمهم :" هنا قطع في الأوردة ".
كأنه يوجه سؤالا ، و علىّ أن أجيبه :" أبدا .. سقطت على الأرض ، فارتطمت قدمها بكرسي قديم ".
توقف ، نظر إلي مليا ، و كأنه يقول : لن أعمل و أنت تكذب
:" نعم يا دكتور ، هذا ما حدث ، فقد كانت الوقعة قوية ، ولم أدر بنفسي ".
هز رأسه ، و قبضتيه ، ثم كتب بنفس الثقة ، على ورقة الأدوية ، و المحاليل ، و الأربطة اللازمة :" بسرعة ، أريد هذه القائمة".
تعبت كثيرا ، ما بين صيدليات المدينة ،
وقفت بأبوابها كلها ، بحثا عن الأدوية ، لتكتمل قائمة المطلوبات ، و داخلي نقمة ربما أدري سببها ،
و حين أدركت طلبي عدت ركضا .
هالني صراخ ،
و هرج شديد ،
و أصوات عراك تأتي من داخل الاستقبال ،
غذيت خطاي أكثر،
انقلبت داخلا ، فإذا صوت واهن : " أنا هنا .. أنا .. تعال ".
اهتزت أوصالي ،
و هرب الدم من شراييني .
كانت على مكان مرتفع عن الأرض .
و أنا مشتت بينها ، و بين من بالداخل .
خطوت ملسوعا ، دنوت من أنفاسها :" جزروا الطبيب .. ذبحوه حين أصر على طلب مفتش المباحث ، وفتح تحقيق ".
تحوطني بذراعيها ،
لا تفلتني :" هيا بنا إلي عيادة خاصة .. هيا ".
اتكأت على جناحي المهيض ، بينما لم أستطع التحكم في مشاعري ، ومنع عينيّ عن هطول بعض مرارتي !
تعليق