الجمعة سهرة القصة في الغرفة الصوتية - طلقة للاديبة دينا نبيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سليمى السرايري
    مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
    • 08-01-2010
    • 13572

    الجمعة سهرة القصة في الغرفة الصوتية - طلقة للاديبة دينا نبيل

    [align=center][table1="width:95%;background-color:navy;border:10px double purple;"][cell="filter:;"][align=center][frame="2 98"]


    دعــــوة

    تسهرون الليلة الجمعة 20-04-2012
    في تمام 11 بتوقيت القاهرة
    في الصالون الصوتي
    برعاية الأستاذ :

    " ربيع عقب الباب "

    وقصة الليلة للأديبة المتألّقة والناقدة المتميّزة :

    " دينا نبيل "

    ~~~طلقة~~

    رابط الموضوع
    http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?96000


    رافقونا في سهرة ممتعة و راقية أيّها الأعزّاء



    De. souleyma srairi
    [/frame][/align][/cell][/table1][/align]
    لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول
  • سليمى السرايري
    مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
    • 08-01-2010
    • 13572

    #2
    [align=center][table1="width:95%;background-color:navy;border:10px double purple;"][cell="filter:;"][align=center][frame="2 98"]


    طلقة ..

    طلقة ..
    وماءٌ يسيلُ .. من بين رجليها يبللُ المقعد ، في الأرضية بركةٌ تغمرُ قدميها ..
    ..
    طلقة ..
    ودماءٌ تنفجرُ .. بقعةٌ بنفسجيةٌ تعلو فستانها الأزرقَ ، لا تفرقُ كثيرًا عن لون شفتيها ..
    ....


    لم يرعبني منظرُها هكذا .. فقد تلقيتُ الصدمةَ كاملة أول ما أبصرتُها ! ، بالكاد أتفرَّسُها تحت وميض البرق .. هزيلةٌ تشدُّ شعرها الطويل المتهدِّل المبتل ، لا تفترُ عن طرقِ المقعد الخشبي بكفيها .. رأسُها إلى السماء ، يُرجّع صراخها صدىً يلاحقُ الرعد .. مَنْ هذه المجنونة التي تخرجُ في مثلِ هذه الساعة من تلك الليلةِ العاصفةِ ؟! .. تنتظرُ الحافلة ؟ .. وحدها ؟! .. أين زوجُها أو أحدُ ذكور عائلتها ؟! ..

    أتلفَّتُ حولي عساني أجد لها نجدةً ، لم يكنْ غيري .. نزلتُ من سيارتي ، أسندتُّها إلى كتفي وهي تسندُ أسفلَ بطنها المتكورِ المنتفخِ بيدها ، جسمُها الباردُ ينتفضُ بين ذراعيّ .. "ما أفعل ؟! .. إلى أين آخذكِ ؟!" ..


    صراخُها يوتّرُني .. أنسَاني العناوينَ والأماكن!، كلُّ المباني متشابهةٌ .. ضخمةٌ غارقةٌ في صمتٍ عجيبٍ ، يجعلها أكثرَ وحشةً من ظلِّ خلفيةٍ للوحةِ أطلالٍ مقبورة ، تستثيرُ هلعي باقتدار! .. في تلك المدينة الغريبة التي هجرها سكانها هذه الليلة فقط ، لا تتحركُ سوى سيارتي الهوجاء تدورُ في متاهةٍ ، تتعملقُ الدقائقُ ، تضغطُ أعصابي .. تنحتُها بأزميلٍ .. تتساقطُ فتاتاً بسيارتي أدهُسُه ، بينما أنا مشلولٌ على المقود!
    ..


    تتشبثُ بذراعي وتمرِّغُ وجهَها في كتفي ، تسمِّرني في مُدن فزعي التي أجتازُها بمركبتي .. أردتُ قطعَ ذلك الصراخ الجنوني بنزر حديثٍ عاقلٍ .. " من أنتِ؟ .. كيف أتصل بأهلك ؟ " .. فجأة تبتعدُ عني .. تتكئُ على النافذة وتنخرطُ في البكاء .. أنظرُها في ضوءِ السماء الكهربائي الخاطف .. مليحةٌ ملامحُها .. أجل! .. تبدو يافعةً رغم شحوبها وزُرقة شفتيها .. وقطرات المطر على الزُّجاج التي تخطّ وجهها دموعاً قاتمةً مبعثرةً ..


    أحاولُ لَملمةَ شتاتها .. " لمَ تبكين ؟ "


    تمسكُ بأسفل بطنها ترفعُه وتضمُ فخذيها بارتعادٍ .. " لا أريدُ أن ألد ! .. ليتني أحبسُه في ( عُنقي )، تنحشر رأسُه بداخلي فيختنق .. قبل أن أسمعَ صُراخه .. قبل أن أراه .. قبل أن أشتمَ جلده الورديّ ، عندما للدنيا أُطلقُه ! "

    ....

    طلقة .. طلقة ..
    يسيلُ الماء .. تنفجرُ الدماء ..
    بركةٌ في أرضية السيارة .. وبقعةٌ على الفستان ..
    وأزرارُ الفُستان على عجلٍ تفكُّها .. قد استعرَ جسدُها .. تَرْشحُ من الثنايا .. تجتاحها الرّجفات ، يعلو الصُّراخ وتمسكُ ببطنها .." لا .. لا تنزلْ !!"

    - "سننزلُ ! .. هيا ، ها هو المشفى !"

    تأبَى .. يجذبُها بكلتا يديه .. تتشبثُ بالمقعد وتصيحُ في وجهه .." دعني أموتُ هنا ! ".. يحاولُ إخراجها من السيارة وهي تسحبُ نفسَها إلى الداخل .. تجلسُ مستعرضةً لتنحشرَ في الباب ..

    تخشى عالماً سيتغيرُ فيه اسمها .. تحزرُ أن توسمَ بختمٍ لن يبارحَها ..
    حين تنفصلُ عن بناتِ جنسها اسماً ومضموناً ..
    حين تتصلُ بوليدها بذاك الحبلِ ( السِّري ) كأمٍّ عرجاء ..
    حين ترسفُ مترعةً بالألم في حجرِ أمومةٍ شوهاء ..
    ...

    كم هي عسيرةٌ إزاحتكِ ! ..
    مؤلمٌ خمشكِ إياي !
    أ تُراهم يُسرعون نحوي يخلصُونني من مخالبها المستحكمة ؟! .. يشدُّونها من ذراعيها ورجليها ليجلسُوها على كرسيٍ مدولبٍ .. يمرقون بها وسطَ سيولِ الأمطار .. العجلاتُ تنزلقُ بين طينٍ وماءٍ .. وقطراتِ دماء .. يُشظِّيني أزيزُها تحت دورانها المرتجف ..
    ....

    -- " أسرعوا !!"

    كطلقةٍ تدوّي في بهو المشفى .. على إثرها هرعَ أصحابُ المعاطف البيضاء بالنقالة ، والمرأةُ تلقي بنفسها على الأرض ، تُلوثها ببقاياها .. تتلوّى .. لا يزالُ فيها رمقُ المقاومة ! .. تحاولُ الفرار .. يلقون بأنفسهم عليها يثبتونها في الأرض كمجرمٍ رهنَ الاعتقال .. يتكالبُون عليها .. على الذبيحة ! .. كلٌّ منهم يتناولُ طرفاً .. وذاك أسفلها يطالبُها أن تفتحَ رجليها ..!


    وددتُ لو استدرت وخرجت من الباب مسرعاً.. وددتُ لو أواري وجهي بين كفي .. لكنني كنتُ أرتعدُ كلّما علا بكاؤها .. تنظرُ إليّ من بعيدٍ معاتبةً إياي .. أنا من أحضرتُها إلى هنا ، كم رجوتُ لو أرفعهم جميعاً عنها .. أن ألكمَهم خاصةً ذلك الذي يضربُها على فخذها .. لكن ..

    -- "ها هو الرأسُ ..! .. هيا .. ادفعي لأسفلَ قليلاً ! .. تنفّسي ! "


    يدُه تخرجُ من تحتها ترسمُ كفّاً من الدماء على الملاءة البيضاء .. يولّدُها .. يغتالُها .. وأنا منكمشٌ في زاوية الباب .. يرميني بين حينٍ وآخر بابتسامةٍ مواربة ٍ، أنّه قد شرُفَ على الانتهاءِ منها .. وسيسمحُ لي بالاقتراب .. لمّا يحين دَوري ! .. أنينُها يحتقنُ .. ينحبسُ في حلقي ريقاً علقماً ! .. تتصلّبُ صورتها في محجريّ، وقد بدأت نظراتُها تذوي شيئاً فشيئاً ..

    وتعودُ طلقةٌ جديدةٌ بالقفز إلى هذا الجسدِ المتفسّخ تنطُرُه ، ليطلقَ صُراخاً من جميعِ الجوانب ، فيجتمع صوتُهما في صدري يضجُّ منهما بالبكاء .. يلفّون قطعةَ لحمٍ حمراءَ في منشفةٍ كبيرةٍ يأخذونها بعيداً.. تزعقُ على أمّها .. أمّها التي غابت عيناها في ضوءِ الكشّاف المسلط عليها .. حتى .. ألقيت الملاءةُ على وجهها بلا اكتراثٍ ..


    أخذني الخدرُ .. قرفصتُ في الأرض ، لم تعد رجلاي تحملاني .. لم تعُد عيناي تبصران ، قد تزاحمت الصورُ والألوان .. وماهت بين خطواتِ الأقدام السريعة حولي هنا وهناك ، وتلك اللفافة التي دُفعت إليّ دفعاً لأخرجَ من البابِ مذهولاً مما رأيتُ ..

    في الخارج .. مطرٌ ..
    وصراخٌ منبعثٌ من تلك اللفافة أستفيقُ عليه وأنا تحت زخاتٍ من المطر ..

    أدثّرُ ذلك الوليد الذي فتحَ فاه وأداره نحو صدري ، فلا يجدُ سوى ثيابي المبتلة .. راح يلكزُني بقدميه الصغيرتين .. أين أذهبُ به ؟.. أجسّ أطرافَه .. بدأت تبردُ .. تتيبسُ .. تتمعدنُ .. أسحُّ فوقه .. عبراتي تقرعُه .. سوادٌ ثقيلٌ بلا هواء يتوسدني ، فتغمغم الأصواتُ من حولي ، لم أعد أعي ما أسمعُ سوى نشيجي المتقطع ..

    أقلّبُه من جميع الجوانب .. والآن أراه بعد أن انقشعَت الغياماتُ عن عينيّ .. أسودَ معدنيّاً .. فاتحاً فاه في وجهي بلا صوت .. أتعجّلُ مِنْ فِيه طلقةً تُخرجني من عالمي ..
    فينتظرني أن أضغطَ على زناده لينفجرَ في وجهي ! .. كانفراجةِ " أنت ابن حـــرااا ..! " من بين شفتين عابثتين .. تعيدُني في كل مرةٍ إلى حكايتي ذاتها ..
    ...
    والتي بطلتُها في كلِ مرةٍ ..
    تلك التي ألعنُها كلَ يومٍ!






    De. souleyma srairi
    [/frame][/align][/cell][/table1][/align]
    لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

    تعليق

    • سالم وريوش الحميد
      مستشار أدبي
      • 01-07-2011
      • 1173

      #3
      الأستاذة سليمى
      دمت مبدعة ستكون إن شاء الله سهرة متميزة
      لأنها تتناول قصة مميزة فيها ، محاكاة للعقل ،
      هي تجربة واعية استطاعت أن تخرج عما هو مألوف
      في أدب القصة لتستثير العقل وتحاول أن توصلنا للمضمون عبر كم من التساؤلات
      تغير من حالة القراءة النمطية والتلقائية في النص
      ليجد القارئ حلولا جاهزة من قبل القاص
      ما أن يصل القارئ للنهاية
      هنا في قصة دينا
      تحاول الكاتبة أن تجعل القارئ بنفسه يصل للنتيجة من خلال تحليل الأحداث
      وتفكيكها

      دمت أستاذة سليمى
      وتقديري لمبدعتنا دينا
      على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
      جون كنيدي

      الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

      تعليق

      • دينا نبيل
        أديبة وناقدة
        • 03-07-2011
        • 732

        #4
        أستاذتي القديرة ..

        سليمى السرايري

        لا أجد كلمات توفيكم قدركم ..

        إنه لشرف كبير لي أن تتناولوا قصة متواضعة لدي ، خططتها وأنا متوجسة ، هل ستكون إضافة لي وتقدم في كتابتي أم ..!

        طلقة ..

        ربما اخترت العنوان قبل كتابتي للقصة .. كعادتي !

        ولكن طيلة كتابتي لها .. كم تراءى لي أديبنا الكبير يوسف إدريس وهو يقول .. القصة القصيرة كطلقة الرصاص !

        فكان قلمي الرصاص معي يشطب أكثر مما يكتب ، خشية الخروج عن المسار ، فتضلّ طلقتي طريقها ، وبدلاً من أن توجّه نحو الهدف أجدها توجّه إلى صدري!

        أشكرك غاليتي سليمى على هذا الانتقاء وعلى عملك الدؤوب

        وأشكر من سيتناول قصتي بقراءة أو نقد أو مناقشة

        سأحرص إن شاء الله على التواجد .. لأتعلم منكم أساتذتي

        تحياتي

        تعليق

        • وردة الجنيني
          أديب وكاتب
          • 11-04-2012
          • 266

          #5
          قصة جميلة لكاتبة رائعة/
          احسنت الاختيار الاستاذة سليمى/
          سأحضر باذن الله حال النجاح في التحميل/
          شكرا//

          تعليق

          • سالم وريوش الحميد
            مستشار أدبي
            • 01-07-2011
            • 1173

            #6
            الأساتذة الكرام
            هذا النص النقدي لنص طلقة
            شكرا لكلم جميعا وأرجو أن اكون وفقت في تحليل هذا النص البديع

            بين المعقول و اللامعقول إلى أين تقودنا ( طلقة ) دينا نبيل

            .. مقدمة
            توخيت مواكبة النص في التحليل ، فأن ما أبديته من أراء من خلال التسلسل في طرح أفكاري وآرائي لم تكن نهائية ، لكني أردت أن أسير مع الكاتبة خطوة بخطوة حتى لا أترك ثغرة من ثغرات النص إلا وتناولتها بالتحليل لم أشأ أعطاء رأيي دفعة واحدة بل عمدت إلى مثل هكذا تحليل لنصل سوية إلى المضمون
            النص النقدي
            .... تستهل الأديبة دينا نبيل قصتها بطلقتين وهما كمدخل للقصة ،
            طلقة .. تبتدئه بهما
            وماءٌ يسيلُ .. من بين رجليها يبللُ المقعد ، في الأرضية بركةٌ تغمرُ قدميها ..من الناحية العلمية يمزق عنق المشيمة ويظهر الماء الأبيض وهو دلالة على قرب الولادة،
            طلقة ..
            ودماءٌ تنفجرُ .. بقعةٌ بنفسجيةٌ تعلو فستانها الأزرقَ ، لا تفرقُ كثيرًا عن لون شفتيها ..

            في الطلقة الثانية هي ظهور بقع دموية قد تكون حمراء فاتحة أو وردية داكنة لتعطينا دلالة على حراجة موقفها لأن الولادة أ صبحت وشيكة ، وقد يسقط الجنين في الطريق أو في السيارة

            الاستهلال خروج عن المألوف لأن صورة النقل أتت مشوشة وأن هناك تناقضا بين حقيقة ما حدث وبين مشاهدات السارد البصرية ، فهو بالكاد أن يرى تلك الفتاة ليميز ملامحها وشكلها فكيف بإمكانه أن يرى الماء النازل منها ، والدماء التي كونت بقعة على فستانها ، لذا فأن ما تم سرد ه
            في هذا الاستهلال هو مدخل للقصة وهو بلسان الكاتبة ، عين الرقيب الأخر التي ترى الحدث من زاوية أكثر قربا ، والتي كانت بمثابة البديل للراوي في تهيئة أجواء النص، وشحنه بالأحداث
            وبلغة ( أنا رجل ) ولكون السارد ذكرا لذا فأن تأثيره على النص يكون أكثر تشويقا وعمقا وتأثيرا فيما لو كانت الساردة امرأة لأن المرأة لها معالجاتها التي تمليها عليها غريزتها الأنثوية لذا فقد كان اختيارها لهكذا سرد موفق جدا ،
            ننطلق لنتابع أحداث عنيفة ، مشدودين حتى النهاية ، فما أن تقترب السيارة حتى تبدأ معاناتها وآلامها تزداد وهي تبحث في هذه الظلمة عن منجد
            (( مَنْ هذه المجنونة التي تخرجُ في مثلِ هذه الساعة من تلك الليلةِ العاصفةِ ؟! .. تنتظرُ الحافلة ؟ .. وحدها ؟! .. أين زوجُها أو أحدُ ذكور عائلتها ؟! .. ))

            ، وتدور في خلدنا نفس تساؤلات السائق ، لم هي وحيدة ...؟، تعاني آلام المخاض ، وبرودة الجو في تلك الليلة العاصفة ، والظلمة ، والرعود . وبلا رفيق . ليتبادر لنا أن شيء خفيا أكبر منها هو الذي جعلها تأتي وحيدة بلا معين ، . لقد جسدت الكاتبة مشاهد قريبة من سيناريو فيلم تتحكم الكاميرا في وضعية لقطاته فهي مابين لقطة بعيدة وأخرى قريبة فوضع المرأة وحركة السيارة ، والجو الماطر وعصف الريح وضوء البرق كلها استباقات إجرائية لغرض تحديد اللقطات التي يستند عليها المشهد وجمعها في مشاهد عدة ، ليكون لنا دراما مقروءة مرئية ، الفرق بين قصها وبين كتابة السيناريو إنها تناولت النص بشكل أدبي ، قد لا يحتاجه كاتب السيناريو لأنه معني بالمرئيات.!
            أن هذا التمازج بين مشاهد الطبيعة وتقلباتها والانعكاسات النفسية واضطراب البطل أضفى على النص جوا تراجيديا ، جعل من النص شكسبيري الصياغة في تصويره لمصائب لا تأتي فرادى ، مما أعاد ذاكرتي إلى مشهد من مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير ) (عندما يجتمع المتآمرون يوافق " بروتوس " على اغتيال " قيصر " وفي دراما عنيفة المشاهد
            في صباح اليوم التالي الواقع في الخامس عشر من آذار. و في ليلة الرابع عشر من آذار تضطرب الطبيعة، وتبدو أنوار غريبة في السماء، وتنشق القبور وتسير الأشباح، ويهيمن جو من الرعب على المدينة.))

            فهو يربط بين الهياج وثورة الطبيعة واضطرابها وبين محاولة اغتيال يوليوس قيصر ،

            "ما أفعل ؟! .. إلى أين آخذكِ ؟!" ..

            هي حيرة تلف الرجل الذي ضاعت السبل أمامه لنجدتها ما لذي يفعله وهو يقود سيارته دون هداية ، وفي متاهة صوتها الذي راح يفزعه ، يربكه ويوتره ، التصوير هنا كان في غاية الإتقان
            وكأننا نشاهده بأعيننا ، بل نشارك الفتاة آلامها وخوفها، ونشارك الرجل حيرته واضطرابه
            تصوير يجمع بين التقريرية في النقل ، والألم الجسدي ، والصراع النفسي ، والدراما ، ورغم أن الكاتبة جعلتنا نعيش أجواء من كآبة خانقة ، لكنها استطاعت
            أن تعطينا بصيص ضوء نميز فيه الطريق ،
            وهكذا عودتنا دينا فقصها أراه كأدب يريد أن يقفز من طبيعته المقروءة ليكون كالحياة ، صورة مرئية ، وهذا النوع من الأدب يحتاج
            إلى قدرات فنية وإبداعية قد لا نجدها إلا عند القليل وأرى أن الكاتبة تستمد هذه الإمكانية من مخزونها الثقافي والفكري وقدرتها على التحليل والاستقراء ولكونها ناقدة فهي تستطيع أن تخلق لقصها مقومات نجاحه ، وهي قاصة بارعة تستطيع أن تشد القارئ ليكون جزءا من ثلاثي النص
            ( الكاتب ، و طريقة السرد ، والثيمة .).
            الحوار جاء في غاية الاقتضاب ليكمل الحبكة والتي جاءت بتصاعد تواتري ، وكأنها تخترق طريقا ضبابيا ، ملبدا بغيوم أسرار تلك المرأة التي فككنا بعضا منه ،
            نزلتُ من سيارتي ، أسندتُّها إلى كتفي وهي تسندُ أسفلَ بطنها المتكورِ المنتفخِ بيدها ، جسمُها الباردُ ينتفضُ بين ذراعيّ .. "ما أفعل ؟! .. إلى أين آخذكِ ؟!" ..

            قد يبدو سؤاله ساذجا ، أمام هكذا حالة لكنه سؤال لابد منه ليكون بداية لحديث
            قد تكون هي البادئة بقتل كل ما يختلج نفسه من فضول لتبوح له بالسر الخفي وراء ذلك الخروج المريب ، ولكن الآلام اكبر من أن تبوح بما يخالجها من مشاعر لتؤكد لنا القاصة إن فن القصة القصيرة هو ليس نقلا مباشرا للحدث وإنما هو مشاركة وجدانية تكتمل فصولها بين القارئ والقاص والموضوع , وهي تتناول جوهر المشكلة ولا تهتم بالشكليات والديباجات النمطية التي لازال الكثير غير متحرر منها ، يدفعها إحساس وهاجس نفسي لتناول هذه الأخلاقيات بما لديها من إمكانيات إبداعية ، فهي ترصد الحدث ثم ، تستخدم أدواتها الفنية بتفكيكه وتحليله وفق رؤيا متحررة من تبعات العمل ، بل لها القدرة أن تجعلك أحد شخوص النص
            فأنت الباحث مع البطل عن عناوين الأطباء أو المستشفيات ، وأنت المتوجس خيفة من طريق مشحون بالآلام والبكاء والصراخ ، وتشارك السائق مقود السيارة ، والوقت مشترك معكم في تزامن مع حركة عجلات السيارة ،
            تنقطع أنفاسنا وهذا التصاعد الارتدادي التواتري للحدث لا تترك لك مجالا لأن تجذب تلك الأنفاس ، حتى تصل وإياها إلى نهاية تلك الهواجس التي سيطرت على العمل الفني ونحن منشغلون بالمتوقع والممكن وبالمتحقق ، وكل ذلك مسيطر عليه بإمكانيات عجيبة ، فهي تمسك باللجام جيدا ولا تعطي لقلمها الفرصة بأن يزوغ
            في تشتت نشاز خارج إطار العمل لديها السيطرة الكلية على زاوية الرؤية ومتابعة الحدث بدقة ، والغور في أعماق العقدة

            صراخُها يوتّرُني .. أنسَاني العناوينَ والأماكن!، كلُّ المباني متشابهةٌ .. ضخمةٌ غارقةٌ في صمتٍ عجيبٍ ، يجعلها أكثرَ وحشةً من ظلِّ خلفيةٍ للوحةِ أطلالٍ مقبورة ، تستثيرُ هلعي باقتدار! .. في تلك المدينة الغريبة التي هجرها سكانها هذه الليلة فقط ، لا تتحركُ سوى سيارتي الهوجاء تدورُ في متاهةٍ ، تتعملقُ الدقائقُ ، تضغطُ أعصابي .. تنحتُها بأزميلٍ .. تتساقطُ فتاتاً بسيارتي أدهُسُه ، بينما أنا مشلولٌ على المقود!
            لربما هذا النص وحده ،والذي أضطرني لقراءته عدة مرات وبعمق استبين صوره وأستجلي مكنوناته وبهذه الصياغة الحاذقة التي رسمت به الكاتبة مشاهده وهي تنبض بالحياة والتي اعتمد ت على تصوير فيه محاكاة للحدث وتجسيد بلاغي هو الوصول إلى قمة الإبداع حيث تتعملق الصور الوصفية ويتصاعد الخط البياني للحدث وينمو التوتر الانفعالي الذي أصاب البطل وشل تفكيره ، فاقدا الرؤيا أمام حالة محيرة لا يملك إزاءها حيلة غير أن تسعفه ذاكرته إلى أقرب مكان يلقي به حمل أعباءه
            مشاهد حية نراها بعين لا تزوغ ، بل تشدنا إلى متابعة الحدث ، لأنها تخترق الأعماق ، وتجدك منقاد إلى أن تشارك البطل انفعالاته وحيرته
            أن واحدة من الحقائق الواضحة (هكذا نتصور أو يمليه علينا الواقع ) في مثل هكذا شخصية إنها شخصية لا تمتلك الخبرة في الحياة وليس لها دراية بما يكتنف الليل من أسرار وربما لو أشارت الكاتبة الغاية من خروجه في هذا الليل البهيم ، لربما أعطى النص تكاملا في حلقاته التي أغلقت بإحكام وجعلت من البطلة الوحيدة التي تعاني ،
            ولكن ثمة معاناة هي الأخرى تتجلى في تصرفات البطل المرتبكة ، ( وهذا وحده يثير في دواخلنا مشاعر من الشك والريبة)
            مشاهد تقودنا إلى حالة تبدل سلوكية الفرد أثناء المرور بمحنة
            حيث يمر بعدة أدوار وظيفية
            الصراع حيث تتولد هذه المشاعر نتيجة الحيرة والارتباك ، والتي مر بها البطل و الروادع والموانع التي يمكنها أن تحول دون الوصول إلى القرار الصحيح وهذا ناتج عادة أما من عدم الخبرة ، ووجود موانع و روادع ذاتية ، أو إن ثمة غايات تدور في نفسه
            تتشبثُ بذراعي وتمرِّغُ وجهَها في كتفي ، تسمِّرني في مُدن فزعي التي أجتازُها بمركبتي .. أردتُ قطعَ ذلك الصراخ الجنوني بنزر حديثٍ عاقلٍ .. " من أنتِ؟ .. كيف أتصل بأهلك ؟ " .
            هنا يفقد المنطق لديه قدرته على استيعاب الحقيقة ، بل أن السؤال هنا في غاية السذاجة وهو يوضح لنا ربما حيرته واضطرابه ، كيف لها أن تخبره عن أهلها وهي الهاربة من الفضيحة متسترة برداء الليل بعد أن تمكنت منها ألام الطلق ، فيما فسر لنا ذلك هو أنه حديث عاقل
            ولربما هو كان على معرفة تامة بها لكن الكاتبة أرادت التمويه على الحقيقة بحوار داخلي يحاول من خلاله السائق التنصل من مسؤوليته
            . أحاولُ لَملمةَ شتاتها .. " لمَ تبكين ؟ "
            ليس من المنطق أن يسأل الفتاة عن سر بكاءها ، وهو يراها بهذه الحال إلا أذا كان يخفي سؤالا أخرا ،( وهو إني سأ ذهب بك إلى المستشفى وينتهي كل شيء )


            تمسكُ بأسفل بطنها ترفعُه وتضمُ فخذيها بارتعادٍ .. " لا أريدُ أن ألد ! .. ليتني أحبسُه في ( عُنقي )، تنحشر رأسُه بداخلي فيختنق .. قبل أن أسمعَ صُراخه .. قبل أن أراه .. قبل أن أشتمَ جلده الورديّ ، عندما للدنيا أُطلقُه ! "
            وتبدأ الصورة تتجلى لنا بكل تفاصيلها هنا يتحول الشك إلى يقين لم تكن البطلة إلا امرأة تعيش حالة من القلق ومحاولة للهروب من واقع أقل ما يو صمها بأنها زانية ، طرحتها دينا دون أن تعطيننا مبررا أو سببا لجنوحها ولكنها جعلتنا نتعاطف معها ، لم تكن بنت هوى ، بل كانت ضحية لمن هتك عرضها واستباح جسدها قد تكون نزوة عابرة ، أو تكون محاولة اغتصاب استسلمت لها مرغمة ، أو حالة خداع أوقعتها في شباك محكمة النسج ، تعاطفنا معها ،
            تتكرر صور الحرام في الأدب والسينما فتبقى الصور عالقة في الذهن ،فحين صور فلم الحرام لهنري بركات أحدث ضجة كبيرة في المجتمع لأنه يحاكي واقعا معاشا وكان من الأفلام المتميزة في السينما المصرية لحد هذه الساعة ولازال تأثيره باقيا و تأثير فلم البوسطجي لا يقل أهمية ، وفي الأدب تناول الأديب الكبير طه حسين في دعاء الكروان حالة الفتاة المظلومة ، وكلنا تعاطفنا مع أولئك البطلات لأننا عرفنا السبب أما بطلة دينا فقد بقت شخصية يلفها الغموض وبقينا حتى النهاية باحثين عن الأسباب وراء سقوطها في براثن الخطيئة
            ....

            طلقة .. طلقة ..
            يسيلُ الماء .. تنفجرُ الدماء ..
            بركةٌ في أرضية السيارة .. وبقعةٌ على الفستان ..
            وأزرارُ الفُستان على عجلٍ تفكُّها .. قد استعرَ جسدُها .. تَرْشحُ من الثنايا .. تجتاحها الرّجفات ، يعلو الصُّراخ وتمسكُ ببطنها .." لا .. لا تنزلْ !!"

            وتتضح في هذه اللقطة حالة كانت متداخلة في النص تبدو غير منسجمة مع واقعية السرد وتثير تساؤلا منطقيا ـ وهو كيف أن السائق رأى هذه التفاصيل الدقيقة رغم الظلام الدامس ولم أشأ أن أكشف الحقيقة حتى يصل القارئ معي إلى هذه النقطة ليكون هناك عنصر شد ولا أريد فضح مكنون النص في البداية ، حيث أن دينا بدأت السرد من ما بعد البداية بقليل فرسمت لنا صورة بالفلاش باك لتصورات السائق قبل أن يركبها السيارة ، وما أن وصلت إلى البداية التي بدأت منها في استهلال القصة حتى استرسلت بالسرد الطبيعي وهي تقنية جديدة في القصة القصيرة حاولت فيها التمويه على القارئ لتذويب الفاصل الزمني بالحدث


            - "سننزلُ ! .. هيا ، ها هو المشفى !"

            تأبَى .. يجذبُها بكلتا يديه .. تتشبثُ بالمقعد وتصيحُ في وجهه .." دعني أموتُ هنا ! ".. يحاولُ إخراجها من السيارة وهي تسحبُ نفسَها إلى الداخل .. تجلسُ مستعرضةً لتنحشرَ في الباب ..

            تخشى عالماً سيتغيرُ فيه اسمها .. تحزرُ أن توسمَ بختمٍ لن يبارحَها
            الحدث هنا يظهر لنا بثلاث أبعاد كل مشهد منه هو محاولة قد تفضي للخلاص
            الخلاص من هذا الجنين ومن هواجسها وآلامها
            رغبة السائق في أن ينتهي من ذلك الواجب الذي فرضته عليه الصدفة وإنسانيته وربما شيئا خفيا بعد أن قدم ما عليه ،
            محاولاتها أن تضع حدا لأقاويل الناس وما سيحدثه هذا الإنجاب من وصمة عار ستكون لصيقة بها ..
            حين تنفصلُ عن بناتِ جنسها اسماً ومضموناً ..
            حين تتصلُ بوليدها بذاك الحبلِ ( السِّري ) كأمٍّ عرجاء ..
            حين ترسفُ مترعةً بالألم في حجرِ أمومةٍ شوهاء .
            تتحول تلك الولادة إلى أحساس بألم من نوع آخر ألم نفسي يتراوح بين الشعور بالذنب والإحساس بالنقص وكونها ستصبح منبوذة لأنها لم تعد تنظر بعين المساواة مع بنات جنسها فستصبح هي حاملة لعارها بأحضانها ، ترى خطيئتها بعينيها ، العلاقة التي تربطهما علاقة تخفي ورائها سر وجوده فهي لم تعني بالحبل السري ذلك الذي يربط الجنين بالمشيمة بل هو ذلك السر الذي سيكون ملازما لهما طيلة حياتهما
            ...

            كم هي عسيرةٌ إزاحتكِ ! ..
            مؤلمٌ خمشكِ إياي !

            أ تُراهم يُسرعون نحوي يخلصُونني من مخالبها المستحكمة ؟! .. يشدُّونها من ذراعيها ورجليها ليجلسُوها على كرسيٍ مدولبٍ .. يمرقون بها وسطَ سيولِ الأمطار .. العجلاتُ تنزلقُ بين طينٍ وماءٍ .. وقطراتِ دماء .. يُشظِّيني أزيزُها تحت دورانها المرتجف ..
            ....نعم الإزاحة عسيرة ،
            وفي تصوير مشهد يقترب من سيناريو أفلام الأكشن ،تتحول الكاتبة من تصوير سردي بطيء الوقع إلى أحداث متسارعة ومشوقة تشدنا إليها بلهفة تجعل أنفاسنا تتسارع لنصل إلى الغاية
            التي تريد ها الكاتبة فهي تصعد الخط البياني الوظيفي للنص إلى الذروة وفق تقنية مستوحاة من السينما ، فهي لم تقدم مشهدا مترابطا بل قطعته إلى مقاطع على طريقة المونتاج السينمائي لتشكل بمجموعها تشابكا في الرؤى وحيرة ليس لها حدود عبرت عنها البطلة بمحاورات داخلية (مونولوج داخلي )و محاولات حثيثة (تصوير خارجي لمشاهد قريبة )لإنقاذ الفتاة من قبل الفريق الطبي ورغبة للسائق بأن ينهي تلك القصة ليطمئن إلى إنها قد تعدت مرحلة الخطر ،
            وربما مشهد عملية الولادة هي أشد المشاهد قسوة فهي لم تصور أطباء بل أوحت لنا بجزارين يحيطون بذبيحة يحاولون تقطيعها إربا ،إربا . وقد صورت هؤلاء الأطباء بلا رحمة ولا قلوب ،فهي شبهت تحلقهم بها بأنه تكالب
            وشبهت المريضة بالذبيحة ، أذن هناك غاية من وراء هذا التشبيه وهذه الغاية لم تكن وجهة نظر القاصة بل هي نظرة الفتاة إلى الأطباء ، فهي لم تشعر بأنهم سيخلصونها من عذاباتها بل هم من سيكشفون عن ما كانت تخبئه من فضيحة تكورت في بطنها وأخفتها عن عين راصد أو رقيب طيلة هذ ه الأشهر ، هي شعرت بأنهم كمن يساهم في قتلها ، وذبحها فربما تلك المشارط ستكون خناجرا بأيدي أهلها سيقطعونها ويمزقوها إربا ، إذا ما أتت بدليل خيانتها بيدها
            السائق لم يكن شاهد عيان على تلك الولادة بدء من دخولها إلى المشفى وحتى دخولها ردهة الولادة بل هي إيحاءات و تصورات ذهنية راح يتوقع حدوثها
            أوقد يكون القصد حاضرا وإن الكاتبة أرادت أن تنقل شكلا من أشكال التخاطر الذهني بين السائق والفتاة ، وهي تستعيض بهذه التصورات عما يدور في خلد الفتاة التي ستشغلها آلام المخاض عن كل تفكير لذا أرادت من السائق أن يتكلم بلسان حال الفتاة ، وهذا ما أعطى النص حالة من السريالية السردية ، فالنص يبدو وكأنه يدور في دوامة اللا معقول


            -- "ها هو الرأسُ ..! .. هيا .. ادفعي لأسفلَ قليلاً ! .. تنفّسي ! "
            تتم الولادة وتنتهي رحلة الآلام وينزل مؤشر الحدث إلى المستوى الذي بدأت منه الكاتبة ، بل تجمدت الحركة في النص ، حتى بدت رتيبة ، وتموت البطلة ، ويكون السائق هو الكافل لأبن الحرام هذا ،
            وكأنه هو المسئول عما حدث ، يقودنا الشك إلى عدة تساؤلات
            تقربنا من هذه التخمين إنه أب لهذا الولد
            قد يفرز الواقع حالات إنسانية ولكن في مثل هكذا حالة لا يقدم الشخص على خطوة أكثر من إيصالها إلى المستشفى ليتولى بعد ذلك المعنيين رعايتها فقد يخاف الرجل أن يكون عرضة للمسائلة القانونية ، وربما اتهام يتهم به ،
            من قبل عائلتها بأن يكون هو الجاني ،لذا فما أن يوصل الفتاة حتى يتحين الفرصة للهرب من المسؤولية ، ورغم ذا فإن مثل هذا الفرض قد لا يكون عاما لأن الإنسان قد يقدم على حماقات قد تؤدي به إلى حتفه ، وهذا مالا أريد التوغل به لأن بعض الأخوة النقاد يريد فرض رأيه على الكاتب وجعل ماهو عام حالة خصوصية ، ولكن الذي يقوم بعملية الولادة يبتسم له وسيعطيه الأذن برؤية الوليد ، والاقتراب من الفتاة ، وثمة لهفة في داخله لم يفصح عنها تشده لرؤية هذا الوليد ، أهي رغبة بالفضول ..؟ أم غريزة الأبوة
            يخرج به يلفه ويضمه بشغف لا يعرف أين يذهب ، لا يعرف وقد دفع إليه دفعا ، دون أدنى سؤال ، طفل قد يكون عمره ساعات يخرج من المستشفى مع شخص مجهول الهوية ، أخذه دونما أي استعداد لتبنيه ، يترك المرأة مسجاة تحت كشاف أضواء غرفة العمليات ،
            القصة تسقط الكثير من الحسابات المنطقية المفروضة ، فبين المعقول والمفروض والواجب تسقط كم من الحقائق والتي تجعلنا ندور في تيه وعدم دراية
            وهنا تعاملت الكاتبة مع القارئ أما على أساس العفوية ، وإنها أعدت النص للقراءة فقط دون أن تترك لنا مجالا بأن نسأل ، أو إن غاية خفية تكمن وراء الأحداث
            ولكن كاتبة مثل دينا لا أعتقد إنها تستهين بذكاء القارئ لذا فالعقدة
            تكمن في هذا الإصرار على المتابعة وإن جعلت من عملية التخاطر الذهني كطريق لإيصال أفكار الفتاة ، وهذا أيضا يقودنا إلى حقيقة مفترضة أن مثل هذا التقارب الذهني لابد وأن يخفي وراءه سرا
            انهيار الرجل من هول ما شاهد بعد أن سرى خدر في جسده الطفل يبحث عن صدر دافئ يطعمه ، لكنه يموت ، لتنتهي الحكاية ، وربما ينتهي النص ونرتاح من عناء رحلة طويلة بين شد وجذب ، ولكن السطور الأخيرة جعلت للحكاية بدايات أخرى
            ستولد من جديد
            البطل أراد طلقة تنسف رأسه لتخرجه من عذاب ضمير دائم من عالمه الموبوء بالخداع والإيقاع بالنساء والغدر بهن ، فلم تكن المرأة تلك هي إلا ضحية له ولم تكن ضحيته الأولى بل سبقتها ضحايا أخرى ، ولم يكن الطفل هو الأسود المعدني ، بل إن المقصود به أفعاله هو ـ لذا فهو يراها سوداء قاتمة ، نعم فمن هول ما رأى تكشفت له حقيقة أعماله وطيشه فانقشاع الغيامات هي صحوة من الضمير لديه
            هذا الضمير الذي ظل غائبا عنه وكان يقول له
            بأن أفعاله لا تأتي إلا من أبن حرام
            كان في حالة تأنيب لنفسه ، جعله يتمنى الموت
            هذه الحقيقة تعيده إلى ذات الحكاية التي تتكرر كل حين في ضحية أخرى من ضحاياه ، وكم هن أولئك الضحايا لا أحد يعرف يختم حواره الداخلي بهذه الكلمات
            والتي بطلتُها في كلِ مرةٍ ..
            تلك التي ألعنُها كلَ يومٍ! "

            أي شيء يلعنه غير تلك النزوة العابرة وهذه الشهوة التي سيطرت عليه وحولته إلى قاتل ومجرم ، أذن فصاحبنا لم تكن إنسانيته هي التي جعلته يقدم على محاولة إنقاذها ، وأن كم التساؤلات التي وضعتها في التحليل كانت في حسابات الكاتبة ، حيرة البطل ، لم تكن جهلا منه بل لأن في رأسه يحاك مخطط أخر ربما قتلها لتموت الجريمة وتدفن معها
            تقديري للجميع
            ولأديبة واعية تحترم وعي القارئ وذكاءه
            على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
            جون كنيدي

            الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

            تعليق

            • دينا نبيل
              أديبة وناقدة
              • 03-07-2011
              • 732

              #7
              أ / سالم وريوش الحميد
              الناقد المبدع ..


              مقال نقدي متميز قد لامس الكثير من النقاط التي أردت .. والأهم أنه لا ( يحرق ) المفاجأة والتشويق في القصة
              فأحسنت وأحسنت
              وحقيقة لقد تفاجأت عندما نوهت عن مشهد يوليوس قيصر لأثيري وليم شكسبير ، صدقني لقد تراءى لي مشهد اغتيال قيصر أثناء الكتابة ولا أدري لمَ ؟! .. لاسيما عندما تناثرت الدماء على المسرح وقد أُعلن مقتل الطاغية ليدوي المسرح بعدها بالتصفيق !

              فكانت المفاجأة أن تذكره هنا كما لو كنت دخلت إلى عقلي ! ..
              وهكذا الناقد الحاذق يعلم عن الكاتب دون أن يسأله ولا يعرف عنه مسبقا ويستشف ذلك بذائقته ورهف حاسته النقدية

              وكنت أحبّ في هذا المقام أن أُذكّر بأنه قد عُملت قراءتان نقديتان على القصة ذاتها ، فأضع الرابطين هنا لاثراء النقاش وتقديم وجهات النظر المختلفة ..


              القراءة الثانية للقاص المبدع أ / أحمد عيسى
              وهي المشاركة رقم 23 في متصفح القصة ذاته
              http://http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?96000-طلقة-..-دينا-نبيل/page3

              تحياتي لكم أساتذتي الفضلاء

              ولمعلمنا القدير القائم على الأمر أ / ربيع عقب الباب

              تعليق

              • سليمى السرايري
                مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                • 08-01-2010
                • 13572

                #8
                قراءة الأستاذ ربيع عقب الباب



                النص جميل جدا .. جدا
                و متواتر
                و اللغة كانت مدهشة
                و الإحساس كان عاليا
                و التفاصيل كلها كانت تبني للحالة
                و لم يجفل منك حرف واحد ، أو يشذ
                و الرؤية كانت في حالة الصراعية ما بين هذه و الولادة
                فهل كانت تتحسس جريمة في ولادتها ؟
                و لذا ما كانت تحب أن تكون
                و كانت تتمنى ، بل تصر على قتلها في مهدها ؟
                ربما
                لأنها الام التي هي بؤرة الحدث
                بل هي رحمه الذي تربى فيه

                لننظر هنا إلي الرؤية الت كانت الأكثر غموضا في العمل
                و التي كانت الرد الطبيعي لمحاولات الام و صراعتيها مع الولادة

                أدثّرُ ذلك الوليد الذي فتحَ فاه وأداره نحو صدري ، فلا يجدُ سوى ثيابي المبتلة .. راح يلكزُني بقدميه الصغيرتين .. أين أذهبُ به ؟.. أجسّ أطرافَه .. بدأت تبردُ .. تتيبسُ .. تتمعدنُ .. أسحُّ فوقه .. عبراتي تقرعُه .. سوادٌ ثقيلٌ بلا هواء يتوسدني ، فتغمغم الأصواتُ من حولي ، لم أعد أعي ما أسمعُ سوى نشيجي المتقطع ..

                أقلّبُه من جميع الجوانب .. والآن أراه بعد أن انقشعَت الغياماتُ عن عينيّ .. أسودَ معدنيّاً .. فاتحاً فاه في وجهي بلا صوت .. أتعجّلُ مِنْ فِيه طلقةً تُخرجني من عالمي ..
                فينتظرني أن أضغطَ على زناده لينفجرَ في وجهي ! .. كانفراجةِ " أنت ابن حـــرااا ..! " من بين شفتين عابثتين .. تعيدُني في كل مرةٍ إلى حكايتي ذاتها ..
                ...
                والتي بطلتُها في كلِ مرةٍ ..
                تلك التي ألعنُها كلَ يومٍ!\

                ربما هنا توقفت كثيرا
                و أعدت القراءة لأن الأمر هنا بدا أكثر فنتازية
                و إن تلمس الواقع و دب على أرضه بقدم ثابتة
                ليقدم رؤية مجردة و ربما اكثر جنونا و سحرا
                كأن يكون وليدا بذيل مثلا
                أو ليدا لا يمت لعالم البشر في شىء
                و ربما إلي الآن أنا في حاجة إلي قراءة ثانية لأرى أكثر و أكثر !

                كنت قاصة مبدعة
                فشكرا لك

                تقديري و احترامي
                لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                تعليق

                • سليمى السرايري
                  مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                  • 08-01-2010
                  • 13572

                  #9
                  قراءة الاستاذة بسمة الصيادي




                  الأستاذة دينا الغالية

                  لا أخفيك عزيزتي ..انتظرت أن تكون القصة مثبتة لكي أعود وأعلق
                  لأنها تستحق التثبيت وكل الاهتمام!
                  رائعة قالبا ومضمونا
                  الفكرة كانت كالرصاصة القاتلة
                  والقفلة قوية جدا
                  لم ينته الوجع بعد الولادة ولا عند موتها
                  بل بدأت صفحة جديدة من المآساة الحقيقية
                  في مجتمع يحمّل الضحية دائما الجرم
                  أنت ابن حراااا..م!
                  يا له من فرقا ..بين حرا ..وبين حرام
                  هذه الميم هي ميم العبودية . ميم العار
                  أحدثت كل الفارق .. وكانت سبب اللعنة على تلك المسكينة
                  أقول مسكينة لأننا لا نعرف قصتها ..
                  ربما جنت عليها يد ظالمة ..ربما ..وربما ..
                  وعلى إنسانيتنا أن تأخذ بالأسباب !

                  أتعلمين ... هناك في العالم طفل يولد مجهول الأب ...ويسمى بابن الحرام
                  وطفل يولد ووالده سرق البلاد ..تغذى منذ ولادته على "الحرام"
                  فما الفرق يا ترى؟؟
                  ولماذا علينا أن ننصب أنفسنا قضاة دائما .. !

                  تلك المرآة الغامضة التي وجدت على طريق الحياة
                  حملت في أحشائها سرا ..لم ترده أن يرى النور لأنها أدرى بما تحمله له الحياة

                  أما في ما يخص الأسلوب
                  فحقا كنت مدهشة سيدتي ..اللغة الجميلة..
                  التشويق .. الغموض .. جو النص ..
                  فقط هناك نقطة استوقفتني هنا:

                  .. تحاولُ الفرار .. يلقون بأنفسهم عليها يثبتونها في الأرض كمجرمٍ رهنَ الاعتقال .. يتكالبُون عليها .. على الذبيحة ! .. كلٌّ منهم يتناولُ طرفاً .. وذاك أسفلها يطالبُها أن تفتحَ رجليها ..!


                  لم أفهم تماما المشهد .. هي أثناء الولادة .. بين أيدي الممرضين ..فلماذا تكالبوا عليها وهم أرادوا إنقاذها وإنقاذ جنينها!
                  كانت نظرة عدائية من قبل الشخصية ..ربما لهذه أبعادها النفسية !

                  كانت طلقتك صارخة دينا
                  مبروك لنا هذه القصة
                  أتمنى لك مزيدا من التألق
                  محبتي


                  لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                  تعليق

                  • سليمى السرايري
                    مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                    • 08-01-2010
                    • 13572

                    #10
                    قراءة الأستاذ أحمد عيسى



                    طلقة دينا نبيل



                    طلقة موجعة تسددها دينا نبيل ، تلك القاصة البارعة ، طلقة محكمة تصيبنا فتذهلنا ، توترنا ، تضعنا أمام المرآة ، نستذكر كل غلطة ندمنا عليها ، كل جريمة تمنينا لو لم نفعلها ، كل فعلٍ كان وقعه كالولادة ، فعل يترتب عليه عواقب وخيمة ، لا يمكن لنا أن نتراجع عنها ، وكم هي الأخطاء كثيرة ، وكم يكون مؤلماً حين يكون للخطأ تبعات ، لا يتركنا لضميرنا وحسب ، بل يكون ممزقاً في ذاته ، قاسياً في تبعاته ، عنيفاً في ردات فعله

                    تلك هي القصة القصيرة

                    وكما عرفها ادريس ، هي كالطلقة ، كفرقعة اصبعي السبابة والابهام ، فنحدث الفرقعة الشهيرة ، تدوي في المكان ، بغتةً ، دون سابق انذار

                    درس في القصة القصيرة ، يصلح لأن يكون أنموذجاً لها ، وأن نتعلم منه أساليبا متفردة ، نصنع من القصة القصيرة رصاصة ، نصيب بها الهدف .

                    طلقة :
                    العنوان المدهش ، مبهماً منكّراً ، ليحقق الشرط الأساس في العنوان ، تحقيق الدهشة واثارة التساؤل ، يعبر عن القصة ولا يفضحها .

                    وماء يسيل .. من بين رجليها يبلل المقعد ، في الأرضية بركة تغمرُ قدميها
                    ومقدمة تسبق بداية النص ، كأنها قفزة استثنائية ، الى الحدث الأهم ، لحظة الذروة قبل أن تبدأ القصة حتى .
                    ماء يسيل ، بين رجليها ، ليبلل المقعد ، وتساؤل منذ السطر الأول ، من هي ، وأي مقعد هذا ؟ ومتى وأين ؟
                    فنقفز عبر السطور ، الى مقدمة أخرى ..
                    ودماء تنفجر .. بقعة بنفسجية تعلو فستانها الأزرق ، لا تفرق كثيرًا عن لون شفتيها
                    اذاً ، فهي الولادة ، بقعة بنفسجية ، وفستان أزرق ، ولون شفتين يشبههما ، شاحبة صاحبتهما ، وبداية البداية تزداد غموضاً ، تصحب معها الكثير من التساؤل ، أسئلة تجيب عنها فيما بعد ..

                    لم يرعبني منظرها هكذا .. فقد تلقيت الصدمة كاملة أول ما أبصرتها !
                    فتاة وحيدة في الشارع ، وفي مثل هذا الوقت ، وفي مثل هذه الحال ، ظروف تحقق ذهول من يراها ، الصدمة كاملة كما تصفها الكاتبة ، هزيلة وحيدة في ليلة عاصفة كئيبة ، وفوق مقعد خشبي قديم ، وفي مكان لا يجدر بها التواجد فيه ..
                    فتاة يتكور بطنها أمامها ، ليزيد من حالة الدهشة ، للقارئ ، والراوي على حد سواء ...!
                    " لا أريد أن ألد ! .. ليتني أحبسه في ( عنقي )، تنحشر رأسه بداخلي فيختنق .. قبل أن أسمع صراخه .. قبل أن أراه .. قبل أن أشتم جلده الوردي ، عندما للدنيا أطلقه ! "
                    ....
                    تبدأ الدهشة تزداد فجأة ، لكنها أيضاً تفسر نفسها رويداً رويداً ..
                    أي مبرر يجعل امرأة لا تريد احساس الأمومة ، لا تريد لابنها أن يرى النور ، لا تريد له أن يخرج
                    بل وتتمنى أن يختنق ، أن يموت ، أن ينحشر داخلها فلا يبدو رأسه من بين ساقيها ، مبررٌ نبدأ في فهمه تدريجياً ..
                    البداية قوية ، عنيفة ، بداية تحقق لنا كل ما تعلمناه عن القص ، فالبداية الناجحة تخلق قصة ناجحة ، حسب بو وحقي وغيرهم كثر من أعمدة القص في العالم ، هنا نكتشف مع دينا نبيل عدة بدايات ، متفاوتة في المرحلة الزمنية ، متقاطعة مع الحدث الرئيسي ، كأنها قفزة زمكانية الى الوسط ، الى الذروة ، وبؤرة الأحداث ، مما يجعل المتلقي في حالة مثالية من الانتظار والترقب .

                    تأبي .. يجذبها بكلتا يديه .. تتشبث بالمقعد وتصيح في وجهه .." دعني أموت هنا ! " .. يحاول إخراجها من السيارة وهي تسحب نفسها إلى الداخل
                    القصة كلها كانت عبر أسلوب المتكلم \ الراوي الداخلي \ الراوي النفسي
                    هذا يقودنا الى استباق التحليل والتحدث عن أسلوب السرد ، هنا وعبر محطات القصة كلها ، ما عدا المحطة التي اقتبستها كانت دينا تتحدث بلغة المتحدث وأسلوبه ، هذا راوي يسرد لنا الحدث ، راوٍ هو البطل الثاني في القصة ، والقصة كلها نراها عبر عينيه هو ، واستخدام هذا الأسلوب كان مناسباً لجو القصة النفسي ولخلق حالة التشويق ، ومشاركتنا تساؤلات ودهشة الراوي مرحلياً حسب انفعالاته .
                    لكن المقطع المقتبس حمل تغيراً في الأسلوب ، فصار هنا بأسلوب الراوي العليم \ الراوي الخارجي \ الموضوعي \ المسقط الثالث ، وكما يصفون هذا الأسلوب بمحرك العرائس ، فالكاتب هنا يضع لمسته وأسلوبه بطريقة ذكية ، دون أن يبدو تدخله ظاهراً للعيان ، يبدو محايداً ويترك الحكم للقارئ ..
                    غير أن وجود هذا المقطع الوحيد بهذا الأسلوب ، يجعلني أشك أن هذا ليس تبدل في الأساليب تعمدته دينا ، وربما كان نتيجة سهوٍ ، فان لم يكن كذلك ، فان استخدام أسلوبين كان –حسب رأيي – يجب أن يكون بالتتابع ، والتنقل بين المشاهد عبر تغيير الأسلوب ، لا أن يتم حشر هذه الفقرة الوحيدة بهذا الأسلوب مخالفة جو القصة كله ..

                    تحاول الفرار .. يلقون بأنفسهم عليها يثبتونها في الأرض كمجرم رهن الاعتقال .. يتكالبون عليها .. على الذبيحة ! .. كل منهم يتناول طرفاً .. وذاك أسفلها يطالبها أن تفتح رجليها ..!

                    الراوي هنا تماهى تماماً مع الحالة النفسية للمرأة ، كأنه صار يرى بعينيها ويشعر بها ويسمع بأذنيها ، كأنه صار هي .. لهذا رآهم كما رأتهم ، يتكالبون عليها ، كلمة لا يجوز اطلاقها على أطباء أقصى غابتهم انقاذ المريض ، ووصفهم كأنهم جزارين كل منهم يتناول طرفاً من الذبيحة ، وصفٌ غير مبرر ، الا من زاوية الحالة النفسية للمرأة ، ووصول حالة الاشفاق من الراوي حداً جعله يشعر بها ، ويتألم مثلها ، ويعاني كما تعاني ، قد نقول أخفقت الكاتبة هنا أو كانت عبقرية في تلك اللقطة ، نظرة تختلف باختلاف القراءات ووجهات النظر ، ولا يمكننا أن نطالب الكاتبة بالتبرير ، لكننا مطالبون نحن بالقراءة والاستمتاع حسب رؤيتنا وحسب .

                    يلفّون قطعة لحم حمراء في منشفة كبيرة يأخذونها بعيداً.. تزعق على أمها .. أمها التي غابت عيناها في ضوء الكشّاف المسلط عليها .. حتى .. ألقيت الملاءة على وجهها بلا اكتراث

                    الحدث الأهم في القصة ..
                    المرأة تموت ، القطعة الحمراء ( الطفل ) يلف بالمنشفة ، ليصبح بين يدي الراوي في المقطع التالي ، دراما حزينة تجرنا لها الكاتبة ، حالة سوداوية كان لها مبرراتها أدبياً وربما لم تكن ذات المبررات الطبية ، هل الرفض والرغبة في الموت كافيان لنيل الموت ؟
                    ربما ، فكل شيء جائز ، في الأدب ، وفي المنهل الأساس للأدب .. الحياة !

                    والآن أراه .. أسودَ معدنيّاً .. فاتحاً فاه في وجهي بلا صوت .. أنتظر مِن فِيه طلقة تخرجني من عالمي ..
                    فينتظرني أن أضغط على زناده لينفجر في وجهي ! .. كانفراجة " أنت ابن حـــرااا ..! " من بين شفتين عابثتين .. تعيدني في كل مرة إلى حكايتي ذاتها ..

                    لم أكن مع الراوي هذه المرة ، لم أعرف كيف يراه هكذا ، الطفل البريء ، بذنب لم يرتكبه ، وجرم لم يشارك فيه ، وخطيئة لم يكن له فيها أي يد ، هذا ملاك بريء مهما كان نسبه ، ولم أعرف كيف يتحول الى اللون الأسود ،
                    ولم نكن بحاجة الى الصرخة المجتزأة : أنت ابن حرااا ... لكي نعرف
                    فقد عرفنا منذ البداية ، لكنها كانت صرخة كافية لنستيقظ من استنتاجاتنا على وقع الحقيقة التي توقعناها ولم نتمناها .. هو ابن غلطة واحدة ، لحظة نشوة ، ساعة متعة ، جاء هو نتيجتها وماتت والدته ، وكان مصير والده غامضاً كغموض البداية ..
                    أما ما بعد ذلك / والتي بطلتها في كل مرة ..
                    تلك التي ألعنُها كل يوم!

                    فقد كانت عبئاً على القفلة ، وربما لو كانت النهاية عند اللحظة التي يسقط فيها الطفل بين ذراعيه ، ليخرج من المستشفى يحتضنه ، لكان أفضل ، وتلك آراء تختلف باختلاف القراءات
                    غير أن القصة نجحت وبامتياز ، في أن تسرق كل تفكيرنا دفعة واحدة ، وأن تسيطر على انفعالاتنا وتقودنا حيث أرادت ، الى ذات المرآة التي تحدثت عنها ، لنتأمل أنفسنا ، ونفكر في العواقب ، ولأول مرة ، قبل ارتكاب الفعل بكثير ..

                    أحييك أديبتنا القديرة ، فقد أجدت ووفقت ، وقلمك الواعد يحقق الأفضل كل مرة
                    كل الود وأسمى آيات التقدير .

                    لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                    تعليق

                    • سليمى السرايري
                      مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                      • 08-01-2010
                      • 13572

                      #11
                      قراءة الأستاذ محمد سليم
                      قراءة فــ( قص الطلقة / للقاصة دينا نبيل)

                      : محمد سليم
                      عزيزي القارئ,,هل قرأت النصّ جيدا؟,,
                      أقرأته قراءة أولية وحيدة واكتفيت..أم عدت له مرة أخرى بقراءة ثانية؟..وما هو إحساسك كقارئ بهذا النصّ كقصة قصيرة؟هل وصل لك مدلول العنوان وفحوى القص واستوعبت الغاية والهدف من الحكي؟..أقصد استمتعت بالقراءة وشدك القصّ؟..وبمعنى ثالث هل عشت دقائق النصّ وتنقلت مع "الكاتب"كأنك ترى الأحداث والشخوص ماثلة أمامك؟..كل هذه الأسئلة وغيرها هي مقياس جودة أي قص كحكي وبناء قصصي.........
                      الآن دعنا..نسير مع " المدعو؛ سرد "لنرى خطوة خطوة المشاهد المكونة للحبكة..ونتحسس المفردات .وقبل ذلك
                      أرجوك أسمع مني بدايةً :
                      عنوان القص
                      ( طلقة)..
                      مفردة وحيدة,تقرأ فقط كمفردة ذات دلالة مطلقة ..طلق يطلق طلقة..رصاصة قاتلة..وطلق المرأة الحامل أثناء الولادة لدفع الجنين إلى الحياة والمفرد طلقة..إلى آخره من معاني تتوارد بالذهن أثناء القراءة ,,ولنسأل أنفسنا بادئ ذي بدئ لم اختارت الكاتبة طلقة بتاء مربوطة كمفردة ولم لم تعنون القص بــ طلق كمفردة جامعة؟..,,
                      قطعا كلنا قرأنا أسم القاص" الأستاذة دينا نبيل" ومنه سنتوقع أن السرد يكون على لسان أنثى وليس رجلا " هذا أمر بديهي..يتوقعه أي قارئ عند قراءة مسمى كاتب النصّ"
                      ومن ثم يلج النص ومعه جنوسة الكاتب في البال والعنوان الذي قرأ"..أو هكذا أفعل "أنا" على الأقل...,,ما علينا ..المهم لنكن فــــــــ.........
                      السرد والحكي؛
                      بداية ..نُطالع؛
                      ((
                      طلقة..
                      وماءٌ يسيلُ .. من بين رجليها يبللُ المقعد ، في الأرضية بركةٌ تغمرُ قدميها ..

                      طلقة ..

                      ودماءٌ تنفجرُ .. بقعةٌ بنفسجيةٌ تعلو فستانها الأزرقَ ، لا تفرقُ كثيرًا عن لون شفتيها
                      ..))
                      ... هنا
                      ,ولا شك
                      معنى فردة " طلقة" تتضح للقارئ أنها طلقة للولادة ودفع للجنين خارج الرحم..ولا بد أن "القاص / القاصة" كان يتأمل ويتفحص ما يختار من قول"مفردات مدوّنة مكتوبة"أثناء تخيله للحدث.. وأيضا كان يريد مني كقارئ أن أتخيّل المشهد معه وما يريدني أن أراه بعينيه كمشاهد مسلسلة مُرتبة,,......بدأت القاصة النصّ بتشويق لافت لـ "تُجرجرنا معها بالسرد لنحل مقدمة اللغز"..ثم..وبالفقرة التالية ظهر ضمير الأنا المتحدث..ولــ تعترف القاصة –الراوية-بلسانها أنها لم يرعبها هذا النظر هكذا لأنها تلقت الصدمة أول ما أبصرتها..,,ولنسأل:أهي صدمة وجود فتاة تلد في جو عاصف وبالشارع وهي تطرق المقعد بكفيها و تنتظر الحافلة أم هي صدمة بمعنى آخر ستعرفه فيما بعد؟ولم صدمة؟..و.. هنا تصوير للحدث عن قرب ليس فقط من راوية للحدث بل كمشاركة فيه " عن قُرب" !؟...( حيث لن تقترب من المرأة أولا لتعرف ما أمرها)..

                      المهم..

                      ((لم يرعبني منظرُها هكذا .. فقد تلقيتُ الصدمةَ كاملة أول ما أبصرتُها ! ، بالكاد أتفرَّسُها تحت وميض البرق .. هزيلةٌ تشدُّ شعرها الطويل المتهدِّل المبتل ، لا تفترُ عن طرقِ المقعد الخشبي بكفيها .. رأسُها إلى السماء ، يُرجّع صراخها صدىً يلاحقُ الرعد .. مَنْ هذه المجنونة التي تخرجُ في مثلِ هذه الساعة من تلك الليلةِ العاصفةِ ؟! .. تنتظرُ الحافلة ؟ .. وحدها ؟! .. أين زوجُها أو أحدُ ذكور عائلتها ؟)).........

                      ((أتلفَّتُ حولي عساني أجد لها نجدةً ، لم يكنْ غيري ..
                      نزلتُ من سيارتي ، أسندتُّها إلى كتفي وهي تسندُ أسفلَ بطنها المتكورِ المنتفخِ بيدها ، جسمُها الباردُ ينتفضُ بين ذراعيّ .. "ما أفعل ؟! .. إلى أين آخذكِ ؟!" ..))..
                      لاحظ
                      أنها نزلت من سيارتها!..لم؟..
                      لأن الليل عاصف والبرق شديد وصدي الصرخة يلاحق الرعد..ووكأنه كان ولا بد أن توجد سيارة لترى من زجاجها بهذا الجو العاصف الراعد العاصف البارق!.. ولــ تتأمل تلك المرأة على الرصيف من سيارتها!..ولتوصفها لي كقارئ أنها تلد ببداية النصّ!,, أذن هنا حكي أو حبك قصصي غير مقنع..وبغير دليل من سرد يقنع القارئ ويمهّد له ؟,,وتتلفت حولها علها تجد مسفعا ثم نزلت من السيارة لتلهفها وتساعدها !!,,وطبعا وهى تعلم أن المرأة تلد وتطلق طلقاتها ببداية المشهد الأول ومقدمة القصّ !..........

                      ((صراخُها يوتّرُني .. أنسَاني العناوينَ والأماكن!، كلُّ المباني متشابهةٌ .. ضخمةٌ غارقةٌ في صمتٍ عجيبٍ ، يجعلها أكثرَ وحشةً من ظلِّ خلفيةٍ للوحةِ أطلالٍ مقبورة ، تستثيرُ هلعي باقتدار! .. في تلك المدينة الغريبة التي هجرها سكانها هذه الليلة فقط ، لا تتحركُ سوى سيارتي الهوجاء تدورُ في متاهةٍ ، تتعملقُ الدقائقُ ، تضغطُ أعصابي .. تنحتُها بأزميلٍ .. تتساقطُ فتاتاً بسيارتي أدهُسُه ، بينما
                      أنامشلولٌ على المقود!))....
                      المهم

                      لا أدري كيف دخلت تلك المرأة الحامل للسيارة ..المهم هي بالسيارة على المقعد..وتلك المدينة غريب سكانها !
                      وكأن الراوي ليس من المدينة وهو عابر سبيل وجد لقيته التي يبحث عنها في مدينة أشباح!.........

                      ((تتشبثُ بذراعي وتمرِّغُ وجهَها في كتفي ، تسمِّرني في مُدن فزعي التي أجتازُها بمركبتي .. أردتُ قطعَ ذلك الصراخ الجنوني بنزر حديثٍ عاقلٍ .. " من أنتِ؟ .. كيف أتصل بأهلك ؟ " .. فجأة تبتعدُ عني .. تتكئُ على النافذة وتنخرطُ في البكاء .. أنظرُها في ضوءِ السماء الكهربائي الخاطف .. مليحةٌ ملامحُها .. أجل! .. تبدو يافعةً رغم شحوبها وزُرقة شفتيها .. وقطرات المطر على الزُّجاج التي تخطّ وجهها دموعاً قاتمةً مبعثرةً ..))

                      ...
                      وجاء السؤال
                      الآن فقط وهما بالسيارة لتسألها من أنتِ ؟وأين أهلك أيتها المليحة الشابة والباكية من ألم الولادة وحزن الموقف............

                      ((" تمسكُ بأسفل بطنها ترفعُه وتضمُ فخذيها بارتعادٍ .. " لا أريدُ أن ألد ! .. ليتني أحبسُه في ( عُنقي )، تنحشر رأسُه بداخلي فيختنق .. قبل أن أسمعَ صُراخه .. قبل أن أراه .. قبل أن أشتمَ جلده الورديّ ، عندما للدنيا أُطلقُه !))...

                      وتعبّر
                      الشابة أنها لا تريد الولادة مما يوحي لي كقارئ أنه حمل"سفاح"..وطلق سفاح غريب المكان والزمان والحال!.....
                      ((.. يسيلُ الماء .. تنفجرُ الدماء ..

                      بركةٌ في أرضية السيارة .. وبقعةٌ على الفستان ..

                      وأزرارُ الفُستان على عجلٍ تفكُّها .. قد استعرَ جسدُها .. تَرْشحُ من الثنايا .. تجتاحها الرّجفات ، يعلو الصُّراخ وتمسكُ ببطنها .." لا .. لا تنزلْ !!" - "سننزلُ ! .. هيا ، ها هو المشفى !"))...........

                      ((تأبَى ..
                      يجذبُها بكلتا يديه .. تتشبثُ بالمقعد وتصيحُ في وجهه .." دعني أموتُ هنا ! ".. يحاولُ إخراجها من السيارة وهي تسحبُ نفسَها إلى الداخل .. تجلسُ مستعرضةً لتنحشرَ في الباب ..))...
                      لا حظ

                      مفردة ستنزل ستنزل .. تأبى ..يجذبها؟...ومن قبل ( أنا مشلول) أذن الراوي رجل بغير ما توقعنا نحن القراء !!..هنا ولا شك قطعٌ لحبل أفكار القارئ " حلوة حبل دي هاهاهاها..حبل السرد يا خويا ولا تظن أني أمزح" لأني توقعت أن السارد أنثي ليس فقط من أسم القاصة بل من طريقة السرد ودقائق وصف حالة الولادة وغيره من وصف دقيق لأمراة في حال ولادة في اللحظة والتو ..ولكن القاصة كتبت وتعجبت كيف تكون شابة بهذا الليل العاصف وحيدة بلا ذكورة تحميها وتراعها ..وبالتالي أرادت أن تجعل الراوي رجلا!.وليس أنثى تسير بهذا الجو العاطف والليل المظلم المقفهر!...أو ربما أرادت أن يكون رجلا ليُكفّر عن خطايا الرجل الذي "أغتصب الشابة" هذا ما نسميه معادلة شخوص القص بين خيّر وشرير= منه فيه هاهاهاها..حلوة منه فيه دي؟"..,, ثم لا أدري لم اختلفت طريقة السرد هنا !لتكون بلغة الراوي" هو" كاشف المشاهد ! لماذا لم تستمر بذات الطريقة التى كانت تسير عليها منذ بداية القصّ!؟..كى لا يرجع القارئ مرة أخرى ليعيد القراءة" وينقطع حبل القراءة هاهاها..نفس الحبل" ...

                      المهم...

                      ((تخشى عالماً سيتغيرُ فيه اسمها .. تحزرُ أن توسمَ بختمٍ لن يبارحَها ..

                      حين تنفصلُ عن بناتِ جنسها اسماً ومضموناً ..

                      حين تتصلُ بوليدها بذاك الحبلِ ( السِّري ) كأمٍّ عرجاء ..

                      حين ترسفُ مترعةً بالألم في حجرِ أمومةٍ شوهاء .. ...))

                      .............

                      (( كم هي عسيرةٌ إزاحتكِ ! ..

                      مؤلمٌ خمشكِ إياي !

                      أ تُراهم يُسرعون نحوي يخلصُونني من مخالبها المستحكمة ؟! .. يشدُّونها من ذراعيها ورجليها ليجلسُوها على كرسيٍ مدولبٍ .. يمرقون بها وسطَ سيولِ الأمطار .. العجلاتُ تنزلقُ بين طينٍ وماءٍ .. وقطراتِ دماء .. يُشظِّيني أزيزُها تحت دورانها المرتجف))

                      ...............

                      ((-- " أسرعوا !!"

                      كطلقةٍ تدوّي في بهو المشفى .. على إثرها هرعَ أصحابُ المعاطف البيضاء بالنقالة ، والمرأةُ تلقي بنفسها على الأرض ، تُلوثها ببقاياها .. تتلوّى .. لا يزالُ فيها رمقُ المقاومة ! .. تحاولُ الفرار .. يلقون بأنفسهم عليها يثبتونها في الأرض كمجرمٍ رهنَ الاعتقال .. يتكالبُون عليها .. على الذبيحة ! .. كلٌّ منهم يتناولُ طرفاً .. وذاك أسفلها يطالبُها أن تفتحَ رجليها ..!))

                      وصرخة ..

                      ..وصرخة مدوية نقرأها في بهو المشفى طلبا للغوث والنجدة..والشابة تلد وتحاول الفرار بآخر رمق من مقاومة..وفجأة
                      قبض عليها رجال الإطفاء أقصد الإسعاف كما يتكالبون على ذبيحة لذبحها رغما عنها لتوليدها بالقوة المسلحة .......

                      ((وددتُ لو استدرت وخرجت من الباب مسرعاً.. وددتُ لو أواري وجهي بين كفي .. لكنني كنتُ أرتعدُ كلّما علا بكاؤها .. تنظرُ إليّ من بعيدٍ معاتبةً إياي .. أنا من أحضرتُها إلى هنا ، كم رجوتُ لو أرفعهم جميعاً عنها .. أن ألكمَهم خاصةً ذلك الذي يضربُها على فخذها .. لكن ..))

                      حقيقة .
                      .
                      ..حقيقة لا أدري مع أني أعرف أن السارد رجل قوي البنية إلا أنى لا أتناغم مع هذا السرد الذي يقف على رأسي ليذكرني أنه ولا بد أن السارد أنثى!.وخاصة عندما يقول بالفقرة التالية ها هو الرأس..وطبعا ولا بد أن أحد المسفعين هو من قال ها هو الرأس بدليل أن الجملة التالية بدأت بضمير الغائب " يدهُ"....


                      ((-- "ها هو الرأسُ ..! .. هيا .. ادفعي لأسفلَ قليلاً ! .. تنفّسي ! "

                      يدُه تخرجُ من تحتها ترسمُ كفّاً من الدماء على الملاءة البيضاء .. يولّدُها .. يغتالُها .. وأنا منكمشٌ في زاوية الباب .. يرميني بين حينٍ وآخر بابتسامةٍ مواربة ٍ، أنّه قد شرُفَ على الانتهاءِ منها .. وسيسمحُ لي بالاقتراب .. لمّا يحين دَوري ! .. أنينُها يحتقنُ .. ينحبسُ في حلقي ريقاً علقماً ! .. تتصلّبُ صورتها في محجريّ، وقد بدأت نظراتُها تذوي شيئاً فشيئاً ..))

                      ..........................

                      ((وتعودُ طلقةٌ جديدةٌ بالقفز إلى هذا الجسدِ المتفسّخ تنطُرُه ، ليطلقَ صُراخاً من جميعِ الجوانب ، فيجتمع صوتُهما في صدري يضجُّ منهما بالبكاء .. يلفّون قطعةَ لحمٍ حمراءَ في منشفةٍ كبيرةٍ يأخذونها بعيداً.. تزعقُ على أمّها .. أمّها التي غابت عيناها في ضوءِ الكشّاف المسلط عليها .. حتى .. ألقيت الملاءةُ على وجهها بلا اكتراثٍ ..))

                      ..
                      والبقاء لله..ماتت
                      الشابة المليحة البطلة ..وخرج الوليد دون أم ,يتيما و بلا أب لا يعرف له كِنّة ليكابد الحياة وتكابده..ويستبد بالبطل الخدر وتتزاحم الألوان بعينيه بين ما مضى وما هو آت.........

                      ((أخذني الخدرُ .. قرفصتُ في الأرض ، لم تعد رجلاي تحملاني .. لم تعُد عيناي تبصران ، قد تزاحمت الصورُ والألوان .. وماهت بين خطواتِ الأقدام السريعة حولي هنا وهناك ، وتلك اللفافة التي دُفعت إليّ دفعاً لأخرجَ من البابِ مذهولاً مما رأيتُ ..))

                      وخرج مذهولا
                      محملا بوليد..و
                      هنا لحظة إنسانية غاية بالرونق ..لا يستطيع معها أي قارئ إلا ومشاركة " القاصة"تلك الأحاسيس المتضاربة المتداخلة وأيضا هنا السؤال المركزى الأكبر والأهم بالقصّ..وكأن" القاصة" تسأل القارئ ماذا تفعل لو كنت مكاني لتحل تلك العقدة ..( وهذا يحسب للقاصه ولحرفية تلك الفقرة السابقة).. ودعونا نري ونشاركها الفقرة التالية ..

                      ((في الخارج .. مطرٌ ..

                      وصراخٌ منبعثٌ من تلك اللفافة أستفيقُ عليه وأنا تحت زخاتٍ من المطر ..

                      أدثّرُ ذلك الوليد الذي فتحَ فاه وأداره نحو صدري ، فلا يجدُ سوى ثيابي المبتلة .. راح يلكزُني بقدميه الصغيرتين .. أين أذهبُ به ؟.. أجسّ أطرافَه .. بدأت تبردُ .. تتيبسُ .. تتمعدنُ .. أسحُّ فوقه .. عبراتي تقرعُه .. سوادٌ ثقيلٌ بلا هواء يتوسدني ، فتغمغم الأصواتُ من حولي ، لم أعد أعي ما أسمعُ سوى نشيجي المتقطع ..))

                      .....
                      فقرة غاية بالروعة أيضا
                      كبداية تمهد للخاتمة ..وكأنها عزف موسيقي حزين ..تضرب أوتارالعقل الإنساني و تُعيدنا إلى فطرتنا الإنسانية السليمة ....و
                      لغة " الأنا هنا " زادت الجو اشتعالا جميلا من فيض إنسانيتها...

                      (( أقلّبُه من جميع الجوانب .. والآن أراه بعد أن انقشعَت الغياماتُ عن عينيّ .. أسودَ معدنيّاً .. فاتحاً فاه في وجهي بلا صوت .. أتعجّلُ مِنْ فِيه طلقةً تُخرجني من عالمي ..

                      فينتظرني أن أضغطَ على زناده لينفجرَ في وجهي ! .. كانفراجةِ " أنت ابن حـــرااا ..! " من بين شفتين عابثتين .. تعيدُني في كل مرةٍ إلى حكايتي ذاتها ..

                      ...

                      والتي بطلتُها في كلِ مرةٍ ..

                      تلك التي ألعنُها كلَ يومٍ! ))

                      ..يُقلّب الوليد- ولد ذكر
                      -من نفس جنوسة بطل القص-..
                      وكأنه الأمتداد الذي كان يبحث عنه البطل ؟..أو كأنه هدية من السماء في لحظة رعد وبرق..أو نتاج لولادة غضب..وخروج للدنيا سفاح إلى سفاح! ..أو.. أو غيرها من قراءات .. الأهم.. دعونا نرى..و لنفهم كيف الخاتمة ستكون..ونذهب في تخيلات ما هو آت بعدما انقشعت الغيمات..والوليد ينتظر وينتظر أن يضغط" الأب الجديد,الحامل للرذيلة..والمكفّر عنها ..الــ... أن" يضغط على الزناد لتنطلق الطلقة." وكيف ولم سيطلقها..و
                      هنا ( كنت أتمنى أن يكون البديل عن مفردة انفراجة هو طلقة.. ؛من بين شفتين ..)ودون مزدوجين وما بهما.. هكذا ((
                      فينتظرني أن أضغطَ على زناده لينفجرَ في وجهي ! .. كطلقةِ " أنت ابن حـــرااا ..! " من بين شفتين عابثتين
                      كى يرتبط عنوان القصّ( طلقة )بعديد من الدلالات الموحية والتى
                      " يبحث عنها القارئ الذي يريد أن يستمتع بالقص!"...ووأظن أن مفردة إفراجة كان المقصود هو" إنفراجة العقدة القصصية !!؟..
                      لان القاصة فعلا كانت أثناء الكتابة تبحث عن " الإنفراجة بمعناها السردي ؟)..
                      المهم..
                      دعونا نُكمل ..ولنرى؛ تلك الانفراجة القصصية!! كما أرتأتها القاصة..
                      حيث الطفل الوليد يصرخ لسان حاله قائلا: أنت ابن حرااااااا..
                      ليعود البطل إلى حكايته الأولى " أي كلاهما من نفس الطينة والعجينة"والحياة هي هي الحياة تستمر ونستمر معها وفيها !...
                      ..وآخر سطرين هما

                      ((
                      ....والتي بطلتُها في كلِ مرةٍ ..
                      تلك التي ألعنُها كلَ يومٍ! ))
                      ..
                      ولنسأل بلطف سؤالنا التالي
                      :
                      هل لهذين السطرين من أهمية؟!..وما أهميتهما؟...دعنا من الإجابة ولنكن فـــ ..."بطلتتُـ
                      ها".
                      ..ولمن تعود الهاء؟..أهي الحياة التى يلعنها البطل كل يوم؟..أم
                      هى تلك المرأة التى تلد من سفاح؟وكل امرأة ...............

                      لو كانت الحياة ما كنا رأينا بطلُنا بالقصّ وكأنه يعيش "حالة" من البحث عن أي أمرأة تلد ويساعدها كل تلك المساعدة وكأنه يرعى ذاته ويبحث عنها من حيث لا يدري! وهو يلعنها بالسر..و
                      لو كانت الهاء تعود على" الأم"..لعاش البطل حياته يتهم اللقيط بالعبث ويتهم ذاته في آن..ويعاني يعاني " نفسيا " بالمجتمع ومن المجتمع ...................
                      .............وأكتفي.........بــ

                      بس خلاص.

                      شكرا أ دينا نبيل

                      ( لعبتِ جيدا على العامل النفسي للبطل وللقارئ,وجعلت القارئ يشاركك

                      خاصة من بداية فك العقدة وحتى نهاية القصّ)...

                      شكرا عزيزي القارئ .

                      ‏28‏/02‏/2012





                      ردّ الأستاذة الأديبة والناقدة دينا نبيل



                      الكاتب المتميز .. في النقد والأدب الساخر .. متعدد المواهب ..

                      أ / محمد سليم ..

                      أولا : لا يمكنني أن أصف لك السعادة التي غمرتني لتفضلك بتناول قصة متواضعة لي كقصة ( طلقة ) بالنقد بالطريقة التفكيكية .. والتي يتجلى فيها كيفية سير تفكير الكاتب بهذا الشكل المنظم الرائع

                      وحقيقة لقد أعجبتني طريقة سيرك مع النص خطوة بخطوة وكأنك تستنطق كل جملة فيه بعناية وتقف أمامها متأملا فترة من الزمن بلا عجلة

                      وهذا برهان على العين الفاحصة التي تمتلكها سيدي الفاضل ..

                      فالنص كالكائن الحي يتدرج معه الناقد ويأخذه من يده قليلا وما إن يتمكن منه حتى يجده يمشي بل ويعدو أمام ناظريه فيرى بواطن الجمال به .. وإنه لمن العجيب أن ترى البعض ممن يغتالون النص اغتيالا ويصدرون عليه إحكامهم وكأنه الحكم النهائي بالإعدام !

                      ثانيا : طبعا قرأت كل كلمة بل حرف مما كتبت ، ونظرا لأنني الكاتبة ، فلا يحق لي طبعا أن أتدخل وأقول رؤيتي وقصديتي مما كتبت ، بل وجدتني مستمتعة وأنت تفكك النص وتعيد بناءه من جديد بل وتصل بأكثر من قراءة وتأويل لها، خاصة عند القفلة ..
                      والتي - وهنا أقولها بصراحة - قد تركتها بهذ الشكل لأرى ما سيصل القراء منها .. فهي مفتوحة وأرى أن ماذكرته موفق جدا في التأويل .. وهناك غيره وغيره ..

                      ثالثا : لقد سعدت بهذه القراءة جدا وأيضا بقراءة أ / أحمد عيسى في مداخلة له على متصفح القصة .. وسأسعد أكثر بتفاعل أساتذتي

                      لأن هذا أولا تقييم لي ولما أكتب ..

                      وأنا هنا أقف متعلمة منكم فنون العلم والأدب

                      لكم تحياتي أساتذتي الفضلاء

                      ولحضرتك أ / سليم القدير ..

                      أجمل تحية من عروس البحر المتوسط

                      تقديري وتحياتي









                      ردّ الأستاذ الأديب الساخر والناقد الرائع
                      محمد سليم



                      يُسعدني أن القراءة أعجبتك ..وسيسعدني أكثر لو أن " التفكيك السردي"هي قراءة في السرد فقط .. وصلكِ ..
                      وأقر واعترف أني أكتب تلك القراءات " لنوعية خاصة من القراء..ولا تسأليني من هم "

                      حيث أكتبها بطريقتي الخاصة " بــ تلميح , ومن بعيد , أي بطريقة الساخر !"..........

                      وأجزم أن تلك القراءات مفيدة جدا لقارئ القصص الذي يستمتع بمطالعتها...

                      وأيضا مفيدة للقاص ............

                      ......... وبخصوص قولك : لا يجوز للقاص أن يتدخل فيما كتبه الناقد ؟!

                      لا أتفق مع هذا الطرح " الذي يرددونه عمال ع بطال!"....

                      لأن الناقد الواعي أو كاتب القراءة المتميز هو مرآة القاص الحقيقية بل والوحيدة

                      وعلى القاص أن ينظر ويتأمل ويتفحص أيضا كل مفردة وجملة كتبها الناقد خاصة لو كانت من نوعية ما أكتبه!!...ودعونا من تلك القراءات النقدية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع

                      "الموازية للنص .. المفعمة بالمجاملات والأكاديمية المصطلحات ! أو الهادة للنصّ لمجرد الهدم!!"........

                      القاص يجب أن ينظر لنفسه.... كل حين ومين ليُحسّن ويجوّد من كتاباته ...و

                      أصدقك القول : كم تمنيت أن أجدا أحدا يسألني ويستوضحني فيما أكتبه !!...........

                      أرجوك وأرجوا الزملاء كُتاب القصة أن يسألوا " ليس سؤال التلميذ لا سمح الله "

                      بل سؤال النقاش والجدل الجميل ..............................فــ كلنا ع الطريق أختاه ....

                      ......ولا شك أن لي ملاحظات على نصّك " لمحتُ لها فقط "

                      ولا شك أيضا أنني وجدت " تحت سطورك "؛ عقلية قاصة لها رؤية وفكرخاص فيما كتبت وتريد توصيل رسالة ما

                      " أحسها أنا "وليس فقط حكي وسرد وتشويق ......وأكتفي

                      بـ الحمد لله ........

                      .......وبس خلاص

                      تحياتي

                      لم أكن أعرفك أنك أسكندرانية ؟وإن كان كذلك فلم قرأت بعض مفردات توحي لي أنك غير مصرية!؟...

                      شكرا جزيلا ...سعدت وشرفت بقصتك .






                      لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                      تعليق

                      • سليمى السرايري
                        مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                        • 08-01-2010
                        • 13572

                        #12
                        قراءة الأستاذة منار يوسف


                        دينا الغالية
                        قرأت العنوان فعملت مخيلتي على الفور و صرت أتسائل عن هذه الطلقة
                        ثم حسمت أمري لأعرف عنها المزيد
                        لأجدني قد اندفعت إلى هوة لم أخرج منها و إلا قد انقطعت أنفاسي
                        ما بين طلقة تدفع بنا إلى الحياة
                        و طلقة تدفع بنا خارجها
                        نعيش أحداث و محن و مفارقات
                        شعرت و أنا اقرأ قصتك أني داخلها .. أعيش أحداثها
                        كان هناك دقة و جمال في التصوير و براعة في الأسلوب و تشويق في السرد
                        كان الحدث واضحا .. لكن النهاية كانت غامضة لتفتح مجالا لتأويلات عدة
                        فالنهايات الغامضة تستنفر عقل المتلقي .. حتى تترك القصة بصمة داخله
                        فلا ينساها بمجرد أن ينتهى من قرائتها
                        بل سيراجع الأحداث مرارا في ذاكرته عله يصل إلى فهم اللغز
                        عزيزتي دينا
                        كنت رائعة حد الدهشة

                        شكرا لك دينا
                        استمتعت بما قرأت

                        لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                        تعليق

                        • دينا نبيل
                          أديبة وناقدة
                          • 03-07-2011
                          • 732

                          #13
                          أود أن أشكر جميع من حضر سهرة قصتي ( طلقة ) في الغرفة الصوتية بالأمس

                          وأخص بالذكر أ / سليمى و أ / صادق و د/ فوزي القائمين على الإدارة

                          كما أشكر كل من ساهم برأي أو مناقشة أو قراءة ولأستاذنا الربيع معلمنا القدير

                          وأعتذر أشد الاعتذار عن عدم القدرة على الحضور لظروف خارجة عن الإرادة ..

                          أرجو السماح ولكم مني كل الشكر والتقدير..

                          تحياتي

                          تعليق

                          • عبير هلال
                            أميرة الرومانسية
                            • 23-06-2007
                            • 6758

                            #14
                            الحلقة كانت مميزة

                            دينا والتحليل الذي قام به القدير سالم

                            كان اكثر من رائع

                            تمنيناك معنا


                            محبتي وورودي

                            أمنياتي لك بالمزيد من الإبداع
                            sigpic

                            تعليق

                            • أحمد عيسى
                              أديب وكاتب
                              • 30-05-2008
                              • 1359

                              #15
                              قلتها في الحلقة وأقولها هنا مرة أخرى
                              لا يوجد أي معنى لحلقة نقاش لقصة لا تكون صاحبتها أو صاحبها موجوداً
                              وان تعذر حضوره لأسباب خارجة عن ارادته تلغى الحلقة أو تؤجل

                              كنا نتمنى حضورك أخت دينا
                              وأنا رغم انشغالي وتقريباً انقطاعي عن الغرفة الصوتية دخلت لأشاركك هذه المناقشة
                              فرجاء من الأستاذ سالم
                              والأخوة المشرفين
                              أن ينسقوا مع أي كاتب يتم نقاش قصته
                              ليتم التأكيد على حضوره

                              تقديري
                              وشكري لدينا على أعمالها المتميزة
                              التي تستحق
                              ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
                              [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X