المخطوط - حكاية قصيرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • كريم قاسم
    أديب وكاتب
    • 03-04-2012
    • 732

    المخطوط - حكاية قصيرة

    المخطوط
    قصة قصيرة
    ************
    جلست انا و زملائي الفيزيائين و الرياضين في مقهي جامعة كامبردج الانجليزية العريقة ، كانت الساعة تشير الى الواحده و النصف ظهرا ، الجو رمادي غائم بارد و لكن دون مطر ، كنا قد انهينا للتو مؤتمرا علميا في فيزياء الجسيمات الاوليه استمر 3 ايام ، استمعنا فيه الي اخر ما توصل له علم الفيزياء والرياضيات، فهما تؤمان لا ينفصلان ، خلال المؤتمر التقيت استاذي الذي اشرف علي رسالتي حينما كنت ادرس ، قلت له انني مازلت لا افهم الكثير مما يقال في هذة المحاضرات ، فابتسم وقال: و انا كذلك ! .
    اتفقنا ان نستاجر كوخا ريفيا في محيط كامبردج لنقضي اليومين المتبقيين لنا بالاستمتاع بالريف الانجليزي والتأمل قبل الرجوع الي ديارنا ، و صلنا الكوخ الذي كان على تلة مرتفعة قليلا تحيط بها مساحات خضراء شاسعة مدهامه ولا يكاد يرى اي بيت علي مد النظر كانت اخر ساعة من العصر، حل الظلام علينا مبكرا كما هي العادة في ايام الشتاء القصيرة .
    تاريخ بناء هذا البيت الريفي سنة 1734م هكذا كتب علي مدخله و يتكون من 7 غرف نوم في الطابق العلوي ومساحات واسعة للجلوس ومطبخ في الطابق الارضي، طبعا البيت لم يبقي على حاله الذي بني عليه ، فقد جرت له عمليات ترميم وزود بنظم الحياة الحديثة من ماء و كهرباء و تلفاز ، كما ان نظام التدفئة فيه يعمل على الكهرباء وزود بعداد يجب شحنه بالعملة المعدنية فقط كي يعمل ، كما وضعت لنا كمية من الحطب كي نستخدمها في المدفأة الحجرية في صالة الجلوس.
    انتابني شعور مختلط بالسعادة والرهبه في نفس الوقت فانا في بيت عمره حوالي 300 عام ولا بد ان ساكنيه كانوا هنا و كان لهم فيه من حلو الذكريات ومرها، ولكنهم رحلوا !! ، ربما لم يدر في خلد احد منهم ان يمتد الزمن ويسكن هذه الدار في يوم من الايام رهط من الرجال اتوا من اقصى الارض، كم رغبت وانا استكشف المكان ان استنطق تلك الجدران القديمة واسالها عما حدث و عما رأت علي مر هذة السنين.
    تناولنا طعام عشاء خفيف وجلسنا على الارائك الوثيرة في نصف دائرة حول المدفاءة الحجريه، اخترت ان اشرب كوبا من القهوة دون سكر اعددتها بنفسي من آلة صنع القهوة، آه .. كم احب رائحتها، فتجدني استنشقها اولا ثم احتسيها على مهل واضمها بيدي الثنتين !!! حالة العشق ... لا محاله.
    تحدثنا طويلا عن ما حصلناه من معارف جديدة وما قدمناه انا و زميلي حكيم من اوراق بحث للمؤتمر، وتحاورنا و اختلفت آراءنا ازاء كيفية تمويل بحوث العلوم الاساسيه وضرورة دعم المجتمع لها .
    رغم اننا كنا جماعة في هذة الرحلة الا ان ايجاد مساحة للعزله و التامل الفردي هى الاصل ، ليجد كل منا خلوة ينقطع فيها عن العالم برهة من الزمن يرجع فيها الى معارفة يرسخ بعضها و ينقض بعضها ، فلن نلتقي بشكل جماعي مرة اخري الا على العشاء في الليلة القادمه، او اذا حصل طارئ يستدعي الاجتماع هذا ما اتفقنا عليه .
    فى غرفتي القديمة سرير مزدوج و دولاب ملابس و طاولة و كرسي جميعها صنعت من خشب صلب ثقيل بلون بني محروق يوحي بالقدم، الانارة كانت تاتي من مصباحين على جانبي السرير ولا شئ في السقف المائل سوي فتحة زجاجية بحجم نافذة متوسطه ، اظنها لم تكون في البناء الاول للبيت ، كنت اذا ستلقيت علي السرير استطيع النظر من خلالها الي السماء، نظرت من النافذة الجانبية فلم اري الا انعكاس صورتي على زجاجها ، شعرت برغبة في الخروج خارج البيت وفعلت .
    كانت ليلة مدلهمه شديدة السواد باردة فيها رياح و مطر خفيف، اصوات الحشرات و حفيف اوراق الشجر واصوات حيوانات مفترسه بعيدة ، للحظات شعرت بالخوف من يهجم علي احدها بغتة .
    اطفأت المصابيح ودسست نفسي في اغطية السرير مستلقيا و جعلت انظر خلال الزجاج، كان الظلام حالكا، ادرت النظر في الغرفة فلمحت مكتبة كتب لم الاحظها من قبل! تاملتها، تقدمت منها ببطأ و جعلت انظر الي عناوين الكتب و لفت نظري كتاب يبدو عليه القدم له غلاف من الجلد له لون بني شاحب تربط بين دفتيه اربطة جلدية ايضا، حملته بين يدي ثم جلست الي الطاولة و بدأت اقلب صفحاته المهترأه بعنايه، قرات فيه كلمات مخطوطة باليد و بلغة عربية صحيحة "ان هذا الكتاب سياخذك الى عالم الحكمة المدهش فما عليك الا الاستمرار في قراءة صفحاته" وماهي الا دقائق وكان صوت جرس و صهيل فرس، نظرت من النافذة و اذا بعربة تجرها الخيول مذهبة ولها لون احمر قاني تقف علي باب منزلنا ، فتحت الباب للطارق فانحني انحناءة طفيفة وقال ان جلالة الملك يدعوك الى حفل الجمعية الملكية للعلوم و جئت لاصطحبك، و ما كنت لارد دعوة الملك ، فارتديت حلة الحفلات و اعتمرت شعرا طويلا فيه لفائف، أبيض الون ووضعت قبعة سوداء ثلاثية الزوايا و سترة سوداء فيها نقوش بخيوط ذهبية تصل الي ركبتي وحذاء جلدي اسود طويل الرقبه يصل الى ادني من ركبتي قليلا، اسرعت بنا العربه في طرقات مرصوفة باحجار و انارة خافته ، لا ادري كم من الوقت استغرق الطريق ، و لكن وصلنا الى قصر مهيب ، و فتح لي الحارس باب العربه و نزلت منها و صعدت درجات معدودات فاصبحت في البهو الرئيس للحفل.
    ما هي الا دقائق حتى صمت كل شئ ودوت اصوات ابواق و مزامير ثم صدح احدهم بصوت عالي " جلالة الملك " ثم "صاحبة السمو الاميرة احلام" ... استقر الملك و الاميرة على اريكتين مميزتين في صدر البهو ، و جلس الجميع بعدما جلسا على الكراسي في مجموعات على مناضد دائريه عليها ما لذ و طاب من الطعام و الشراب و في الركن مجموعة تعزف مقطوعات موسيقية هادئة وعذبه ، انشغل الملك والاميرة بحديث جانبي مع كبار القوم ، و من ثم قدم للحفل بصوت مرتفع "السير/ اسحاق نيوتن" الذي قام خطيبا و تكلم بلسان عربي مبين عن قوانين الحركة ، وابحاثة في الضوء وعن طبيعة الضوء الجسيمية اي ان الضوء عبارة عن جسيمات و تنطبق عليها كل قوانين الحركة ، فيما بعد حدثته عن ابحاث الحسن بن الهيثم في طبيعة الضوء الموجية وان جمع الطبيعتين الجسيمية والموجية ربما يقودنا الى اكتشاف قوانين اكثر تقدما لوصف الطبيعة .
    انتهي الحفل الخطابي و علا صوت الموسيقي ، تقدم مني رجل دعاني للسلام علي الملك ، و تقدمني نيوتن و رهط من القوم ، و لما جاء دوري صافحت الملك و همس لي "العام القادم في مثل هذا اليوم كن في لندن" لم اكن واثقا مما قال لي وتعجت و اصابتني الحيره، زالت ... عندما خطوت في هالة سحريه في مجال مكاني غمرني بشعورمنعش مدهش و تقدمت اصافح الاميرة "احلام" وهالني الجمال الذي دخلت في حضرته وها انا انظر الي الارض ثم ارفع نظري الي ثوبها الازرق المنفوش من خصرها الضامر ثم الصدر ثم الوجه والتقت عيناي بعينيها وجعلت اتامل ملامحها الصافية الاديم فلو كان للعذوبة لون لكان لونها، هي من تلكم النساء اللاتي يترنم بهن الشعراء وجهها قمر و شعرها ظل وارف و قامتها نخلة ممشوقة و عيناها عينا ماء عذب و ابتسامتها اصابتني بسهمها ، قبلت يدها وانطلقت، وارجعت النظر اليها بقضاء محتوم و التقت النظرات مرة اخري ، ما عدت اطيق الجلوس و ظهرعلي قلق السعادة، حتى لم اتمالك نفسي، وقد بدأ الحفل يرقص علي انغام الموسيقي ، الا و انا امامها وفى دهشة من الجميع طلبتها لتراقصني ، قبلت ... وابتسم الملك ... تشابكت اليد باليد ... ووضعت الاخرى علي القد في الخصر ... وضممت الجسد حتى تلامس الصدر بالصدر ... و اختلطت الانفاس ... اغمضت عيناي و هي كذلك وتلاشت الاصوات في القصر ... صمت من حولنا .... و لم اعد اسمع الا ايقاع تناغم قلبينا ينشر السحر ... عطش ... اقتربت هي واقتربت لارتوي ، و تلامست شفتانا .... وفجاءة شعرت بقرصة برد و تجمدت اطرافي حاولت الاندساس اكثر تحت الاغطيه ، و فتحت عيناي فوجت ان الصبح قد تنفس والجو بارد جدا في غرفتي ، تسالت مالذي حدث؟ لففت جسدي بغطاء ثقيل ، و نزلت لاجد زملائي و قد اجتمعوا حول المدفاءة و اشعلوا الحطب ،قلت : ما الخطب ؟ قالو : نفذ شحن عداد الكهرباء فانفصل نظام التدفئه ، و ليس لديناعملة معدنية !!! ، اعددت كوبا من القهوه ، و انكمشت بجوار النار بصمت ولم احدث احدا واغمضت عيناي لعلي ارجع !
    انتهت ...
  • دينا نبيل
    أديبة وناقدة
    • 03-07-2011
    • 732

    #2
    أ / كريم قاسم ..

    أولاً أحيي فيك عملك الدؤوب واستمرارك في الكتابة بدون كلل أو ملل .. حقيقة أتمنى لك كل توفيق
    وأشرف أن أكون من أوائل من يطالعون سردك هنا ويُعلّق عليه ..

    الريف الإنجليزي .. جامعة كامبردج .. الكوخ وتاريخ البناء .. والقهوة الإنجليزية ! ..

    لقد أعدتني إلى تلك الأجواء التي أحبها شخصيا ( إنجلترا ) رغم البرودة المتأصلة بها ، إلا أنّ هناك سحراً خاصاً بتلك البلاد السكسونية .. والتي أحياناً أهوى التماهي معها ! ..

    لوهلة أحسست أنني دخلت دير نورثانجر لجين أوستن ، حيث يظهر مسلسل من الفن القوطي ( Gothic ) فتظهر أشياء مرعبة سريعاً ما تتبدد في النهاية !

    ولكن هاهي قصة ماتعة تجتمع فيها المتناقضات : العرب والغرب في مكان واحد .. في كتاب واحد ، الأناس المختلفين الملوك والعلماء ونيوتن المتكلم بالعربية ..

    لقد جمعت بين المعرفة والحب .. بين الفيزياء والعشق .. بين المادة والحلم !
    هل أقول هو توّحد الأفكار أم توحد العوالم .. إنك تطرح فكرة كبيرة أكبر من مجرد حكاية في حلم .. إنها فكرة الانبثاق من أصل واحد بل ذرة واحدة !

    رائعة تلك المتناقضات التي أتيت بها هنا مما جعلني متشوقة وأنا أقرأ السطور لأعلم ما يحدث في النهاية ..

    وقد كانت الصدمة .. صدقني أحسست ألمها كما البطل !
    كثيرا ما نرى أحلاما ونستيقظ منها نتحسّر على مضيها .. ولكن لا يجب أن يكون الإنسان طمّاعاً .. إنها الحياة التي تبخل بقليلها .. تراها شحيحة بطولها وعرضها في حين أن كتاباً مغبّراً من زمن القوط أشدّ سخاءً منها !

    أما عن رؤيتي للنص كنص :

    أرى أن القصة بها بعض التفاصيل الزائدة .. مثلا في المقدمة عند حديثك عن الفيزياء والرياضيات والعلاقة بينهما وكذلك وصف الكوخ والملابس ، ففيها حشو قليل يمكنك التخلص منه ، لأن هذه الزيادات من سمات كتابة الرواية وليس القصة القصيرة

    هناك بعض الأخطاء النحوية ، مثل : لم يبقى -- لم يبقَ .. ولكنها قليلة جدا لا تؤثر في العمل ..

    كذلك حاول الابتعاد عن الصور المكررة لاسيما في الحديث عن وصف المرأة بالصور القديمة المعروفة

    راقني ما قرأت لك هنا .. وأسجل مرة أخرى إعجابي بالجو الإنجليزي .. رغم تفضيلنا للعربي عليه طبعاً

    لك تقديري على مثابرتك

    تحياتي

    تعليق

    • ريما ريماوي
      عضو الملتقى
      • 07-05-2011
      • 8501

      #3
      بالفعل أقصوصة جميلة أدخلتنا جو معك فيها...
      عندك ملكة كتابية آسرة هذا لا شك فيه.
      لكن اخطاءك كما هي؟!

      تحيتي.


      أنين ناي
      يبث الحنين لأصله
      غصن مورّق صغير.

      تعليق

      • كريم قاسم
        أديب وكاتب
        • 03-04-2012
        • 732

        #4
        دينا ... سيدتي
        شرفني مرورك ... بالفعل تلك الاجواء لها طعم خاص ... و قد عشتها حقيقة ... اسعدني اكثر اني استطعت ان انقلك اليها
        اما عن الاسهاب في الوصف ... في الحقيقة محاولاتي الاولي كانت لرواية و ليست لقصة قصيرة ، و لكني لم استطع معها صبرا ... فآثرات ان اقطعها الى مقاطع صغيرة و ربما اسميتها ظلما و عدوانا قصة قصيرة ... فاعذري قلة خبرتي
        ارجوا ان لا تتركيني هنا وحيدا ...
        تحية طيبة

        تعليق

        • كريم قاسم
          أديب وكاتب
          • 03-04-2012
          • 732

          #5
          ريما ... سيدة الكلمة
          نعم اعترف باني لا اعرف الفرق بين التاء المربوطة و الهاء كما انه يختلط علي الفرق بين الياء و الالف المقصورة ... اما الهمزة فلا اعيرها اهتماما تكاسلا ...و ربما ساهم في ذلك لوحة المفاتيح التى اكتب عليها فليس فيها كل الاختيارات ... و لكن ساحاول الانتباه ... و قد عملت بنصيحتك و قرات موضوع الهمزة ...

          اسعدني انك استمتعت باجواء القصه و ارجوا ان تكون قد اثارت فى نفسك بعض الاسئلة !!!
          لا تحرميني من وجودك معي في كل حين
          تحية طيبة

          تعليق

          يعمل...
          X