[frame="3 98"]
لأَنْتَ يوسُف ..
أيها الصديق ..
أين زمانك منا ..؟
لأنت من زمان الصالحين ..
لأنت من الصالحين ..
أين الصالحون منا ..؟
وأين الصادقون ..؟
*
لأنت أخ الرجال التائهين ..
وتابوا ..
لكن إخواننا تمادوا كثيراً
ورمونا ..
لم يقذفونا في باطن البئر
ليحملنا العابرون .
بل رمونا في جوف ذئبٍ ..
كشر عن أنيابه ..
يلعق دماءنا عشِيةً وضُحىً ،
ويُحَلّي بعد الغذاء ..؟
بلحومنا السادرة .
*
لأنت يوسف
قمر السماء البعيد
لكن إخواننا ليسوا نجوماً ،
وصرنا يتامى ،
رغم أنا في الأعداد كل يوم ..
نزيد .
*
فإنا كثيرون .. كثيرون ..
كظلام الليل المستبد
في غياب البدر عن وجه …
السماء .
وإن لنا صوتاً ..
أقوى من رعد الشتاء .
ولنا أعضاء تناسلية ،
نستخدمها بكثرة ،
ودون روية ..
لا .. لنباهي الأمم ..
بل في نكاح الجنس الحرام .
*
فسِّر لنا أحلامنا ..
الواحدة ..
في اليقظة والمنام ..؟!
*
لأنت يوسف عليك السلام
أعطاك الله برهان الرؤى
فأخبِرنا عن رؤانا ..
أم هي كوابيس مقيتة ،
أو أضغاث أحلام ..
فسر لنا ..
فإنا شديدوا التلهف .. للرحيل
بعد أن جمعنا الغنائم والسبايا من
أحرار النساء .
*
لأنت يوسف
جمعت مزايا الأنبياء
وفُقْتَ الجَمَالَ ،
ارتقيت به ،
ولم تُسْقِطْكَ امرأةٌ ..
في حبال النساء .
*
لأنت يوسف ..
أمين الخزائن ..
ما جاع من رعاياك مواطن ،
وما تاهت بهيمة بين
أنقاض الديار .
لأنت يوسف
الجوع ينهش حوايانا ،
وأمخاخ الرجال تغلي بالصديد ،
يكسوها صدأ الحديد ..
فسِّر لنا ..
كيف نشبع ..؟
ومتى ..؟
وهل للجوع أسباب خفية ..؟
لا تراها العيون ،
لكن تتلقفها أيادي السارقين ..
أموالَ الزكاة .
*
لأنت يوسف ..
أَحِطْنا ..
ببعض ما أَحَاطَكَ اللهُ به من
عَفَافِ الأنبياء .
وفسِّر لنا ..
فوق أرض الرباط نعيش ..
ونحن أهل الرباط ،
مرابطون ..
والغريب ..
أن نصر الله عزيز
لا نراه يؤازرنا
ونتخيله من بعيد ..
كسراب .
لأنت يوسف ..
فسِّر لنا ..
كيف نستعيد نصر الله
وكيف نطهر أرض الرباط ..؟
*
وأَفْتِنا في سَحَابَتَيْن ..
سحابة لا نكاد نراها ،
تحجب الشمس عنا ،
فتصبح الدنيا ليل سرمدي .
وسحابة بحجم السماء ،
ثقل الماء فيها ،
ولم تهطل علينا ،
ولم نجد ماءً طهوراً للوضوء ..
فلم يقم المؤذن للصلاة ..
ولم نصَلِّ ..
لأن الصفوف مبعثرة بين الزوايا ..
ومن بعيد بدا خيط شعاع رفيع
يضيء بصائر الناس ..
وإذ بطائر كالغراب ..
يهجم سريعاً ..
يحجب الشعاع بجناحيه الأسودين ..
ما تقول أيها الصدّيق في رؤانا ..
لم تعْمَ العيون ،
وعَمَتِ القلوب التي في الصدور ،
والناس ..
نيام ..
*
أيها الصدِّيق أفتنا ..
في رؤيا الفتي العربي ،
خرج من أتون الأرض ،
زرع الأراضين كلها ،
وعندما توَّجوه مناراً للثائرين ،
وقبلناه مرشداً ..
خرج من بين الصفوف ..
ثعبان مبين ..
له وجه نفط ،
وجسم مال ،
وأنياب جنس ،
وله عقل دودة ..
لا يقرأ القرآن عند الفجر ،
ويقرأه أحياناً بلسان المستشرقين ..!
أيها الصديق أفتنا ..
في مصيبتنا التي يراها الضرير ،
وفصِّل أسباب تداعي الأمم علينا ،
إذ نحن جبال العالمين ..
لا نلين في طلب الحقوق .
فكيف لانت عزائمنا ، ولم
ندفع الثعبان الجديد .
*
لأنت يوسف ..
أيها الصديق ..
غمطوك حقك ..
وإخواننا ظنوا أن جلودهم لن تعرض ، ولن تباع
في سوق الرقيق المتنقل ، بين ..
المحافل والعواصم والمعاصم ،
وظنوا أن آبار النفط ..
شموع لا تطفئها رياح الغرباء .
*
لأنت يوسف حقاً
حُزْتَ الجمال جميعاً ،
وصرنا بين الأمم ..
الفقراء ..!
نضرب بالمعاول ..
دون هَدْيٍ ..
بعد أن رَمَيْنا خلف ظهورنا
تاريخ محمد والسماء .
أخبرنا بصدق ..
هل تعود ..؟
كي نُعِدّ برج اللقاء .
فأنت جميل ،
والله يحب الجمال ،
حَبَاكَ بالعفاف .
ونحب نحن الوصال الشريف ..
لأنت يوسف ..
أخبرنا ماذا تقول رؤاك عنا
فقد جَرَفَنَا التِيهُ إلى أعماق الظلام .
أخبرنا ..
كيف نطير ..
فإننا أجنحة بلا جسد ،
ولا نخفق في الفضاء .
*
لأنت يوسف ..
أذكرنا عند ربك ..
فما بينك وبين الله عامر ،
وخراب ما بيننا ..
أُذْكُرْنا عند ربك ..
فإنا تجاوزنا أنفسنا ،
وصدَّرْنا أهواءَنا ،
واستسلمنا للخمول اللذيذ ..!
واستسهلنا دور الطاغية .
فسلمنا المقود للغزاة .
وأعدنا تاريخ حروب الهوان العربي ..
بين ممالك الأبجدية والسراة ،
وارتضينا مغادرة الأندلس ..
وكأننا نعيد الأمس
مع تغيير بسيط في جغرافيا الأوسمة ..!
الوجوه واحدة ،
الأسماء واحدة ،
وتضاريس الانبساط العربي والضحكات الماجنة …
كما بالأمس ..
أصبحنا نَعْبُد الكراسي الحاكمة ،
وارتضينا أن نكون حكاماً ورعية في
الدويلات الآفلة ..!
أذكرنا عند ربك ..
فإنا قاعدون ..
ننتظر الرجفة القادمة
حين الكتائب تثور ..
وحين الشعوب تبدل أصنامها الحاكمة ..؟
وحين الجيوش تمحو من فوق الأرض ..
الحدود الوهمية العازلة .
أذكرنا عند ربك ..
فإنا قاعدون
حتى تؤوب من رحلتك الخالدة ..
توزع علينا الأوسمة ..
هذا ما نشتهيه الآن ..
وغير ذلك من جهاد ودفاع ومقاومة ،
مصطلحات غائبة ..
لا محل لها في شوارعنا ..
فالعسس كثيرون
يُلجمون أفواهنا الجائعة .
أذكرنا عند ربك ..
ربما يَنُبْنَا من خزائنك كَيْلُ بعير .
أو وليمة صيد عابثة .
أو امرأة ناعسة ، من
حريم القصور الفارهة ..
المسجلة باسم العروبة المستفحلة .
أذكرنا عند ربك
وادْعُهُ ..
أن ينصرنا هذه المرة ..
فقط ..
فقد تجاوزنا لغة السلام ،
ولغة الحرب ،
وأعلنا سقوط الحروف من جيوبنا المتفتقة ..!
وصرنا عراة ..
نفتقد ورقة التوت المقدسة .
أدعه ..
أن يداري سوءاتنا الهادرة .
وبعد ذلك يَقْصِمَنا ..
بالضربة القاضية
*
هو ربك ..
لم نؤمن بعد ..
وإلا لماذا ننادي ..
………
***
لأنت يوسف ..
هل تعلم ..؟
نعلم أشياء ،
ونفعل أشياء ،
وندوس على أشياء ،
ونبحث عن أشياء ،
ونفسر الشيءَ بعد الشيء ..
بالأشياءِ ..
ولا نملك شيئاً من أسباب
الأسباب .
وترانا نُوَّاب ..!
ننام في جلسات التفتيش
وعند توزيع الأسلاب
تجدنا أول واقف في طابور العشاق .
ولِتَفْتَحَ أمريكا الباب
ندوس على رقاب الأحباب .
لا نخشى الله ..
ولا نخشى دوران الدولاب
حين نصير نحن المطلوبين ..
ويطلبنا الأصحاب ..؟!
*
لأنت يوسف
أعلمنا الغيب الذي علمك الله ..
وأعلمنا جدوى المماطلة ..
وهل يجوز قتال ..
وقد أعادتنا جيوش الغزو إلى ..
قبائل أعداء ..
أعلمنا غيب السنين القادمة ..
وهل يعيد التاريخ نفسه ..؟
نعلم أن للبيت رب ..
وللأقصى رب ..
وربك ربهما ..
فاذهبا وقاتلا ..
حتى تنزاح عنا الغُمة ..
أَوَنكون قد كفرنا بالنعمة المُزْجَاة ..؟!
أَوَتكون دعوة مظلوم في جوف الليل ..!؟
من الأصحاب أصابتنا ..
فأخْرَجَنَا اللهُ من رحمته الفاتنة ،
وأبقانا نطرق أبوابه ،
نتيه فوق الطرقات ..؟
أدعه لنا ..
… … … … … …
… نتحمل أن نموت جياعاً
ولا نتحمل أن تخرجنا خطايانا من
نور الشرفات .
*
لأنت يوسف ..
أيها الصديق الكريم
كن رسول الجياع ، الهائمين على وجوههم
في صحراء الكلال .
وكن رسول الناس البسطاء في أرض الوبال .
وكن رسول العاشقين ..
لأنا عشقنا فيك جميع الخلال .
لأنت يوسف ..
كن رسول الأرض إلى السماء ..
فما زال فيها من يعبد الله ،
وما زال فيها من يشحذ الهمة للقتال
وما زال فيها الشيوخ ،
والبهائم ،
والصغار .
وما زال فيها بقية من نور ..
وما زلنا نتحرى الإيمان بين شعاب القرية الجبلية ..
ونتحرى دروب التوبة الأبدية ،
ورضاء الأصحاب .
*
لأنت يوسف ..
أفتنا ..
في قبائل يحكمها أشباه رجال ..
وقبائل تحكمها نساء ..
وقبائل لا يرضيها إلا الدماء ..؟
أفتنا ..
من يملك الأرض ..؟
ولمن يكون الانتساب ..
الأرض للفرد ..
أم الإنسان للتراب .
أفتنا ..
إذا غابت الحقيقة
وغاب السلاح ..
كيف يحارب المظلوم ظالمة .؟
وكيف نمنع الاجتياح .
وإذا نادى المنادي ..
كيف نعبر الحدود ..
ونقطع السياج ..؟
والعسكر واقفون بالمرصاد
يمر الهواء والهوام
ولا تمر أحلام الصبايا
ويرجع كسِيفاً السحاب ..!
أفتنا .. لأنت يوسف ..
ربيب الأنبياء ..
ونعلم أننا خير أمة ..
حبانا الله بخير الأنبياء ..
محمد ..
فكيف نهون ..
ولِمَ نواصل الرياء ؟
*
ماذا يقول
الكِتَاب ؟
*
على من سنشهد .؟
وهل يجوز أن نظل الشهداء ..
الشهادة علمٌ وريادة وامتحان ..
والشهادة عزٌ .. يوم القيامة أمام الأنام .
وهل وحدنا سنبقى الشهداء ؟
أم أن أمماَ أخرى ستشهد علينا ..
بأنا تنازلنا عن جميع مهماتنا
وأسقطنا من حياتنا ..
الفَتْحُ بالجهاد ..
وأسقطنا الحسام ..
ونعلم أنه عزّ البلاد ..
وفاتحة الكتاب .
*
لأنت يوسف ..
تعلم بأنا أقوياء ..
البعض منا خانه الحظ فضاع ،
فباع الرسالة ،
وعاث خراباً بفتوحات الأولياء .
والبعض منا غرته القوة ..
فاستسلم للنعاس ..
ونام ..
ولم يعلم أن عيون الظالمين تتابعه
حتى يرخي أصابعه عن
زناد الكفاح .
ولأنت يوسف تعلم أنا أقوياء
خلفاء الله فوق الأرض
وعلماءه الأولياء ..
لكن بعضنا خان الأمانة ..
فصادر عقول الرجال .
وخَبَلَ الألبابَ بالنساء وبالأموال .
وفتح البلاد للسبايا والإماء ،
ورضينا بالمماليك أسياداً من مواخير البلاد ..
في النوادي والعلوم ومعارف السماء
ورضينا بهم قادةً
يعلموننا زلاّت اللسان .
فذلت العقولُ
ودُكَّتِ الأركان ..؟!
*
لأنت يوسف ..
أَفْتِنا ..
في المَلِكِ المُحَصَّن ..!
إذ يقرأ الفرمان المدبلج في ظلام الاحتلال :..
يُمْنَعُ الديكةُ من الصياح ،
ويُمْنَعُ النباح .
الدجاجات يعسسن المدينة ..
هكذا هي إرادة الحاكم ..
ورغبة الفراخ .
وعندما تأتي الرياح
لا يلومن أحدٌ من نفسه ..
وليبدأ النواح .
*
تَبَدى الملكُ قبل الفجر
ولاح ..
موسوم بين فخذيه ..
مؤخرته تطلق العواء .
أَفْتِنا ..
في مليكنا غير الهمام
وفي حفلات التزاوج والزواج ..
حيث التواقيع على الوثائق تنهال ،
والبصمات .
وطبقاً لآخر المصادر الموثوقة ..
غير مباح ..
حتى التفكير بالنباح .
وخير قصيدة نحفظها ..
قصيدة السلام ..
لا أسمع ..
لا أرى ..
لا أتكلم ..
لغة البهائم والهوان .
*
والمدينة تسبح في الظلام
تنتظر تباشير الضياء ..
والليل من أعوان مليكنا ..
ومليكنا يهواه ..
ففي الليل يتخفف من الحياء ،
ويمارس عادته السرية ..
في لجم أفواه العباد .
ومليكنا ينافس الليل في ثقل الأنفاس
يتربع جاثماً ..
يقطع الطريق على عرائس الأرض
ويغتصب آمال الشباب .
أفتنا لأنت يوسف ..
في مليكنا غير المهاب
غير أنه جاء ..
والمدينة في السبات ..
اغتصب الدجاجات ..
وسلم الديكة للذئاب ..
ما تقول ..
في الملك الكذاب .
*
لأنت يوسف أفتنا ..
تعبر الرؤيا بلا أبواب ..
هبة الله ..
فهبنا من بعض علمك الفتات .
حياتنا ألغاز ..
وألغازنا يباب ..
وكل يوم يصيبنا السباب ..
من أطفالنا ،
ما عادوا يحتملون أخوتهم ..
قد غارت الآبار ..
وتوحشت الذئاب ..
*
2001
[/frame]
لأَنْتَ يوسُف
لأَنْتَ يوسُف ..
أيها الصديق ..
أين زمانك منا ..؟
لأنت من زمان الصالحين ..
لأنت من الصالحين ..
أين الصالحون منا ..؟
وأين الصادقون ..؟
*
لأنت أخ الرجال التائهين ..
وتابوا ..
لكن إخواننا تمادوا كثيراً
ورمونا ..
لم يقذفونا في باطن البئر
ليحملنا العابرون .
بل رمونا في جوف ذئبٍ ..
كشر عن أنيابه ..
يلعق دماءنا عشِيةً وضُحىً ،
ويُحَلّي بعد الغذاء ..؟
بلحومنا السادرة .
*
لأنت يوسف
قمر السماء البعيد
لكن إخواننا ليسوا نجوماً ،
وصرنا يتامى ،
رغم أنا في الأعداد كل يوم ..
نزيد .
*
فإنا كثيرون .. كثيرون ..
كظلام الليل المستبد
في غياب البدر عن وجه …
السماء .
وإن لنا صوتاً ..
أقوى من رعد الشتاء .
ولنا أعضاء تناسلية ،
نستخدمها بكثرة ،
ودون روية ..
لا .. لنباهي الأمم ..
بل في نكاح الجنس الحرام .
*
فسِّر لنا أحلامنا ..
الواحدة ..
في اليقظة والمنام ..؟!
*
لأنت يوسف عليك السلام
أعطاك الله برهان الرؤى
فأخبِرنا عن رؤانا ..
أم هي كوابيس مقيتة ،
أو أضغاث أحلام ..
فسر لنا ..
فإنا شديدوا التلهف .. للرحيل
بعد أن جمعنا الغنائم والسبايا من
أحرار النساء .
*
لأنت يوسف
جمعت مزايا الأنبياء
وفُقْتَ الجَمَالَ ،
ارتقيت به ،
ولم تُسْقِطْكَ امرأةٌ ..
في حبال النساء .
*
لأنت يوسف ..
أمين الخزائن ..
ما جاع من رعاياك مواطن ،
وما تاهت بهيمة بين
أنقاض الديار .
لأنت يوسف
الجوع ينهش حوايانا ،
وأمخاخ الرجال تغلي بالصديد ،
يكسوها صدأ الحديد ..
فسِّر لنا ..
كيف نشبع ..؟
ومتى ..؟
وهل للجوع أسباب خفية ..؟
لا تراها العيون ،
لكن تتلقفها أيادي السارقين ..
أموالَ الزكاة .
*
لأنت يوسف ..
أَحِطْنا ..
ببعض ما أَحَاطَكَ اللهُ به من
عَفَافِ الأنبياء .
وفسِّر لنا ..
فوق أرض الرباط نعيش ..
ونحن أهل الرباط ،
مرابطون ..
والغريب ..
أن نصر الله عزيز
لا نراه يؤازرنا
ونتخيله من بعيد ..
كسراب .
لأنت يوسف ..
فسِّر لنا ..
كيف نستعيد نصر الله
وكيف نطهر أرض الرباط ..؟
*
وأَفْتِنا في سَحَابَتَيْن ..
سحابة لا نكاد نراها ،
تحجب الشمس عنا ،
فتصبح الدنيا ليل سرمدي .
وسحابة بحجم السماء ،
ثقل الماء فيها ،
ولم تهطل علينا ،
ولم نجد ماءً طهوراً للوضوء ..
فلم يقم المؤذن للصلاة ..
ولم نصَلِّ ..
لأن الصفوف مبعثرة بين الزوايا ..
ومن بعيد بدا خيط شعاع رفيع
يضيء بصائر الناس ..
وإذ بطائر كالغراب ..
يهجم سريعاً ..
يحجب الشعاع بجناحيه الأسودين ..
ما تقول أيها الصدّيق في رؤانا ..
لم تعْمَ العيون ،
وعَمَتِ القلوب التي في الصدور ،
والناس ..
نيام ..
*
أيها الصدِّيق أفتنا ..
في رؤيا الفتي العربي ،
خرج من أتون الأرض ،
زرع الأراضين كلها ،
وعندما توَّجوه مناراً للثائرين ،
وقبلناه مرشداً ..
خرج من بين الصفوف ..
ثعبان مبين ..
له وجه نفط ،
وجسم مال ،
وأنياب جنس ،
وله عقل دودة ..
لا يقرأ القرآن عند الفجر ،
ويقرأه أحياناً بلسان المستشرقين ..!
أيها الصديق أفتنا ..
في مصيبتنا التي يراها الضرير ،
وفصِّل أسباب تداعي الأمم علينا ،
إذ نحن جبال العالمين ..
لا نلين في طلب الحقوق .
فكيف لانت عزائمنا ، ولم
ندفع الثعبان الجديد .
*
لأنت يوسف ..
أيها الصديق ..
غمطوك حقك ..
وإخواننا ظنوا أن جلودهم لن تعرض ، ولن تباع
في سوق الرقيق المتنقل ، بين ..
المحافل والعواصم والمعاصم ،
وظنوا أن آبار النفط ..
شموع لا تطفئها رياح الغرباء .
*
لأنت يوسف حقاً
حُزْتَ الجمال جميعاً ،
وصرنا بين الأمم ..
الفقراء ..!
نضرب بالمعاول ..
دون هَدْيٍ ..
بعد أن رَمَيْنا خلف ظهورنا
تاريخ محمد والسماء .
أخبرنا بصدق ..
هل تعود ..؟
كي نُعِدّ برج اللقاء .
فأنت جميل ،
والله يحب الجمال ،
حَبَاكَ بالعفاف .
ونحب نحن الوصال الشريف ..
لأنت يوسف ..
أخبرنا ماذا تقول رؤاك عنا
فقد جَرَفَنَا التِيهُ إلى أعماق الظلام .
أخبرنا ..
كيف نطير ..
فإننا أجنحة بلا جسد ،
ولا نخفق في الفضاء .
*
لأنت يوسف ..
أذكرنا عند ربك ..
فما بينك وبين الله عامر ،
وخراب ما بيننا ..
أُذْكُرْنا عند ربك ..
فإنا تجاوزنا أنفسنا ،
وصدَّرْنا أهواءَنا ،
واستسلمنا للخمول اللذيذ ..!
واستسهلنا دور الطاغية .
فسلمنا المقود للغزاة .
وأعدنا تاريخ حروب الهوان العربي ..
بين ممالك الأبجدية والسراة ،
وارتضينا مغادرة الأندلس ..
وكأننا نعيد الأمس
مع تغيير بسيط في جغرافيا الأوسمة ..!
الوجوه واحدة ،
الأسماء واحدة ،
وتضاريس الانبساط العربي والضحكات الماجنة …
كما بالأمس ..
أصبحنا نَعْبُد الكراسي الحاكمة ،
وارتضينا أن نكون حكاماً ورعية في
الدويلات الآفلة ..!
أذكرنا عند ربك ..
فإنا قاعدون ..
ننتظر الرجفة القادمة
حين الكتائب تثور ..
وحين الشعوب تبدل أصنامها الحاكمة ..؟
وحين الجيوش تمحو من فوق الأرض ..
الحدود الوهمية العازلة .
أذكرنا عند ربك ..
فإنا قاعدون
حتى تؤوب من رحلتك الخالدة ..
توزع علينا الأوسمة ..
هذا ما نشتهيه الآن ..
وغير ذلك من جهاد ودفاع ومقاومة ،
مصطلحات غائبة ..
لا محل لها في شوارعنا ..
فالعسس كثيرون
يُلجمون أفواهنا الجائعة .
أذكرنا عند ربك ..
ربما يَنُبْنَا من خزائنك كَيْلُ بعير .
أو وليمة صيد عابثة .
أو امرأة ناعسة ، من
حريم القصور الفارهة ..
المسجلة باسم العروبة المستفحلة .
أذكرنا عند ربك
وادْعُهُ ..
أن ينصرنا هذه المرة ..
فقط ..
فقد تجاوزنا لغة السلام ،
ولغة الحرب ،
وأعلنا سقوط الحروف من جيوبنا المتفتقة ..!
وصرنا عراة ..
نفتقد ورقة التوت المقدسة .
أدعه ..
أن يداري سوءاتنا الهادرة .
وبعد ذلك يَقْصِمَنا ..
بالضربة القاضية
*
هو ربك ..
لم نؤمن بعد ..
وإلا لماذا ننادي ..
………
***
لأنت يوسف ..
هل تعلم ..؟
نعلم أشياء ،
ونفعل أشياء ،
وندوس على أشياء ،
ونبحث عن أشياء ،
ونفسر الشيءَ بعد الشيء ..
بالأشياءِ ..
ولا نملك شيئاً من أسباب
الأسباب .
وترانا نُوَّاب ..!
ننام في جلسات التفتيش
وعند توزيع الأسلاب
تجدنا أول واقف في طابور العشاق .
ولِتَفْتَحَ أمريكا الباب
ندوس على رقاب الأحباب .
لا نخشى الله ..
ولا نخشى دوران الدولاب
حين نصير نحن المطلوبين ..
ويطلبنا الأصحاب ..؟!
*
لأنت يوسف
أعلمنا الغيب الذي علمك الله ..
وأعلمنا جدوى المماطلة ..
وهل يجوز قتال ..
وقد أعادتنا جيوش الغزو إلى ..
قبائل أعداء ..
أعلمنا غيب السنين القادمة ..
وهل يعيد التاريخ نفسه ..؟
نعلم أن للبيت رب ..
وللأقصى رب ..
وربك ربهما ..
فاذهبا وقاتلا ..
حتى تنزاح عنا الغُمة ..
أَوَنكون قد كفرنا بالنعمة المُزْجَاة ..؟!
أَوَتكون دعوة مظلوم في جوف الليل ..!؟
من الأصحاب أصابتنا ..
فأخْرَجَنَا اللهُ من رحمته الفاتنة ،
وأبقانا نطرق أبوابه ،
نتيه فوق الطرقات ..؟
أدعه لنا ..
… … … … … …
… نتحمل أن نموت جياعاً
ولا نتحمل أن تخرجنا خطايانا من
نور الشرفات .
*
لأنت يوسف ..
أيها الصديق الكريم
كن رسول الجياع ، الهائمين على وجوههم
في صحراء الكلال .
وكن رسول الناس البسطاء في أرض الوبال .
وكن رسول العاشقين ..
لأنا عشقنا فيك جميع الخلال .
لأنت يوسف ..
كن رسول الأرض إلى السماء ..
فما زال فيها من يعبد الله ،
وما زال فيها من يشحذ الهمة للقتال
وما زال فيها الشيوخ ،
والبهائم ،
والصغار .
وما زال فيها بقية من نور ..
وما زلنا نتحرى الإيمان بين شعاب القرية الجبلية ..
ونتحرى دروب التوبة الأبدية ،
ورضاء الأصحاب .
*
لأنت يوسف ..
أفتنا ..
في قبائل يحكمها أشباه رجال ..
وقبائل تحكمها نساء ..
وقبائل لا يرضيها إلا الدماء ..؟
أفتنا ..
من يملك الأرض ..؟
ولمن يكون الانتساب ..
الأرض للفرد ..
أم الإنسان للتراب .
أفتنا ..
إذا غابت الحقيقة
وغاب السلاح ..
كيف يحارب المظلوم ظالمة .؟
وكيف نمنع الاجتياح .
وإذا نادى المنادي ..
كيف نعبر الحدود ..
ونقطع السياج ..؟
والعسكر واقفون بالمرصاد
يمر الهواء والهوام
ولا تمر أحلام الصبايا
ويرجع كسِيفاً السحاب ..!
أفتنا .. لأنت يوسف ..
ربيب الأنبياء ..
ونعلم أننا خير أمة ..
حبانا الله بخير الأنبياء ..
محمد ..
فكيف نهون ..
ولِمَ نواصل الرياء ؟
*
ماذا يقول
الكِتَاب ؟
*
على من سنشهد .؟
وهل يجوز أن نظل الشهداء ..
الشهادة علمٌ وريادة وامتحان ..
والشهادة عزٌ .. يوم القيامة أمام الأنام .
وهل وحدنا سنبقى الشهداء ؟
أم أن أمماَ أخرى ستشهد علينا ..
بأنا تنازلنا عن جميع مهماتنا
وأسقطنا من حياتنا ..
الفَتْحُ بالجهاد ..
وأسقطنا الحسام ..
ونعلم أنه عزّ البلاد ..
وفاتحة الكتاب .
*
لأنت يوسف ..
تعلم بأنا أقوياء ..
البعض منا خانه الحظ فضاع ،
فباع الرسالة ،
وعاث خراباً بفتوحات الأولياء .
والبعض منا غرته القوة ..
فاستسلم للنعاس ..
ونام ..
ولم يعلم أن عيون الظالمين تتابعه
حتى يرخي أصابعه عن
زناد الكفاح .
ولأنت يوسف تعلم أنا أقوياء
خلفاء الله فوق الأرض
وعلماءه الأولياء ..
لكن بعضنا خان الأمانة ..
فصادر عقول الرجال .
وخَبَلَ الألبابَ بالنساء وبالأموال .
وفتح البلاد للسبايا والإماء ،
ورضينا بالمماليك أسياداً من مواخير البلاد ..
في النوادي والعلوم ومعارف السماء
ورضينا بهم قادةً
يعلموننا زلاّت اللسان .
فذلت العقولُ
ودُكَّتِ الأركان ..؟!
*
لأنت يوسف ..
أَفْتِنا ..
في المَلِكِ المُحَصَّن ..!
إذ يقرأ الفرمان المدبلج في ظلام الاحتلال :..
يُمْنَعُ الديكةُ من الصياح ،
ويُمْنَعُ النباح .
الدجاجات يعسسن المدينة ..
هكذا هي إرادة الحاكم ..
ورغبة الفراخ .
وعندما تأتي الرياح
لا يلومن أحدٌ من نفسه ..
وليبدأ النواح .
*
تَبَدى الملكُ قبل الفجر
ولاح ..
موسوم بين فخذيه ..
مؤخرته تطلق العواء .
أَفْتِنا ..
في مليكنا غير الهمام
وفي حفلات التزاوج والزواج ..
حيث التواقيع على الوثائق تنهال ،
والبصمات .
وطبقاً لآخر المصادر الموثوقة ..
غير مباح ..
حتى التفكير بالنباح .
وخير قصيدة نحفظها ..
قصيدة السلام ..
لا أسمع ..
لا أرى ..
لا أتكلم ..
لغة البهائم والهوان .
*
والمدينة تسبح في الظلام
تنتظر تباشير الضياء ..
والليل من أعوان مليكنا ..
ومليكنا يهواه ..
ففي الليل يتخفف من الحياء ،
ويمارس عادته السرية ..
في لجم أفواه العباد .
ومليكنا ينافس الليل في ثقل الأنفاس
يتربع جاثماً ..
يقطع الطريق على عرائس الأرض
ويغتصب آمال الشباب .
أفتنا لأنت يوسف ..
في مليكنا غير المهاب
غير أنه جاء ..
والمدينة في السبات ..
اغتصب الدجاجات ..
وسلم الديكة للذئاب ..
ما تقول ..
في الملك الكذاب .
*
لأنت يوسف أفتنا ..
تعبر الرؤيا بلا أبواب ..
هبة الله ..
فهبنا من بعض علمك الفتات .
حياتنا ألغاز ..
وألغازنا يباب ..
وكل يوم يصيبنا السباب ..
من أطفالنا ،
ما عادوا يحتملون أخوتهم ..
قد غارت الآبار ..
وتوحشت الذئاب ..
*
2001
[/frame]
تعليق