أقيانُس
حينَ تُرخِي الشُطآنُ ضَفائِرَها
تَنفَرِطُ اساوِرُ المـاء
ويَقتاتُ المَحارُ على الرِّمال
جاءت الصورة هنا لوحة سرياليّة نلمحها تغوص في الجمال من خلال هذه الأسطر ، تلك الشواطئ البيضاء أين تتعانق الرمال مع الزبد فبدتْ كأنّها ضفائر كستانيّة تلوح في المدى على طول الساحل والماء تتحوّل بلمسة الشاعر إلى أساور تنفرط حبّاتها اللؤلؤيّة فوق الرمال ليقتات منها ذلك البريق المتوهّج.
وهنا تعود بي ذاكرتي إلى رسّامة إنجليزيّة "جوزيفين وول" تلك التي ترسم بمداد المشاعر والفرح حتى أن كلّ لوحاتها تعج بالألوان والغناء.
وشاعرنا عرف كيف يوظّف كلمة غناء بطريقة أخّاذة فريدة وإلاّ كيف يجرّ هذا الغناء البحر الكبير والكبير بما يحمل في أعماقه من أصداف ومرجان وحياة أخرى لكائنات ملوّنة اسمها "الأسماك"
يا للغِناءِ العَمِيق ..
يجرُّ الأقيانُسَ عَكسَ الرِّيح
استشفيت أنّ الشاعرَ يطوي الريح في حقائب الذكريات وهو يتساءل:
وإن يَكُن !
وماذا بعد ؟!
وماذا يُرِيدُ الأقيانُس ؟!
وفي دَواخِلِنا أشعارٌ تُضِيءُ قُعرَ البَحر
ما أروع أن نرقص لأكثر من فرح....لأكثر من عرس
نرقص أجمل من الموج ومن الريح ومن النوارس التي تأتي مشتاقة لأهازيج الصيادين
ما أجمل أن يتساءل الشاعر عن تلك القصائد التي تضيئ أعماق البحر!
أوليستْ قصائدنا بحارا تفيض ؟
أوليستْ قصائدنا دمعة ، آهة ، فراشات تفيض عسلا وأحيانا موتا؟؟
هكذا كان شاعرنا يمنح للسفر تذكرة جديدة والطريق طويل طويل لا ينيره سوى :
القَمرُ المُرابطُ على طَرِيق
وكأنّ المسافر يحمله عموده الفقريّ إلى كل الأمكنة المستحيلة والممنوعة
فهو به يجتاز كل العقبات، فيمضي ريحا،غمامة،كلاما، صمتا، فرحا، بكاء، ليراقص وحده الأمواج ..... ليراقص وحده الأقيانُس.
هُنا ..
يَرتَجِفُ المُسافِرُ في عَمُودِهِ الفِقرِيّ
المُسافِرُ الَّذِي يَلحَسُ الأُفُق
لا غَدٌ يَمضِي إلى الشَّحرُورِ نِسرًا
وهَذا الدَّلِيلُ يُؤَكِّدُ ..
بأنَّنِي واحِدٌ يَرصِفُ جَبَلَين و نَيزَكًا
يرتقي الشاعر إلى مدن الضوء السماويّة وتطوينا معه الرحلة السحريّة في حواره مع النجم المرصّع بالبياض ولا ندري أكان البياض الذي يقصده الشاعر هو بياض الروح النقيّة والسريرة الصافية؟ أم يقصد اللجين الذي يوظفه في معظم قصائده حتى لكأنّها قطع من اللجين تسبح في المجرّة...
والقصائد هي بناتنا ... هي أجسادنا النائمة في عمق المعنى فنرقص فعلا فوق اللغة والحرف.
أيُّها النَجمُ المُرصَّعُ بالثُّلُوج :
كُنْ جَسَدِي
كُنْ جَسَدِيَّ المُهيّأُ للنُّشُور
جَسَدِيَّ النّائِمُ في بُرتُقالَة
كُنْ لغتي ..
من خَشَبِ الصَّنوبَرة
عرّش الموج فوق صدر الكاتب وغدت المسافات كما يراها أو كما يتمنّاها، تتّسع وفي الرؤى ، يحتضن المدى ويزرع الورد والضوء والمراكب فوق الأقيانُس.
وكأنه يرسم بلغته المتوفّقة جدّا ، بحرا آخر لا نعرفه إلا في قصص السندباد.
قُل لي بِرَبِكَ :
أيَتَّسِعُ السَّبيلُ لِيَكُونَ أدِيمًا وشُرفَة ؟!
أيَتَّسِعُ لِيَكُونَ غَيرَنا في الكَلام ؟!
ونعود إلى اللوحات السرياليّة فنلمح حجلا يحضر الآن
شمعا ينير الأمد ثم يذوب في الخفر .
في هذه اللوحة، نتأكّد بأن الشاعر يملك أدواته الخاصة جدّا
يملك قاموسا متفرّدا ليجعل الكون أحلى والروح تؤانس خوفها
فلا خوف بعد الآن.....كل المسافات اشتعلت لوزا وتفاحا وبرتقالا نائما في الجسد.
حَجَلٌ ..
غارِقٌ في الصَّدى
وشَمعٌ يَذُوبُ على خَفرِ النَّدى
مُصادَفَةً ..
نَدَفَ السِّندِيانُ غَزالَة
وَسطَ اندِياحِ اللَّونِ ..
على رُقعَةٍ من السُّماقِ الماهِر
كانَت قَدَماها تُلامِسانِ الوَقت
تَمشِيانِ على خَيطِ نُور ..
رحابةً لا تَتَعَجَّلُ المَعنى
كأنَّها تَكاثُرُ الرِّيشِ والبُندقِ الأخضَر
يعود بنا الشاعر بخفّة وبمهارة قبطان بحريّ إلى الطرف الآخر من "القيانُس"
وجاء هنا ليرسم لوحة رائعة بطلها "جوفاني" فهل هو ذلك العاشق للفن في زمن يعجّ بالفنانين. .؟
لا سيما أن الدكتور الأسطل تملؤه الألوان وريشته التي لم نتعرفّ عليها حتّى الآن، تتشكّل قصائد تسبح في الضوء
هو رسام يرفض أن يحيا خارج المرحلة ويرفض الإقامة في الجانب الآخر
بَيتٌ خَشَبِيٌ ضَئِيل
و" جوفاني " ..
مُثقَلٌ بالفَجرِ الضالِعِ في الرَّذاذ
إيقاعٌ لا يَستَطِيعُ الفَكاك
يَتَداخَلُ مع عافِيَةِ العُلوّ
يُؤبجِدُ بَرقَ السَّماء
وفي كلّ آن ٍ ، يعود الكاتب إلى حيرته فيخاطب نفسه قائلا:
عليَّ أن أخطُفَ الصَّرِيمَ الجائِع
أن أُخَبِئهُ بينَ الفَيّنَةِ والمُطلَق
أُعَلِمهُ أن يَنهَضَ واقِفًا ..
كَعُشبٍ يَرقُدُ في الكَفّ
ونحن نعرف أن "الصريم" هو الليل كذلك هو الصبح، وبين هذا وذاك، تكبر اللغة لتصير نخلة سامقة فما أجمل أن نخبئ الليل أو الصبح بين دفاترنا وفي أكفّنا لنهديه للقبّرات الصغيرة حين يموء البرد في القفار.
وفي الحقيقة ما وجدته في هذه القصيدة ، هو مجموعة قصائد متناثرة هنا وهناك مثل جزر "موريس" أو مثل غابات كثيفة الظلال بما تحتويه من أشجار اللوز والبندق والجوز ، وهو يوظف كل هذا وينظمه عقدا نفيسا.
أيَّ مَطَرٍ تُحِبِّين ؟
سألتُ زائِرَةً تَحمِلُ نِصفَ مَجدِها
بِكامِلِ عُدَّتِها وَرَعدِها
لَيسَ هُنالِكَ ثَمَّةَ ما أُخفِيه
تُخُومُ الجَوزِ تدحرجَت فيما وراءَ الحِنطَة
والأدغالُ حَبَت كَرَعَشاتٍ تائِهَه
وفي خضمّ الحيرة الجميلة والتساءل الخفيف يقول:
كَم مِنَ اللَّيلِ انقَضى يا رَفِيقِي ؟
سؤال فيه الايجابيّة وفيه السلبيّة،
الإحتمال الأوّل :
عاشق لليل الذي يرافقه فيصقل على ضفافه حروفه لتلمع قصائد كريستاليّة.
الإحتمال الثاني:
روح الشاعر المليئة بالبياض والهواء والانطلاق، لا تميل إلى الليل فتتساءل هذه الروح : هل انقضى الليل؟؟
كأنّه عبء ثقيل ينتظر متى ينجلي ليلامس خدود الصباح.
عليَّ أن أندِفَ دُونَما سَحاب
دُونَما عَناءٍ مُفرِطٍ بِلا قَرار
هُنالِكَ في الشَّطرِ القُرمُزِيِّ مِن الأرض ..
غُصنٌ بِلَونِ الفُراتِ يَرتَجِف
وهَذا اللَّيلُ يَقتاتُ عَلى قِيثارَةِ المَعنى
مجازًا ..
يَغُورُ في سَطرَينِ عَلى الخَرِيطَة
كانَ استِوائِيًا يُلَوِحُ لِي
وحكاية الليل مازالت ترافق الشاعر في فوضى جميلة مثل غجريّة تطاير شعرها ثم انساب على خد اللجين.
مَن أنتَ يا زَغَبَ الحَمام ؟!
من أنتَ يا رِيشَ الكَلام ؟!
افهَم جَيِّدًا !
أنا ..
ذاهِبٌ لاصطِيادِ الأُفُق
أنا ..
جَمِيعُ الأسماءِ في قَدِيدِ الجَسَد
أحمِلُ الأجراسَ عَلى كَتِفَيَّ
أمامِي ..
رُوحٌ تَشرَحُ نَفسَها
وأمامِي ..
شَكلٌ نَيءٌ بالِغُ الإدراك
والذات الشاعرة، تعود من مدنها البيضاء مبتلّة بالهدوء والسكينة
فيدرك الكاتب رغم كل هذه الحيرة والتساءل المشروع، أنّه جميع الأسماء.
شاعر يتّسع رغم الزمن الضيّق يحمل الأجراس ويمضي يهب أغانيه وأشياءَهُ الكثيرة ماء للافق.
مَساءٌ ..
مثل شَطرَي تُفاحَة
أشَدُّ حَلاوَةً ..
مِن قُطُوفٍ سافَرَت فِي الشَّمس
وللمساء ضفّة أخرى...تفاحة الجمال ترسم طريقا إلى الشمس.
وأنتِ الَّتِي ..
سَتُصبِحِينَ الوِشاحَ الَّذِي يُغامِر
لَم تَفهَمِي الشَّجَرَةَ الَّتي صَنَعَت جِدارَ الصَّوت
وأنتِ ..
مَن صَنَعَتِ " الدُّورِيّ" الَّذي لا يَكُفُ عَن الغِناء !
رُضابٌ فَوضَوِي ..
وطَلاوَةٌ ..
تَصطادُ شَجَرَةَ الكَلِمات
عَلَيكِ أن تَمسَحِي نَوافِذِي
امسَحِيها عَلى مَدخَلِ اللَّيل
وأطلِقِي سَراحَ الأبجَدِية ..
لِيَغفُوَّ الظِّلُّ ..
مَخبُوءًا ..
بَينَ رِئَتَين !
وفي ثنايا القصيدة، معشوقة تقطف الرماد من دربه،
فتأخذه ...تحتويه ، رغم بكائيّة العصافير المعشّشة في الجدار.
والشاعر يريد التحليق بلا حواجز ولا نوافذ لتنطلق الأبجديّة، لحنا فرحا بذورا تُـــنثـَـرُ في العتمات.
~~~~~~~
دكتور محمد الأسطل،
اقبل مني عطري هنا.
محبتي
~~~~~~~~~
حينَ تُرخِي الشُطآنُ ضَفائِرَها
تَنفَرِطُ اساوِرُ المـاء
ويَقتاتُ المَحارُ على الرِّمال
جاءت الصورة هنا لوحة سرياليّة نلمحها تغوص في الجمال من خلال هذه الأسطر ، تلك الشواطئ البيضاء أين تتعانق الرمال مع الزبد فبدتْ كأنّها ضفائر كستانيّة تلوح في المدى على طول الساحل والماء تتحوّل بلمسة الشاعر إلى أساور تنفرط حبّاتها اللؤلؤيّة فوق الرمال ليقتات منها ذلك البريق المتوهّج.
وهنا تعود بي ذاكرتي إلى رسّامة إنجليزيّة "جوزيفين وول" تلك التي ترسم بمداد المشاعر والفرح حتى أن كلّ لوحاتها تعج بالألوان والغناء.
وشاعرنا عرف كيف يوظّف كلمة غناء بطريقة أخّاذة فريدة وإلاّ كيف يجرّ هذا الغناء البحر الكبير والكبير بما يحمل في أعماقه من أصداف ومرجان وحياة أخرى لكائنات ملوّنة اسمها "الأسماك"
يا للغِناءِ العَمِيق ..
يجرُّ الأقيانُسَ عَكسَ الرِّيح
استشفيت أنّ الشاعرَ يطوي الريح في حقائب الذكريات وهو يتساءل:
وإن يَكُن !
وماذا بعد ؟!
وماذا يُرِيدُ الأقيانُس ؟!
وفي دَواخِلِنا أشعارٌ تُضِيءُ قُعرَ البَحر
ما أروع أن نرقص لأكثر من فرح....لأكثر من عرس
نرقص أجمل من الموج ومن الريح ومن النوارس التي تأتي مشتاقة لأهازيج الصيادين
ما أجمل أن يتساءل الشاعر عن تلك القصائد التي تضيئ أعماق البحر!
أوليستْ قصائدنا بحارا تفيض ؟
أوليستْ قصائدنا دمعة ، آهة ، فراشات تفيض عسلا وأحيانا موتا؟؟
هكذا كان شاعرنا يمنح للسفر تذكرة جديدة والطريق طويل طويل لا ينيره سوى :
القَمرُ المُرابطُ على طَرِيق
وكأنّ المسافر يحمله عموده الفقريّ إلى كل الأمكنة المستحيلة والممنوعة
فهو به يجتاز كل العقبات، فيمضي ريحا،غمامة،كلاما، صمتا، فرحا، بكاء، ليراقص وحده الأمواج ..... ليراقص وحده الأقيانُس.
هُنا ..
يَرتَجِفُ المُسافِرُ في عَمُودِهِ الفِقرِيّ
المُسافِرُ الَّذِي يَلحَسُ الأُفُق
لا غَدٌ يَمضِي إلى الشَّحرُورِ نِسرًا
وهَذا الدَّلِيلُ يُؤَكِّدُ ..
بأنَّنِي واحِدٌ يَرصِفُ جَبَلَين و نَيزَكًا
يرتقي الشاعر إلى مدن الضوء السماويّة وتطوينا معه الرحلة السحريّة في حواره مع النجم المرصّع بالبياض ولا ندري أكان البياض الذي يقصده الشاعر هو بياض الروح النقيّة والسريرة الصافية؟ أم يقصد اللجين الذي يوظفه في معظم قصائده حتى لكأنّها قطع من اللجين تسبح في المجرّة...
والقصائد هي بناتنا ... هي أجسادنا النائمة في عمق المعنى فنرقص فعلا فوق اللغة والحرف.
أيُّها النَجمُ المُرصَّعُ بالثُّلُوج :
كُنْ جَسَدِي
كُنْ جَسَدِيَّ المُهيّأُ للنُّشُور
جَسَدِيَّ النّائِمُ في بُرتُقالَة
كُنْ لغتي ..
من خَشَبِ الصَّنوبَرة
عرّش الموج فوق صدر الكاتب وغدت المسافات كما يراها أو كما يتمنّاها، تتّسع وفي الرؤى ، يحتضن المدى ويزرع الورد والضوء والمراكب فوق الأقيانُس.
وكأنه يرسم بلغته المتوفّقة جدّا ، بحرا آخر لا نعرفه إلا في قصص السندباد.
قُل لي بِرَبِكَ :
أيَتَّسِعُ السَّبيلُ لِيَكُونَ أدِيمًا وشُرفَة ؟!
أيَتَّسِعُ لِيَكُونَ غَيرَنا في الكَلام ؟!
ونعود إلى اللوحات السرياليّة فنلمح حجلا يحضر الآن
شمعا ينير الأمد ثم يذوب في الخفر .
في هذه اللوحة، نتأكّد بأن الشاعر يملك أدواته الخاصة جدّا
يملك قاموسا متفرّدا ليجعل الكون أحلى والروح تؤانس خوفها
فلا خوف بعد الآن.....كل المسافات اشتعلت لوزا وتفاحا وبرتقالا نائما في الجسد.
حَجَلٌ ..
غارِقٌ في الصَّدى
وشَمعٌ يَذُوبُ على خَفرِ النَّدى
مُصادَفَةً ..
نَدَفَ السِّندِيانُ غَزالَة
وَسطَ اندِياحِ اللَّونِ ..
على رُقعَةٍ من السُّماقِ الماهِر
كانَت قَدَماها تُلامِسانِ الوَقت
تَمشِيانِ على خَيطِ نُور ..
رحابةً لا تَتَعَجَّلُ المَعنى
كأنَّها تَكاثُرُ الرِّيشِ والبُندقِ الأخضَر
يعود بنا الشاعر بخفّة وبمهارة قبطان بحريّ إلى الطرف الآخر من "القيانُس"
وجاء هنا ليرسم لوحة رائعة بطلها "جوفاني" فهل هو ذلك العاشق للفن في زمن يعجّ بالفنانين. .؟
لا سيما أن الدكتور الأسطل تملؤه الألوان وريشته التي لم نتعرفّ عليها حتّى الآن، تتشكّل قصائد تسبح في الضوء
هو رسام يرفض أن يحيا خارج المرحلة ويرفض الإقامة في الجانب الآخر
بَيتٌ خَشَبِيٌ ضَئِيل
و" جوفاني " ..
مُثقَلٌ بالفَجرِ الضالِعِ في الرَّذاذ
إيقاعٌ لا يَستَطِيعُ الفَكاك
يَتَداخَلُ مع عافِيَةِ العُلوّ
يُؤبجِدُ بَرقَ السَّماء
وفي كلّ آن ٍ ، يعود الكاتب إلى حيرته فيخاطب نفسه قائلا:
عليَّ أن أخطُفَ الصَّرِيمَ الجائِع
أن أُخَبِئهُ بينَ الفَيّنَةِ والمُطلَق
أُعَلِمهُ أن يَنهَضَ واقِفًا ..
كَعُشبٍ يَرقُدُ في الكَفّ
ونحن نعرف أن "الصريم" هو الليل كذلك هو الصبح، وبين هذا وذاك، تكبر اللغة لتصير نخلة سامقة فما أجمل أن نخبئ الليل أو الصبح بين دفاترنا وفي أكفّنا لنهديه للقبّرات الصغيرة حين يموء البرد في القفار.
وفي الحقيقة ما وجدته في هذه القصيدة ، هو مجموعة قصائد متناثرة هنا وهناك مثل جزر "موريس" أو مثل غابات كثيفة الظلال بما تحتويه من أشجار اللوز والبندق والجوز ، وهو يوظف كل هذا وينظمه عقدا نفيسا.
أيَّ مَطَرٍ تُحِبِّين ؟
سألتُ زائِرَةً تَحمِلُ نِصفَ مَجدِها
بِكامِلِ عُدَّتِها وَرَعدِها
لَيسَ هُنالِكَ ثَمَّةَ ما أُخفِيه
تُخُومُ الجَوزِ تدحرجَت فيما وراءَ الحِنطَة
والأدغالُ حَبَت كَرَعَشاتٍ تائِهَه
وفي خضمّ الحيرة الجميلة والتساءل الخفيف يقول:
كَم مِنَ اللَّيلِ انقَضى يا رَفِيقِي ؟
سؤال فيه الايجابيّة وفيه السلبيّة،
الإحتمال الأوّل :
عاشق لليل الذي يرافقه فيصقل على ضفافه حروفه لتلمع قصائد كريستاليّة.
الإحتمال الثاني:
روح الشاعر المليئة بالبياض والهواء والانطلاق، لا تميل إلى الليل فتتساءل هذه الروح : هل انقضى الليل؟؟
كأنّه عبء ثقيل ينتظر متى ينجلي ليلامس خدود الصباح.
عليَّ أن أندِفَ دُونَما سَحاب
دُونَما عَناءٍ مُفرِطٍ بِلا قَرار
هُنالِكَ في الشَّطرِ القُرمُزِيِّ مِن الأرض ..
غُصنٌ بِلَونِ الفُراتِ يَرتَجِف
وهَذا اللَّيلُ يَقتاتُ عَلى قِيثارَةِ المَعنى
مجازًا ..
يَغُورُ في سَطرَينِ عَلى الخَرِيطَة
كانَ استِوائِيًا يُلَوِحُ لِي
وحكاية الليل مازالت ترافق الشاعر في فوضى جميلة مثل غجريّة تطاير شعرها ثم انساب على خد اللجين.
مَن أنتَ يا زَغَبَ الحَمام ؟!
من أنتَ يا رِيشَ الكَلام ؟!
افهَم جَيِّدًا !
أنا ..
ذاهِبٌ لاصطِيادِ الأُفُق
أنا ..
جَمِيعُ الأسماءِ في قَدِيدِ الجَسَد
أحمِلُ الأجراسَ عَلى كَتِفَيَّ
أمامِي ..
رُوحٌ تَشرَحُ نَفسَها
وأمامِي ..
شَكلٌ نَيءٌ بالِغُ الإدراك
والذات الشاعرة، تعود من مدنها البيضاء مبتلّة بالهدوء والسكينة
فيدرك الكاتب رغم كل هذه الحيرة والتساءل المشروع، أنّه جميع الأسماء.
شاعر يتّسع رغم الزمن الضيّق يحمل الأجراس ويمضي يهب أغانيه وأشياءَهُ الكثيرة ماء للافق.
مَساءٌ ..
مثل شَطرَي تُفاحَة
أشَدُّ حَلاوَةً ..
مِن قُطُوفٍ سافَرَت فِي الشَّمس
وللمساء ضفّة أخرى...تفاحة الجمال ترسم طريقا إلى الشمس.
وأنتِ الَّتِي ..
سَتُصبِحِينَ الوِشاحَ الَّذِي يُغامِر
لَم تَفهَمِي الشَّجَرَةَ الَّتي صَنَعَت جِدارَ الصَّوت
وأنتِ ..
مَن صَنَعَتِ " الدُّورِيّ" الَّذي لا يَكُفُ عَن الغِناء !
رُضابٌ فَوضَوِي ..
وطَلاوَةٌ ..
تَصطادُ شَجَرَةَ الكَلِمات
عَلَيكِ أن تَمسَحِي نَوافِذِي
امسَحِيها عَلى مَدخَلِ اللَّيل
وأطلِقِي سَراحَ الأبجَدِية ..
لِيَغفُوَّ الظِّلُّ ..
مَخبُوءًا ..
بَينَ رِئَتَين !
وفي ثنايا القصيدة، معشوقة تقطف الرماد من دربه،
فتأخذه ...تحتويه ، رغم بكائيّة العصافير المعشّشة في الجدار.
والشاعر يريد التحليق بلا حواجز ولا نوافذ لتنطلق الأبجديّة، لحنا فرحا بذورا تُـــنثـَـرُ في العتمات.
~~~~~~~
دكتور محمد الأسطل،
اقبل مني عطري هنا.
محبتي
~~~~~~~~~
تعليق