من هدير البحر... إلى رماد الاحتراق ... بقلم : مراد قراوة – سوق أهراس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    من هدير البحر... إلى رماد الاحتراق ... بقلم : مراد قراوة – سوق أهراس

    من هدير البحر... إلى رماد الاحتراق ... بقلم : مراد قراوة – سوق أهراس



    ـــ آسيا رحاحلية ........
    من هدير البحر... إلى رماد الاحتراق ...
    كيف أصل الحكاية !
    - حينما قرأت لآسيا رحاحلية مجموعتها الأولى - ليلة تكلَّم فيها البحر - كتبت يومها في قراءتي النَّقدية الخجولة والتي تناولت فيها قصص المجموعة .قصة – قصة .وقلت : أنَّ قصص آسيا – عفواً – روحها المنثورة على الورق كانت حبلى حدَّ الارتواء بصور الإغراء ومحطَّات الدَّهشة - ومساحات الاشتهاء - وغابات الغموض والحيرى ممّا دفــــــــعني كي أنشر أشرعتي وأحمل مرساتي ... وأُعاوِد الإبحار ثانية وسط ذلك الخضم المعبء بالأسئلة القلقة .
    - لست أدري لماذا تملَّكني الإحساس نفسه هذه المرَّة أيضاً ، وأنا آتي على آخر قصة في مجموعتها الثانية – شهريار رقيق القلب - ... بل إنَّ هذا الإحساس كان أكثر تودداً ... وأكثر إلحاحاً هذه المرَّة ...
    - ومن عوالم المجموعة الأولى > ليلة تكلَّم فيها البحر< إلى فضـــــــــاءات المجمــــوعة الثانية > سكوت إنِّي أحترق < أحسستني مـــثل سمكة انزلقت تدريجياً من زرقة النهر > ليلة تكلَّم فيها البحر< إلى حيـرة البحر > سكوت إنّي أحترق < وأحــــسست وأنا أقرأ قصص المجموعة أنَّ مساحات من القلق والـــتوتر والضياع والاغتراب المرّ تتنامى وتتعملق وتتشعب حتى تصير بحجم مآسي العمر الذي نتشتمُّ خيباته تطلّع من بين السطــــور ... بل من بين الكلمــات ... بل من بين الحروف . وكأنَّ فضاءات المجموعة الأولى والتي حمَّلتها آسيا هزائم عمر وخيبــات أزمنـــة مــــــوغلة في الضيـــاع لم تتسع هذه الفضاءات لمساحات الخيبات والهزائم والانكسارات حتى فاضت طافحــــــــة لتكتســــــح فضاءات المجموعة الثانية... ربما الواقـــع المــر الذي فتح فمه إلى أقصى ما يستطيع كي يبتلع بقايا أحلامنا المتعبـــــة هو الـــذي ولَّــــد في آسيا هذه الهزائم والمكبوتات فترجمتها إلى نصوص مجروحة ... فلمَّا كان المخاض وجاء المولود موشوماً ... وموسوماً ... بعاهات الهزائم ملتحفاً خيبات هذه الأمة التي صلبوها على أعمدة الإذلال المرّ . وهذا ما قد يتحسَّسه القارئ وهو يقف عند أعتاب عنـــــوان المجموعة > سكوت إنِّي أحترق < ( و لا زلت مصرا على أنَّ عنوان كلّ عـــمل فنِّي هو صهيله وكلّ قارئ مـــــــتمرس يتفهم أصالة العمل الفني من خلال صهيله ) ...لماذا هذا الاستجــــــداء الّذي يرقى إلى حدّ استعطاف الآخر كي يــــــــمنحنا فرصة أنْ تخترق بل ويوفر لنا الأجواء المناسبة لنمارس جنون الجمر والاحتراق ... أليس هي بدايات الألغام التي تزرعها آسيا بإحكام في مسالك العابرين إلى نهاية العمل فوق خطوط الدهشة والأسئلة الحيرة !
    - للاحتراق تاريخ مع البشر وصحبة ...وله أيضاً رؤى وفلسفات ... لماذا نريد أنْ نحترق في هدوء وسكينة ووقاراً ... ألأنَّ الاحتراق . كما عند الهنود - يضمن لنا الخلود في العوالم الأخرى بشكِّل أكثر صفاء وطهراً ونقــــــاء لذلك هم يحرقون كلّ عزيز ويذرون رماده مع نسمات الغروب ...
    - ألأنَّ الاحتراق سيعيدنا للحياة بشكلِِ بهيِّ بعد أنْ تخلِّصنا النَّار من كومة أخطائنا وخطايانا بعد أن ننصهر تمامــاً في آتون عوالـــم إبداعيــة شفافــة صنعناها لأنفسنا ... كما نصهر المعادن النفيسة كي نعيد قولبتها بالشكل الذي نــــشتهي ...
    - أم لأنَّ الاحتراق سيغيّبنا وينزع عنا أوزارنا ويريحنا من وطأة الإحساس بالوهن والضياع والغربة وفي نفس الوقت يطهِّر آخرين ويخلِّصهم من وهن الوعي فيتحركون لبعث الرّوح في ما احترقنا نحن من أجله كما فعل البوعزيزي الذي احترق فمات و أحيا أمّة بكاملها ...كم كثيرون هم الذين مارسوا لعبة الاحتراق والموت ... لفلسفات متداخلة ومتشابكة فسجلوا عندنا الدَّهشة والتساؤلات الأبدية : فنيرون أحرق عزيز ته روما لفلسفة ... يقال أنَّ الكاهنة أوصت بأن تــحرق بعد هزيمتها أمام الفاتح - حسان بن النعمان - لفلسفة... - القدِّيسة - جان دارك – التي دافعت عن فرنسا قتلت وأحرقــت لفلسفة أخرى أيضاً – السفَّاح – أحرق رفاة بني أميَّة واحداً ... واحداً... لرؤى وفلسفات أخرى ... فأيَّة فلسفة تحـــرق آسيا لأجلها و في هدوءِِ يا ترى ... قد تجيبنا يوماً ...
    - أعرف أنّ العنوان هو نقرٌ خفيف على أبواب الوعي عند القرَّاء بأن استفيقوا واستعدوا لتفكيك عوالـــــــم الدّهشـــــة وفضاءات الأغراء والاشتهاء ... ولذا تعمَّدت آسيا أنْ يكون العنوان أول بداية لتشكيل العصف الدماغي عند القارئ . - أحسب أنها أصابت –
    - تفتتح آسيا المجموعة بإهداء - لأمّها ضمنته أسمى معاني التقدير والاحترام والإجلال ومثل هذا الإبداع في الإهداء قد يكون أوَّل المفاتيح التي تساعدنا على فتح الأقفال والولوج إلى عوالم شخصية المبدعة ... هذه العوالم بدورها لاشك أنَّها تسهل علينا فك شفــرات ما تطرحـــه من تساؤلات وما تزرعــه من رؤى مطبقــة على خبايا وأحاجي كثيرة ... ففي هذا الإهداء الذكي تتجرَّد فيه آسيا من كونها امرأة و مبدعة كي تعود طفلــة تخربش في صدر أمها ... وهي تجيؤها على استحياء تتعثر في خجلها ...
    - لقد بدت لي القصص من أوَّلها إلى آخرها كسرب لقالق مهاجرة نحو قدرها عند بداية كلّ خـــريف حزين تعلو مرَّة وتنخفض مرَّة أخرى ... ترتفع لتلتحم حتى نقول لن تفترق ...ثمَّ تفترق حتى نقول لن تجتمع ... وفي النِّهاية يكون الهدف واحداً ... الوصول إلى المرابع التي تستريح بها وتحقق فيها أحلامها العاثرة ...
    - وقصص المجموعة تقاسمت قضايا كثيرة والتقت عند أكثر من منعطف لتسجل فينا الإحساس نفسه والدهشة ذاتها .
    - ولعلَّ آسيا أصابت إذ أطلت برأسها من الواقع الذي أضحينا فيه كمن يلبس بدلة من حديد كلما زاد حجمنا فيه كلما خنقنا ... فواقع هذه التحولات والمخاضات الانعتاقات من ربقة السحل ... وظلمات الأقبية ( بركــــات الربيع العربي ) هو الذي اكتسح المساحة الأكبر على امتداد المجموعة كما في قصصها : ( ثرثرة فوق النيل – وإمَّا فلا – خيوط النور ) فالمبدع الذي لا يطل برأسه من رماد الواقع لا بد أن تموت أعماله يومـــــــاً ... الأعمال الخالدة هي التي تخرج من الجراح الجريحة ... و من رماد الهزائم والخيبات .
    - ولعلّ ما قد يصنع الفارق في التعاطي مع آليات وتقنيات الكتابة الإبداعية بين المــــجموعة الأولى والثانية هو هذا الجاحظي ... الذي جاء من عبق التاريخ و ونفخ من روحه شيئا في مخيِّلة آسيا الإبداعية فجاءت عملية القص عبر نصوصها على لسان الحيوان لتمرير رسائل مشفرة وقضايا ملغمة وهو ربما من الأساليب والتقنيات الناجحة في الأدب القديم... أو في الأدب الحديث ... ( كليلة ودمنة – حمار الحكيم ....) ففي قصتيها:(من مذكرات كلب - وحظ العمر ) استطاعت آسيا أن تضع القارئ أمام مجموعة من الألغام المزروعة على امتداد القصِّ وعليه أنْ يتــــــمشى يقظاً ويحسب خطاه جيِّداً كي يمدَّ يديه فتتدلى له الشَّمس ويخبئ منها في بعض جيوبه . وهذا التَّنويـــــــع إنِ دلَّ على شيء وإنَّما يدلُّ على رغبة ملحاحة من المبدعة في تطوير أدواتها الإبداعية وممارسة انسلاخات عديـــدة تنزع في كلِّ مرة ثوباً كي تلبس آخراً أكثر دهشة واغتراباً ...
    - ربما لم تنس آسيا أنْ تفرد بعض قصص المجموعة لتصوِّر فيها وبأكثر دقة خيبات وهزائم شرائـــــــــح كثيرة من المجتمع الذي أوكل إليها وإلينا دون أن يدري ودون أن ندري مهمة تنظيف جراحه ونشرها للشمس الدافئة علّها تبرأ ... فهذه الشرائح الاجتماعية التي عرضتها آسيا على امتداد مجموعتها هي عبارة عن أفلام محـــروقة أتلفتها فاجعة الضوء فلم تعد صالحة ... إنَّهم ولدوا موتى على رأي أحلام مستغانمي في ذاكرة الجسد .
    - فقد صوَّرت بفنية رائعة هزائم العشق والزواج ونهايتهما الموجعة في ( عش أنت - أنثى حب –أنثى حرب – دموع فوق مفرش الحرير – حتى آخر قطرة صبر ).
    - ربما آسيا هذه المرَّة أكثر وعي بما يدور في العوالم المظلمة والزوايا الحالكة في نسيج المجتمع الذي تحيا فيه وتتأثر به ... وتريد أن تؤثر فيه ولو بكلمات قلقة متناثرة في تلافيف نصوصــــــها التي تحلم بالضوء وباخضرار الربيع ... لذلك أماطت اللِّثام على كثير من القضايا التي ظللنا طوال أعوام نحاول نسيانها أو تناسيها تحت تأثيـــرات وإيديولوجيات وتوجهات متداخلــــة ... حيث أنَّها تسربت وبفنية عاليـــة أيضاً إلى مثلث الموت ... (حـــــوار الأديان والحضـــــارات ) ... فقد أصرَّت على حتمية مد جسور التآخي بين بني البشر والمساهمة في بناء عقلية قبول الآخر والتعايش معه ... وقد مرَّرت الرسالة في قصتها ...( سمر) .
    - بقية القصص تتوزع معبأة بخيبات تختلف ألوانها ويختلف طعمها ... خيبات تصوير هذا الكم الموجع من الزمن الرديء الذي نحيا فيه و نجترُّ مرارته ... - فكم قاسية هذه الحياة وكم علَّمتنا أنْ نكون قساة - هــــذا ما قالته الـــقصص الأخرى ... التي صوَّرت الأحــــلام المشروخة ... وحفنة الأمنيات التي تشظت تحت وطأة واقع مرضي مقيت ... وعبثية البشر الذين يندفعون كقطعان مخدرة بمروفين اللامبالاة ... فنتبع خطاهم ليس رغبة في المسيـــر ولكن علَّنا ننقذ ما تبقى من أحلام حطامهم التي أمضوا عليها صكاً على بياض لوحوش الرغبة والكبرياء ... وذلك بحكم أنَّ المبدع صاحب قضية ... والإبداع قضية ...وبحكم رسالتنا كقلة من البشر أوكلت لهم مهمة أنْ يحترقوا بلا ثمن ليضيئوا للآخرين الزوايا المعتمة ... وهذا ما دلَّلت عليه آسيا في قصصها : ( سكوت إنِّي أحترق- ليل وظلّ – صبيحة عيد - خريف الوهم الجميل .)
    - وأنا أقف الآن عند آخر النّهر الذي تعمدت بمائه ... وانتشيت بسحر رقرقته أقول : هذه ليست قراءة نقدية لعمل إبداعي رائع يستحق التفاتة أكثر احترافية ... إن هو إلاَّ رجع صدى ... وكلمات متعبات جاءتني على عجل دون أن أدري ... أمسكت بيدي ... ترجتني أن أساعدها كي تعبر اللَّهب ... و تجتاز البحر إلى الضفة الأخرى ... حيث آسيا هناك تنتصب بين البحر الذي سكت ... والنَّار التي خمدت ... فاسكب في رفق هذه الكلمات في وعيها المتوقِّد علَّها تكون دفقة زائدة في بحر عطائها ... فيسخوا بإبداع آخر أكثر تألقاً ... ومخاضات أخرى لكاتبة أضحت تمسك جيّداً بلجام الفرس ... وتعرف أين تسكب حبرها ... أين تسكب دمها ... أين تسكب دمعها ...


    مراد قراوة – سوق أهراس

    نقلا عن مجلة أصوات الشمال الاليكترونية
    sigpic
  • آسيا رحاحليه
    أديب وكاتب
    • 08-09-2009
    • 7182

    #2
    شكرا لك أستاذ ربيع على إدراج هذا المقال هنا .
    أيها الكبير قدرا و أدبا
    يا صاحب القاموس اللغوي المميّز .
    تقديري و مودّتي دائما.
    يظن الناس بي خيرا و إنّي
    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      قرأت السطور
      فاستحسنت ما كتب
      و نقلتها هنا
      و لا أدري .. هل أكمل قراءتها أم لا ظ
      لكن بالطبع سوف أكمل ، و أنقلها إلي إشراقات أدبية

      كل ما يكتب عنكم أهلي في الملتقى يهمني
      و بلا خلفيات زاعقة أو باهتة
      تهمني أسماؤكم
      إبداعاتكم
      و لو لم تكونوا تستحقون .. ما كتبت كلمة عنكم !

      كم أنا فخور أني كنت معكم هنا
      و كم تمنيت ألا تفصلنا حدود جغرافية من الاسكندرية إلي المغرب
      مرورا بهناك دمشق و الرياض
      و البصرة
      و تونس و الجزائر
      و الخرطوم التي تصنع الآن أدبا راقيا و تاريخا سوف يكون له شأن تماما كما هو الحال في اليمن الجميل !

      تحياتي أستاذة آسيا
      sigpic

      تعليق

      • أحمد عيسى
        أديب وكاتب
        • 30-05-2008
        • 1359

        #4
        نسيت فلسطين أستاذي ، أم تراك اعتبرتها مع الاسكندرية كيان واحد ، حيث اللغة والثقافة والمكان يتمازجان ..

        قراءة راقية جميلة لنصوص الأديبة التي نفخر بتواجدها بيننا : آسيا رحاحليه

        شكراً للأديبة آسيا
        وللناقد الجميل مراد
        وللأستاذ الكبير ربيع

        يسعدني أن يعلن كل مبدع هنا عن نجاح جديد
        وهو نجاح لنا جميعاً ولا شك
        ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
        [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

        تعليق

        • آسيا رحاحليه
          أديب وكاتب
          • 08-09-2009
          • 7182

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة أحمد عيسى مشاهدة المشاركة
          نسيت فلسطين أستاذي ، أم تراك اعتبرتها مع الاسكندرية كيان واحد ، حيث اللغة والثقافة والمكان يتمازجان ..

          قراءة راقية جميلة لنصوص الأديبة التي نفخر بتواجدها بيننا : آسيا رحاحليه

          شكراً للأديبة آسيا
          وللناقد الجميل مراد
          وللأستاذ الكبير ربيع

          يسعدني أن يعلن كل مبدع هنا عن نجاح جديد
          وهو نجاح لنا جميعاً ولا شك

          و فلسطين أخي العزيز أحمد
          و فلسطين ...
          كيف ننسى جرحا في القلب
          يؤلمنا و نعشقه .
          شكرا لك على مشاعرك الجميلة كقلمك .
          تقديري.
          يظن الناس بي خيرا و إنّي
          لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

          تعليق

          يعمل...
          X