الانزلاق نحو نفق مظلم (قصة قصيرة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد لاعبي
    أديب وكاتب
    • 14-11-2011
    • 45

    الانزلاق نحو نفق مظلم (قصة قصيرة)

    الانزلاق نحو نفق مظلم

    ضحى كمال بنفسه لسنوات عديدة؛ من أجل بناء أسرة سعيدة. لكنه بسبب مرض خبيث أصابه، انزلق في نفق مظلم؛ حيث أخذ يفكر في القتل بلا رحمة، من دون أن يعي أن القاتل قد يكون هو نفسه الضحية.

    كان كمال شابا وسيما في الثلاثين من عمره، يحب الحياة. تعلقت به هدى زميلته في كلية الفلسفة؛ فتزوجها ورزقا طفلا وبنتا. أحب أفراد أسرته حبا فاق كل حب. لا ينسلخ عنهم سواء في ساعة الفرح، أو ساعة الضيق والقرح. أما هدى فكانت ترى في زوجها الرجل المثالي، يحترمه طلابه لما أوتي به من سعة فكر وعلم؛ وتقدره كزوج وكأب، لما يتحلى به من مسؤولية أخلاقية عن أفعاله واختياراته. هو لها الهواء النقي الذي يملئ رئتيها؛ والدماء الطاهرة الزكية التي تنساب في شرايين جسدها كله.
    جلس كمال إلى الطبيب الاختصاصي، يستمع إلى تقييمه لصور الأشعة؛ فأخبره بأن سرطانا خبيثا قد تغلغل في رئته اليمنى؛ وأن استئصال هذا العضو، قد يكون العلاج الوحيد للنجاة من موت محقق. نزل الخبر السيء على كمال كالصاعقة؛ فانهارت قواه، وتلاشت كما تتلاشى حفنة رمل، أبطشت بها رياح عاصفة في صحراء شاسعة. لم يكن ينتظر أن يقترب أجله بهذه الطريقة الغريبة. كان يقرأ عن مخاوف السرطان؛ وعن عجز أطباء العالم في محاربته. لكنه لم يتصور أن يحمل هذا المرض الخبيث في صدره.. تذكر فجأة تلك الإشكالية الفلسفية التي ناقشها مع طلابه، قبل أن يأتي إلى المستشفى: هل الشخص حرفيما يصدر عنه من أفعال بشكل إرادي؟ أم أنه خاضع لحتميات تنقص من حريته؟
    تذكرأيضا أنه لم يصل معهم إلى حل لهذه الإشكالية؛ فزاد ذلك من مخاوفه، خصوصا عندما أقنع نفسه بأن مرض السرطان قاتل لصاحبه لا محالة؛ وانه مهما فعل سيموت في القريب العاجل؛ فانتهى إلى أنه لم يعد يملك حرية الإرادة.
    داخل قسم الأشعة، خيم صمت مخيف، قطعه الطبيب بكلام بارد لاحياة فيه، عن مضار التدخين؛ وأنه يشكل أحد العوامل المسببة لمرض السرطان. ثم سأل كمال بنفس البرودة:
    - في أي شيء تفكر الآن؟
    رفع كمال بصره نحو الفراغ، ثم أجاب بصوت خافت، وكأنه يكلم نفسه:
    - في لا شيء، لأول مرة أجد نفسي عاجزا عن التفكير!.
    في هذه الأثناء، جمع الطبيب بعض الأوراق، دسها بمهارة عالية داخل ملف أزرق، وهو يهزرأسه دلالة على الفهم، ثم أضاف لكي ينهي الجلسة:
    - لا عليك، يجب أن تأخذ قسطا من الراحة، ثم تعود إلي في الأسبوع المقبل؛ لكي نتحدث عن إمكانية العلاج.
    خرج كمال من المستشفى، واتجه نحو غابة مجاورة؛ يرتب أفكاره بعيدا عن أعين الناس. بعد جهد مضني في التفكير، خلص إلى أن حياة أسرته تعنيه هو شخصيا؛ ولا يحق للآخرين تعريض هذه الحياة سواء للأفضل أو للأسوأ.. إذا كان لابد من الموت، فيجب أن لا يموت لوحده.. أغمض عينيه، ثم تنفس بعمق، وكأنه يتحسس موضع المرض الخبيث، بكمية الهواء التي يضغطها في رئتيه. لم يعد يصدق ما بداخله ولا ما حوله. إذا أنجز ما يفكر فيه، فقد يخون القيم الفكرية العظيمة، التي كان يناقشها مع طلبته؟ لكنه لم يتوقف كثيراعند هذا الاحتمال؛ إذ أن الأجوبة لم تعد تهمه، فقد تعود الناس اليوم على حوادث القتل بين الأقارب.
    إنها خيبة الأمل من مجتمع قدم له الكثير، لكن لم يحصل منه إلاعلى النذير.. وهدى؟ من هوهذا الرجل الذي سيدخل على قلبها المهجة والفرح من بعده؟ والأطفال من يرعاهم بعد موته؟ لو اجتمع فلاسفة الدنيا كلهم، أولهم وآخرهم، ذكرهم وأنثاهم؛ لما استطاعوا الإجابة عن أسئلة مثل هذه!. الخلاص من كل هذه المآسي إذن، هوأن ينقل هذه الجثث الحية إلى أرض الوطن!..
    بعيداعن هذه الهموم، كانت هدى تفيض فرحا ومرحا. كانت شلالا يتدفق حبا وشفقة على كمال. صحيح، إنه يعاني يوما بعد يوم من سعال حاد، ومن ضيق في التنفس. لكنها متيقنة من أنه رجل صلب؛ كلما تعرض لكبوة، ينهض منها قويا معافى. كانت تنصحه مرارا بالكف عن التدخين. رغم أنه لم يخبرها لا عن الفحوصات التي أجراها؛ ولا عن إصابته بداء السرطان.
    انتظركمال حتى جاءت عطلة الصيف؛ فسافر مع أسرته إلى المغرب.هناك على سفح الجبل، بجوارمنزل والده، كان يقع المنزل الذي استكمل بناءه السنة الماضية. بيت متواضع، خال من أي متاع أو أثاث، لكن بالنسبة لهدى والأطفال، كان يعتبر بيت راحة واستجمام.
    خرج كمال ليمارس رياضة المشي كعادته كل صباح. ابتعد كثيرا خلف الجبل. هناك بين الأحجارالوعرة، أخذ يبحث عن ضالته. قَلَبَ صخرة كبيرة،تعلوها أعشاب جافة؛ فإذا به يتراجع بحذر شديد إلى الوراء؛ رأى أفعى ضخمة، تكسوظهرها دوائر سوداء، يتوسطها لون أصفر. كانت مضطربة، ترتمي بنصفها العُلوي يمينا وشمالا في الهواء ! ضغط بعمود طويل فوق رأسها، ثم أمسكها بقوة. قبض على فكيها بأصبعيه السبابة والإبهام، ففتحت فمها، ثم ضغط بقوة، فأخذ السم يسيل في كأس كان يحمله بيده اليسرى. حتى إذا انقطعت أسلاك السم المتسربة من أنياب الأفعى، رماها بعيدا عنه؛ ثم قفل عائدا إلى بيته. لم يكن دخوله إلى المطبخ يثير أي اهتمام، فقد تعودت هدى على مساعدته، في إعداد بعض الوجبات الخفيفة للأطفال. صب كمال السم في عصير البرتقال. ثم دخل غرفة النوم ليغير ملابسه. ما هي إلا لحظات قليلة فقط، حتى دخلت هدى ورائه، فارتبك على غيرعادته، لكنه سرعان ما تظاهر بالبحث عن هاتفه النقال. طلبت منه هدى أن يخرج مسرعا ليصحب والدته إلى الطبيب، فقد جاءت بصحبة والده، وهي تعاني من ألم شديد في الصدر. فوجئ كمال بهذا الأمر الطارئ، فحمل أمه في سيارته، واتجه مسرعا نحو قسم المستعجلات. في هذه الأثناء، أدخلت هدى والد زوجها قاعة الجلوس، ثم أعطته كأسا من عصير البرتقال البارد. بعد دقائق معدودة، سقط الرجل مغشيا عليه؛ صرخت هدى ثلاث مرات بقوة، ثم سارعت إلى الاتصال بكمال، تخبره عن الفاجعة الأخرى؛ لكنها سمعت هاتفه النقال يرن في غرفة النوم.
    لماعاد كمال مع والدته من المستشفى، فوجئ بخبر وفاة أبيه. منذ تلك اللحظة، أصبح أسيرصمت مطبق، لا يعبر عن مشاعر فرح أو حزن؛ ولا تصدر عنه أحاسيس، سواء تألم أم لم يتألم.. كانت هدى تساعده في الأكل، والشرب، والذهاب لدورة المياه.
    بعدعطلة الصيف، أجريت لكمال عملية جراحية، حيث تم استئصال رئته اليمنى. عاش بعدها سنين طويلة، يعاني فيها من كآبة سوداء قاتمة؛ أفقدته حرية الاختيار، وأخمدت في نفسه مهجة الحياة. كان كلما حل الظلام، يرى ما لا يراه الناس من حوله: أفعى ضخمة! تلتوي على عنقه؛ فيصرخ بشدة، صرخات موجعة، وبأنفاس متقطعة:الحية بريئة! أنا الذي ارتكب الخطيئة!.
    التعديل الأخير تم بواسطة أحمد لاعبي; الساعة 01-06-2012, 21:39.
  • أحمد لاعبي
    أديب وكاتب
    • 14-11-2011
    • 45

    #2
    رجاء تصويب هذا النص

    رجائي من السادة الأساتذة، وأيضا من القراء الكرام أن يشاركوني في كتابة هذا النص، وذلك بتصويبه من الناحية اللغوية والإملائية.. سأكون سعيدا بمشاركتكم.

    مع أجمل التحيات
    أحمد لاعبي

    laabi61@hotmail.com

    تعليق

    • مباركة بشير أحمد
      أديبة وكاتبة
      • 17-03-2011
      • 2034

      #3
      هذا من كرمك وتواضعك أيها الكاتب القدير ....
      فالقصة بكل المقاييس رائعة ،ذات أسلوب ماتع ولغة شاعرية "رغم الوجع"
      تدلل على مايكتنفه الصدر من مواهب ،
      سواء أفي الشعر أو القصة .
      واصل ..فلست بحاجة إلى من ينقدك ..فأنت ككاتب وجب أن تفرض أفكارك على الآخرين .
      لك التقدير والتحية.

      تعليق

      • فاطمة الضويحي
        أديب وكاتب
        • 15-12-2011
        • 456

        #4
        استمر وواصل ..
        إذا هذا كيف يكون التالي ؟

        أهلتني لِما لستُ أهل له !
        مع الشكر والعرفان .
        ذكريات عبرت مثل الرؤى : ربما أفلح من قد ذكرى
        ياسماء الوحي قد طال المدى: بلغ السيل الزبى وانحدرى

        تعليق

        • أحمد لاعبي
          أديب وكاتب
          • 14-11-2011
          • 45

          #5
          [bor=91FF3D]
          أستاذتي
          الفاضلة، مباركة بشير أحمد،
          أعتبر هذه الشهادة وساما أضعه على صدري، وأفتخر به من أديبة مناضلة، تبث الأمل في النفوس.
          أستاذتي الكريمة، لا أشك في أن بضاعتي اللغوية، قد يكون فيها نوع ما من الجدية، وإلا ما كنت بدأت.. ومع ذلك أعترف لك، أن زادي من ناحية البلاغة والنحو ليس في المستوى المطلوب. فأنا أحتاج دائما إلى من يقوم اعواج ما أكتبه، حتى يقرأه من يقرأه، من دون أن يشعر بتقصير مذموم في النص.
          شكرا جزيلا لك سيدتي على تشجيعك لي. أنا في انتظار المزيد من النصائح والإرشادات منك.

          مع فائق الاحترام والتقدير،
          أحمد لاعبي






          [/bor]



          المشاركة الأصلية بواسطة مباركة بشير أحمد مشاهدة المشاركة
          هذا من كرمك وتواضعك أيها الكاتب القدير ....
          فالقصة بكل المقاييس رائعة ،ذات أسلوب ماتع ولغة شاعرية "رغم الوجع"
          تدلل على مايكتنفه الصدر من مواهب ،
          سواء أفي الشعر أو القصة .
          واصل ..فلست بحاجة إلى من ينقدك ..فأنت ككاتب وجب أن تفرض أفكارك على الآخرين .
          لك التقدير والتحية.

          تعليق

          • أحمد لاعبي
            أديب وكاتب
            • 14-11-2011
            • 45

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة فاطمة الضويحي مشاهدة المشاركة
            استمر وواصل ..
            إذا هذا كيف يكون التالي ؟

            أهلتني لِما لستُ أهل له !
            مع الشكر والعرفان .

            [bor=FC1EE6]

            أستاذتي الكريمة، فاطمة الضويحي،


            شكرا جزيلا على ثقتك بما كتبت، وشكرا مرة أخرى على التشجيع.
            تحياتي الصادقة،


            أحمد لاعبي
















            [/bor]

            تعليق

            يعمل...
            X