وضعتُ الكوب أمامه.. وأنا أمنيَ النفس بأنه سيشربه حالاً .. وبعد دقائق سأرتاح منه للأبد !
لا تسألوني لماذا أريد قتله، فعندي مليون سبب.. فقط أدعوا معي أن ينتهي الأمر كما خططت له !
في الساعة الخامسة والنصف صباحا استيقظت على صوته الغليظ يناديني
" صباح.. صباح ! "
وكعادته أتبعها بزغد قوى من كوعه في جنبي ..
" أنتي يا زفت يا اللي اسمك صباح! "
وصحوت فزعة وذهبت إلى المطبخ لأعد له الإفطار الذي يتسمم به .. قبل أن يغط في نومه حتى آخر النهار!
أمام "البوتاجاز" وقفت أخفق البيض وأتذكر ليلتي السابقة .. رغم أن كل ليالي مع هذا الرجل متشابهة ..كلها تبدأ بعد استيقاظه في الساعة الثالثة بعد الظهر ونداءاته لي بصوت أجش ممزوج بالسباب والإهانات ، وبعد أن يتناول طعامه ؛ ووجباته ليس لها أسماء ؛ فلا تستطيع أن تسميها إفطاراً أو غداءً أو عشاءً.. بعدها يرتدى ملابسه ويخرج جرياً من البيت ، كمن بشروه بالعثور على كنز من الذهب.. يمضي إلى مكان ما .. مكان لا أعرف اسمه ولا موقعه ولكنه ذلك المكان الذي يأتي منه أصدقاء السوء الشمامون .. وزجاجات الخمور ..وقطع الحشيش .. وتذاكر الهيروين!
************
وبعد عودته يبدأ الحفل ..تجلس شلة الأنس في الصالون ويلتفون حول الزعيم " مرزوق " .. وبعدها تسمع قرقرة الجوزة وشد أنفاس الهيروين حتى الفجر !
وقبل انصرافهم يناديني زوجي فأخرج من غرفتي ، التي أغلقها على نفسي طوال وجودهم ، لكي أعد لهم دور الشاي الذي لا يغادرون المنزل قبل أن يشربوه .. وبعد أن أصنع الشاي أطرق على باب الصالون عدة مرات ، ولكن الزوج الديوث يصر على أن أدخل لهم بالصينية بنفسي ..ولن أؤذى سمعكم بما أسمعه من كلمات وتعليقات .. ولا ما أراه من نظرات! كالسهام المسمومة .
شكوت حالي إلى أبى فأمرني بالصبر وأن أكون امرأة عاقلة وأن لا أخرب على نفسي .. شكوت لأمي فأخذتني في حضنها وأجهشت بالبكاء ، ووضعت يدها على رأسها وكشفت شعرها وأخذت تدعوا الله بأن ينتقم ممن كان سبباً في تلك الزيجة.. وكنت أفهم مقصدها واعرف أنها لا تملك شيئاً فالحال للأسف من بعضه !.. وأخيراً .. ذهبت بشكواي إلى أمه والدة زوجي فعيرتني بعدم الإنجاب .. وهذه هي عادتها التي لا تحب أن يقطعها الله لها !
وبعد أن فاض بي الكيل قررت أن أتخلص منه !
************
انتهيت من إعداد ( السم الهاري ) .. فحملته له في غرفة النوم ووضعته أمامه على الفراش .. كنت أعد اللحظات حتى تأتى ساعة خلاصي.. لحظة أن يرفع الكوب إلى فمه !
جلست بجواره على الفراش وعيني على كوب اللبن ..
" مالك ( صاح كالمجنون ) عينك هتطلع على شوية اللبن ! "
"لا سلامتك !"
أجبت أنا في نبرة حاولت أن تكون عادية
وضع يده على رقبتي محاولاً مداعبتي ..ولكنني لم أعد أحتمل فكرة لمسه لي فأزحتها برفق ، حتى لا أثير غضبه .. وتكرر الموقف مع أجزاء أخرى من جسدي وفي آخر مرة دفعني دفعة قوية .. أسقطتني من فوق الفراش وارتطمت بالأرض !
وهنا ثار البركان الذي طالما شوى ضلوعي .. وغلى في جوفي ...
" لم أعد احتمل .. لم أعد أحتمل ! "
صرخت في وجهه وأمسكت بالسكين ، التي قطعت بها الزبد شرائح ثم وضعتها جواري على الكومودينو.. ربما كان هو قد صُعق لثورتي المفاجئة.. لم يصدق أنني أهدده بالسكين.. الفأر لا يمكنه أن يخيف القط المفترس .. ولكن ماذا لو كان هذا القط قد أضعفته البودرة والخمور ، التي ظل يعاقرها طوال الليل وجعلته مجرد فأر يترنح !..
هذا سيحسم اللعبة .. فأر في مواجهة فأر.. هكذا صارت المعادلة !.. والنتيجة الطبيعية أن الفأر الذي يحمل سلاحاً .. سيهزم الفأر الأعزل الذي يرتعد خوفاً ! .. فيا لها من مهزلة !! .
حقاً لم أكن أعرف أنه بهذا الجُبن والضعف !.. فما أن رآني أشهر السكين في وجهه حتى أسرع بالفرار.. قام مسرعاً من فوق السرير تاركاً الطعام وجرى وهو يترنح نحو باب الغرفة المغلق..
" أين ستذهب مني ؟؟.. إنها أجمل لحظة في عمري منذ أن أجبرني أبى السكير على ترك حبيبي وابن خالتي .. لكي أتزوج واحداً من صنفه ! "
عند باب الغرفة لحقت به وغرست سكيني في ظهره .. وانتزعت السكين لأغرسه مرة أخرى.. ثم انتزعته .. ثم غرسته .. عشرات .. مئات .. آلاف .. ملايين المرات !
كل طعنة مقابل كل يوم وكل ليلة عشتها معه.. الدم يتفجر من كل مكان .. الجسد يتراخى.. الجفون تثقل ثم تنفتح على آخرها.. ثم الجسد كله .. الجسم كله يتهاوى على الأرض .. مضرجاً بدمائه النجسة.. ينظر إلي نظرة عدم تصديق.. وأنا واقفة فوق رأسه وبيدي السكين الملطخة بدمائه.. وكأنه يستكثر على أن أنتقم لنفسي ، وبعدها ..... مات !
************
رجال الشرطة يملئون المكان.. يفحصون الجثة .. يحرزون السكين .. ثم يسألونني لماذا فعلت ذلك ؟!
" فعلته انتقاما منه ومن أبي.. ومن زوج أختي الصغرى ! "
" وما شأن أبيك وزوج أختك ؟! "
قلت له أنني لن أتكلم سوى أمام النيابة.. طلبوا مني أن انتقل معهم إلى القسم .. فرجوته أن يسمح لي بتغير ملابسي !
كانت الجثة ترقد أمام غرفة النوم.. فسمحوا لي بدخولها.. وأغلقت الباب !
************
في الغرفة كان المشهد لا يختلف عنه قبل ساعات قلائل.. ما عدا الدم الذي أغرق السجادة أمام الباب ..وقفت أمام الدولاب وانتقيت أحلى ثوب عندي.. ثم وقفت أمام المرآة ووضعت بهدوء زينتي التي لم أضعها منذ سنين.. الروج ؛ الكحل ؛ ظل العيون.. وصففت شعري لأعلى ..كما كنت أحب دائماً أن أصففه .. وبعد أن انتهيت كنت أعرف هدفي الآن.. لم يعد لي مستقبل ولا أمل في غد.. صرت قاتلة لا ينتظرها سوى الإعدام أو خمسة وعشرين عاماً في سجن قاسى.. لم أعد بحاجة إلى مزيد من العذاب .. لقد تعذبت بما يكفي .. أخذت نصيبي من الألم كاملاً غير منقوص.. ولا أحب أن أسطو على أنصبة غيري !
.. كنت أعرف أنه من نصيبي .. من البداية وأنا أعرف أن كوب اللبن هذا من نصيبي أنا !
كان ما زال في مكانه ينتظرني ويعرف أنني آتية .. رغم أنه بارد مثلجاً إلا إنه سوف يريحني.. وسأُزف إلى الآخرة وأنا في أبهى صورة.. وهذا يكفي لأن يجعلني أتجرعه ببطء .. واستمتع بطعم الموت الكامن فيه !
تعليق