عرِّجْ على قاف للشاعر توفيق الخطيب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • توفيق الخطيب
    نائب رئيس ملتقى الديوان
    • 02-01-2009
    • 826

    #46
    المشاركة الأصلية بواسطة عبد الرحيم محمود مشاهدة المشاركة
    [poem= font="Simplified Arabic,7,white,bold,normal" bkcolor="green" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
    وأمّـل فللرحمن عفو ورحمة=وما خاب من يدعوه لو عاش لاهيا
    فقد قال من يسرف فإني طبيبه=فلا يقنطن حتى وإن كان جانيا
    تجنب لشرك الله واعشق نبيه=وخذ منه جنات القطوف الدوانيا
    رحيم كريم من ترجاه عطفه=يجد منه عفوا ثم كأسا وساقيا
    ففي سورة الممدوح في نون خلقه=يلاقي عطاء الله من كان راجيا[/poem]
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الأستاذ عبد الرحيم محمود
    أبياتك الشعرية زينت أبياتي وأضافت لها , كأنها عطر رش على ثوب القصيد , لك شكري وامتناني .
    دمت بحفظ المولى
    توفيق الخطيب

    تعليق

    • محمد تمار
      شاعر الجنوب
      • 30-01-2010
      • 1089

      #47
      ومادمتَ لاتمضي اللياليَ ساجداً
      ولستَ على دربِ الشهادة غازيا
      عليك بتقوى اللهِ في كلِّ نفثةٍ
      منَ الحبرِ يُجريها يَراعكُ راضيا \
      جزاك الله عنّا خيرا
      نصحت وأرشدت هديت الى طاعة الله
      ومرضاته..

      خالص مودتي
      التوقيع...إذا لم أجد من يخالفني الرأي..خالفت رأي نفسي ليستقيم رأيي

      تعليق

      • توفيق الخطيب
        نائب رئيس ملتقى الديوان
        • 02-01-2009
        • 826

        #48
        المشاركة الأصلية بواسطة أحمد بن غدير مشاهدة المشاركة
        جئتُ زائراً؛ فحظيتُ بكَرَمِ الزّيارة، ونَهَلتُ من أوانيكم ما يُزكي الرّوحَ، و يُشبِعُ العين، و ما يطيبُ لهُ الفؤاد
        الشاعر الكبير الدكتور توفيق الخطيب المحترم
        يأتي الشِّعرُ على الشاعر كالموجة النّاعمة على البحّار، فإذا أحسَنَ ركوبَها أوصَلته، وإذا أساء أغرقته، وقد كنتَ خيرَ بحّارٍ في أطيب بحر، فَرَكبتَ أمواجَهُ إلى حيثُ تُريد، وجَنيتَ من خيرهِ ما يُفيد، وَنَطَقتَ بالحكمةِ وبالقولِ السّديد.
        جَعَلَها اللهُ في ميزانِ حَسناتك، واسمح لي بزيارةٍ أخرى، فعلى مثلِها أعرّجُ مراراً وتكرارا.
        شكراً لك، واقبل محبّتي وتقديري والاحترام.
        بسم الله الرحمن الرحيم
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        الشاعر أحمد بن غدير
        روعة ردك وجمال كلماتك أجبراني أن أعود لأرد لك بعضا من هذا الجمال , كم كانت سعادتي كبيرة وقد وصلت رسالتي إليك وغمرتك أمواج شعري فحملتك إلى حيث أريد وذلك لأنك تستحق الوصول إلى الهدف السامي والعالي الذي أردته لقراء نصي المتواضع .
        أرجو أن تعود لتنثر في هذا الملتقى أزهارك ليلتقطها محبو الشعر .
        ودمت بحفظ المولى
        توفيق الخطيب

        تعليق

        • جهاد بدران
          رئيس ملتقى فرعي
          • 04-04-2014
          • 624

          #49
          بسم الله الرحمن الرّحيم
          عرّج على قاف
          الله الله الله
          ما أروع جدائل هذه اللوحة البارعة ..المنسوجة بحرير الدعوة إلى الله سبحانه..
          للعنوان // عرّج على قاف// هو بحد ذاته دعوة وتوجيه نحو تطهير النفس والوقوف بين يدي سورة ق العظيمة الممتلئة بالتوجيهات النورانية التي تحيي النفوس من غفلتها إذا ما استحكمت سبل النجاة ووقفت تستلهم مواطن الإيمان والنجاة من براثن المعاصي والذنوب..
          عنوان استوقفني طويلاً ..لم تُرسم حدوده ومعالمه إلا من قلب مؤمن يعي عجائب كتاب الله ويدرك مدى التمسك به للحفاظ على الذات من الاندثار في جبّ الفساد والكفر..
          فالعنوان يبتدئه الشاعر بفعل أمر // عرّج//
          وكان من الحكمة أن يكون أمراً..لأن الأمر يوجب التنفيذ ..والتنفيذ هنا ينتهي بخلاص النفس من شوائبها الغارقة بالذنوب..وفعل الأمر // عرّج// ما قيلت إلا لأمرٍ جلَل كي يقطف ينابيع الإيمان والتقرب من الله لمن يقف متأملاً متدبراً كلام الله تعالى في سورة ق..
          الشاعر تذوق من هدي هذه السورة وعرف ما فيها من توجيهات للفكر نحو الله وللعمل لرضاه..لذلك كانت نتيجة حتمية أن يخاطب الشاعر المتلقي بفعل أمر لأهمية الحدث وما تحمل السورة من دلالات توقظ النفس من غفلتها وتعيد لها توازنها في العلاقة مع الله سبحانه..
          عرّج..من هذا الفعل كان وحي الإسراء والمعراج..والمعراج هو الصعود نحو السماء نحو العبادة نحو السمو بالروح وإعادتها للنقاء كولادتها البكر..لذلك حملني هذا الفعل // عرّج// لتلك النافذة النقية التي توصل النفس لبارئها وتتفتح أزاهيرها توبة وخشوعاً وحياة للقلب..
          يبدأ الشاعر لوحته البارعة المتقنة المحكمة الغرس والنظم بقوله:

          تناجي نجوم الليل تطلبُ وحيَها
          وتَنشُدُ آلاً لاتُغيثُ صواديا

          وتهدرُ أحباراً تَزيدكَ ظلمةً
          وتُنشدُ أشعاراً جُدوباً خواليا

          لمجرد ابتداء القصيدة بفعل المضارع // تناجي// تدل على أبعادها الروحية وتطهير الذات من عوامل وغبار الدنيا المتراكم بين الضلوع..فعل المضارع جاء بديلا عن الفعل الماضي كأيقونة مستمرة لإحياء الذات وبقائها تحت أنفاس المناجاة التي تعتق الروح من تخومها...
          .
          .
          .
          .
          هذا جزء من تفكيك نص فاخر يحمل بين أوراقه الكثير من الدلالات العذبة..
          أستاذنا الكبير البارع المبدع الشاعر الفذ الراقي
          أ.توفيق الخطيب
          بورك قلمكم النفيس وما يحمل بين ثناياه الإبداع والسحر
          لي عودة لتكملة تفكيكه..بإذن الله تعالى
          نشرت هذا الجزء خوفاً من اندثاره بسبب خلل في الجهاز عندي..سأعود قريباً بعون الله
          وفقكم الله لنوره ورضاه

          جهاد بدران
          فلسطينية

          تعليق

          • عبدالستارالنعيمي
            أديب وكاتب
            • 26-10-2013
            • 1212

            #50
            السلام عليكم

            لقد قطعتَ (قول كل خطيب) أيها الخطيب الشاعر الأريب وما دلتْ يراعتك إلا إلى الفرقان لننهل من وحي القرآن الفصاحة والبلاغة وبديع البيان بعد الاقتداء بهدي محمد صلى الله عليه وسلم
            هذا ثم إنك لا زلت منعما بكل خير وعافية لا يشوبها سقم أخانا أ توفيق
            مع فيوض مودة وعميم تقدير

            تعليق

            • جهاد بدران
              رئيس ملتقى فرعي
              • 04-04-2014
              • 624

              #51
              بسم الله الرحمن الرّحيم
              عرّج على قاف
              الله الله الله
              ما أروع جدائل هذه اللوحة البارعة ..المنسوجة بحرير الدعوة إلى الله سبحانه..
              للعنوان // عرّج على قاف// هو بحد ذاته دعوة وتوجيه نحو تطهير النفس والوقوف بين يدي سورة ق العظيمة الممتلئة بالتوجيهات النورانية التي تحيي النفوس من غفلتها إذا ما استحكمت سبل النجاة ووقفت تستلهم مواطن الإيمان والنجاة من براثن المعاصي والذنوب..
              عنوان استوقفني طويلاً ..لم تُرسم حدوده ومعالمه إلا من قلب مؤمن يعي عجائب كتاب الله ويدرك مدى التمسك به للحفاظ على الذات من الاندثار في جبّ الفساد والكفر..
              فالعنوان يبتدئه الشاعر بفعل أمر // عرّج//
              وكان من الحكمة أن يكون أمراً..لأن الأمر يوجب التنفيذ ..والتنفيذ هنا ينتهي بخلاص النفس من شوائبها الغارقة بالذنوب..وفعل الأمر // عرّج// ما قيلت إلا لأمرٍ جلَل كي يقطف ينابيع الإيمان والتقرب من الله لمن يقف متأملاً متدبراً كلام الله تعالى في سورة ق..
              الشاعر تذوق من هدي هذه السورة وعرف ما فيها من توجيهات للفكر نحو الله وللعمل لرضاه..لذلك كانت نتيجة حتمية أن يخاطب الشاعر المتلقي بفعل أمر لأهمية الحدث وما تحمل السورة من دلالات توقظ النفس من غفلتها وتعيد لها توازنها في العلاقة مع الله سبحانه..
              عرّج..من هذا الفعل كان وحي الإسراء والمعراج..والمعراج هو الصعود نحو السماء نحو العبادة نحو السمو بالروح وإعادتها للنقاء كولادتها البكر..لذلك حملني هذا الفعل // عرّج// لتلك النافذة النقية التي توصل النفس لبارئها وتتفتح أزاهيرها توبة وخشوعاً وحياة للقلب..
              يبدأ الشاعر لوحته البارعة المتقنة المحكمة الغرس والنظم بقوله:

              تناجي نجوم الليل تطلبُ وحيَها
              وتَنشُدُ آلاً لاتُغيثُ صواديا

              وتهدرُ أحباراً تَزيدكَ ظلمةً
              وتُنشدُ أشعاراً جُدوباً خواليا

              لمجرد ابتداء القصيدة بفعل المضارع // تناجي// تدل على أبعادها الروحية وتطهير الذات من عوامل وغبار الدنيا المتراكم بين الضلوع..فعل المضارع جاء بديلا عن الفعل الماضي كأيقونة مستمرة لإحياء الذات وبقائها تحت أنفاس المناجاة التي تعتق الروح من تخومها...
              المناجاة هنا هي عملية استيداع الروح في مناخ نقي محمّل بمطر يغسل شوائب الروح من عتماتها كي تضاء من وحي السماء..
              ولكن الروح العطشى هل ترتوي من صفحة ال أحبار وسِفرهم أم أنهم يزيدوننا ظلمة وابتعاداً عن فوهة النقاء..ليكون تراتيل اليباس في موسم حصاد قد جفت غلّته وانتُزعت منه برَكته..وتبقى الروح تصفق للعطش سبيلاً..
              هذه الأبيات عبارة عن مقدمة توحي لسورة ق..وما فيها من عبر وحكم ومواعظ وتوجيهات للنفس التي تعيش تحت سقف الغفلة عن الله وتحت نصل المعاصي وسيف الذنوب..
              حيث يقول الشاعر:

              تُبدِّدُ هذا الدُّرَّ دون مثوبةٍ
              فياويلَ من يقضي وقد كان لاهيا

              فلولا هُديتَ الدَّربَ بعدَ متاهةٍ
              وقدْ كنتَ هيماناً تسيرُ لياليا

              كأنكَ في وهمٍ تسوسُ ممالكاً
              وتغزلُ أحلامَ الصبابةِ غافياً

              هذه الأبيات جاءت تقضّ مضجع الغافل اللاهي في مدينة الشهوات والملذات..وقد تاه عن عنقود الحق والطريق السويّ..فالإنسان الغافل عن طاعة الله لابد أنه في مسلك الضياع لكل أحلامه ويعيش في غزل الوهم مغمض العينين لا بصيرة ولا نوراً يقوده للأمن مع الذات والروح..لأن الفرد حين يترك درب الله فإنه قد تعدّى على نقاء الروح وإشراقتها..فمن نور الله يبتهج الفكر والعقل والقلب..وتستكين الحواس للطمأنينة والهدوء في كنف الله ورضاه..
              فكل انزياح عن جادة الحق ..جاء مقابله الضياع والغربة عن الروح والجسد والمكان والزمان..فالضلال عن طريق الحق تعني المسير في تيه لا يتقن معه الهداية والصراط المستقيم..
              هذه الصور الشعرية المتقنة جاءت في ثوب جمالي يحمل معه نواة الروح ويدق وشمَه بصدق المشاعر في أفق الشعر وسماء الأدب..
              فتأتي الصور على هيئة واعظ ينطق الحكمة ويوجّه النفوس لأبواب السعادة في محراب الله ثم يطرق أبوابها بحروف موجعة تدق أقفال النفس التائهة بقوله:

              فهلا صحوتَ الآن قبل ندامةٍ
              قوافيك صارت في الحياةِ ثوانيا

              تفوتكَ أسبابُ النجاة بغفلةٍ
              وقدْ يسبقُ الأقدارَ من كانَ صاحيا

              إذا الريحُ ضاعت دون غيمٍ تسوقهُ
              إلى الكلأِ الظمآن يُغني الروابيا

              هنا عملية الصحو تعني محاسبة النفس ووقفة مع غيّها وضلالها لتعديلها بما يوجب رضا الله
              والعمل بالتنزيل والخوف من الجليل والاستعداد ليوم الرحيل..
              ففي عملية المحاسبة للذات وإيقاف العمل في الملذات والفساد هي عملية صقل النفس وتقويمها من الاعوجاج قبل أن يتخطفها ملك الموت..
              الشاعر هنا استخدم كلمة// فهلا// وكأن بها رجاء الإنسان بأن يبحث عن نجاة نفسه باتباع سبل الله ورضاه..قبل الندامة..وكأن الشاعر بكلمة // فهلا// يستعمل الرقة واللطف في الرجاء وهذه صفة الصالحين في المعاملة وصفة من عنده الدراية والذكاء الإجتماعي في كيفية اكتساب القلوب للتعلق بحبل الله والخوف من عواقب الأمور..بعد هذا الرجاء
              يوجه المتلقي لأسباب النجاة والبحث عنها..بمعنى يرشده نحو الله
              ويحرره من الركون إلى الدنيا..ثم ما يلبث أن يربط فكره نحو آيات الكون كمثال لغرس صفة التدبر والخشوع بين مسامات هذا الكون الفسيح بآلاء الله وعظمته..حيث قال الشاعر حروفه بثوب إيماني يفسح المجال للفكر أن يبحر في الوجود وما فيه من آيات تزيد من مراتب الإيمان للمرء:

              // إذا الريحُ ضاعت دون غيمٍ تسوقهُ
              إلى الكلأِ الظمآن يُغني الروابيا//

              هنا نجد قمة التصوير والدقة في مهام الريح التي يوجهها الخالق لعباده وكيف بطبيعتها تسوق الغيم..الغعل المضارع/ تسوقه/ يستخدمه الشاعر بدقة وحنكة وبراعة وحرفية..وكأن الريح هي القائد في تسيير الغيم بإذن الله نحو الأرض العطشى نحو البقعة التي يريدها رب السماء..لم يستخدم الشاعر فعل/ تحركه/ بل اقتصر على فعل/ تسوقه/ وفيهما فرق كبير..حيث عملية التحريك فيها قوة الفاعل في الاهتزاز للغيم وإنزال المطر..وطبعاً الريح هي الدافعة للغيم والتي تدفعه للمكان المأمورة به.. وليست السبب في سقوط المطر..بل عملية قيادتها للغيم ودفعها له هي الوظيفة الملقاة على عاتقها من الله سبحانه..حيث كل شيء في الكون متناسق مبني على نظام وترتيب رباني..كل شيء له وظيفته الخاصة لا يتعداها ولا يخلّ بنظام الكون الذي أبدعه الخالق..فلو كل إنسان فهم دوره الحقيقي في الحياة وتماشى مع قوانين السماء لأصبح في عليين واكتسب السعادة من أوسع الأبواب..لكن الإنسان بنزعة الشر التي يستبدلها عوضا عن الخير فإنه يُفسد كل جمال أبدعه الله تسخيراً للإنسان..
              / إذا الريحُ ضاعت/ كناية عن الجفاف بعلم الله واحتباس المطر عن الأقوام كنوع من أنواع العذاب ليعود الإنسان لرشده ووعيه دون اللجوء للفساد في الأرض..فالريح هي مسخرة من الله إما للخير وإما للعذاب..لقوله تعالى في سورة الأحقاف:
              " وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)"...

              يريد الشاعر ربط أسباب العذاب بتقصير الإنسان نحو الله وكمثال للإنسان نحو التدبر في حياة الأقوام السابقة التي كانت ظالمة لتكون الريح منذرة لهم فيها عذاب يبطش بهم وبكفرهم البغيض..
              هنا يربط الشاعر السبب بالنتيجة الحتمية من خلال العوامل الكونية..
              وهنا تأتي نتائج ضياع الريح:

              //فكيف يدرُّ الضَّرعُ والعشبُ يابسٌ
              وكيفَ مياهُ القطرِ تُحيي السواقيا

              وكيف يعيشُ الزَّهرُ دونَ لواقحٍ
              يُعانقُ أطياراً ويُلهمُ شاديا

              وكيفَ خُدودُ الوردِ يبسُمُ ثغرُها
              إذا النَّحلُ عنها قدْ تغيَّبَ ساهيا //

              هنا يتجلى الشاعر بخياله وفكره وهو يسهب في كل مشاعره بالأوصاف الدقيقة النابعة عن احتراف متفرد وبراعة في توظيف الجمال بعمليات التوجيه والوعظ وما حملت حروفه من العبر المكتنزة بروح الإيمان..
              الصور الشعرية في هذه الأبيات متقنة نسيجها نقي صافٍ من أية شوائب تخلّ بميزان الجمال..
              دليل على قوة الشاعر في توصيل مبتغاه لكل متلقي بصورة إبداعية لا نظير لها..
              فالصور هنا مكتملة الدقة والتصوير وكأنه يقف موقف المصور لما فيها من تصوير فني رائع..
              وكأنه يملك تلك القوى الروحية التي تحس بالوجود المطلق والتي يحاول فيها كشف أسرار الكون من خلال تصويره الحسي بالوجود وكأنها قوى ملهمة لهذا الجمال من السبك والتصوير..عدا عن امتلاكه للقوى العقلية الواعية..ليصور لنا الحركات الفكرية التي تأخذنا لمصافي الإيمان من خلال قوة الإقناع التي يتمتع بها الشاعر..ومن خلال الموسيقى السمعية التي تتحقق بالوزن والألفاظ والموسيقى الفكرية التي تحمل معها تسلسل الفكرة وأجزاءها..
              قدرة الشاعر هنا عظيمة في عملية التدبر والتأمل في أسرار هذا الكون..
              نلاحظ كيف يوجهنا الشاعر لقدرة الله العجيبة وإعادة ترتيب فكرنا وحواسنا لتكون في محراب الله..
              نرى من خلال احتباس المطر عن الأرض كيف يسبب الفواجع للإنسان ويضعه الله في دائرة المحن والابتلاءات ولربما يضعه تحت المحك ليكشف مدى إيمانه وصبره..أو يلتجئ للكفر والطغيان..
              فالمطر رحمة الله لخلقه..واحتباسه يكشف عن نتائج كثيرة منها قد ذكرها الشاعر بأوصاف جمالية في قالب فني تعبيري متقن..عندما يسبب في جفاف العشب ثم الضرع ثم توقف السواقي عن الجريان وكأنها دليل الموت للجمال والحياة..ثم يتطرق للزهر واللواقح وللطير

              وشدوه..
              ثم استحضر دور المطر في إحياء الزهر والذي بدوره ينعش دور النحل في صنع الشهد..وذلك لأهمية النحل في عملية التعلم من خلال مملكتها وما فيها من نظام نتعلم كيف نبني مجتمعاتنا وكيف نكون مواطنين صالحين في المجتمع ..
              يكمل الشاعر قصيدته الملهمة للروح وللفكر وللخيال..بقوله:

              //وما النجمُ في الأشياء إلا حجارةٌ
              وعندَ ذوي الألباب ِ يصبحُ هاديا

              مصابيحُ من نورِ الإلهِ ورحمةٌ
              تُوجِّهُ ربَّانا وتُرشدُ ساريا//

              هنا مع التناص القرآني يكمل الشاعر في وضع أسرار الكون بين يدي القارئ كي يصبح حجة عليه ..فمع النجم وأوصافه وقيمته العلمية في أن يكون هاديا لكل ضال في الطرقات من خلال ضوئه الذي يرسله على مشارف الأرض..لقوله تعالى والتناص المذكور في سورة النحل:
              " وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)"..
              فالنجوم هي من نعم الله لعباده وعلامات تدل الضال لمعالم الطريق..عدا عن كونها زينة للسماء ورجوماً للشياطين..
              أليست هذه من أعظم النعم على عباده إذ جعل الليل فيه بعض من خاصية النهار أليست هذه مصابيح من نور الله ورحمة للخلق..أليست هي من أسرار الكون المتناسق العظيم..وما ذلك كله إلا ليزداد المؤمن إيمانا..سبحانه وتعالى ما أعظمه..
              تصوير متقن جذاب للفكر والقلب..
              ويعد هذه العلامات التي ترشدنا للخالق العظيم ينهي الشاعر تلك الأوصاف ليصل لزبدة الموضوع وهو تقوى الله والخشية منه من خلال ما في الكون من آيات عجاب لكل مفكر ..

              //وفي الكون آياتٌ لكلِّ مفكِّرٍ
              لها القلمُ الجبَّارُ يركعُ جاثيا

              فعرّجْ على قافٍ تزوَّدْ بنورها
              وِقاءً إذا ما العمرُ ألقى المراسيا

              ومادمتَ لاتمضي اللياليَ ساجداً
              ولستَ على دربِ الشهادة غازيا

              عليك بتقوى اللهِ في كلِّ نفثةٍ
              منَ الحبرِ يُجريها يَراعكُ راضيا

              وزيّنْ بذكرِ اللهِ كلَّ قصيدةٍ
              تطيرُ لعلياءِ القريضِ مناجيا

              لعلَّكَ تنجو والحياة قصيرةٌ
              إذا جئتَ بالإيمان تخشعُ باكيا//

              خلاصة القصيدة البارعة..هي عملية توجيه لكل ضال ..يطلب الشاعر العروج على سورة قاف ليتعلم فنون الكون وكيفية التعلق بحبل الله المتين..
              فيقول الشاعر لنزين صفحاتنا بنور الله ولنجعل أقلامنا بيضاء مدادها من نور السماء..
              فإن لم نكن من القاتلين المجاهدين في سبيل الله ..على أضعف الإيمان أن تكون أقلامنا دروساً للآخرين تضيئ سماء الأدب..ولنكن قلماً نجاهد به كي تُضاء أرواحنا من حسن استخدامنا لها في سبيل الله...لعلنا ننجو من عقاب الله ...
              .
              الشاعر الكبير المبدع البارع في تخطيط حرفه ونسجه فيما فيه العبر والمواعظ والتوجيهات الرشيدة لحياة آمنة مطمئنة في رحاب الله..
              أستاذنا الراقي
              أ.توفيق الخطيب
              لقد أتحفتنا بلوحة فنية عالية المقام ترفع من فكرنا وتنزّه عقولنا عن الظلمات..وتجعلنا في محطات المراقبة للذات..
              جعلها الله في ميزان حسناتكم وأثابكم منها الأجر والثواب..
              قصيدة محكمة البناء والتراكيب الفنية التي جمعت كل مقومات الجمال في أثواب سحرية تنير ظلمات الفكر...
              جاءت القصيدة بفكر وضاء أعاد للحياة رونقها وللفكر ثوابته..
              وفقكم الله لنوره ورضاه
              وأسعدكم في الدنيا والآخرة
              وزادكم بسطة من العلم والنور والخير الكثير..

              جهاد بدران
              فلسطينية

              تعليق

              • توفيق الخطيب
                نائب رئيس ملتقى الديوان
                • 02-01-2009
                • 826

                #52
                المشاركة الأصلية بواسطة جهاد بدران مشاهدة المشاركة
                بسم الله الرحمن الرّحيم
                عرّج على قاف
                الله الله الله
                ما أروع جدائل هذه اللوحة البارعة ..المنسوجة بحرير الدعوة إلى الله سبحانه..
                للعنوان // عرّج على قاف// هو بحد ذاته دعوة وتوجيه نحو تطهير النفس والوقوف بين يدي سورة ق العظيمة الممتلئة بالتوجيهات النورانية التي تحيي النفوس من غفلتها إذا ما استحكمت سبل النجاة ووقفت تستلهم مواطن الإيمان والنجاة من براثن المعاصي والذنوب..
                عنوان استوقفني طويلاً ..لم تُرسم حدوده ومعالمه إلا من قلب مؤمن يعي عجائب كتاب الله ويدرك مدى التمسك به للحفاظ على الذات من الاندثار في جبّ الفساد والكفر..
                فالعنوان يبتدئه الشاعر بفعل أمر // عرّج//
                وكان من الحكمة أن يكون أمراً..لأن الأمر يوجب التنفيذ ..والتنفيذ هنا ينتهي بخلاص النفس من شوائبها الغارقة بالذنوب..وفعل الأمر // عرّج// ما قيلت إلا لأمرٍ جلَل كي يقطف ينابيع الإيمان والتقرب من الله لمن يقف متأملاً متدبراً كلام الله تعالى في سورة ق..
                الشاعر تذوق من هدي هذه السورة وعرف ما فيها من توجيهات للفكر نحو الله وللعمل لرضاه..لذلك كانت نتيجة حتمية أن يخاطب الشاعر المتلقي بفعل أمر لأهمية الحدث وما تحمل السورة من دلالات توقظ النفس من غفلتها وتعيد لها توازنها في العلاقة مع الله سبحانه..
                عرّج..من هذا الفعل كان وحي الإسراء والمعراج..والمعراج هو الصعود نحو السماء نحو العبادة نحو السمو بالروح وإعادتها للنقاء كولادتها البكر..لذلك حملني هذا الفعل // عرّج// لتلك النافذة النقية التي توصل النفس لبارئها وتتفتح أزاهيرها توبة وخشوعاً وحياة للقلب..
                يبدأ الشاعر لوحته البارعة المتقنة المحكمة الغرس والنظم بقوله:

                تناجي نجوم الليل تطلبُ وحيَها
                وتَنشُدُ آلاً لاتُغيثُ صواديا

                وتهدرُ أحباراً تَزيدكَ ظلمةً
                وتُنشدُ أشعاراً جُدوباً خواليا

                لمجرد ابتداء القصيدة بفعل المضارع // تناجي// تدل على أبعادها الروحية وتطهير الذات من عوامل وغبار الدنيا المتراكم بين الضلوع..فعل المضارع جاء بديلا عن الفعل الماضي كأيقونة مستمرة لإحياء الذات وبقائها تحت أنفاس المناجاة التي تعتق الروح من تخومها...
                المناجاة هنا هي عملية استيداع الروح في مناخ نقي محمّل بمطر يغسل شوائب الروح من عتماتها كي تضاء من وحي السماء..
                ولكن الروح العطشى هل ترتوي من صفحة ال أحبار وسِفرهم أم أنهم يزيدوننا ظلمة وابتعاداً عن فوهة النقاء..ليكون تراتيل اليباس في موسم حصاد قد جفت غلّته وانتُزعت منه برَكته..وتبقى الروح تصفق للعطش سبيلاً..
                هذه الأبيات عبارة عن مقدمة توحي لسورة ق..وما فيها من عبر وحكم ومواعظ وتوجيهات للنفس التي تعيش تحت سقف الغفلة عن الله وتحت نصل المعاصي وسيف الذنوب..
                حيث يقول الشاعر:

                تُبدِّدُ هذا الدُّرَّ دون مثوبةٍ
                فياويلَ من يقضي وقد كان لاهيا

                فلولا هُديتَ الدَّربَ بعدَ متاهةٍ
                وقدْ كنتَ هيماناً تسيرُ لياليا

                كأنكَ في وهمٍ تسوسُ ممالكاً
                وتغزلُ أحلامَ الصبابةِ غافياً

                هذه الأبيات جاءت تقضّ مضجع الغافل اللاهي في مدينة الشهوات والملذات..وقد تاه عن عنقود الحق والطريق السويّ..فالإنسان الغافل عن طاعة الله لابد أنه في مسلك الضياع لكل أحلامه ويعيش في غزل الوهم مغمض العينين لا بصيرة ولا نوراً يقوده للأمن مع الذات والروح..لأن الفرد حين يترك درب الله فإنه قد تعدّى على نقاء الروح وإشراقتها..فمن نور الله يبتهج الفكر والعقل والقلب..وتستكين الحواس للطمأنينة والهدوء في كنف الله ورضاه..
                فكل انزياح عن جادة الحق ..جاء مقابله الضياع والغربة عن الروح والجسد والمكان والزمان..فالضلال عن طريق الحق تعني المسير في تيه لا يتقن معه الهداية والصراط المستقيم..
                هذه الصور الشعرية المتقنة جاءت في ثوب جمالي يحمل معه نواة الروح ويدق وشمَه بصدق المشاعر في أفق الشعر وسماء الأدب..
                فتأتي الصور على هيئة واعظ ينطق الحكمة ويوجّه النفوس لأبواب السعادة في محراب الله ثم يطرق أبوابها بحروف موجعة تدق أقفال النفس التائهة بقوله:

                فهلا صحوتَ الآن قبل ندامةٍ
                قوافيك صارت في الحياةِ ثوانيا

                تفوتكَ أسبابُ النجاة بغفلةٍ
                وقدْ يسبقُ الأقدارَ من كانَ صاحيا

                إذا الريحُ ضاعت دون غيمٍ تسوقهُ
                إلى الكلأِ الظمآن يُغني الروابيا

                هنا عملية الصحو تعني محاسبة النفس ووقفة مع غيّها وضلالها لتعديلها بما يوجب رضا الله
                والعمل بالتنزيل والخوف من الجليل والاستعداد ليوم الرحيل..
                ففي عملية المحاسبة للذات وإيقاف العمل في الملذات والفساد هي عملية صقل النفس وتقويمها من الاعوجاج قبل أن يتخطفها ملك الموت..
                الشاعر هنا استخدم كلمة// فهلا// وكأن بها رجاء الإنسان بأن يبحث عن نجاة نفسه باتباع سبل الله ورضاه..قبل الندامة..وكأن الشاعر بكلمة // فهلا// يستعمل الرقة واللطف في الرجاء وهذه صفة الصالحين في المعاملة وصفة من عنده الدراية والذكاء الإجتماعي في كيفية اكتساب القلوب للتعلق بحبل الله والخوف من عواقب الأمور..بعد هذا الرجاء
                يوجه المتلقي لأسباب النجاة والبحث عنها..بمعنى يرشده نحو الله
                ويحرره من الركون إلى الدنيا..ثم ما يلبث أن يربط فكره نحو آيات الكون كمثال لغرس صفة التدبر والخشوع بين مسامات هذا الكون الفسيح بآلاء الله وعظمته..حيث قال الشاعر حروفه بثوب إيماني يفسح المجال للفكر أن يبحر في الوجود وما فيه من آيات تزيد من مراتب الإيمان للمرء:

                // إذا الريحُ ضاعت دون غيمٍ تسوقهُ
                إلى الكلأِ الظمآن يُغني الروابيا//

                هنا نجد قمة التصوير والدقة في مهام الريح التي يوجهها الخالق لعباده وكيف بطبيعتها تسوق الغيم..الغعل المضارع/ تسوقه/ يستخدمه الشاعر بدقة وحنكة وبراعة وحرفية..وكأن الريح هي القائد في تسيير الغيم بإذن الله نحو الأرض العطشى نحو البقعة التي يريدها رب السماء..لم يستخدم الشاعر فعل/ تحركه/ بل اقتصر على فعل/ تسوقه/ وفيهما فرق كبير..حيث عملية التحريك فيها قوة الفاعل في الاهتزاز للغيم وإنزال المطر..وطبعاً الريح هي الدافعة للغيم والتي تدفعه للمكان المأمورة به.. وليست السبب في سقوط المطر..بل عملية قيادتها للغيم ودفعها له هي الوظيفة الملقاة على عاتقها من الله سبحانه..حيث كل شيء في الكون متناسق مبني على نظام وترتيب رباني..كل شيء له وظيفته الخاصة لا يتعداها ولا يخلّ بنظام الكون الذي أبدعه الخالق..فلو كل إنسان فهم دوره الحقيقي في الحياة وتماشى مع قوانين السماء لأصبح في عليين واكتسب السعادة من أوسع الأبواب..لكن الإنسان بنزعة الشر التي يستبدلها عوضا عن الخير فإنه يُفسد كل جمال أبدعه الله تسخيراً للإنسان..
                / إذا الريحُ ضاعت/ كناية عن الجفاف بعلم الله واحتباس المطر عن الأقوام كنوع من أنواع العذاب ليعود الإنسان لرشده ووعيه دون اللجوء للفساد في الأرض..فالريح هي مسخرة من الله إما للخير وإما للعذاب..لقوله تعالى في سورة الأحقاف:
                " وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)"...

                يريد الشاعر ربط أسباب العذاب بتقصير الإنسان نحو الله وكمثال للإنسان نحو التدبر في حياة الأقوام السابقة التي كانت ظالمة لتكون الريح منذرة لهم فيها عذاب يبطش بهم وبكفرهم البغيض..
                هنا يربط الشاعر السبب بالنتيجة الحتمية من خلال العوامل الكونية..
                وهنا تأتي نتائج ضياع الريح:

                //فكيف يدرُّ الضَّرعُ والعشبُ يابسٌ
                وكيفَ مياهُ القطرِ تُحيي السواقيا

                وكيف يعيشُ الزَّهرُ دونَ لواقحٍ
                يُعانقُ أطياراً ويُلهمُ شاديا

                وكيفَ خُدودُ الوردِ يبسُمُ ثغرُها
                إذا النَّحلُ عنها قدْ تغيَّبَ ساهيا //

                هنا يتجلى الشاعر بخياله وفكره وهو يسهب في كل مشاعره بالأوصاف الدقيقة النابعة عن احتراف متفرد وبراعة في توظيف الجمال بعمليات التوجيه والوعظ وما حملت حروفه من العبر المكتنزة بروح الإيمان..
                الصور الشعرية في هذه الأبيات متقنة نسيجها نقي صافٍ من أية شوائب تخلّ بميزان الجمال..
                دليل على قوة الشاعر في توصيل مبتغاه لكل متلقي بصورة إبداعية لا نظير لها..
                فالصور هنا مكتملة الدقة والتصوير وكأنه يقف موقف المصور لما فيها من تصوير فني رائع..
                وكأنه يملك تلك القوى الروحية التي تحس بالوجود المطلق والتي يحاول فيها كشف أسرار الكون من خلال تصويره الحسي بالوجود وكأنها قوى ملهمة لهذا الجمال من السبك والتصوير..عدا عن امتلاكه للقوى العقلية الواعية..ليصور لنا الحركات الفكرية التي تأخذنا لمصافي الإيمان من خلال قوة الإقناع التي يتمتع بها الشاعر..ومن خلال الموسيقى السمعية التي تتحقق بالوزن والألفاظ والموسيقى الفكرية التي تحمل معها تسلسل الفكرة وأجزاءها..
                قدرة الشاعر هنا عظيمة في عملية التدبر والتأمل في أسرار هذا الكون..
                نلاحظ كيف يوجهنا الشاعر لقدرة الله العجيبة وإعادة ترتيب فكرنا وحواسنا لتكون في محراب الله..
                نرى من خلال احتباس المطر عن الأرض كيف يسبب الفواجع للإنسان ويضعه الله في دائرة المحن والابتلاءات ولربما يضعه تحت المحك ليكشف مدى إيمانه وصبره..أو يلتجئ للكفر والطغيان..
                فالمطر رحمة الله لخلقه..واحتباسه يكشف عن نتائج كثيرة منها قد ذكرها الشاعر بأوصاف جمالية في قالب فني تعبيري متقن..عندما يسبب في جفاف العشب ثم الضرع ثم توقف السواقي عن الجريان وكأنها دليل الموت للجمال والحياة..ثم يتطرق للزهر واللواقح وللطير

                وشدوه..
                ثم استحضر دور المطر في إحياء الزهر والذي بدوره ينعش دور النحل في صنع الشهد..وذلك لأهمية النحل في عملية التعلم من خلال مملكتها وما فيها من نظام نتعلم كيف نبني مجتمعاتنا وكيف نكون مواطنين صالحين في المجتمع ..
                يكمل الشاعر قصيدته الملهمة للروح وللفكر وللخيال..بقوله:

                //وما النجمُ في الأشياء إلا حجارةٌ
                وعندَ ذوي الألباب ِ يصبحُ هاديا

                مصابيحُ من نورِ الإلهِ ورحمةٌ
                تُوجِّهُ ربَّانا وتُرشدُ ساريا//

                هنا مع التناص القرآني يكمل الشاعر في وضع أسرار الكون بين يدي القارئ كي يصبح حجة عليه ..فمع النجم وأوصافه وقيمته العلمية في أن يكون هاديا لكل ضال في الطرقات من خلال ضوئه الذي يرسله على مشارف الأرض..لقوله تعالى والتناص المذكور في سورة النحل:
                " وَعَلَامَاتٍ غ? وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)"..
                فالنجوم هي من نعم الله لعباده وعلامات تدل الضال لمعالم الطريق..عدا عن كونها زينة للسماء ورجوماً للشياطين..
                أليست هذه من أعظم النعم على عباده إذ جعل الليل فيه بعض من خاصية النهار أليست هذه مصابيح من نور الله ورحمة للخلق..أليست هي من أسرار الكون المتناسق العظيم..وما ذلك كله إلا ليزداد المؤمن إيمانا..سبحانه وتعالى ما أعظمه..
                تصوير متقن جذاب للفكر والقلب..
                ويعد هذه العلامات التي ترشدنا للخالق العظيم ينهي الشاعر تلك الأوصاف ليصل لزبدة الموضوع وهو تقوى الله والخشية منه من خلال ما في الكون من آيات عجاب لكل مفكر ..

                //وفي الكون آياتٌ لكلِّ مفكِّرٍ
                لها القلمُ الجبَّارُ يركعُ جاثيا

                فعرّجْ على قافٍ تزوَّدْ بنورها
                وِقاءً إذا ما العمرُ ألقى المراسيا

                ومادمتَ لاتمضي اللياليَ ساجداً
                ولستَ على دربِ الشهادة غازيا

                عليك بتقوى اللهِ في كلِّ نفثةٍ
                منَ الحبرِ يُجريها يَراعكُ راضيا

                وزيّنْ بذكرِ اللهِ كلَّ قصيدةٍ
                تطيرُ لعلياءِ القريضِ مناجيا

                لعلَّكَ تنجو والحياة قصيرةٌ
                إذا جئتَ بالإيمان تخشعُ باكيا//

                خلاصة القصيدة البارعة..هي عملية توجيه لكل ضال ..يطلب الشاعر العروج على سورة قاف ليتعلم فنون الكون وكيفية التعلق بحبل الله المتين..
                فيقول الشاعر لنزين صفحاتنا بنور الله ولنجعل أقلامنا بيضاء مدادها من نور السماء..
                فإن لم نكن من القاتلين المجاهدين في سبيل الله ..على أضعف الإيمان أن تكون أقلامنا دروساً للآخرين تضيئ سماء الأدب..ولنكن قلماً نجاهد به كي تُضاء أرواحنا من حسن استخدامنا لها في سبيل الله...لعلنا ننجو من عقاب الله ...
                .
                الشاعر الكبير المبدع البارع في تخطيط حرفه ونسجه فيما فيه العبر والمواعظ والتوجيهات الرشيدة لحياة آمنة مطمئنة في رحاب الله..
                أستاذنا الراقي
                أ.توفيق الخطيب
                لقد أتحفتنا بلوحة فنية عالية المقام ترفع من فكرنا وتنزّه عقولنا عن الظلمات..وتجعلنا في محطات المراقبة للذات..
                جعلها الله في ميزان حسناتكم وأثابكم منها الأجر والثواب..
                قصيدة محكمة البناء والتراكيب الفنية التي جمعت كل مقومات الجمال في أثواب سحرية تنير ظلمات الفكر...
                جاءت القصيدة بفكر وضاء أعاد للحياة رونقها وللفكر ثوابته..
                وفقكم الله لنوره ورضاه
                وأسعدكم في الدنيا والآخرة
                وزادكم بسطة من العلم والنور والخير الكثير..

                جهاد بدران
                فلسطينية
                بسم الله الرحمن الرحيم
                الشاعرة والناقدة القديرة جهاد بدران
                من يقرأ ماخطه قلمك البديع من تحليل متقن رائع لقصيدتي يصاب بالحيرة , ولايدري أيهما أجمل النص أم التحليل البديع , أنا أعرف كم بذلت من جهد ووقت حتى قمت بهذا العمل الرائع , ونحن في هذا الملتقى بحاجة إلى أمثالك من الشعراء الملهمين والنقاد البارعين ,إن الإبحار في القصيدة وسبر أغوارها ليس بالأمر السهل بل يحتاج إلى العلم والموهبة والرؤيا , وهذا لايتوفر لكل من يكتب الشعر , لقد أضأت جوانب في القصيدة ربما كانت خافية عن كثير من المتلقين وخاصة فيما يتعلق باستعمال ألفاظ معينة في مواضعها وماتعطيه من دلالات تخدم النص , وهذا طبعا غيض من فيض قلمك الرائع .
                وأخيرا أنا لاأستحق كل هذا المديح وأشعر أن قلمي مقصر في النصح والإرشاد إذا كنت أهلا لذلك , فلك كل الشكر على ماتكتبينه شعرا ونقدا في هذا الملتقى وجزاك الله خيرا وزادك علما وفهما , وأحثك على كتابة المزيد من الشعر البديع والنقد البناء .
                ودمت بحفظ المولى
                توفيق الخطيب

                تعليق

                • ناظم الصرخي
                  أديب وكاتب
                  • 03-04-2013
                  • 1351

                  #53
                  تراتيل شعرية تصدح بأعذب الألحان في محراب الكلمة الصادقة المعبرة الهادفة والمضمخة بطيوب الحكمة والموعظة الحسنة
                  قرأت قصيدة باذخة العذوبة والتألق..
                  دمت والإبداع محلقان أخي الكريم
                  مودتي وأعطر التحايا

                  تعليق

                  • توفيق الخطيب
                    نائب رئيس ملتقى الديوان
                    • 02-01-2009
                    • 826

                    #54
                    المشاركة الأصلية بواسطة توفيق الخطيب مشاهدة المشاركة
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    الشاعرة والناقدة القديرة جهاد بدران
                    من يقرأ ماخطه قلمك البديع من تحليل متقن رائع لقصيدتي يصاب بالحيرة , ولايدري أيهما أجمل النص أم التحليل البديع , أنا أعرف كم بذلت من جهد ووقت حتى قمت بهذا العمل الرائع , ونحن في هذا الملتقى بحاجة إلى أمثالك من الشعراء الملهمين والنقاد البارعين ,إن الإبحار في القصيدة وسبر أغوارها ليس بالأمر السهل بل يحتاج إلى العلم والموهبة والرؤيا , وهذا لايتوفر لكل من يكتب الشعر , لقد أضأت جوانب في القصيدة ربما كانت خافية عن كثير من المتلقين وخاصة فيما يتعلق باستعمال ألفاظ معينة في مواضعها وماتعطيه من دلالات تخدم النص , وهذا طبعا غيض من فيض قلمك الرائع .
                    وأخيرا أنا لاأستحق كل هذا المديح وأشعر أن قلمي مقصر في النصح والإرشاد إذا كنت أهلا لذلك , فلك كل الشكر على ماتكتبينه شعرا ونقدا في هذا الملتقى وجزاك الله خيرا وزادك علما وفهما , وأحثك على كتابة المزيد من الشعر البديع والنقد البناء .
                    ودمت بحفظ المولى
                    توفيق الخطيب
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    الشاعرة والناقدة البارعة جهاد بدران
                    لقد تم نشر نفدك الجميل في موقع آفاق حرة على هذا الرابط :
                      إليَّ أولاً, ثم لكل الشعراء والأدباء والمفكرين أوجه هذه القصيدة : تناجي نجوم الليل تطلبُ وحيَها وتَنشُدُ آلاً لاتُغيثُ صواديا وتَهدرُ أحباراً تَزيدكَ ظلمةً وتُنشدُ أشعاراً جُدوباً خواليا ُ ت…

                    تعليق

                    • جهاد بدران
                      رئيس ملتقى فرعي
                      • 04-04-2014
                      • 624

                      #55
                      المشاركة الأصلية بواسطة توفيق الخطيب مشاهدة المشاركة
                      بسم الله الرحمن الرحيم
                      الشاعرة والناقدة البارعة جهاد بدران
                      لقد تم نشر نفدك الجميل في موقع آفاق حرة على هذا الرابط :
                      http://www.afaqhorra.com/%d9%85%d9%8...9%d9%84%d9%89/
                      شاعرنا الكبير الراقي البارع حرفه
                      أ.توفيق الخطيب
                      كم فرحني وأسعدني نشركم لهذه القراءة المتواضعة لحرفكم الشامخ، هذه لفتة طيبة واعية تدل على بعاد رؤياكم للحرف وما نتج عنه سلاسل جميلة هي من وحي قصيدتكم الإبداعية، وما كانت القراءة إلا ولادة ونسيج عطري عبق تناولناه من نصكم البديع الذي جذب المتلقي ليحصد الجمال بين سطوره وما استخرجناه من أعماقه من درر بلاغية عذبة..
                      والله لا أدري كيف أشكركم على كرمكم وهديتكم النفيسة هذه..
                      كل التقدير والاحترام والتبجيل لقلمكم المتلق
                      باقات شكر وامتنان لرقي حرفكم
                      جزاكم الله كل الخير
                      ورضي عنكم وأرضاكم
                      .
                      .
                      .
                      جهاد بدران
                      فلسطينية

                      تعليق

                      • جهاد بدران
                        رئيس ملتقى فرعي
                        • 04-04-2014
                        • 624

                        #56
                        النّص : عرّج على قاف النّاص : توفيق الخطيب القراءة : جهاد بدران .................... النّص : تناجي نجوم الليل تطلبُ وحيَها وتَنشُدُ آلاً لا تُغيثُ صواديا وتهدرُ أحباراً تَزيدكَ ظلمةً وتُنشدُأشعاراً جُدوباً خواليا ُ تُبدِّدُ هذا الدُّرَّ دون مثوبةٍ فيا ويلَ من يقضي وقد كان لاهيا فلولا هُديتَ الدَّربَ بعدَ


                        حفظكم الله ورعاكم شاعرنا الكبير
                        أ.توفيق الخطيب
                        نسأل الله تعالى أن تكونوا بألف خير وصحة وعافية

                        تعليق

                        • توفيق الخطيب
                          نائب رئيس ملتقى الديوان
                          • 02-01-2009
                          • 826

                          #57
                          بسم الله الرحمن الرحيم
                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                          أشكر كل من رد على قصيدتي , كنت قد وضعت رابطا لمقطع مرئي فيه قصبدتي ولكن المقطع بحاجة إلى تعديل وسأقوم بوضعه حال إصلاحه .

                          ودمتم بحفظ المولى
                          توفيق الخطيب

                          تعليق

                          • عبدالهادي القادود
                            نائب رئيس ملتقى الديوان
                            • 11-11-2014
                            • 939

                            #58
                            إنها رسالة الشعر والشاعر حين يجهل الأنام السبيل

                            وتقودنا الخطوات صوب خيبات الأخطاء

                            وهنا يأتي هذا القصيد الواعظ بما ينبغي للأدب النبيل

                            من رسائل الإرشاد وما يقتضيه المداد من إيحاء

                            كي تظل رسالة البيان خالدة وبعيدة عن وحل الواقع

                            شاعرنا الرائع توفيق الخطيب

                            دمت خطيبا بالخير

                            لا عدمناك

                            تعليق

                            يعمل...
                            X