ها عـــــــدتُ, في قـــــلق المساء إيــــــابي
و خـــــطايَ تبحر في الثرى المـــــــرتاب
ها عــــدتُ, ما عادتْ لذاكرتي الـــــــرؤى
تاهتْ على زهـــــو الخطى المـــــــنساب
و العين تــــــــفرغ أخــــتها ما أبــــــصرتْ
و الكــــف راهــــــــــبة تجـــسُّ تـــــــرابي
فتخيط أزمـــــــنة الحــــــــكاية للـــورى
عبثا تحـــــــاول فـــك سر مئـــــــــــــابي
و الريح تمـــعــــــــن بالغـــــــواية في دمي
إذ تزهر الأصواتُ كــــــــرم عـــــــذابي
ينــــــتابُني عريُ الـــــرواح على المدى
يهـــتاج في وجـــــــعي معــــــين شرابي
يـــقـــتاتني وتر المـــــــــــــواجــــــع آهة
مــصلوبة في مــــــنـــتهى الأحــــــقاب
قد جئتُ أبحث عن شواطئ بـســــمة
غـــــــــــــرقتْ بها الأيام في الأوصاب
فـتَّـشْـتُ ألحاني فما َألــْــفـِـــــيـْــــــــــتُهَا
شرقــــــتْ بها قـــبل المساء ربــــــــابي
عذرا فأفـــــــــــــصح عن رؤاه هاتف
لا تـنـبشنَّ الجــــــــــــــرح في إطرابِ
يا حاملا جــــــرح الـــرؤى في كأسه
خمر بكــــــــــــــــــفك أم دم الأطياب
يا حاملا حر الهوى في قلــــــــــــــــبه
جمر بــصدرك أم رؤى لـتـصــــــــــابي
مازلتَ تمــضــــغ هــــــمـها في نـشوةٍ
ترمي نشــــــــــــــيد هياكـــلي لخراب
ينسابُ في أزلـيــــــتي أبد اللـــــــظى
و يحيـــــــطني سفر الرؤى بتـــــرابي
و طلاسم التاريخ في شفتي انتشتْ
وجــــــــــــــلا بأسئلة تخاف جوابي
تــــغـــــتال في يدها حـــــمامة جرحنا
فتوسدتْ جمر الـــــــــــقرون رحابي
يا أنتِ مـــــــــــرٌّ هدم مملكة الهوى
كل الطيور تنــــــــــــــكرتْ أسرابي
كــــيف العـــبور إليكِ حين تـصدني
عيناكِ عنكِ فـتــــــــنتشي أسبابي
ذوبان أمكــــــــنـتي يحاكي هيكــلي
و يعير أزمـنــــــتي اضطراب عبابي
مهما تــــــناغـــين المــــــواجع في دمي
مهما جــــــــرى لا لن يـــطول تـبابي
إلاكِ ما عــــرفتْ لحون ربابـــــــتي
ضوء يــــــــــــبرعـم في دمي أنسابي
فتوقدتْ عشقا إليكِ مــــــراكـــــبي
إذ حُـنـــطتْ أيــــامنا بـــــــــــشغابي
قدَّتْ قـــميـص الغيب من دبر فـهل
من شاهـــدٍ يــهــدي الرؤى لـصواب
فالدكنة العمـــــــــياء في جرح المدى
عن ساقها كشفـــــتْ لشبق سرابي
تَلْـــــــتَفُّ بالساق الكسيحة ساقها
فتلـعّـثـمتْ فيها سرى الأعــــــــرابي
في مــتـــــنها غسلتُ نبضَ أمـــــومة
تلـــــــــــقي بــــمــوساها ليــــم عباب
أقفلتُ من مـــــدن أساءل نــبـضها
ماذا تخــــــــــــــبئ جـــــبة الــفارابي[1]
سقراط[2] عاف كؤوسه حين انتشى
من خيــــــــــبةٍ ترمي به لتــــــغاب
لم يــــــبقَ إلا ما تكــــنُّ هياكـــــلي
لـُـــمِّــــــي خطاكِ و غادري سردابي
****************************
بل جــمـــــعي القبلاتِ في أحداقنا
عل الـمـــآسي تـنـــتـــهي بــــــرحابي
لا شيء عندي غير خدك يكتسي
من جرحنا شفـقا يــضــيء ضـبابي
يهديكِ من وتري مــــــــوشح ليلنا
يـصــــطادني تابـــــــــــــوته برغابي
أدمنتُ جرحا من غــــيابات الثرى
في جُبِّ يوسف لـعـــــنة الأحزاب
أسرار زيـــــتوني و تـــــــين شرابي
و لأينما فَـتَّـــــــشْتُ عنكِ ملامحي
أوقـــــدتِ ذاتي في مدى الأخشـاب
تتحسَّـسين عواطـــــفي الثكلى عسى
أن تــعـــــثرين على لـــــــهـــيب شبابي
قد أمـــعنتْ في ملــــمحي و تحسَّستْ
شفــــتاكِ في غـيــبوبــــتي أعـــــــــصابي
مازلتُ أشبه في الـمــــــآسي غـــــــزة
لا حــــــلم يـطــــــرق مــــــرة أبـــوابي
لا شيء يـمـــــكن أن يـــرتَّـق فـجـرها
حتى تـــــلـــــــمَّ شــــــتاتها لشعـــــابي
آه عـــــلى الشفـــق الـمــضيء بجرحنا
ما أفــصحتْ عيـنــــــاه في إغــــــراب
قد أقـــسمــتْ في الدرب جهد يـمـيـنها
أن خانـــها تلــــــــقي رؤى الألـــــقاب
يــذكي رؤاها سر ســــــــــــــبع سنابلٍ
في كـــفــــــها تـخـــــــضرُّ ملء نـصاب
لا شيء يــــــنكأ جرحها صبحا سوى
غيث مــــــــــــراء في المدى و مرابي
لا جرح يـصلـــــــــبني على أبــــعادها
إلا هواها حـيــــن عـــــز طــــــلابي
أنت الـمـــــــــشردة التي غصتْ بها
قـيـــــثارتي ليلا و بـــــوح ربــــــابي
تـــستــلــــــــــهم النايات من أحزانها
كــــــفا تكـــفــــكف دمعـــــــها بإيابي
مازال في وتري احـتـراق لـغــــــابها
لو يـشـــــعل الأحــلام عود ثــــــقاب
ما عـــدتُ أصلــــــح للهوى في دكـنتي
ما عاد يطــــــفئ غـــربــــــــتي أحبابي
خلِّي أساي على الصليب يلوكــــــني
ثم ارحلي فأنا الجــــــــــــــــواد الكابي
********************
ها عدتُ من قمم الرؤى في حرقتي
صدئتْ على أنـــــفاسها أحــــــــقابي
تـخْـــــــــــضَلُّ فيها نائحات طيورها
فـــــــعلى جبـــيــني زقزقتْ وروابي
تـــبكـي سواقي الـنــبض حال نخيلها
واحــمـضَّتِ الأحـــــــلام في أعنابي
كـيف احـتمـال الجمر في أسف النوى
كـيف اختـزال الـعــــــمر في إطراب
كـيف احتـراق الشدو في أعماقـــــنا
كـيف اختــزان الدمع مـــــن أوصاب
نـضبتْ جداول لهفـــــتي من وجدها
فبل الضحى و أضـــــعت كل خوابي
يا أنتِ ضاعتْ في مدى غيبوبـتي
أطـــــلاء أغـنـــــــــيتي بجرح عتابي
يا أنتِ آه كلما من يـقـــــــــــــــظتي
ضاء المدى أفـــــــــــضى له سردابي
يستفُّ في حلــــــــــكي توابل عمرنا
يلــــــــــــقي الأسى لكواعب أترابي
ترتاع من صدأ الحكــــــاية وحدتي
و يـلـفــــــني شبق الدجى بـمـــــصابي
تلْــتـــمُّ في سمت الـعــــــــــيون ملامحي
تـفشو مساءً حــــــــــــــرقة الأهداب
ألـمــــي موشى باللـــــــــظى في بـعده
ويلح في شفـــــــــــــــــتي ضوء كتابي
و قـصائدي نـشوى يـعـــــربد جرحها
نزف الرؤى من جــــمــــــرهن الخابي
أمضي لأني كـــــــلما أذكي الخـــــــطى
شوقا إليك توقـــــــــــــــــدتْ أسبابي
أمضي لأني كلــــــــــــــــما شاء الهوى
حمل الضحى سفــــــــــحتْ له أكوابي
مهما أضمُّكِ أو ألمـُّـــــــــــــــكِ في دمي
تجتاح حلــــــــــــــمي شبهة الإرهاب
يا أنتِ لست مبـــــرأ في غربــــــــتي
مـشــبوهة يا نـــــــــــــــشوتي أعنابي
صار اتهامي في مـــــــــــــدائن عمرنا
تــسخـــيـن أفكار الندي بــــــــربابي
حتى تـنـــــــــكرني خراب هياكــــلي
و تـغـــــــربتْ في مـقـــلـتـيك قــــبابي
ها عدتُ يا قدس الجراح على يدي
حلم بأجنـــــــــــــــــــحة تخاف تبابي
كنا هــــــنا إذ كان ثالـثــــــــنا ضحى
يستــــقــــــرأ الأكــــوان نـبض كتابي
فـتــحـفـني أطــــــــيافه في وحشتي
تــــسقي مـــــــــــواويلي هوى أصحابي
ها جئتُ مكـــــلومَ الـفؤاد بـغـصـتي
و الجــــــسم لا يـــــقوى لغــــير ثيابي
نـخلا على أوجـــاعه خــــــلف القرى
يبكي رؤاه في نـــــــــــــوى السياب[3]
يـَسْـتَلُّ من صدري مكامن عشقه
ظـــــمآن يــــصدر مــاءه للــــــعابي
يا نــــــــشوتي رحماك فالموج ارتشى
مازلت تـبــتاعينـه أطــــــــــــــــنابي
تــــــــتوسدين البحر في ألق الصبا
تـستلــهـــــمين مــــواجد الأعشابي
أحرقتُ كل سفائــــــني من فرحتي
قدر الـهـــــــــــوى ألا يكون إيابي
و لـحـيثما تاه الحــــــنين بـجــــبهـتي
شوقا تـنـفـــس حـــــــرقـتي محرابي
رحماك منا فالضياع يـلـــــــــــفـني
عند المــتاهة في أتــــــون عــذابي
نـجــــواك آه لم يـــعد في عـمـقـنا
حلم تـهــــــــشم في مدى جلبابي
ما أن ترتـــــــــــــق لحنه قيثارتي
ينهار منفـــــجرا بلـــــغم يـــــباب
حتما ستـــــحــمله إليك مواجدي
قدت خطاه من طيوف سراب
يا نشوتي هل في عيونك مــرفأ
ترتاح في أطـــــــــــــــلائه أسرابي
فيما احتراقي و الكلــــــــــوم صبية
فــتـفنـنـت في وأدها أعـــــــــــرابي
يا قدس يا قدس الجـــراح تهطلي
غيثا يشجــــب مـنك مكر سحابي
مازال نبضك يكــــــتسي أطفالنا
في كعكهم في نـشوة الألـعــــــاب
ماض يمد يدا تـفــــــتش جرحنا
عن طــــارق[4] يرسي سفين إهابي
عن نخوة العرب المـطرز صبحها
بلظى الدم المسفوح في الأعتاب
لا شيء يمكنه تلــــــــبس حلمنا
سفحت هنا في مقلـتـيك جرابي
لا شيء يربأ صدع أزمنة الهوى
فــــــشريـعة الأوباش[5] ليل الغاب
فالعالم المحـــــــــــموم من أزل فها
قابــــــيل[6] يهديه مُــدى الأسباب
قابـيل يا قابــــيل يا وجــــع الرؤى
ماذا تلــــــــــقن وجهــــة الإرهاب
صهـــــيون قد ألــــقى إليكَ زمامه
فالأمـــــــــر أمرك يا دم الأرباب
مازلتَ تعصف بالرؤى غضبا وكم
في الحمأة الحمراء حــــقد عــــــقاب
مازال ليلك يـبــــتــني مدن الردى
في تل أبـــــــــــــيب نهاية الأطياب
شفــقا تـضوع دمـــاءنا مـهـــــــــتاجة
فــــــوق الصلــــيب توقدت بـعذابي
لا قلب يـفهم في الشجون صلاتنا
ضاعت رؤى في حلكة الإغـــراب
أيـقـــــــــنتُ إني في هواك قصيدة
مـصـــــــلوبة أبــيــــــاتها بــقــــــبابي
.يا أنت مهما طال بي سفـــر الضحى
ما قلتُ لَيـــْـــــتَكِ أو ركبتُ عتابي
يا قدس يا أقــــداس أحلام الندى
سأظل أرفـــض عن هواك مـتــابي
[1] - الفارابي : أبو نصر الفارابي الفيلسوف المسلم صاحب الأفلاطونية الجديدة في ديار الإسلام شارح أفلاطون و أرسطو
[2]- سقراط : أستاذ أفلاطون المختلف في تصنيفه هل من الحكماء أو الفلاسفة الذي أنزل الفلسفة إلى الواقع
[3] - السياب : هو البلح ومنه اسم الشاعر العراقي شاكر بدر السياب
[4] - طارق : الفاتح المغاربي للأندلس : طارق بن زياد
[5] - الأوباش : جمع بوش جمع على الطابور
[6] - قابيل : أخو هابيل من أبناء آدم عليه السلام
تعليق