رئيس التحرير .. بقلم د. مازن صافي
كان عمره ثلاثة عشر عاما حين توفى والديه في حادث طرق ، يومها كانت قصة الحادث قد دخلت كل بيت وتناولتها كافة الصحف ، كان التركيز على ذاك الطفل الذي خرج سليما من الحادث ، يومها تدافع الكثيرون للفوز بتربية هذا الطفل ، فهو وحيد والديه المتوفيين ، لكن عمه الطاعن في السن أبى إلا أن يأخذه عنده ..
سافر الطفل مع عمه ورحل عن مدينته وأرضه ليعيش مغتربا هناك ، غربة في المملكة المغربية ، الثقافة مختلفة ، طباع الناس مختلفة ، وتداخل بين الثقافات ، وامتدت السنوات والطفل يكبر في كنف عمه ، وترك عمه العمل وأصبح يعتاش من الخدمات الاجتماعية وبعض الأعمال البسيطة التي تتناسب وسنه ، تخرج من الثانوية العامة بدرجات جيدة ، وخرج من بيت عمه بعد أن دبَّ الخلاف بين عمه وزوجته وكان هو محور الخلاف ، فلقد طلبت الزوجة أن يذهب الشاب ليرى مستقبله ويجتهد في الحياة ، ومن غير المعقول أن يعيش بينهما شاب وهي التي تصغر زوجها بعشرين عاما .
خرج الشاب من البيت يبحث عن طعام ، عن مأوى ، عن عمل ، عن أي شيء .. ذهب إلى منطقة ثرية وأخذ يعمل في الأعمال التطوعية بأن ينظف الحدائق والشوارع الفرعية مقابل أن يتم إمداده ببعض وجبات الطعام ، وبالفعل استمر في ذلك ، وكان من عادة هذه الأسر أن تمده بوجبة الطعام ملفوفة في صحيفة تم قراءتها صباحا وانتهت إلى مجموعة النفايات ، كان يأكل ويقرأ الصحف ،وينام بجانب البيوت أو في الحديقة إن تسنى له ذلك ، حتى وجد إعلانا لطلب عدد من الموظفين المستخدمين في إحدى الصحف الكبرى ، أخذ الإعلان وذهب للصحيفة وتقدم بطلبه ودفع رسوم الطلب بعد أن استدانه من سيدة في الحي الثري ، مر أسبوع كامل وعاد لصحيفة ليجد اسمه من بين المقبولين للعمل ، كان يعمل مساءً ويدرس صباحا بعد أن تقدم بطلب دراسة في معهد تقني متخصص في تنمية القدرات البشرية ، بدأ في كتابة المذكرات والخواطر والفقرات القصيرة التي يتابعها في الصحف ، وفي أحد الأيام نسى دفتر مذكراته في مكان ما بالصحيفة بعد أن مسح المكتب كله ورتب أوراقه ، وأخذ يبحث عنه في كل مكان ولم يجده ، في اليوم التالي استدعاه رئيس تحرير الصحيفة يطلب منه أن يتسلم دفتره من مكتبه ، ذهب إلى المكتب وهو خائف جدا من قرار الطرد ، وإلا لكان قد أرسل الدفتر إلى أحد العاملين ليسلمه له ، أما أن يستدعيه للمكتب فهذا أمر آخر ، لم يذهب للمعهد وهو يفكر كيف يعتذر وكيف يبرر وهو أيضا لا يعرف كيف وصل الدفتر إلى رئيس التحرير .
دخل مكتب رئيس التحرير الذي قابله بابتسامة وتقدم نحوه وسلم عليه وجلسه مقابله تاركا كرسيه الدوّار ، استغرب الشاب ما يحدث ، وبادره الرئيس بالسؤال هل هو مَن يكتب هذه المذكرات والفقرات ، وبتلعثم واضح قال له " نعم سيدي " ، ابتسم الرئيس ثانية وقال له " هل يمكنك تزويدنا بخاطرة يومية للصفحة الأدبية وفي المقابل أن يتم إعفاؤه من العمل كمستخدم وأيضا يتم منحك مكافئة شهرية إضافية على راتبك ، ابتسم الشاب وأخذ يعانق الرئيس ، وقال له : المجتمع سرق بعض أحلامك وهنا يمكنك أن تحقق بعضها ، خذ إجازة عدة أيام للراحة وعد بخواطر بعدد كل يوم إجازة ، أكتب فيها عن حياتك كما هي في مذكراتك ليتم نشرها في يوم واحد للتعريف بك .
تدريجيا أصبح الشاب مشرفا على الصفحة الأدبية ، ثم شارك رئيس التحرير في إنشاء صحيفة متواضعة لنشر المواد الأدبية ومشاركات الهواة والمهتمين والأدباء ، حتى كبرت هذه المؤسسة وأصبح مالكها الوحيد لتصبح أكبر مؤسسة صحفية أدبية .
ولقد كتب في رأس الصحيفة فقرة ثابتة : " اكتشف الميزة التي تمتلكها ووظفها بطريقة صحيحة حتى تحقق النجاح " .
تعليق