الشكل الآخر للمأساة في نص عرس حمودة للكاتبة إيمان الدرع
المأساة
هي محاكاة لفعل جدي له حجم ومقدار معين ، يسيره الكاتب بشكل درامي لتعميقه وجدانيا ليكون تأثيره على المتلقي أكبر ويكون الإحساس بوقع المصيبة أعمق ،والمأساة تتكون من حبكة واحدة أو عدة حبكات
والحبكة هي مجموع الأفعال التي تنسج بمنول نساج ذي خبرة ودربة للوصول إلى هذه المأساة عبر تواتر سردي يصل بنا إلى الهدف المراد ،و قد تكون الحبكة بسيطة أو مركبة ، أو تكون ذات طبيعة مزدوجة ،حسب تركيبة النص ،
المأساة الحقيقية هي حالة انقلاب عاطفي وفكري نتيجة فعل مأساوي معين يقودنا من حالة الفرح إلى الحزن العميق كما أكد عليها أرسطو
في نص الأستاذة إيمان الدرع
البطلة هي إنسانة ضعيفة لا حول لها ولا قوة
ولا قدره لها على التغيير ، بحكم عجزها وكبر سنها ، ولكنها تمثل الجذور العميقة للمجتمع تتلقى خبرا صادما بأن عائلتها قد فقدت نتيجة عملية إجرامية وتحدد الكاتبة الآلة المسببة بسكين تترية بربرية وهي بذلك أداة لا تفرق بين الطفل الصغير ولا المرأة ولا رجل كهل لتعبر عن الهمجية التي ترافق مثل هذه الآلة التدميرية الطاحنة ، يأتي وقع
": الخبر على المرأة فاجعا بكل المقاييس لذا تجدها لا تصدق الخبر فتمارس ضده نوع من الدفاع النفسي الذاتي وهي حالة التفاف على الخبر أو إنكاره ،تستخدمه الدفاعات الذاتية بشكل لا أرادي كحالة من وسائل الوقاية الذاتية مثلها مثل حدوث الإغماء المفاجئ عند سماع خبر مؤلم لجعل وقع المأساة أقل وطأة على المتلقي للخبر ،
وفي حالات أخرى تعمل هذه الدفاعات على مسح مؤقت أو دائمي في الذاكرة للفعل الحاصل لتشكل ظاهرة قد تمتد لفترة زمنية طويلة ترافقها حالة نكوص نفسي أو حالة فصام نفسي نعزيها بشكل خاطئ على إنها نوع من أنواع الجنون ،
المرأة لا تجد القبول والرضا والقناعة داخل النفس بحصول هذه المأساة لذا تراها تنزع
إلى فرض واقع خيالي جديد قد تكون له جذوره فهو الشيء الوحيد الذي يتجاوب مع رغباتها ونزعاتها النفسية وتقبلها لفكرة عدم حدوث الكارثة وإن العرس حاصل شئنا أم أبينا ، وهي بذلك ترمز إلى معنى عام أن الحياة لابد أن تأخذ مسارها الطبيعي رغم ما فيها من مآسي ومعنى آخر سيكولوجي خاص تعبر فيه عن رفضها لفكرة الموت أو تقبله كما سنبين لاحقا
بصورة عامة المجتمع الشرقي مجتمع عاطفي
والعاطفة لدينا شيئا عظيم يفوق الوصف وهو موجود ضمن تركيبتنا الوراثية والبيولوجية والبيئية خلقنا وفي داخلنا كم من العواطف التي ليس حدود ،هذه العواطف إن لم تُخّرج بمسارها الصحيح تجد الشخص عرضة للإصابة بأمراض نفسية ، لذا تجد الشرقي أكثر تعرضا لأمراض الكآبة والفصام نتيجة لأي حالة فقد لعزيز أو قريب ،
وتتأجج العواطف تبعا لمؤثرات خاصة فعاطفة الحب تثار عندما تجد أسبابها بين شريكين اثنين يرتبط أحد هما أو كلاهما برباط عاطفي وثيق إذ تتحول حالة الأمل والتفاؤل بعد فقد الحبيب إلى حالة إحباط وحزن عميق ,.
وأقوى تلك الأحزان عند حدوث حالة الموت فعندما يمر شبح الموت أو نعيش تجربة من تجاربه نحس بحزن وكآبة عميقة وحالة شرود ذهني وقلق وخمول ذهني وجسدي ، ذلك الموت الذي
لا يفرق بين شاب في مقتبل العمر أو رجل في الخريف منه ،قد تمتد هذه الأحزان لأخر العمر
لذا فأن المأساة تأخذ طابعها أحيانا من الموت
وللمأساة في أدب القص أربعة مقومات
أولا : وجود البطل المبتلى والشاهد على وقوعها
ثانيا :الفعل المأسوي والذي يكون أما بفعل قوى بشرية أو نتيجة كوارث طبيعية أو قضاء وقدرا أو عملية انتحار أو فعل خاطئ عارض من البطل
ثالثا : شكل ومسار الحدث المأساوي والذي يرتبط بشكل السرد الدرامي للنص وقدرة الناص على إيصال تلك المأساة
رابعا: ردة الفعل الإرادية أو ألا إرادية لدى البطل في تحجيم أو تفخيم تلك المأساة والتي تشكل محور النص
ولا يشترط حدوث الموت أو القتل في المأساة ، فقد تكون المأساة عملية عقاب جماعي أو مجاعة أو نزوح أو تهجير
وعادة في مثل هكذا نصوص يغلب الطابع النفسي على شكل السرد ـ و يأتي كانعكاس لتداعيات اجتماعية أو اقتصادية وسيكولوجية يتم رصدها من قبل القاص وتوظيفها بالنص ،
المأساة قد يكون تأثيرها جماعيا لذا فأن ردود الفعل تكون متباينة من شخص لآخر حسب قرب وارتباط البطل بالشخص الذي وقعت عليه المأساة
الزمان والمكان في النص
يشكل الزمن بعدا رابعا للمكان حسب أينشتاين في نظريته النسبية ، يقسم الزمن إلى ثلاث أقسام زمن تخيلي وآخر فيزياوي وزمن نفسي
وقد عرف الزمن على أنه الفترة الواقعة بين حدثين ، ولكن الزمن هنا في نص الأستاذة إيمان هو مجموعة من الأحداث وقعت في زمن ماضي لتكون جزء من تخيلات ذهنية عاشتها البطلة وجعلت منها حالة رجوع إلى ذكريات كانت مسرحا لتلك الأحداث فأوهمتنا أننا نعيش ذات الزمن الذي كان في بداية النص
هي عملية (فلاش باك) لا إرادية أو نوع من الهلوسة السمعية والصورية ،
أذن فالقاصة جعلت بداية النص قراءة لأفكار البطلة وتداعياتها النفسية , وما كان يدور في داخلها من آمال وأمنيات جعلتنا نعيش واقعها ونشاركها فرحتها ونمارس معها بمشاعرنا ووجداننا طقوس عرس ابن ابنها حمودة الذي أعد واقعا ليكون عرسا متميزا ، دون أن نعرف ما تخبأه لنا الكاتبة من عنصر مفاجئة كسابقة للأحداث
استخدمت تقنية الإخبار عما حصل قبل المأساة حتى لا تضيع علينا متعة النص وجماليته ، تصوير حالة العائلة قبل المأساة في البداية جاءت كسابقة ولم تأتي به كلاحقة كما في النصوص النمطية التي تعودنا عليها وهو نمط سردي يتمثل في إيراد حدث أو الإشارة إليه بشكل مسبق ثم تقربنا شيئا فشيئا من الحدث الأصلي المسبب للمأساة
تستهل الكاتبة نصها
نقرتْ الباب بعكّازها، تصيح بصوتها المكدود:
ـــــ يا أهل الدار:أما زلتم نائمين؟! اليوم عرس حمّودة..هيّا انهضوا...
ثم يأتينا التتابع السردي للأحداث تباعا بشكل مشوق ليشكل عنصر بناء النص ، حالة استرجاع لوقائع عاشتها البطلة بقيت عالقة في ذهنها أو ربما جاءت من نسج خيالها أتت وفق ترتيب زمني لا يثير الريبة ، لتوضح لنا عن حالة استعداد قصوى للفرح من قبل أسرة العريس
هالة التي لم تنم إلا في وقت متأخر لأنها كانت تستعد مع البقية لتدابير هذا العرس المنتظر ،
الأم في حالة من النشوى والسرور والفرح الذي يغمرها بعرس وليدها ،
الجدة تناجي طيف الأب الراحل ليكون حاضرا معهم في فرحهم ،
العمة تحضر الخبز وهي تمازح أمها بأن أبنها لم يحظى بما حظي به حمودة من اهتمام،
حمودة يسأل جدته ألازالت تناجي طيف أبنها الحبيب ،
فتؤكد له إنها لم تكن جدته فحسب بل هي من قامت بتربيته ، فقد حملت عن ابنها أمانة التربية لتجعل من تلك العلاقة أكثر عمقا وأشد ارتباطا لأنها ارتبطت معه بأواصر أقوى من أواصر القرابة إنها آصرة تنشئته وتربيته ، ولدينا في العراق مثلا يقال فيه ( إن الربى كتال ) أي قاتل
حين نشرت القاصة الفرح في أرجاء الضيعة أرادت أن توضح لنا إن الفرح لم يكن فرحا مخصوصا مرتبطا بالعائلة فقط بل هو فرح جماعيا للقرية كلها ، أو للمحيط المكاني الذي تعيش به الأسرة (الضيعة)، فاستحضارات العرس هي مشاركة وجدانية وعملية من قبل الجميع ، أي أن الفرح جاء فرحا فرديا متمثلا بشخص البطلة ‘ ثم عائليا ، وبالتالي مشاركة اجتماعية .وهي بذلك تحاول
أن تصور لنا أن ثمة ترابط مابين الجزئي والكلي و بين الخاص وما هو عام ولتؤكد
إن أبرز ما يميز هذه العلاقات أ نها علاقة حميمية وفطرية لم يصبها دنس ، علاقات أسرية واجتماعية يشوبها الحب والتعاون والسماحة والتفاؤل ، ربما لا نجد ذلك إلا في المجتمعات القروية أو الحضرية البعيدة عن الصراعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية التي تؤثر على تركيبة هذا البناء الأسري القوي العرى الذي لا انفصام فيه ،رغم أن المجتمع الشامي بصورة عامة لازال محافظا على الكثير من القيم والتقاليد والتماسك الاجتماعي لذا فأن خلق مثل هذه البيئة ضرورية لتعميق هذه المأساة ، وما يجري الآن بعيد عن طبيعة أهل الشام
هناك مغذيات إقليمية ودولية تحاول إدامة الصراع ، وما حصل بالعراق وفي سوريا ولبنان ولازال يحصل هو جزء من مخطط خارجي يراد به تفكيك هذه الأواصر
وزرع التناحر وإثارة الفتنة الطائفية والعرقية وتغيير شكل الصراع الحقيقي مع عدونا الرئيسي إلى صراع بين أبناء البلد الواحد
هذا جزء من صرخة مكتومة داخل هذه الجدة التي تمثل الماضي الجميل والمتأسية على حاضرنا المأساوي المذبوح بيد قذرة ارتضت لنفسها أن تكون تلك السكين .
إن هذا الماضي المتمثل بهؤلاء الطيبين يريد أن يصنع فرحا حقيقيا يريد أن يعيد عجلة الحياة إلى طبيعتها
الأمّ تضحك ضحكةً مكتومةً، وهي تنزع عنها الغطاء،تتجه بخفّةٍ نحو فناء الدار.
الجدّة تناجي وجهاً لا يغادرها، يتصدّر الجدار:
وأطلقت زغرودة ملعلعة، تشقّ فضاء الصبح الهادئ:
(((أوييها.. حوّطتك بياسين، أوييها .. يازهر البساتين، أوييها... وحمّودة حلو.... أوييها ...وماطبق العشرين..ولولو...ش..)))
يشترك الجميع في حركة دائبة للتعبير عن فرحتهم وحبهم لحمودة فكيف لا وهو أبن الضيعة الخلوق والمؤدب والشهم والحيي وهي الصفات المطلوبة بابن الضيعة ، وهذا ما جعل هذا الكم من الجيران يتسابقون في تقديم الخدمة له ،
تزداد وتيرة الغناء، الدبكة أشعلت فتيل الفرح، الصبايا تناثرن كالورود في أديم الدار، تقطر خدودهنّ خجلاً، من عيون أفراسٍ تسترق بعض نظرات، لأحلامٍ قادمةٍ .. لازلنا ننظر بعيدا لنتطلع إلى ما وراء هذا الفرح ، ماذا سيكون بعد ذاك ، ومن سيكون الضحية لنصل إلى النهاية الصادمة ، هل هي طلقة طائشة تصيب العريس أو موت مفاجئ يعطل مراسيم الفرح أو هروب للعروس أو ثمة طارئ نباغت به كل هذه الاحتمالات وردت في ذهني أو ترد في ذهن القارئ ونحن نتتبع الحدث بلهفة ، رغم معرفتي إن مثل هكذا نهاية صادمة قد تكون غير مؤثرة ، ولا تشكل جديدا في الأسلوب التقني للنصوص القصصية ، لذا كان هاجسي الأكبر هو ألا تقع القاصة في مطب هذه النمطية الكلاسيكية ، لكنها وببراعة سدت علينا كل منافذ الخروج ، لنصدم بنهاية غير مطروقة ، وتأتي المفاجئة غير متوقعة لكنها مبتكرة وجديدة ، قوية قوة النص ، بلاغة و إيقاع ولغة شاعرية وحركة منظورة و تصوير تفصيلي دقيق لكافة الوقائع دونما إسهاب أو إطناب
وقوة النص هنا ليست بتلك النهاية فحسب ، بل لأن النص يحتمل أكثر من تفسير وأكثر من رؤيا فهناك التفسير الرمزي السياسي والتفسير الفني والأخلاقي والاجتماعي والسيكولوجي الذي يأخذ شكله المنطقي من العمق الإنساني والثقافي لدى القاصة إضافة إلى ما تمور به الساحة من اضطراب وتشتت وضياع للإنسان
فلم توجه الكاتبة إدانة محددة لنظام أو طرف معين من أطراف الصراع لكنها أدانت العنف بكل أشكاله وكائن من يكون منفذه إنها تنظر نظرة إنسانية للحدث والموت الذي يختطف الناس دونما أدنى سبب تدين منفذه تدين الخراب تدين الفتنة بكل أشكاها والتي أيقضها خبث من يريد بالبلاد سوءا ، فالنار دائما أذا ما أشتد أوارها لا تفرق بين البريء والمذنب
لذا فلا إشكالية في موقفها هذا ونستبين ذلك من خلال ردها على الكاتب الكبير أحمد عيسى
حيث تقول
كتبت النصّ في لحظة نزف للروح..وكأنها ترثي نفسها..
فكلّ مواطنٍ ببلدي الحبيب يخصّني
خصوصية النص
، لقد أعطتنا القاصة تفاصيل حياة كاملة ، وعرفنا أسماء وصلة القربى التي تربط هذه العائلة دون أن تتعكز على أدوات تعريفية فمن خلال الحوار عرفنا طبيعة كل شخص ومقدار الفرح الذي يكتنزه وعلاقته بالبطلة وماله وما عليه
وعرفنا قيمة التميز الديناميكي للنص الذي رفض حالة السكون والثبات ، فكان النص عبارة عن حركة دائمة تستمد طاقاتها من الوعي الكامل لدى القاصة ومعرفتها بأدوات قصها وقدرتها على تحريك شخوصها وفق ما هو مرسوم بتكثيف عالي ،
رسمت ملامح كل شخصية بإتقان فأثرت هذه الشخصية بمقومات تواجدها في النص فهي لم تخلق شخصية لا فائدة منها ، بل أرادت أن تستفيد بشكل كلي من كل حركة أو كلام حواري أو لفتة لتخدم به النص خدمة كاملة
في مقطع من مقاطع النص وهو أهم مشهد تصويري فيه ، تذكرنا القاصة برقصة زوربا اليوناني المأسوية ، فالجدة كذلك ترقص على جراحها ‘ رقصا أشبه بالطير المذبوح المخضب بدمائه
الكاتبة حولت مشهد الرقص إلى حالة إصرار على بقاء الفرح داخل إطار مخيلة الجدة العجوز كرمز للأمل مهما كان الفعل مأساويا ،وهو إصرار واع يمتلك بعدا أيديولوجيا وفهما لطبيعة حركة المجتمع إذ لابد وأن يأتي اليوم الذي تزول فيه قوى الظلام ، ولابد للإنسانية أن تضع حدا للحروب قبل أن تضع الحروب حدا للإنسانية كما أكد الرئيس الأمريكي جون كندي
الجدة تخترق الجموع تهز عصاها وتلوح بها وترقص في وصف من أروع ما يكون وكأننا نتابع مشاهد مصورة نراها بعيوننا
يأخذ الجدّة الحماس، تهبّ لتقف وسطهم، تحمل بعكّازها، تهزّها في الهواء، ترقص، أعظامها الناتئة تشتكي،لا تبالي، مازالت ترقص، تلهث، تتقطّع أنفاسها، تجرّها لتزغرد على وهن، تطلق مواويلها، يأخذها عصفٌ من اللهاث، تجلس على حافة حجر الحوض
ويصيبنا الذهول المفاجئ ونحن نسمع حديث الشابين .
هنا نقف عاجزين من العودة إلى البداية السعيدة التي بدأت القاصة النص بها وما الفائدة من العودة مادامت الكاتبة ألقت بغلالتها السوداء على كل هذا الفرح الذي أعدته ، حلقنا مع ذلك الفرح المرسوم ثم كسرت أجنحة الخيال التي طرنا بها وألقت بنا في كنف الحيرة القاتلة ، يغلف نفوسنا حزن غريب
ظلّان لشابين يافعين، يمرّان من جانب البيت، خرجا للتوّ من الجامع بعد صلاة الفجر، يضربان كفّاً لكفٍّ : لا حول ولا قوّة إلا بالله، جُنّت العجوز، من يوم أن أُزهقتْ أرواح أحفادها ، وأمهم..على أيدٍ تتريّة النصل، مجنونة الحقد، أحالت شراشف أسرّتهم البيضاء، إلى بركان دم يتفجّر لعنات على البشرية كلّها
وبهذه المفاجئة تنهي الكاتبة حيرتنا في نصها
لتضع لنا أنموذجا لنصا متميزا يحمل الكثير ويخفي في داخله الأكثر، حتى أني احترت باقتطاع شواهد من النص فالنص كالسلسلة المستحكمة الحلقات ،
من بدايته حتى خروج الجدة من عالمها المتخيل لتصطدم بالواقع ، فبعد مشاهد تنزف بالحزن والألم وهي تنكر على من يريد أن يعيدها لرشدها صدق قوله ، وتنعته بالكفر وتكرر إنها تريد أن تزف حمودة ، وتستمر بالرقص وتكرر الأهازيج
تستسلم للأمر الواقع
الواقع المر ، الاستسلام الذي سيهيج في داخلها مراجل
من حزن قد لا ينتهي إلا بموتها ، وهذا تعميق للمأساة بشكل أكبر نجحت الكاتبه في أن يضاف لحساب النص ، وهو ما أرادته الكاتبة
فبين
: : شوبااااااش للعريس..حوّطتك بياسين...
و
آااااااااااااااااااااااااه .......... يا اولاااااااااااادي.
هنا تكمن المأساة
بهذا النص النقدي أرجوا أن أكون قد وفقت
وأرجو أن أكون قد أوفيت بعض من دين عليّ لهذه المبدعة الكبيرة أستاذة أيمان الدرع
وشكرا
المأساة
هي محاكاة لفعل جدي له حجم ومقدار معين ، يسيره الكاتب بشكل درامي لتعميقه وجدانيا ليكون تأثيره على المتلقي أكبر ويكون الإحساس بوقع المصيبة أعمق ،والمأساة تتكون من حبكة واحدة أو عدة حبكات
والحبكة هي مجموع الأفعال التي تنسج بمنول نساج ذي خبرة ودربة للوصول إلى هذه المأساة عبر تواتر سردي يصل بنا إلى الهدف المراد ،و قد تكون الحبكة بسيطة أو مركبة ، أو تكون ذات طبيعة مزدوجة ،حسب تركيبة النص ،
المأساة الحقيقية هي حالة انقلاب عاطفي وفكري نتيجة فعل مأساوي معين يقودنا من حالة الفرح إلى الحزن العميق كما أكد عليها أرسطو
في نص الأستاذة إيمان الدرع
البطلة هي إنسانة ضعيفة لا حول لها ولا قوة
ولا قدره لها على التغيير ، بحكم عجزها وكبر سنها ، ولكنها تمثل الجذور العميقة للمجتمع تتلقى خبرا صادما بأن عائلتها قد فقدت نتيجة عملية إجرامية وتحدد الكاتبة الآلة المسببة بسكين تترية بربرية وهي بذلك أداة لا تفرق بين الطفل الصغير ولا المرأة ولا رجل كهل لتعبر عن الهمجية التي ترافق مثل هذه الآلة التدميرية الطاحنة ، يأتي وقع
": الخبر على المرأة فاجعا بكل المقاييس لذا تجدها لا تصدق الخبر فتمارس ضده نوع من الدفاع النفسي الذاتي وهي حالة التفاف على الخبر أو إنكاره ،تستخدمه الدفاعات الذاتية بشكل لا أرادي كحالة من وسائل الوقاية الذاتية مثلها مثل حدوث الإغماء المفاجئ عند سماع خبر مؤلم لجعل وقع المأساة أقل وطأة على المتلقي للخبر ،
وفي حالات أخرى تعمل هذه الدفاعات على مسح مؤقت أو دائمي في الذاكرة للفعل الحاصل لتشكل ظاهرة قد تمتد لفترة زمنية طويلة ترافقها حالة نكوص نفسي أو حالة فصام نفسي نعزيها بشكل خاطئ على إنها نوع من أنواع الجنون ،
المرأة لا تجد القبول والرضا والقناعة داخل النفس بحصول هذه المأساة لذا تراها تنزع
إلى فرض واقع خيالي جديد قد تكون له جذوره فهو الشيء الوحيد الذي يتجاوب مع رغباتها ونزعاتها النفسية وتقبلها لفكرة عدم حدوث الكارثة وإن العرس حاصل شئنا أم أبينا ، وهي بذلك ترمز إلى معنى عام أن الحياة لابد أن تأخذ مسارها الطبيعي رغم ما فيها من مآسي ومعنى آخر سيكولوجي خاص تعبر فيه عن رفضها لفكرة الموت أو تقبله كما سنبين لاحقا
بصورة عامة المجتمع الشرقي مجتمع عاطفي
والعاطفة لدينا شيئا عظيم يفوق الوصف وهو موجود ضمن تركيبتنا الوراثية والبيولوجية والبيئية خلقنا وفي داخلنا كم من العواطف التي ليس حدود ،هذه العواطف إن لم تُخّرج بمسارها الصحيح تجد الشخص عرضة للإصابة بأمراض نفسية ، لذا تجد الشرقي أكثر تعرضا لأمراض الكآبة والفصام نتيجة لأي حالة فقد لعزيز أو قريب ،
وتتأجج العواطف تبعا لمؤثرات خاصة فعاطفة الحب تثار عندما تجد أسبابها بين شريكين اثنين يرتبط أحد هما أو كلاهما برباط عاطفي وثيق إذ تتحول حالة الأمل والتفاؤل بعد فقد الحبيب إلى حالة إحباط وحزن عميق ,.
وأقوى تلك الأحزان عند حدوث حالة الموت فعندما يمر شبح الموت أو نعيش تجربة من تجاربه نحس بحزن وكآبة عميقة وحالة شرود ذهني وقلق وخمول ذهني وجسدي ، ذلك الموت الذي
لا يفرق بين شاب في مقتبل العمر أو رجل في الخريف منه ،قد تمتد هذه الأحزان لأخر العمر
لذا فأن المأساة تأخذ طابعها أحيانا من الموت
وللمأساة في أدب القص أربعة مقومات
أولا : وجود البطل المبتلى والشاهد على وقوعها
ثانيا :الفعل المأسوي والذي يكون أما بفعل قوى بشرية أو نتيجة كوارث طبيعية أو قضاء وقدرا أو عملية انتحار أو فعل خاطئ عارض من البطل
ثالثا : شكل ومسار الحدث المأساوي والذي يرتبط بشكل السرد الدرامي للنص وقدرة الناص على إيصال تلك المأساة
رابعا: ردة الفعل الإرادية أو ألا إرادية لدى البطل في تحجيم أو تفخيم تلك المأساة والتي تشكل محور النص
ولا يشترط حدوث الموت أو القتل في المأساة ، فقد تكون المأساة عملية عقاب جماعي أو مجاعة أو نزوح أو تهجير
وعادة في مثل هكذا نصوص يغلب الطابع النفسي على شكل السرد ـ و يأتي كانعكاس لتداعيات اجتماعية أو اقتصادية وسيكولوجية يتم رصدها من قبل القاص وتوظيفها بالنص ،
المأساة قد يكون تأثيرها جماعيا لذا فأن ردود الفعل تكون متباينة من شخص لآخر حسب قرب وارتباط البطل بالشخص الذي وقعت عليه المأساة
الزمان والمكان في النص
يشكل الزمن بعدا رابعا للمكان حسب أينشتاين في نظريته النسبية ، يقسم الزمن إلى ثلاث أقسام زمن تخيلي وآخر فيزياوي وزمن نفسي
وقد عرف الزمن على أنه الفترة الواقعة بين حدثين ، ولكن الزمن هنا في نص الأستاذة إيمان هو مجموعة من الأحداث وقعت في زمن ماضي لتكون جزء من تخيلات ذهنية عاشتها البطلة وجعلت منها حالة رجوع إلى ذكريات كانت مسرحا لتلك الأحداث فأوهمتنا أننا نعيش ذات الزمن الذي كان في بداية النص
هي عملية (فلاش باك) لا إرادية أو نوع من الهلوسة السمعية والصورية ،
أذن فالقاصة جعلت بداية النص قراءة لأفكار البطلة وتداعياتها النفسية , وما كان يدور في داخلها من آمال وأمنيات جعلتنا نعيش واقعها ونشاركها فرحتها ونمارس معها بمشاعرنا ووجداننا طقوس عرس ابن ابنها حمودة الذي أعد واقعا ليكون عرسا متميزا ، دون أن نعرف ما تخبأه لنا الكاتبة من عنصر مفاجئة كسابقة للأحداث
استخدمت تقنية الإخبار عما حصل قبل المأساة حتى لا تضيع علينا متعة النص وجماليته ، تصوير حالة العائلة قبل المأساة في البداية جاءت كسابقة ولم تأتي به كلاحقة كما في النصوص النمطية التي تعودنا عليها وهو نمط سردي يتمثل في إيراد حدث أو الإشارة إليه بشكل مسبق ثم تقربنا شيئا فشيئا من الحدث الأصلي المسبب للمأساة
تستهل الكاتبة نصها
نقرتْ الباب بعكّازها، تصيح بصوتها المكدود:
ـــــ يا أهل الدار:أما زلتم نائمين؟! اليوم عرس حمّودة..هيّا انهضوا...
ثم يأتينا التتابع السردي للأحداث تباعا بشكل مشوق ليشكل عنصر بناء النص ، حالة استرجاع لوقائع عاشتها البطلة بقيت عالقة في ذهنها أو ربما جاءت من نسج خيالها أتت وفق ترتيب زمني لا يثير الريبة ، لتوضح لنا عن حالة استعداد قصوى للفرح من قبل أسرة العريس
هالة التي لم تنم إلا في وقت متأخر لأنها كانت تستعد مع البقية لتدابير هذا العرس المنتظر ،
الأم في حالة من النشوى والسرور والفرح الذي يغمرها بعرس وليدها ،
الجدة تناجي طيف الأب الراحل ليكون حاضرا معهم في فرحهم ،
العمة تحضر الخبز وهي تمازح أمها بأن أبنها لم يحظى بما حظي به حمودة من اهتمام،
حمودة يسأل جدته ألازالت تناجي طيف أبنها الحبيب ،
فتؤكد له إنها لم تكن جدته فحسب بل هي من قامت بتربيته ، فقد حملت عن ابنها أمانة التربية لتجعل من تلك العلاقة أكثر عمقا وأشد ارتباطا لأنها ارتبطت معه بأواصر أقوى من أواصر القرابة إنها آصرة تنشئته وتربيته ، ولدينا في العراق مثلا يقال فيه ( إن الربى كتال ) أي قاتل
حين نشرت القاصة الفرح في أرجاء الضيعة أرادت أن توضح لنا إن الفرح لم يكن فرحا مخصوصا مرتبطا بالعائلة فقط بل هو فرح جماعيا للقرية كلها ، أو للمحيط المكاني الذي تعيش به الأسرة (الضيعة)، فاستحضارات العرس هي مشاركة وجدانية وعملية من قبل الجميع ، أي أن الفرح جاء فرحا فرديا متمثلا بشخص البطلة ‘ ثم عائليا ، وبالتالي مشاركة اجتماعية .وهي بذلك تحاول
أن تصور لنا أن ثمة ترابط مابين الجزئي والكلي و بين الخاص وما هو عام ولتؤكد
إن أبرز ما يميز هذه العلاقات أ نها علاقة حميمية وفطرية لم يصبها دنس ، علاقات أسرية واجتماعية يشوبها الحب والتعاون والسماحة والتفاؤل ، ربما لا نجد ذلك إلا في المجتمعات القروية أو الحضرية البعيدة عن الصراعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والبيئية التي تؤثر على تركيبة هذا البناء الأسري القوي العرى الذي لا انفصام فيه ،رغم أن المجتمع الشامي بصورة عامة لازال محافظا على الكثير من القيم والتقاليد والتماسك الاجتماعي لذا فأن خلق مثل هذه البيئة ضرورية لتعميق هذه المأساة ، وما يجري الآن بعيد عن طبيعة أهل الشام
هناك مغذيات إقليمية ودولية تحاول إدامة الصراع ، وما حصل بالعراق وفي سوريا ولبنان ولازال يحصل هو جزء من مخطط خارجي يراد به تفكيك هذه الأواصر
وزرع التناحر وإثارة الفتنة الطائفية والعرقية وتغيير شكل الصراع الحقيقي مع عدونا الرئيسي إلى صراع بين أبناء البلد الواحد
هذا جزء من صرخة مكتومة داخل هذه الجدة التي تمثل الماضي الجميل والمتأسية على حاضرنا المأساوي المذبوح بيد قذرة ارتضت لنفسها أن تكون تلك السكين .
إن هذا الماضي المتمثل بهؤلاء الطيبين يريد أن يصنع فرحا حقيقيا يريد أن يعيد عجلة الحياة إلى طبيعتها
الأمّ تضحك ضحكةً مكتومةً، وهي تنزع عنها الغطاء،تتجه بخفّةٍ نحو فناء الدار.
الجدّة تناجي وجهاً لا يغادرها، يتصدّر الجدار:
وأطلقت زغرودة ملعلعة، تشقّ فضاء الصبح الهادئ:
(((أوييها.. حوّطتك بياسين، أوييها .. يازهر البساتين، أوييها... وحمّودة حلو.... أوييها ...وماطبق العشرين..ولولو...ش..)))
يشترك الجميع في حركة دائبة للتعبير عن فرحتهم وحبهم لحمودة فكيف لا وهو أبن الضيعة الخلوق والمؤدب والشهم والحيي وهي الصفات المطلوبة بابن الضيعة ، وهذا ما جعل هذا الكم من الجيران يتسابقون في تقديم الخدمة له ،
تزداد وتيرة الغناء، الدبكة أشعلت فتيل الفرح، الصبايا تناثرن كالورود في أديم الدار، تقطر خدودهنّ خجلاً، من عيون أفراسٍ تسترق بعض نظرات، لأحلامٍ قادمةٍ .. لازلنا ننظر بعيدا لنتطلع إلى ما وراء هذا الفرح ، ماذا سيكون بعد ذاك ، ومن سيكون الضحية لنصل إلى النهاية الصادمة ، هل هي طلقة طائشة تصيب العريس أو موت مفاجئ يعطل مراسيم الفرح أو هروب للعروس أو ثمة طارئ نباغت به كل هذه الاحتمالات وردت في ذهني أو ترد في ذهن القارئ ونحن نتتبع الحدث بلهفة ، رغم معرفتي إن مثل هكذا نهاية صادمة قد تكون غير مؤثرة ، ولا تشكل جديدا في الأسلوب التقني للنصوص القصصية ، لذا كان هاجسي الأكبر هو ألا تقع القاصة في مطب هذه النمطية الكلاسيكية ، لكنها وببراعة سدت علينا كل منافذ الخروج ، لنصدم بنهاية غير مطروقة ، وتأتي المفاجئة غير متوقعة لكنها مبتكرة وجديدة ، قوية قوة النص ، بلاغة و إيقاع ولغة شاعرية وحركة منظورة و تصوير تفصيلي دقيق لكافة الوقائع دونما إسهاب أو إطناب
وقوة النص هنا ليست بتلك النهاية فحسب ، بل لأن النص يحتمل أكثر من تفسير وأكثر من رؤيا فهناك التفسير الرمزي السياسي والتفسير الفني والأخلاقي والاجتماعي والسيكولوجي الذي يأخذ شكله المنطقي من العمق الإنساني والثقافي لدى القاصة إضافة إلى ما تمور به الساحة من اضطراب وتشتت وضياع للإنسان
فلم توجه الكاتبة إدانة محددة لنظام أو طرف معين من أطراف الصراع لكنها أدانت العنف بكل أشكاله وكائن من يكون منفذه إنها تنظر نظرة إنسانية للحدث والموت الذي يختطف الناس دونما أدنى سبب تدين منفذه تدين الخراب تدين الفتنة بكل أشكاها والتي أيقضها خبث من يريد بالبلاد سوءا ، فالنار دائما أذا ما أشتد أوارها لا تفرق بين البريء والمذنب
لذا فلا إشكالية في موقفها هذا ونستبين ذلك من خلال ردها على الكاتب الكبير أحمد عيسى
حيث تقول
كتبت النصّ في لحظة نزف للروح..وكأنها ترثي نفسها..
فكلّ مواطنٍ ببلدي الحبيب يخصّني
خصوصية النص
، لقد أعطتنا القاصة تفاصيل حياة كاملة ، وعرفنا أسماء وصلة القربى التي تربط هذه العائلة دون أن تتعكز على أدوات تعريفية فمن خلال الحوار عرفنا طبيعة كل شخص ومقدار الفرح الذي يكتنزه وعلاقته بالبطلة وماله وما عليه
وعرفنا قيمة التميز الديناميكي للنص الذي رفض حالة السكون والثبات ، فكان النص عبارة عن حركة دائمة تستمد طاقاتها من الوعي الكامل لدى القاصة ومعرفتها بأدوات قصها وقدرتها على تحريك شخوصها وفق ما هو مرسوم بتكثيف عالي ،
رسمت ملامح كل شخصية بإتقان فأثرت هذه الشخصية بمقومات تواجدها في النص فهي لم تخلق شخصية لا فائدة منها ، بل أرادت أن تستفيد بشكل كلي من كل حركة أو كلام حواري أو لفتة لتخدم به النص خدمة كاملة
في مقطع من مقاطع النص وهو أهم مشهد تصويري فيه ، تذكرنا القاصة برقصة زوربا اليوناني المأسوية ، فالجدة كذلك ترقص على جراحها ‘ رقصا أشبه بالطير المذبوح المخضب بدمائه
الكاتبة حولت مشهد الرقص إلى حالة إصرار على بقاء الفرح داخل إطار مخيلة الجدة العجوز كرمز للأمل مهما كان الفعل مأساويا ،وهو إصرار واع يمتلك بعدا أيديولوجيا وفهما لطبيعة حركة المجتمع إذ لابد وأن يأتي اليوم الذي تزول فيه قوى الظلام ، ولابد للإنسانية أن تضع حدا للحروب قبل أن تضع الحروب حدا للإنسانية كما أكد الرئيس الأمريكي جون كندي
الجدة تخترق الجموع تهز عصاها وتلوح بها وترقص في وصف من أروع ما يكون وكأننا نتابع مشاهد مصورة نراها بعيوننا
يأخذ الجدّة الحماس، تهبّ لتقف وسطهم، تحمل بعكّازها، تهزّها في الهواء، ترقص، أعظامها الناتئة تشتكي،لا تبالي، مازالت ترقص، تلهث، تتقطّع أنفاسها، تجرّها لتزغرد على وهن، تطلق مواويلها، يأخذها عصفٌ من اللهاث، تجلس على حافة حجر الحوض
ويصيبنا الذهول المفاجئ ونحن نسمع حديث الشابين .
هنا نقف عاجزين من العودة إلى البداية السعيدة التي بدأت القاصة النص بها وما الفائدة من العودة مادامت الكاتبة ألقت بغلالتها السوداء على كل هذا الفرح الذي أعدته ، حلقنا مع ذلك الفرح المرسوم ثم كسرت أجنحة الخيال التي طرنا بها وألقت بنا في كنف الحيرة القاتلة ، يغلف نفوسنا حزن غريب
ظلّان لشابين يافعين، يمرّان من جانب البيت، خرجا للتوّ من الجامع بعد صلاة الفجر، يضربان كفّاً لكفٍّ : لا حول ولا قوّة إلا بالله، جُنّت العجوز، من يوم أن أُزهقتْ أرواح أحفادها ، وأمهم..على أيدٍ تتريّة النصل، مجنونة الحقد، أحالت شراشف أسرّتهم البيضاء، إلى بركان دم يتفجّر لعنات على البشرية كلّها
وبهذه المفاجئة تنهي الكاتبة حيرتنا في نصها
لتضع لنا أنموذجا لنصا متميزا يحمل الكثير ويخفي في داخله الأكثر، حتى أني احترت باقتطاع شواهد من النص فالنص كالسلسلة المستحكمة الحلقات ،
من بدايته حتى خروج الجدة من عالمها المتخيل لتصطدم بالواقع ، فبعد مشاهد تنزف بالحزن والألم وهي تنكر على من يريد أن يعيدها لرشدها صدق قوله ، وتنعته بالكفر وتكرر إنها تريد أن تزف حمودة ، وتستمر بالرقص وتكرر الأهازيج
تستسلم للأمر الواقع
الواقع المر ، الاستسلام الذي سيهيج في داخلها مراجل
من حزن قد لا ينتهي إلا بموتها ، وهذا تعميق للمأساة بشكل أكبر نجحت الكاتبه في أن يضاف لحساب النص ، وهو ما أرادته الكاتبة
فبين
: : شوبااااااش للعريس..حوّطتك بياسين...
و
آااااااااااااااااااااااااه .......... يا اولاااااااااااادي.
هنا تكمن المأساة
بهذا النص النقدي أرجوا أن أكون قد وفقت
وأرجو أن أكون قد أوفيت بعض من دين عليّ لهذه المبدعة الكبيرة أستاذة أيمان الدرع
وشكرا
تعليق