هل نشهد ربيعا شعريا...؟
نبيل عودة
مجموعةشعرية: ما تيسر من عشق ووطن
الشاعرنزيه حسون ( 122 صفحة من القطع المتوسط)
الناشرمكتبة الجماهير - شفاعمرو (2012)
ليس سراً ان موقفي متشائم من حالة الشعرالمحلي في السنوات الأخيرة، وكنت قد نَوهت ان لدينا عدد كبيرمن الشعراءولكن قليلمن الشعر.
في الفترة الأخيرة قرأت عدة اعمال شعريةطمانتني الى ان الوعي الثقافي للشعر، صياغة وفنية، بدأ يعطي ثمارا لا يمكنتجاهلها، رغم الطابع السائد من كثرة المجموعات وقلة الشعر. والى جانب الوعيالثقافي للشعر لا بد من وعي لدور الشعر الاجتماعي والأدبي. في الشعر لا يمكنالإكتفاء باتقان مهنية الصياغة فقط. بدون الوعي الاجتماعي والثقافي والأخلاقيوالنضالي (في حالتنا) نظل ندور في حلقة مغلقة من صياغات قد تكون كاملة فنياولغويا، ولكنها خلو من المعنى ومن الجمالية الابداعية ومن العلاقة مع المجتمع الذيمن المفروض ان الشاعر يبدع من أجله.
ارجو الا يفهم كلامي ان كتابتي عن مجموعاتما، هو اسقاطي لسائر المجموعات الشعرية. الأمر ما هو الا محض صدفة. قرأت في السنةالأخيرة عدة أعمال شعرية جيدة. طبعا لا اعني انها تجاوزت حدودنا المحلية الى آفاقلم يصلها في شعرنا الا عدد من الأسماء أقل من اصابع اليد الواحدة. ولكني أكونجاحدا ومدعيا اذا اصررت ان شعرنا يتراجع دون فرامل توقف انحداره. ما قرأته فيالسنة الأخيرة يطمأن ان الأزمة، رغم عمقها، في حالة ضمور.
وهذا بالضبط ما لفت انتباهي لديوان الشاعرنزيه حسون، الذي يمكن ان يعالج من زوايا متعددة اسلوبيا وفنيا. قد يجد الناقد انالصور الشعرية تقليدية. وقد يجد ان الشاعر التجأ الى اسلوب عبره شعرنا منذ سنواتالثمانين وما قبلها من القرن الماضي. والسؤال المشروع هنا، هل العودة الى تراثناالشعري في فترة سابقة ٍعرفت بشراسة تصادمنا مع السلطة، والبناء عليها من جديد، فيواقعنا اليوم، الذي يتميز بصفته مرحلة حرجة غير مسبوقة حتى في ايامنا القاسية، ومنظواهرها المقلقة ما نعانيه من تراجعات على كافة الأصعدة، ومن تبعثر صفوفنا، ومنأزمة تنظيمات وقيادات. وتفسخ اجتماعي وطائفي وعائلي كنا نظن اننا عبرنا تلك الأيامالى غير رجعة. في الواقع ما جرى كان تحركا سلبيا تراجعيا. فهل العودة لأسلوب صبغت أيامنا بشعر حماسي او مهرجاني، وجعلت منالشعر سلاحا نضاليا وتعبويا للجماهير، هل هو تراجع حقا ام ميزة باتت ضرورية بحكمما يجري؟!
هذا السؤال أشغلني بعد قراءة القصيدة الأولى،"تهوي العروش اذا الشعوب تصمم". وسأعود إلى الموضوع.
تغلب على الكثير من قصائد ديوان نزيه حسونما يعرف بشعر الحماسة، او الشعر المهرجاني. والقسم الثاني يذهب الى الغزل وماتتركه الأنثى من لوعةٍ في النفس ومن اثارة اجمل مشاعر الجمال في النفس الانسانية.
قصيدة "تهوى العروش.." ذكرتنيبقصيدة ابو القاسم الشابي "اذا الشعب يوما اراد الحياة". فها هو يهتف:
صبوا الدمــــاء على الثرى وتقدموا جسرالولـــوج الى الخلــود هو الــدم
دكـّـوا العروش كما الزجاج تحطّماً تهوي العروش اذا الشعوب تصمّم
لست خبيرا في بحور الشعر. وما انا الاقارئ يملك بعض الثقافة وبعض الرؤية الأدبية. وأظن انها تؤهلني للتعبير عن رأيثقافي ذوقي، وليس شرطاً، رأياً نقدياً.
وكما لاحظت، هذا الشعر أعادني الى ايامالشعر المهرجاني. او الشعر الحماسي كما يحب البعض ان يسميه ولا ارى فرقا. وكمااسلفت لعب دورا هاما في تاريخنا الثقافي والنضالي. كان الشعر من ضرورات تجنيدالجماهير وتعبئتها لمواجهة التحديات التي واجهتنا بعد نكبة شعبنا والحصار الثقافيالمفروض علينا وسياسة مصادرة الأرض وتقييد حرية التنقل وحق العمل، والنفي،والاغلاق العسكري للمناطق التي نعيش فيها، وسياسة الارهاب البوليسية، وطردالمعلمين الوطنيين لتعميق سياسة التجهيل.. والاعتقالات الدورية لكل النشطاءالسياسيين.. ومنهم شعراء لعبوا دوراً كبيراً في ظاهرة الشعر المناضل.. وهي تسمية أخرى.. قد تكون أقرب للواقع.
البعض ينتقد ذلك الشعر بالادعاء ان قيمتهالفنية منخفضة. وانه شعرٌ مباشرٌ مليءٌ بالشعارات.
ربما. ولكن التقييم بدون استيعاب متطلباتتلك المرحلة الثقافية والنضالية، هو عجز نقدي او تقييمي او معرفي.
كانت تلك مرحلة صعبة واجهت فيها الأقليةالعربية حصاراً ثقافياً وسياسياً. وواجهت محاولات كسر انتمائها لهوية وثقافةفلسطينية وعربية، ومحاولات شرذمتنا الى طوائف متصارعة، ومحاولات تقزيمنا سياسياًونضالياً والتصرف المنفلت الاجرامي ضدنا، كما حدث في مجزرة كفر قاسم.
كان الشعر المهرجاني الحماسي النضاليملحَّا الى أقصى حد. كان الفهم الكامل والواعي للربط بين السياسي والثقافي. كانالشعر الفصيح والعامي سلاحنا النضالي المعنوي الذي لعب دوراً لا يمكن تقييمه بهذهالعجالة وادعي ان تلك المرحلة، لم تعالج بما تستحقه من تقييم ثقافي وسياسي، وأثرتلك المرحلة على تطور القصيدة المحلية والأدب المحلي عامة..
فهل بالصدفة ان العالم العربي انبهر بعدان اكتشف شعرنا على أثر هزيمة حزيران 1967؟
لا اتحدث عن التطور اللاحق الذي انجزهشعرنا, ووضعنا على راس الشعر العربي، وباتت أسماء شعرائنا تحتل الصدارة في الشعرالعربي.
عندما يواصل نزيه حسون ما انقطع منتاريخنا في واقع سياسي واجتماعي مأزوم (ومن هنا ازمة شعرنا وليس من بسبب تراجعناالثقافي). فهو بوعيه او بعفويته، لمس ضرورة احداث قفزة، ويبدو ان العودة لما كان،ليس تراجعاً بقدر ما هو خطوة الى الوراء من أجل عشر للأمام.. وهذا ما أحسسته علىالأقل، بديوانه الجديد "ماتيسر من عشق ووطن".
ويواصل في نظرة الى الربيع العربي:
هـــذا ربيـــــع الثائريـــــــــــنبأرضنـــــــا صوب المنى درب الفدايترسـّــــم
هـبــّــت نســـــائـمـــــه تـــــؤرّخنصــــرنا وعروش مَن سَفَكَ الدّماءتُحطَّمُ
ربما افتقد هنا الصور الشعرية، والحداثةالشعرية في الصياغة والمضمون. ولكن واقعنا وخاصة واقع أخواننا الدروز، والشاعرنزيه ابن الطائفة العربية قومياً والفلسطينية جغرافياً والدرزية دينياً، أسرّ ليبحديث خاص برأيه، الذي أقبله بدون تردد، أن الشعر الحماسي لم يفقد دوره التاريخي،بل يتجدّد هذا الدور، وله قيمة لا يمكن نفيها، خاصة في الإصرار على الانتماءالعروبي، الذي تنشط السلطة الصهيونية لتشويهه.. فكان لا بد من قصائد مثل قصف الرعدإصراراً على الانتماء الثقافي والوطني.
انها بيان واضح على الانتماء.
اني اشكك في عـــــــــــــروبـــة حاكم عن ذبح شعب أعزل لا يحجم
اعطيت قصيدته الأولى الجزء الأساسي منمداخلتي. فقد وجدت فيها ما اردت ان أقوله منذ وقت طويل.
في قصائد أخرى، نجد نزيه حسون عاشقاً مرهفالحس. يعرف الغزل الرقيق وليس صياغة الكلمات النارية فقط.
عيناك سرٌّ غـــامض
أبحرتُ كل العمر في أعماقه
لكنني ما زلت أجهل ما مداه.
(من قصيدة عنوان لفلسفة الإله)
وستظل تجهل ما مداه.. كما نجهل نحنأيضا...
في قصيدة عمودية أخرى: "ربي أعدنيلموطني" يؤكد نزيه الانتماء..
إن يَهدمـــوا بيــتـــــي وكــلَّمــــدائـنـي هيهـات يُهدم من عروقيموطني
قد ينحنـــي هــــــــــــام الزمــانلحقـبـــــة لكن هـــامــــــةشعبـنــــــا لـــن تنحنــــــي
أجل وهذا ما نؤمن به يا نزيه.
الذي أتعبني قليلاً ان الشاعر لم يفصل بينالقصائد العمودية وبين قصائد التفعيلة فكنت أشعر اني استمع الى سيمفونية كلاسيكيةلموتسارت وتقاسيم على العود بنفس الوقت. لموتسارت جماله وسحره وللتقاسيم جمالهاوسحرها. لذلك أعتقد ان على الشاعر، الذي يكتب بأساليب متعددة، ان يفصل في مجموعتهبين الأساليب المختلفة. الشعر العمودي في قسم وشعر التفعيلة قي قسم آخر واذا وجدتمنثورات في قسم ثالث.
في غزليات نزيه حسون نجد الصور الشعريةالجميلة التي ما كان من الممكن ان تشملها القصائد الحماسية. هنا نشعر بقلبه يدقبقوة أكبر. واندفاع الشاعر يتحول الى رجاء ووله لأنثى تسحره، فيشكو:
"ما للقصيدة ما للشعر يخذلني"/(قصيدة عيناك محراب الصلاة)
سيخذلك بحضورها ولو كنت دون جوان عصرك!!
اريد ان أضيف. لا أعتبر كتابتي نقداً انماهي تعبيرٌ عن رأي ثقافي حول ديوان شعر، لشاعر متمكن من ادواته، في واقع ثقافييشعرني بحيرةٍ كبيرةٍ مما ينشر من مجموعات شعرية، الكثير منها يفتقد حتى للغةالجميلة... وبعضة من الصعب قبوله كانشاء بسيط.
هذا الديوان نموذجٌ، يطمئن بأن الطريق لمتعد نزولاً متواصلاً فقط، ها نحن نصعد بثبات، ببطء ولكن بلا توقف.. والطريق أضحتواضحة ولا أريد ان أبالغ بالقول ان الأزمة في تراجع... لأنها معركة أوسع من مجردكتابة الشعر. معركة تشمل كل واقعنا بكل مركباته. وكل خطوة للأمام هي مكسب هام فيالطريق نحو ثقافة ترتبط بالشعب، وتخدم قضاياه.
nabiloudeh@gmail.com
تعليق