تساءل أحدعلماء النفس في أمريكا :
ماذا كان سيحدث لو أننا أتينا بطفلين في بداية تعلمهما للكلام وحبسناهما في غرفة مع بعضهما دون أن نتحدث معهما وزودناهما فقط بالطعام وكل ما يحتاجان إليه ؟ هل كان بالإمكان أن يخرجا بلغة جديدة أم كانا سيستعملان لغة الإشارة والهمهمة ؟
طبعا التجربة لم تتم لأسباب كثيرة.
ولكن الدنيا تذخر بالهمهمة والإشارة وحوار الطرشان وصمت الحملان ومنطق السكران.
تعالوانستمتع بهذا الحوار الذي دار بين امرأتين مُسِنّتَين، هما الحاجة رفيدة والحاجة فوقيه، وهما في خريف العمر الذي تساقطت أوراقه :
قالت الحاجة رفيدة : صباح الخير يا حجة فوقية.
قالت الحاجة فوقية وهى ( مخضوضة ) : يالهوي ، هو مات إمتى ؟
قالت الحاجة رفيدة وهي لا تستوعب سبب خَضّة فوقية : إنت رايحة السوق ؟
قالت الحاجة فوقية وقد تناست (خضّتها) : لا، أنا رايحة السوق.
قالت الحاجة رفيدة وهي محبطة : معليش. أنا كنت فاكراك رايحة السوق.
هذا حوار كقضبان السكة حديد، لا يلتقيان ولو كانت ممدودة إلى آخر الدنيا.
يعود الرجل إلى بيته بعد عناء العمل وإحباطاته، مستنجدا بساعة صمت لإراحة عقله المرهق وممنيا نفسه بإسترخاءة يكللها الهدوء، فيجد الزوجة التي عانت من الصمت في البيت تنتظره لتفرغ همها في ثرثرة لا تنتهي، وهنا تبدأ أولى شحنات الاحتكاك الزوجي الذي يولد شرارة المشاكل، فلا الزوج يستطيع التركيز فيسمعها (ربع تون)، ولا هي ترضى بالسكوت فترفع عقيرتها بسلم سباعي وصوت أوبرالي ( ضَعُفَ السامع والمسموع ).
عندما يفيق الزوج من إغماءته التي حدثت له من جراء العمل والزوجة، تكون الزوجة قد حردت الكلام (ولوت بوزها) وانتبذت ركنا قصيا، وعندما تطير سكرة الزعل وتأتي فكرة المصالحة يكون الزوج قد بدأ يتثاءب استعدادا للنوم لبدء يوم عمل جديد، فلا هو أستمتع بالصمت ولا هي كسرت حاجز صمتها بثرثرتها.
هذا حوار سببه طرش اصطناعي ومقصود ومتعمد.
أذكر أنه قبل قيام شركات الهواتف العملاقة، وكانت الوسيلة الوحيدة للتواصل هي عبر السنترالات بين البلدين ( الترنك ) ، أيامها طلب سوداني محادثة للقاهرة من السنترال الرئيسي، ليتحدث مع أبنه الذي يدرس بالقاهرة، وبعد طول انتظار، جاءته المكالمة، فلنستمع للحوار (اللي زى العسل) :
الوالد : آلو ، إزيك يا إبني.
الإبن : الحمد لله. إزيك وصحتك والوالدة والأخوات والأخوان ؟
الوالد : كلو تمام . نحمدك يا رب. و الدراسة ماشة تمام إن شاء الله؟
الإبن : الحمد لله يابوى . أسمع يا بوى ، عاوز شوية فلوس بسرعة.
وهنا أصاب الأب طرش اصطناعي، فقال: أنا مش سامعك كويس يا إبني، إرفع صوتك شوية ؟
الإبن : فلوس يا بوي. أنا مفلس خالص.فلووووووووووس
الوالد : أنا مش سامعك.
وهنا تدخل موظف السنترال (الترنك) شفقة بالولد المفلس في الغربة فقال للأب : يا عمنا ولدك بيقول أبعت فلوس بسرعة.
فقال له الأب والامتعاض يكاد يقفز للموظف عبر الأسلاك :
يا حشري ، أنا سامعو ، إنت إيه الللي حشرك ؟ إنت لو سامعو إبعتلو إنت.
هذا حوار مقطوع بسبب لسعة الطلب المفاجئ الذي لم يكن الأب يضعه في الحسبان.
في مصر هناك مَثل مشهور يقول : تِفضَل تعلِّم في المُتبلِّم، يصبح ناسي.
والمتبلم هو صنف من الناس، تشرح له الموضوع وأنت منفعل وتحاول جهدك وتستدعي كل ملكاتك اللفظية ومخزونك اللغوي والدارجي وتستعين بحركات اليدين والأصابع والكتفين والحواجب، لكى يفهم هذا المتبلم ، وهو ينظر إليك مبتسما ابتسامة لا مغزى لها ويقول لك : خلاص فهمت ، وعندما تسأله في الصباح، يكون قد نسي تماما الموضوع من أصلهمما يجعل الدماء تغلي في عروقك لأنه أتضح بأنه لم يكن يصغ إليك، بل كان فاغرا فمه دون أن يفهمك.
حكى لي أحد الأصدقاء بأنه في إحدى القرى الجوانية، جاء أحد المزارعين للعمدة، وهو مفلوق والدم ينزف من جبهته، شاكيا للعمدة من شخص لا يعترف بأدب الحوار حيث أنهى الحوار معه بضربة خطافية أسالت دمه، فانحنى العمدة الذي لم يكن مزاجه رائقا ذاك الصباح وكأنه سيعاين الجرح النازف، إلا أنه ناول المفلوق ضربة في نفس موقع الجرح النازف بعكازته الغلييظة وقال له : أمشوا خلصوا مشاكلكم بعيد عني ، داهية تاخدك إنت و هو.
العمدة أيضا يفتقر إلى أدب المحاورة.
يقولون أن السكران في ذمة الواعي، فما بالكم لو كان الواعي المقصود هنا امرأة لا حول لها ولا قوة؟ وعلى وجه التحديد زوجة السكران الذي يأتيها قرب انبلاج تباشير الصباح، ونصف قميصه خارج البنطلون، أما لسانه فمحشور في فمه أو ملصوقا في سقف حلقة ، فيتحاوران :
تقول : إنت مش وعدتني الليلة نمشي خطوبة سعاد ؟
يقول : إنت و سعاد في ستين داهية. أنا فاضي لخطوبتها ولا لطلاقها.
تقول : دي لو كانت واحدة من بنات أهلك كنت أهتميت و جريت.
فيقول : تشتمي أهلي يا بنت الـ........ ( وتزغرد صفعة على خدها ).
وهنا أدركت الزوجة الصباح فسكتت عن الحوار غير المباح، فبدأت في لملمة ثيابها استعدادا للمغادرة. فيحتضنها زوجها وهو مذهول : الله يخرب بيت الُشلة، كل ما أقول مش حأشرب هم اللي بيحلفوا ويصروا. أنا عملت إيه أمبارح ؟
قبل أربعة سنوات ونيف بالرياض، كان لدى جار من دولة أفريقية يعمل بسفارة بلده، كنا نسكن في فيللا أرضية مقسومة إلى شقتين، يفصل بيننا باب في ممر يؤدي إلى باب الشقة الخارجي، تم تغطية الباب الفاصل بقطعة خشبية تمنع الرؤية ولكن لا تمنع انسياب أي صوت عال. صاحبنا كان في منتهى الأدب والحياء، لم يرفع رأسه يوما وهو يزورنا أو يحيينا وهو خارج لعمله، أما في المساء، كان ينقلب إلى ( vampire ) بعد أن يطفح المنكر، ثم تبدأ سيمفونية من الشتائم مع زوجته بلغته التي لا أفهمها، ثم بعد قليل يبدأ الضرب والتكسير والصراخ، فأذهب وأطرق بابه فيفتح لي الباب، ويكيل لي سيلا من شتائم لا أفهمها، ولكنه رغم سكرته، كان يخاف من حجمي الكبير نسبيا مقارنة بحجمه، فنأخذ زوجته ( أنا وزوجتي ) تحت سمعه وبصره، وطول الليل نحاول تهدئتها وهي تتلوى من الألم جراء الضرب. وبعد ساعة أو ساعتين تقول لا بد أن يكون الهزبر قد نام، فتتسلل إلى شقتها وهكذا دواليك. الطريف في الأمر أن ابنتي الصغيرة، قالت يوما : حاجة غريبة يا بابا، الليلة جارنا ما ضربش مراتو.
ضرب زوجة جارنا أصبح مثل المسلسل الذي صار توقيته معروفا.
ماذا كان سيحدث لو أننا أتينا بطفلين في بداية تعلمهما للكلام وحبسناهما في غرفة مع بعضهما دون أن نتحدث معهما وزودناهما فقط بالطعام وكل ما يحتاجان إليه ؟ هل كان بالإمكان أن يخرجا بلغة جديدة أم كانا سيستعملان لغة الإشارة والهمهمة ؟
طبعا التجربة لم تتم لأسباب كثيرة.
ولكن الدنيا تذخر بالهمهمة والإشارة وحوار الطرشان وصمت الحملان ومنطق السكران.
تعالوانستمتع بهذا الحوار الذي دار بين امرأتين مُسِنّتَين، هما الحاجة رفيدة والحاجة فوقيه، وهما في خريف العمر الذي تساقطت أوراقه :
قالت الحاجة رفيدة : صباح الخير يا حجة فوقية.
قالت الحاجة فوقية وهى ( مخضوضة ) : يالهوي ، هو مات إمتى ؟
قالت الحاجة رفيدة وهي لا تستوعب سبب خَضّة فوقية : إنت رايحة السوق ؟
قالت الحاجة فوقية وقد تناست (خضّتها) : لا، أنا رايحة السوق.
قالت الحاجة رفيدة وهي محبطة : معليش. أنا كنت فاكراك رايحة السوق.
هذا حوار كقضبان السكة حديد، لا يلتقيان ولو كانت ممدودة إلى آخر الدنيا.
يعود الرجل إلى بيته بعد عناء العمل وإحباطاته، مستنجدا بساعة صمت لإراحة عقله المرهق وممنيا نفسه بإسترخاءة يكللها الهدوء، فيجد الزوجة التي عانت من الصمت في البيت تنتظره لتفرغ همها في ثرثرة لا تنتهي، وهنا تبدأ أولى شحنات الاحتكاك الزوجي الذي يولد شرارة المشاكل، فلا الزوج يستطيع التركيز فيسمعها (ربع تون)، ولا هي ترضى بالسكوت فترفع عقيرتها بسلم سباعي وصوت أوبرالي ( ضَعُفَ السامع والمسموع ).
عندما يفيق الزوج من إغماءته التي حدثت له من جراء العمل والزوجة، تكون الزوجة قد حردت الكلام (ولوت بوزها) وانتبذت ركنا قصيا، وعندما تطير سكرة الزعل وتأتي فكرة المصالحة يكون الزوج قد بدأ يتثاءب استعدادا للنوم لبدء يوم عمل جديد، فلا هو أستمتع بالصمت ولا هي كسرت حاجز صمتها بثرثرتها.
هذا حوار سببه طرش اصطناعي ومقصود ومتعمد.
أذكر أنه قبل قيام شركات الهواتف العملاقة، وكانت الوسيلة الوحيدة للتواصل هي عبر السنترالات بين البلدين ( الترنك ) ، أيامها طلب سوداني محادثة للقاهرة من السنترال الرئيسي، ليتحدث مع أبنه الذي يدرس بالقاهرة، وبعد طول انتظار، جاءته المكالمة، فلنستمع للحوار (اللي زى العسل) :
الوالد : آلو ، إزيك يا إبني.
الإبن : الحمد لله. إزيك وصحتك والوالدة والأخوات والأخوان ؟
الوالد : كلو تمام . نحمدك يا رب. و الدراسة ماشة تمام إن شاء الله؟
الإبن : الحمد لله يابوى . أسمع يا بوى ، عاوز شوية فلوس بسرعة.
وهنا أصاب الأب طرش اصطناعي، فقال: أنا مش سامعك كويس يا إبني، إرفع صوتك شوية ؟
الإبن : فلوس يا بوي. أنا مفلس خالص.فلووووووووووس
الوالد : أنا مش سامعك.
وهنا تدخل موظف السنترال (الترنك) شفقة بالولد المفلس في الغربة فقال للأب : يا عمنا ولدك بيقول أبعت فلوس بسرعة.
فقال له الأب والامتعاض يكاد يقفز للموظف عبر الأسلاك :
يا حشري ، أنا سامعو ، إنت إيه الللي حشرك ؟ إنت لو سامعو إبعتلو إنت.
هذا حوار مقطوع بسبب لسعة الطلب المفاجئ الذي لم يكن الأب يضعه في الحسبان.
في مصر هناك مَثل مشهور يقول : تِفضَل تعلِّم في المُتبلِّم، يصبح ناسي.
والمتبلم هو صنف من الناس، تشرح له الموضوع وأنت منفعل وتحاول جهدك وتستدعي كل ملكاتك اللفظية ومخزونك اللغوي والدارجي وتستعين بحركات اليدين والأصابع والكتفين والحواجب، لكى يفهم هذا المتبلم ، وهو ينظر إليك مبتسما ابتسامة لا مغزى لها ويقول لك : خلاص فهمت ، وعندما تسأله في الصباح، يكون قد نسي تماما الموضوع من أصلهمما يجعل الدماء تغلي في عروقك لأنه أتضح بأنه لم يكن يصغ إليك، بل كان فاغرا فمه دون أن يفهمك.
حكى لي أحد الأصدقاء بأنه في إحدى القرى الجوانية، جاء أحد المزارعين للعمدة، وهو مفلوق والدم ينزف من جبهته، شاكيا للعمدة من شخص لا يعترف بأدب الحوار حيث أنهى الحوار معه بضربة خطافية أسالت دمه، فانحنى العمدة الذي لم يكن مزاجه رائقا ذاك الصباح وكأنه سيعاين الجرح النازف، إلا أنه ناول المفلوق ضربة في نفس موقع الجرح النازف بعكازته الغلييظة وقال له : أمشوا خلصوا مشاكلكم بعيد عني ، داهية تاخدك إنت و هو.
العمدة أيضا يفتقر إلى أدب المحاورة.
يقولون أن السكران في ذمة الواعي، فما بالكم لو كان الواعي المقصود هنا امرأة لا حول لها ولا قوة؟ وعلى وجه التحديد زوجة السكران الذي يأتيها قرب انبلاج تباشير الصباح، ونصف قميصه خارج البنطلون، أما لسانه فمحشور في فمه أو ملصوقا في سقف حلقة ، فيتحاوران :
تقول : إنت مش وعدتني الليلة نمشي خطوبة سعاد ؟
يقول : إنت و سعاد في ستين داهية. أنا فاضي لخطوبتها ولا لطلاقها.
تقول : دي لو كانت واحدة من بنات أهلك كنت أهتميت و جريت.
فيقول : تشتمي أهلي يا بنت الـ........ ( وتزغرد صفعة على خدها ).
وهنا أدركت الزوجة الصباح فسكتت عن الحوار غير المباح، فبدأت في لملمة ثيابها استعدادا للمغادرة. فيحتضنها زوجها وهو مذهول : الله يخرب بيت الُشلة، كل ما أقول مش حأشرب هم اللي بيحلفوا ويصروا. أنا عملت إيه أمبارح ؟
قبل أربعة سنوات ونيف بالرياض، كان لدى جار من دولة أفريقية يعمل بسفارة بلده، كنا نسكن في فيللا أرضية مقسومة إلى شقتين، يفصل بيننا باب في ممر يؤدي إلى باب الشقة الخارجي، تم تغطية الباب الفاصل بقطعة خشبية تمنع الرؤية ولكن لا تمنع انسياب أي صوت عال. صاحبنا كان في منتهى الأدب والحياء، لم يرفع رأسه يوما وهو يزورنا أو يحيينا وهو خارج لعمله، أما في المساء، كان ينقلب إلى ( vampire ) بعد أن يطفح المنكر، ثم تبدأ سيمفونية من الشتائم مع زوجته بلغته التي لا أفهمها، ثم بعد قليل يبدأ الضرب والتكسير والصراخ، فأذهب وأطرق بابه فيفتح لي الباب، ويكيل لي سيلا من شتائم لا أفهمها، ولكنه رغم سكرته، كان يخاف من حجمي الكبير نسبيا مقارنة بحجمه، فنأخذ زوجته ( أنا وزوجتي ) تحت سمعه وبصره، وطول الليل نحاول تهدئتها وهي تتلوى من الألم جراء الضرب. وبعد ساعة أو ساعتين تقول لا بد أن يكون الهزبر قد نام، فتتسلل إلى شقتها وهكذا دواليك. الطريف في الأمر أن ابنتي الصغيرة، قالت يوما : حاجة غريبة يا بابا، الليلة جارنا ما ضربش مراتو.
ضرب زوجة جارنا أصبح مثل المسلسل الذي صار توقيته معروفا.
تعليق