بسم الله الرحمن الرحيم
أحييكم أيها الأخوة والأخوات أطيب تحية، وأقدم لكم هذا العمل السينمائي الهام والعميق إنسانيا وفكريا. وهو يدخل ضمن مجموعة من الترجمات الآسيوية واليابانية تحديدا كنت قد ترجمتها في مراحل سابقة وأطلقت عليها وصف "روائع يابانية معاصرة". وقبل التطرق لموضوع الفيلم وشرح أفكاره، لا بد أن أشير إلى اشتراك ثلاثة مترجمين زملاء شاركوني بترجم هذا العمل الضخم وهم الأخوة محمد الصادي من مصر ومحمد العازمي من الكويت وجبر كمال من فلسطين، وأوجه لهم التحية على هذا المجهود المشترك الطيب.
ورائعتنا اليوم أخرجها لنا المخرج الياباني الكبير يوجي يامادا صاحب السجل المتميز بالسينما اليابانية العريقة. وهو من شيوخ السينما اليابانية وأحد أفضل مخرجيها المعاصرين، وقدّم أعمالا يشار لها بالبنان وتتصف بالروعة والعمق الفني والأدبي في الوقت المعاصر، مدللاً على مكانة سينما بلاد (النيبون) الراقية بالعالم.
ورائعتنا اليوم أخرجها لنا المخرج الياباني الكبير يوجي يامادا صاحب السجل المتميز بالسينما اليابانية العريقة. وهو من شيوخ السينما اليابانية وأحد أفضل مخرجيها المعاصرين، وقدّم أعمالا يشار لها بالبنان وتتصف بالروعة والعمق الفني والأدبي في الوقت المعاصر، مدللاً على مكانة سينما بلاد (النيبون) الراقية بالعالم.

kabei: Our mother
أمـّنـا كـابــي

المخرج يوجي يامادا
أبطال العمل

سايوري يوشيناجا (بدور كابي)

تادانوبو أسانو (بدور يامازاكي)
اشترك ببطولة العمل كل من الممثلة اليابانية المخضرمة سايوري يوشيناجا بدور كابي والنجم الياباني الصاعد تادانوبو أسانو بدور يامازاكي تورو. وقد حاز فيلم "أمنا كابي" على 40 ترشيحا لجوائز يابانية وعالمية منها الترشح للدب الذهبي لمهرجان برلين السينمائي. إلا إن العمل نافس بقوة على معظم جوائز مهرجان السينما اليابانية (أو ما نطلق عليه أوسكار اليابان مجازا). إلا إن التنافس كان شرسا وصعبا للغاية، حيث كان فيلم "ترتيبات الرحيل" departures قد اكتسح جوائز مهرجان عام 2009 وتجاوز ذلك ليقتنص جائزة الأوسكار بأفضل فيلم أجنبي. ونافس فيلمنا اليوم مع عمل جميل آخر ألا وهو "مشتبه الدالة س" suspect x وهو أيضا كنا قد نشرنا ترجمته سابقا عبر سلسلة روائع يابانية معاصرة. وهذه الأعمال وغيرها تشير لقوة مستوى الأعمال اليابانية، ولا ندعي بطبيعة الحال أن كل أعمال هذه السينما رفيعة المستوى. فهناك نوعية مسفة وهابطة تعاني منها اليابان كذلك. لكن إذا قمنا بعمل نسبة وتناسب سنكتشف أن نسبة الأعمال ذات المضمون الجيد مرتفعة بالمقارنة مع غيرها من الدول والأقاليم الأخرى. وهذا هو سبب اعجابي بأعمال السينما اليابانية وانتاجاتها دونا عن السينمات الآسيوية الأخرى.



وقد جاءت هذه الرائعة الجديدة للمخرج المخضرم يوجي يا مادا بعد مدة من انهائه لثلاثية الساموراي الشهيرة التي قدمها بدءا من عام 2003 بفيلم The Twilight Samurai ثم أعقبها عام 2005 بفيلم The Hidden Blade ثم كانت ثالثة الأثافي عام 2006 عبر فيلم Love And Honor. ويتضح لنا أن اسلوب يامادا يعتمد على الطرح غير المباشر وعلى تعميق المضمون داخل القصة وبين ثناياها. وهذا اسلوب سينمائي مفضل لأن من أبجديات الفن السابع عدم الاعتماد على الطرح المباشر حيث يفقده ميزة الإبداع ويجعله وسيلة تلقينية أو توجيهية للمشاهد، وبذلك يفقد خصوصيته ورسالته المميزة عن الفنون والأدوات والوسائل الاعلامية الأخرى. ومن هذا المنطلق يسير بنا يامادا نحو أفكار سياسية محضة ونقد واضح للسلطة وتوجيهها وتلاعبها (إن جاز التعبير) بالمشاعر الوطنية ومحاولة الاستفادة واستثمار طغيان المد الوطني اليميني Ultra-Nationalism الذي ساد باليابان وانتشر منذ بداية القرن الماضي إلى أن أصبح "كالسرطان"، إلى أن أدى ذلك إلى وقوع الكارثة بدخول الحرب العالمية الثانية لا لشيء إلا لمطامع امبريالية واضحة. ولكن في أعماق المجتمع الياباني برزت هذه النزعة -كما يوضح لنا الفيلم- لتصبح بعبعا لأي صوت معتدل ينادي بالتعقل أو حتى التمهل وعدم الانجراف نحو مشاعر مضللة قد تغرق السفينة ومن عليها. وكان هذا هو حال الاستاذ الجامعي شيجيرو نوجامي الذي ما إن انتقد "حملة" الصين (ولم يقل غزو الصين حتى) حتى زج به إلى غياهب المعتقلات والسجون.

وقصة الفيلم حقيقية وترويها لنا ابنة ذلك الاستاذ وهي تيرويو نوجامي. ومن يعرف هذه السيدة سيعرف بالتأكيد أنها كانت من أبرز مساعدي المخرج الياباني الراحل أكيرا كوروساوا لا سيما في أواخر أعماله مثل ran و dreams و rhapsody in august و madadayo. لكنها عبر هذا العمل أفصحت عن سيرتها الذاتية وسيرة عائلتها وكفاح أمها وصبرها على المرارة والألم. ولا شك أن العمل عموما ليس مجرد رسالة ذات مضمون سياسي، بل كذلك يتعمق نحو النقد مجتمع بأكمله عبر توجهاته المتطرفة، وهذا أمر ليس بالسهل إطلاقا. فمن السهل بالدول الديمقراطية "نظريا" نقد السلطة والحكومة وإلقاء اللوم عليها عند وقوع المشاكل أو الكوارث. لكن ليس من اليسير تسليط الضوء على مكامن الخلل بالمجتمع ذاته مع تسمية الأشياء بمسمياتها. وهذا يتطلب جرأة وشجاعة سواء من الكاتب أو المخرج وهذه صفات لا تنقص السيدة نوجامي التي ناهزت الـ81 عاما ولا المتميز يامادا الذي بلغ الـ77، وهو من قام بحبك سيناريو محكم من مذكرات نوجامي وشكل منها منظورا سينمائيا خلابا. ولا شك أن هذين المبدعين الطاعنين بالسن يستهدفان الجيل الجديد، المستغرق بتقنيات الآي بود والبلاك بيري والهواتف المحمولة الحديثة متعددة الاستخدام، لكي يقرأ ويمحص تاريخه المعاصر ويقلب صفحاته بعين النقد والاستفادة من تجارب الماضي القريب والتعلم من كوارثها وأهوالها. وقطعا تشكل هذه الخصلة صفة من صفات الشعوب الحية وعاملا متواليا من عوامل تقدمها ومواجهة اخطائها بشجاعة وعدم تردد أو تمترس خلف مبررات غير واقعية أو واهمة وهي ما أودت بهذه الدولة لكارثة حقيقية.
السلطة الطاغية وسرقة الأحلام؟!
يصرّح الفيلم عن وجود السلطة الطاغية التي تعمل على الوصاية الفكرية على الأفراد والمجتمع، وبالتالي فإن طريق النقد الهادف مسدود، ومصير مسيرة الإبداع نحو باب موصود. فالسلطة التي تحتكر الحقيقة ولا تسمح بحرية التعبير -لا سيما في أوقات الأزمات- تتمنى حجب أشعة الشمس لو استطاعت لأنها تعلم أن حقيقتها مهزوزة أو لا تمت للواقع والصدق بصلة. ومن هنا فإن نموذج هذه السيدة التي تواجه تداعيات هذا الطغيان بكل قسوتها يدعو للتأمل، حيث عدم الرضوخ لهذه النتائج والاستسلام لها وتحمل المسؤولية الصعبة والعمل من جديد على إعادة البناء. وهذا العامل الذي يفصل بين الفرد والسلطة لا بد أن تتسم علاقته بالاستقلالية وحرية الرأي، وإلا فإن التاريخ مليئ بالشواهد حيث الشعوب التي تصدّق سلطاتها بلا تحقيق أو تمحيص فتكون النتائج كارثية والعواقب وخيمة. وما علينا سوى أن نلاحظ السقوط الأخلاقي المخجل للنظام السوري وما يفعله بشعبه حاليا، بعد أن دأب هذا الشعب (وكلنا كشعوب عربية كنا كذلك) أعواما طويلة على تصديق كل ما يقوله النظام ويصرح به، إلا إن ساعة الحقيقة وضعت الجميع في مواجهة مؤلمة مع النفس أولا قبل الآخر، وزالت غشاوة الخداع والتزييف، ولن يفيد هذا النظام هربه من الحقيقة والواقع الذي يعمل على تزييفه، وهذا مؤشر معاصر على وجوب استقلالية الشعوب وامتلاكها زمام أمورها وعدم وقوعها ضحية لسلوكيات السلطة الحاكمة السيئة.
ومن جانب آخر، يلمّح العمل عن عدم فقدان الأمل حتى النهاية، ويصرح بنهايته عن ضياع الأماني وقتلها. وهذه جريمة لا تغتفر. والأحلام قد تسرق من فرد، لكنها قد تسرق أيضا من شعب بأكمله وشعوب مجتمعة. ليس المهم من هو السارق أو الجاني. لكن الأهم هو كيف ومتى نوقف هذا النزيف من الإحباط والتشاؤم والأبواب المغلقة! ومتى نكف عن خنق أصوات الإصلاح والمصلحين؟ وعندما تثور الثائرات وتدور الدوائر، كيف لي أن اطمئن أن من يدلو بأي دلو محمل بهم مصلحتي وقول كلمة الحق بوجه المد الجارف والسيل الساحق؟ أم ترانا نريد لرجال الحق والإصلاح أن ينزووا بعيدا بتلك الزاوية منتظرين البحور الحمراء لتصل عند أقدامهم فيتهمون حينها بالسلبية واللامقدرة لحظة وقوع الكارثة. كل أمة من الأمم ستهب بوجهها الأزمات والهزات، لكن الأمة القوية هي من تتمسك بمبادئها الصحيحة والقويمة، وتعطي الفرصة لمن يحق الحق بها ويصلح باخلاص قولا وعملا وتطبيقا.
ومن جانب آخر، يلمّح العمل عن عدم فقدان الأمل حتى النهاية، ويصرح بنهايته عن ضياع الأماني وقتلها. وهذه جريمة لا تغتفر. والأحلام قد تسرق من فرد، لكنها قد تسرق أيضا من شعب بأكمله وشعوب مجتمعة. ليس المهم من هو السارق أو الجاني. لكن الأهم هو كيف ومتى نوقف هذا النزيف من الإحباط والتشاؤم والأبواب المغلقة! ومتى نكف عن خنق أصوات الإصلاح والمصلحين؟ وعندما تثور الثائرات وتدور الدوائر، كيف لي أن اطمئن أن من يدلو بأي دلو محمل بهم مصلحتي وقول كلمة الحق بوجه المد الجارف والسيل الساحق؟ أم ترانا نريد لرجال الحق والإصلاح أن ينزووا بعيدا بتلك الزاوية منتظرين البحور الحمراء لتصل عند أقدامهم فيتهمون حينها بالسلبية واللامقدرة لحظة وقوع الكارثة. كل أمة من الأمم ستهب بوجهها الأزمات والهزات، لكن الأمة القوية هي من تتمسك بمبادئها الصحيحة والقويمة، وتعطي الفرصة لمن يحق الحق بها ويصلح باخلاص قولا وعملا وتطبيقا.

رابط لتورنت الفيلم
تعليق