قراءة نقدية لقصيدة همسة موج للشاعرة "سندوسة"

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فؤاد محمود
    أديب وكاتب
    • 10-12-2011
    • 517

    قراءة نقدية لقصيدة همسة موج للشاعرة "سندوسة"

    همسة موج !!


    الموج جاءَ,يحمل الحزنََ علىَ
    أصرعٍ من دِ لاء القطْرْ..
    عجِلا من أمره للموت ,حتّى الموت
    ثمِلا بأثقال الكلام ,غضُّ الصّوت
    ينجب أضغاثَ طينْ
    والتُّربةُ من ملحٍ, تلتفتْ
    تبحث عن يقطين ,
    عن لونٍ آخرَ للنّحرْ,
    كيْ تستعلي به فوق جباه الصخْر ..
    وأنا ,
    في كلّ ذهاب نحوه ,لست أعودْ
    والدّرب منّي يمتطي, كلّ الوعودْ
    يخطو بها, نحو الوراء
    كأنني من ورق !
    طال جفافي ,أو ربما حان الغرق
    والوقت فصلٌ لأذوب
    كيف أذوب ؟؟
    وحمْض الزمان به, اغتسالي
    واختناقي, بمكان من برود
    لاأذوب!!!
    وإن أمهل الموج نفسي للفراغ
    وإن...
    يُرشف الصّمت تباعا
    منغمسا ,
    في عرق الغياب ..
    ياموجُ يا..., موجي والكلام
    ضبابْ ,إن لم ينبت على أيّ شفاه
    سرابْ ,إن لم تنفطر
    منه أنهار الحياة
    وأنتَ, ورمال الموت حولي
    هي سرّ,
    يتوهج دوما بالغموض
    **************************
    في البدء....
    تظل الشاعرة سندوسة رقما صعبا اذا تعلق الأمر بقصيدة النثر
    نراها منشغلة الى حدود الهوس بالبحث الدائم في آفاق تجريبية
    للكتابة و لا تطمئن الا اذا أتحفتنا بمثل هذه الدرة.

    و الأمر لدى الشاعر الذي تكمن مهمته في التجديد يبدو طبيعيا
    خصوصا اذا رام كسر مساحة الجمود الذي يريد أن يلفه أحيانا
    وهنا تاتي قصيدة همسة موج التي سنحاول سبر أغوارها ...
    الموج جاءَ,يحمل الحزنََ علىَ
    أصرعٍ من دِ لاء القطْرْ..
    عجِلا من أمره للموت ,حتّى الموت
    ثمِلا بأثقال الكلام ,غضُّ الصّوت
    ينجب أضغاثَ طينْ
    والتُّربةُ من ملحٍ, تلتفتْ
    تبحث عن يقطين ,
    عن لونٍ آخرَ للنّحرْ,
    كيْ تستعلي به فوق جباه الصخْر ..
    في المستوى الاول و في المقطع الفاتحة تأتي الحركات الداخلية و العلاقات بين التعابير عبارة عن حركة كبرى محكومة بالمعاناة القادمة عبر منافذ متعددة من الدلالات .
    فتكون من الكثافة بحيث تتداخل فيها الاصوات ( الموج) والمشاعر(الحزن ) والحركات (عجِلا ) بلغة اخرى هي المعاناة التي تبدو فيها الشاعرة مغالبة لعذابات اللحظة وعذابات الكتابة وهي تسعى الى المسك بمسار النّص لجعله وحدة متماسكة متناغمة منفتحة على ذاتها من بواطنها تنشأ
    صورة ذات الشاعرة و سيرتها الذاتية ،متماهية مع الحس الإِنساني . فتأتي العبارات و الصُّور في انسيابية أخّاذة تترجم عمق المشاعر و الإِحساس البشريّ بالحزن و الألم و الرّهبة من الموت ..
    تنطلق الصورة الأولى- كما هو واضح - من الفعل جاء ليؤول الى نقيضه فمجيء الموج ذهب بكل معاني الفرح الكامن . فينشأ ضرب من التماهي بين الحزن و معانيه الحافة ( أصرع القطر ، الموت ،تربة الملح ، لون النحر )
    و هكذا تطفو الهموم الذاتية تثقل كاهل الشاعرة و تنبع من الحركة الجارفة للموج ثم تعود لتتشكل في صور المعاناة و تندغم في النسيج العام للقصيدة الذي يصور المعاناة الذاتية باعتبارها اللحظة الفارقة في زمن الخلق والابداع . ثم يتخلص منها الى ما هو انساني عميق و موضوعي .
    وأنا ,
    في كلّ ذهاب نحوه ,لست أعودْ
    والدّرب منّي يمتطي, كلّ الوعودْ
    يخطو بها, نحو الوراء
    كأنني من ورق !
    طال جفافي ,أو ربما حان الغرق
    كيف أذوب ؟؟
    وحمْض الزمان به, اغتسالي
    واختناقي, بمكان من برود
    هنا و في هذا المقطع يتجلى صوت الشاعرة اكثر وضوحا محمّلا بعذاباته الذاتية يترجمها ضمير المتكلم المفرد ، و يعبر عنها بواو الحال ، حاله هو ،
    متحدا مع عالمه الداخلي ، واصفا تجربته في انبثاقها من الفعل ( الذهاب اليه أو نحوه ) وارتدادها الى آفاق محدودة من بالعجز و الخواء ...
    و تطالعنا ثانية تلك الحركة المقترنة بضدها – كما في المقطع الأول- ( الذهاب و العودة ، اللحظة الحاضرة و الوراء ، و الجفاف و الغرق .) و في ذلك ترجمة
    لما تسببه المعاناة من احساس بالتداخل و التناقض ، فيبدو الجو العام ماخوذا بمفارقات عديدة متتالية متناغمة مع البناء الدرامي للمقطع كما تسعى الشاعرة لتصويره .
    فهذه المفارقات و هذا الصراع الداخلي الذي يعبر عن عمق المعاناة ما هو الا الصدى لتجربة الشاعرة و قد اضناها الفشل و الألم و الضمإِ . و يأخذ هذا الاحساس
    في التضخم الى درجة يكاد يسحق فيها ذات الشاعرة لتذوب في لج الموج والعدم ...
    لاأذوب!!!
    وإن أمهل الموج نفسي للفراغ
    وإن...
    يُرشف الصّمت تباعا
    منغمسا ,
    في عرق الغياب ..
    ولا يخفى أن الصوت هنا يسعى أن يرتفع و كأنه الغريق يبحث عن نفس ،
    و لا يريد أن يستكين للموت و الضياع ، فيأتي النفي محملا بكل دلالات الصراع
    و المقاومة ، برغم الموج و الفراغ و الصمت و عرق الغياب .
    ويبدو الصوت واثقا يرسم صورة العنقاء من تحت الرّماد وصورة الشّاعرة من تحت الأمواج العاتية ، فترتفع النبرة زاخرة بمعاني التصميم المذهلة ، بوعي الفعل الناشيء من الإِرادة و الدافع نحو الحياة ، و يتجلى التّوجه الدرامي للقصيدة
    في عنفان ذاك الذي يصعد من خظم الموج يحشد طاقاته الهائلة ...

    ياموجُ يا..., موجي والكلام
    ضبابْ ,إن لم ينبت على أيّ شفاه
    سرابْ ,إن لم تنفطر
    منه أنهار الحياة
    وأنتَ, ورمال الموت حولي
    هي سرّ,
    يتوهج دوما بالغموض
    في المقطع الأخير تبدو النبرة أكثر هدوء ، يعبر عنها ذاك السعي إلى المهادنة – مع الموج – بعد صراع مرير ، فتخف الحركة و تبطيء ، و يتحول
    الخطاب الى ضرب من المناجاة مدهشة ،( يا موج ... موجي ) وهذه الانعطافة النوعية في مسار القصيدة تعود بنا الى نقطة البداية ، حيث الموج يحمل الحزن ويرشح بالكلام بل ثمل به ، وهو صدى أحاسيس الشاعرة ، فيصبح الموج هنا هو القصيد و قد تشضى ، صار كلاما ينبت على الشفاه و يجري كأنهار الحياة يلفها الغموض ...
    التاليف
    يمكن أن نقول في ضوء ما تقدم إِن القصيدة مخاتلة الى حدّ بعيد ، تتجاوز المتعارف لترسم لها كيانا ينعتق من إِسار المألوف و ليؤسس خطابه على المفارق
    و الغرائبيِّ أحيانا و ان كانت اللغة يسيرة التناول دون تشابك .
    و تاتي معتمدة على ايقاع الحركات و الصور و الأصوات لترسم عالما خاصا
    ذاتيا في ظاهره ، و لكنه موسوم بمياسم الإِحساس الانساني العام .



    التعديل الأخير تم بواسطة فؤاد محمود; الساعة 02-07-2012, 23:24.
  • الطاهر عمري
    • 31-12-2012
    • 6

    #2
    بارك الله فيك اخانا قراءة واعية اضافت جمالا

    تعليق

    يعمل...
    X