حـــــــزن علوش الطيب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الضيف حمراوي
    أديب وكاتب
    • 28-11-2008
    • 70

    حـــــــزن علوش الطيب

    حـــــــزن علوش الطيب


    قال السيد علوش : وتشجعت فغامرت ، وأنفقت كل ثورتي الضئيلة ، وكامل جهدي في فلاحة "الدلاع" ، ووفق الله؛ فجاء المنتوج وافرا ، رائعا، مغريا ، وانتهى الموسم .

    وتجمعت الملايين تحت يدي فجأة ، فتغير طعم الأشياء ، وأصبحت أكثر بروزا ، تعرض نفسها علي بإلحاح ، وتلمست نفسي -لأول مرة -معنى العزة والتمنع والتأفف ، وبدا الفضاء أكثر رحابة ، زاهيا بلون الورد ، يفجر الفرح في أعماق الصخور الصماء ، وغدوت أخرج كل يوم من البيت مستغنيا عن البشر ، مستقبلا يومي بشوق ، مأخوذا بجمال الطبيعة الذي كان محجوبا عني ، لم أكن من قبل – قبل أن استعيد كرامتي المهدورة - أشعر بأي علاقة تربطني بقريتي ، وساكنيها ، كان الناس من حولي يقومون بأدوارهم في هذا الكرنفال الأبدي ،طائعين راضين كالأنعام ، يمسكون بطونهم الخاوية ، و يهزون رؤوسهم الفارغة على عادة الدراويش وهم يصفقون و يتغنون بالوطن والثورة والثوار ، ويرقصون في فوضى على إيقاع أغاني الراي التالف ، بمناسبة وبغير مناسبة ، يعتزون بالتاريخ ، وباللغة والحضارة ، ويدفعونني من طريقهم صارخين ابتعد ، يا علوش الخامل الأبله ، ابتعد أيها التافه ، ولم أكن أفقه أي معنى لأقوالهم .

    صرخ الشيخ في علوش : علوش مابك ؟ أنت تهذي ، هل تشعر بالحمي؟ ومتى سقطت؟ انهض حاول أن تنهض.

    تجاهل علوش كلام الشيخ ، وواصل حديثه إلى الشيخ نفسه.

    أيهاالشيخ : كنت –بعد أن أغناني الله- آخذ كليوم مبلغا من المال ،أوزعه على جيوبي ، وأسير في دربي هذا بثقة ؛ نحو الطريق المعبد المؤدي للمدينة ، كنت في دربي أدوس على الحجر الصوان الأصم ،فأسمع تصدعه تحت رجلي، وهو يتفتت ، يطحن ،يسحق ، أرفع رجلي وألتفت ورائي فإذا هو غبار تذروه الريح عابثة.


    أنت يا علوش ، أنت تضع رجلك على الحجر فينسحق؟.


    نعم، أنا ؛ كنت أضع رجلي فوق الحجر الأصم فينسحق ، حين كانت الملايين تحت يدي. – وواصل وقد نسي الشيخ بجانبه تماما - أصل المدينة ، أطوف بأهم مقاهيها ، أقف متباهيا بمدخل كل مقهى ،وأتلذذ بنظرات روادها لجغرافيا جسمي الضئيل المبجلة، داخل البذلة الجديدة، أخرج علبة سيجارتي، ثم الولاعة بلونها الذهبي وأعرضهما كما يفعل الساحر كي يراهما الحاسدون والطامعون ، الذين يرفعون أيديهم بالتحية كما يفعل المودعون، وكما يفعل كل صاحب مقهي ، أقف على عتبة محله ، منتفشا كالديك المغرور ، يحييني فأرد التحية بوقار وكبر ، ويقبل نحوي ، يسلم ، وألج متغطرسا ، أدفع متكرما أثمان مشروبات من ارتضيت من الرواد، وأنصرف مشيعا مشكورا ، وهكذا كنت أمر بكل مقهى من مقاهي المدينة ، كلبا يتبول بأصول شجيرات عطشى ، محددا بها معالم مجاله الحيوي ، مثبتا بجذورها رائحته ، ويزداد ثقة برسوخ مملكته حين يلقى أهل البيت، فيتمسح بأرجلهم ويشعر بالأنس ويغمره الفرح.

    وكما جاءت الملايين بسرعة ؛ ذابت بسرعة ، تسربت من بين أصابعي قبل أن أفيق، وحين أفقت وجدت نفسي وحيدا ، وقد تقلصت الأشياء من حولي ، وخبت ألوانها وتداخلت ، وأصبحت مساحة الكون لا تتسع لحافتي الدرب أمامي ، والدرب لا يتسع لموقع رجلي ، وعسر على المشي ، وأنا الآن علوش الأبله الفقير كما كنت في البدإ،المملوء بالحزن ، المشحون بالندم ، أخرج من بيتي فارغ الوفاض ، تاركا ورائي بطونا يعصرها الجوع ،خَدَعتُها لفترة ، لأن الحياة خدعتني ، أدب سالكا نفس الدرب نحو المدينة ، منهك القوى متعثرا، متجنبا الدوس على الحصى خوف أن يختل توازني فأترنح وأهوي على وجهي ، وفي غفلة مني ، تعلق برجلي قشة من خشاش الأرض تقذفني بها الريح ، فتفقدني توازني فأسقط ، ويتعفر وجهي ، أمسحه بيدي العاجزة حتى الشلل وأقول : أروع المتع هي التي تأتيك صدفة وتغادرك في غفلة ودون استئذان ، ثم تمدد علوش وأسلم الروح.


    الضيف حمراوي 10/07/2012
    التعديل الأخير تم بواسطة الضيف حمراوي; الساعة 02-04-2013, 15:50.
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة الضيف حمراوي مشاهدة المشاركة
    حـــــــزن علوش الطيب



    قال السيد علوش : وتشجعت فغامرت ، وأنفقت كل ثورتي الضئيلة ، وكامل جهدي في فلاحة "الدلاع" ، ووفق الله؛ فجاء المنتوج وافرا ، رائعا، مغريا ، وانتهى الموسم .

    وتجمعت الملايين تحت يدي فجأة ، فتغير طعم الأشياء ، وأصبحت أكثر بروزا ، تعرض نفسهاعلي بإلحاح ، وتلمست نفسي -لأول مرة -معنى العزة والتمنع والتأفف ، وبدا الفضاءأكثر رحابة ، زاهيا بلون الورد ، يفجر الفرح في أعماق الصخور الصماء ، وغدوت أخرج كل يوم من البيت مستغنيا عن البشر ، مستقبلا يومي بشوق ، مأخوذا بجمال الطبيعة الذي كان محجوبا عني ،لم أكن من قبل – قبل أن استعيد كرامتي المهدورة - أشعر بأي علاقة تربطني بقريتي ، وساكنيها ، كان الناس من حولي يقومون بأدوارهم في هذا الكرنفال الأبدي ،طائعين راضين كالأنعام ، يمسكون بطونهم الخاوية ، و يهزون رؤوسهم الفارغة على عادة الدراويش وهم يصفقون و يتغنون بالوطن والثورة والثوار ، ويرقصون في فوضى على إيقاع أغاني الراي التالف ، بمناسبة وبغير مناسبة ، يعتزون بالتاريخ ، وباللغة والحضارة ، ويدفعونني من طريقهم صارخين ابتعد ، يا علوش الخامل الأبله ، ابتعد أيها التافه ، ولم أكن أفقه أي معنى لأقوالهم .

    صرخ الشيخ في علوش : علوش مابك ؟ أنت تهذي ، هل تشعر بالحمي؟ ومتى سقطت؟ انهض حاول أن تنهض.

    تجاهل علوش كلام الشيخ ، وواصل حديثه إلى الشيخ نفسه.

    أيهاالشيخ : كنت –بعد أن أغناني الله- آخذ كليوم مبلغا من المال ،أوزعه على جيوبي ، وأسير في دربي هذا بثقة ؛ نحو الطريق المعبد المؤدي للمدينة ، كنت في دربي أدوس على الحجر الصوان الأصم ،فاسمع تصدعه تحت رجلي، وهو يتفتت ، يطحن ،يسحق ، أرفعرجلي وألتفت ورائي فإذا هو غبار تذروه الريح عابثة.


    أنت يا علوش ، أنت تضع رجلك على الحجر فينسحق؟.


    نعم، أنا ؛ كنت أضع رجلي فوق الحجر الأصم فينسحق ، حين كانت الملايين تحت يدي. – وواصل وقد نسي الشيخ بجانبه تماما - أصل المدينة ، أطوف بأهم مقاهيها ، أقف متباهيا بمدخل كل مقهى ،وأتلذذ بنظرات روادها لجغرافيا جسمي الضئيل المبجلة، داخل البذلة الجديدة، أخرج علبة سيجارتي، ثم الولاعة بلونها الذهبي وأعرضهما كما يفعل الساحر كي يراهما الحاسدون والطامعون ، الذين يرفعون أيديهم بالتحية كما يفعل المودعون، وكما يفعل كل صاحب مقهي ، أقف على عتبة محله ، منتفشا كالديك المغرور ، يحييني فأرد التحية بوقار وكبر ،ويقبل نحوي ،يسلم ، وألج متغطرسا ، أدفع متكرما أثمان مشروبات من ارتضيت من الرواد، وأنصرف مشيعا مشكورا ، وهكذا كنت أمر بكل مقهى من مقاهي المدينة ، كلبا يتبول بأصول شجيرات عطشى ، محددا بها معالم مجاله الحيوي ، مثبتا بجذورها رائحته ، ويزداد ثقة برسوخ مملكته حين يلقى أهل البيت، فيتمسح بأرجلهم ويشعر بالأنس ويغمره الفرح.

    وكما جاءت الملايين بسرعة ؛ ذابت بسرعة ،تسربت من بين أصابعي قبل أن أفيق، وحين أفقت وجدت نفسي وحيدا ، وقد تقلصت الأشياء من حولي ، وخبت ألوانها وتداخلت ، وأصبحت مساحة الكون لا تتسع لحافتي الدرب أمامي ، والدرب لا يتسع لموقع رجلي ، وعسر على المشي ، وأنا الآن علوش الأبله الفقير كما كنت في البدإ،المملوء بالحزن ، المشحون بالندم ، أخرج من بيتي فارغ الوفاض ، تاركا ورائي بطونا يعصرها الجوع ،خَدَعتُها لفترة ، لأن الحياة خدعتني ، أدب سالكا نفس الدرب نحو المدينة ، منهك القوى متعثرا، متجنبا الدوس على الحصى خوف أن يختل توازني فأترنح وأهوي على وجهي ، وفي غفلة مني ، تعلق برجلي قشة من خشاش الأرض تقذفني بها الريح ، فتفقدني توازني فأسقط ، ويتعفر وجهي ، أمسحه بيدي العاجزة حدا لشلل وأقول : أروع المتع هي التي تأتيك صدفة وتغادرك في غفلة ودون استئذان ، ثم تمدد علوش وأسلم الروح.



    الضيف حمراوي 10/07/2012


    الزميل القدير
    الضيف حمراوي
    نص فيه أشجان الكثير من اناس
    شابه التشابك أحيانا فليتك تفك الحروف عن بعضها
    الحقيقة زميلي وبالرغم من الوجع الساكن هنا.. والجمل التي أحسستها متفردة لكني أحسست أيضا أنك تستطيع أن تعطي أكثر من هذا بكثير جدا
    ربما تدخل الراوي في آخر النص أثر على النص حين أوضح ( ثم تمدد ..........) أتصور لو أنك اخترت نفس النهاية لكن بصورة أخرى دون التدخل لكان أكثر تفاعلا وتأثيرا
    هو رأي يقبل الصواب والخطأ فلا يزعجنك ابدا لكن لأني أعرف مقدرتك أتوسم فيك تفهم نقدي فأنت لك مقدرة كبيرة وكما أحسست من خلال قراءاتي السابقة لنصوصك
    تحياتي ومحبتي لك من بغداد الحبيبة
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • الضيف حمراوي
      أديب وكاتب
      • 28-11-2008
      • 70

      #3
      أختي العزيزة الغالية ٍ عائدة محمد نادر :رأيك كيفما كان يسعدني أيما إسعاد ، وكيفماٍ كان رأيك فهو رأي أديبة فنانة ذواقة للأدب نادره, وأدبي وكل الآداب العالمية ليست فوق النقد مهما كانت.
      دمت قارئة ناقدة وشكرا جزيلا فقد أسعدني مرورك.

      تعليق

      يعمل...
      X