لعنــــــــــــــــــــــــة
أنا لعنة ، اسمي لعنة ،لم يكن الاسم المسجّل في الحالة المدنيّة أي نعم ولكنّه اسم أسمعه يتردّد في أذني منذ حداثتي .نداءات خفيّة أسمعها تتردّد في أذني فألتفت يمنة ويسرة وإذا الصّوت قريب جدّا منّي .خلف رأسي تماما ،أسمعه ولا أراه .عندما كبرت قليلا صرت أراه أحيانا لكن بعينين مغلقتين .
تراودني فكرة أن أخفّف من وطأة السّرّ الذي أرزح تحته فأحدّث إحدى صديقاتي ولكنّني أتراجع ،أتراجع مخافة أن تسخر مني وتذيع الخبر بين الجميع فيغضب منّي ذلك الّذي سمّاني لعنة ويتخلّى عنّي .
أعرف أنّه يلازمني ،أنام فيجلس عند رأسي يحرسني من كل سوء .مهمّته أن يوقظني عند النوم ،ينبّهني إلى وجود خطر متربّص .صحيح أنّ الأمر يقع بغلظة وأنه قاس جدّا في طريقة إيقاظه لي ،ولكن ربّما لأنه لا يملك طريقة أخرى يوقظني بها من نوم عميق يفعل ذلك .
حتّى أنه يسمح لروحي بالسّفر أحيانا ،تترك جسدي وتحلّق في أماكن شتّى ،تسبح في الفضاء ترى أشياء كثيرة لا يراها أحد ،تحدث في المكان والزّمان وبتفاصيل دقيقة تحتفظ بها ذاكرتي .وبقسوة أيضا يتعامل مع هذه الظاهرة .إذ ينالني من الألم ما ينالني لحظة عودتي لجسدي .
لم أكن أعلم لماذا كان يدعوني لعنة ،ولم أكن لأجد موقفا واضحا لوقع ذلك على نفسي .هل أغضب ؟ أم أرضى بذلك وأسكت لأنّني لا أدرك الحكمة منه.
ثمّ كبرت وتفتّحت أنوثتي وبدأت أجد أثر ذلك في نفوس الرّجال .
ولأنّ أمّي أشبه بالرّجال في طباعها وتصرّفاتها، فقد تخلّفت عن القافلة ولم يأت أحد لخطبتي ،حتّى أنّ البعض ذهب إلى أنّني لا أملك ما تملكه الصّبايا من ميل طبيعي للشّباب وأشاعوا عنّي أنّني زاهدة في الزّواج لأنّني لست أهلا له .
ورأيت نظرات عطف في أعين كثيرة. ولم أستطع الدّفاع عن نفسي .وماذا كان بوسعي أن أفعل ؟هل أبادر أنا بعرض نفسي على من يستميلني هواه ؟ لم أكن أعرف من أبجديات الحبّ غير ما أراه بين أمّي وأبي. وكانا صارمين ،لم أشهد يوما موقفا تلاطف فيه أمّي أبي ولا العكس،لم يحصل أن تكشّفت على ما يحدث بين زوج وزوجته ولو تجسّسا بينهما .كيف أنجبانا كلّنا دون خطأ واحد يرتكبانه رغم أنّ غرفة واحدة شهدت صيرورتنا.
ما كان يثيرني ويستفزّني هو إعجاب الكلّ بأمّي .فقد كانت مصدر إزعاج لكلّ قريباتنا لأنّها كانت مضرب مثل لهنّ من طرف أزواجهن .فلماذا يتأخّر زواجي أنا بالذّات وأنا الأشبّ في أخواتي ،والوحيدة التي كانت متميّزة في دراستها ؟
ربّما لأنّني لا أتغنّج وأتكسّر كما تفعل الفتيات ،أو لأنّني لا أقيم علاقات غير تلك التي فرضتها الدّراسة آنفا والعمل لاحقا .
أحيانا يراودني الشّكّ بأنهم عرفوا سرّي بطريقة ما ،عرفوا أن ّ اسمي الحقيقي هو لعنة .فانفضّوا من حولي وتجنّبوني ،حتّى عرفته .
لم يكن الضّحيّة الوحيدة لذلك سأعدّد اللّعنات لعنة لعنة حتّى لا تسقط منّي بعض التفاصيل .
اللّعنة الأولى:
لم يكن ثمّة ما يمنع أن يتقدّم لي كما يحصل مع أي فتاة إلاّ موقف أمّه الّتي كانت السّبب الرّئيسي في تأخير زواجه بتمسّكها أن تختار هي من تناسبه .
لذلك أقنعني بأن الأمر يتطلّب بعض الوقت وبعض التحايل على والدته حتى ترضخ للأمر الواقع .اقترح علي يوما أن نتزوّج نكتب كتابنا ونضع الجميع أمام الأمر الواقع .إن لم يكن من أجل أهله هو فلأجل أهلي أنا رفضت وبشدّة ولكنّني لم أقطع علاقتي به في انتظار أن تلين أمّه وتغير رأيها .تأجّجت نار الغرام بيننا ووصل الأمر إلى أهلي فطلبت منه أن يأتي ،ينقذ الموقف ويبين حسن نواياه .هو ظلّ يجري ورائي أكثر من ثلاث سنوات ولم يتعب وحين طلبت منه ذلك لم يجد الوقت ليفعل .اتّضح بعد أن شوّه سمعتي أنّه صيّاد نساء وأنّه لا يحبّ إلاّ ما استعصى من الحالات وأنّ استماتته في الوصول إليّ كانت فقط ليثبت لنفسه أنّه دنجوان من طراز رفيع .
قطعت صلتي به ولم تمض أيام حتى انتحرت أخته بسبب علاقة شائنة بأحد المشعوذين .
اللّعنة الثانية :
وضع نفسه في طريق عودتي من العمل ،كان كلّ يوم يقف في نفس المكان ليسلّم عليّ ويبتسم لي .
ثمّ طوّر تقنياته إلى مطاردات :في الحافلة ،في مركز البريد ،في المحطّة ،وحتّى أمام البيت يقف ساعات يسترق النظر إليّ .سمعته ،كان يشتكي من أشياء كثيرة أوّلها المرض والبطالة ،أشفقت عليه وفتحت له قلبي .وجدته من حين لآخر يختلق سببا لأقدّم له مساعدات مادّيّة ولما لا أفعل ؟المهم أن تقدّم لمن يحتاجها .ثمّ عرف أنّني أمتلك بيتا في المدينة فبدأ يلمّح إلى أنّ ما منعه من الشّغل بشهادته افتقاده لمأوى .فخفت وتراجعت واعتذرت بأنّ البيت على ذمّة العائلة .وكانت المرآة التي كشفت وجهه الحقيقي .صار يهدّد بأنّه سينتقم إن لم أواصل مساعداتي له فتجاهلته وأخرجته من حياتي .
لم تمض سوى أيام قلائل حتى ماتت أخته ميتة شنيعة .
اللّعنة الرابعة :
كان كهلا تجاوز الخمسين .قلت في نفسي :"ولم لا ؟ها قد اتّضح أنّ حظّي مع الشّباب قليل ومتعثرّ،ليس فقط متعثّرا، وإنّما كارثياّ .
ما عزّز آمالي أنّه يعمل معي بنفس المؤسّسة .كان واضحا منذ البداية .يريد أن يتزوّجني وبمجرّد أن ينجح في طلب الطّلاق من زوجته الّتي يعاني منها الأمرّين .
إذ لا يكفي أنّها متسلّطة وغليظة في تعاملها معه ، أنّها تعاني من مرض يجعلها غير قادرة على القيام بأي واجب تجاهه وتجاه الأبناء الأربعة .
كان يسبق إلى قضاء شؤوني ،ويخدمني بعينيه حتىّ جاء يوما يشتكي مشكلا عارضا .كان يحتاج مبلغا يخرجه من ورطة وجد نفسه فيها دون أن يكون له فيها ضلع .مكّنته من المبلغ الذي أراد فاختفى ليظهر بعد أيّام معترفا بأنّه لم يكن إلاّ محتالا أراد أن ينال منّي وأنّ العوض على الله.و هو فوق ذلك مازال يلحّ في أن يكون صديقا وأكثر بدعوى أن العلاقات السّائدة قائمة على تبادل الخدمات .ماتت ابنته المهندسة بعد أيام قليلة ،تحديدا يوم عيد الفطر سكرانة في سياّرة مشغّلها .
اللّعنة الخامسة :
لم أكن أعرفه شخصيا إلاّ من خلال شاشة التّلفاز وفي الجرائد والمجلاّت.
ليس بيننا ثأر ولا أمثّل أيّ خطر عليه فأنا لم أهتمّ يوما بالسّياسة وكنت مواطنة تابعة ورصينة ولكنه كان لا يكفّ عن التّصنّت إلى مكالماتي حتّى حرّمت الهاتف على نفسي .تأكّدت من ذلك عندما وضعت على ذمّتي خطّين وفتحتهما في نفس الوقت فإذا أنا في القصر الرّئاسي وإذا سيادته يتكلم إلى أحد أعوانه ويطلب منه الملفّ الخاصّ بي ،وعندما تفطّن إلى أنّني أسمعه سبّ الجلالة وصفع الموظّف الواقف أمامه ولم تمض إلاّ ثلاثة أيّام حتّى ثار عليه الشعب و فرّ بجلده باحثا عن بلد يستقبله.
تراودني فكرة أن أخفّف من وطأة السّرّ الذي أرزح تحته فأحدّث إحدى صديقاتي ولكنّني أتراجع ،أتراجع مخافة أن تسخر مني وتذيع الخبر بين الجميع فيغضب منّي ذلك الّذي سمّاني لعنة ويتخلّى عنّي .
أعرف أنّه يلازمني ،أنام فيجلس عند رأسي يحرسني من كل سوء .مهمّته أن يوقظني عند النوم ،ينبّهني إلى وجود خطر متربّص .صحيح أنّ الأمر يقع بغلظة وأنه قاس جدّا في طريقة إيقاظه لي ،ولكن ربّما لأنه لا يملك طريقة أخرى يوقظني بها من نوم عميق يفعل ذلك .
حتّى أنه يسمح لروحي بالسّفر أحيانا ،تترك جسدي وتحلّق في أماكن شتّى ،تسبح في الفضاء ترى أشياء كثيرة لا يراها أحد ،تحدث في المكان والزّمان وبتفاصيل دقيقة تحتفظ بها ذاكرتي .وبقسوة أيضا يتعامل مع هذه الظاهرة .إذ ينالني من الألم ما ينالني لحظة عودتي لجسدي .
لم أكن أعلم لماذا كان يدعوني لعنة ،ولم أكن لأجد موقفا واضحا لوقع ذلك على نفسي .هل أغضب ؟ أم أرضى بذلك وأسكت لأنّني لا أدرك الحكمة منه.
ثمّ كبرت وتفتّحت أنوثتي وبدأت أجد أثر ذلك في نفوس الرّجال .
ولأنّ أمّي أشبه بالرّجال في طباعها وتصرّفاتها، فقد تخلّفت عن القافلة ولم يأت أحد لخطبتي ،حتّى أنّ البعض ذهب إلى أنّني لا أملك ما تملكه الصّبايا من ميل طبيعي للشّباب وأشاعوا عنّي أنّني زاهدة في الزّواج لأنّني لست أهلا له .
ورأيت نظرات عطف في أعين كثيرة. ولم أستطع الدّفاع عن نفسي .وماذا كان بوسعي أن أفعل ؟هل أبادر أنا بعرض نفسي على من يستميلني هواه ؟ لم أكن أعرف من أبجديات الحبّ غير ما أراه بين أمّي وأبي. وكانا صارمين ،لم أشهد يوما موقفا تلاطف فيه أمّي أبي ولا العكس،لم يحصل أن تكشّفت على ما يحدث بين زوج وزوجته ولو تجسّسا بينهما .كيف أنجبانا كلّنا دون خطأ واحد يرتكبانه رغم أنّ غرفة واحدة شهدت صيرورتنا.
ما كان يثيرني ويستفزّني هو إعجاب الكلّ بأمّي .فقد كانت مصدر إزعاج لكلّ قريباتنا لأنّها كانت مضرب مثل لهنّ من طرف أزواجهن .فلماذا يتأخّر زواجي أنا بالذّات وأنا الأشبّ في أخواتي ،والوحيدة التي كانت متميّزة في دراستها ؟
ربّما لأنّني لا أتغنّج وأتكسّر كما تفعل الفتيات ،أو لأنّني لا أقيم علاقات غير تلك التي فرضتها الدّراسة آنفا والعمل لاحقا .
أحيانا يراودني الشّكّ بأنهم عرفوا سرّي بطريقة ما ،عرفوا أن ّ اسمي الحقيقي هو لعنة .فانفضّوا من حولي وتجنّبوني ،حتّى عرفته .
لم يكن الضّحيّة الوحيدة لذلك سأعدّد اللّعنات لعنة لعنة حتّى لا تسقط منّي بعض التفاصيل .
اللّعنة الأولى:
لم يكن ثمّة ما يمنع أن يتقدّم لي كما يحصل مع أي فتاة إلاّ موقف أمّه الّتي كانت السّبب الرّئيسي في تأخير زواجه بتمسّكها أن تختار هي من تناسبه .
لذلك أقنعني بأن الأمر يتطلّب بعض الوقت وبعض التحايل على والدته حتى ترضخ للأمر الواقع .اقترح علي يوما أن نتزوّج نكتب كتابنا ونضع الجميع أمام الأمر الواقع .إن لم يكن من أجل أهله هو فلأجل أهلي أنا رفضت وبشدّة ولكنّني لم أقطع علاقتي به في انتظار أن تلين أمّه وتغير رأيها .تأجّجت نار الغرام بيننا ووصل الأمر إلى أهلي فطلبت منه أن يأتي ،ينقذ الموقف ويبين حسن نواياه .هو ظلّ يجري ورائي أكثر من ثلاث سنوات ولم يتعب وحين طلبت منه ذلك لم يجد الوقت ليفعل .اتّضح بعد أن شوّه سمعتي أنّه صيّاد نساء وأنّه لا يحبّ إلاّ ما استعصى من الحالات وأنّ استماتته في الوصول إليّ كانت فقط ليثبت لنفسه أنّه دنجوان من طراز رفيع .
قطعت صلتي به ولم تمض أيام حتى انتحرت أخته بسبب علاقة شائنة بأحد المشعوذين .
اللّعنة الثانية :
وضع نفسه في طريق عودتي من العمل ،كان كلّ يوم يقف في نفس المكان ليسلّم عليّ ويبتسم لي .
ثمّ طوّر تقنياته إلى مطاردات :في الحافلة ،في مركز البريد ،في المحطّة ،وحتّى أمام البيت يقف ساعات يسترق النظر إليّ .سمعته ،كان يشتكي من أشياء كثيرة أوّلها المرض والبطالة ،أشفقت عليه وفتحت له قلبي .وجدته من حين لآخر يختلق سببا لأقدّم له مساعدات مادّيّة ولما لا أفعل ؟المهم أن تقدّم لمن يحتاجها .ثمّ عرف أنّني أمتلك بيتا في المدينة فبدأ يلمّح إلى أنّ ما منعه من الشّغل بشهادته افتقاده لمأوى .فخفت وتراجعت واعتذرت بأنّ البيت على ذمّة العائلة .وكانت المرآة التي كشفت وجهه الحقيقي .صار يهدّد بأنّه سينتقم إن لم أواصل مساعداتي له فتجاهلته وأخرجته من حياتي .
لم تمض سوى أيام قلائل حتى ماتت أخته ميتة شنيعة .
اللّعنة الرابعة :
كان كهلا تجاوز الخمسين .قلت في نفسي :"ولم لا ؟ها قد اتّضح أنّ حظّي مع الشّباب قليل ومتعثرّ،ليس فقط متعثّرا، وإنّما كارثياّ .
ما عزّز آمالي أنّه يعمل معي بنفس المؤسّسة .كان واضحا منذ البداية .يريد أن يتزوّجني وبمجرّد أن ينجح في طلب الطّلاق من زوجته الّتي يعاني منها الأمرّين .
إذ لا يكفي أنّها متسلّطة وغليظة في تعاملها معه ، أنّها تعاني من مرض يجعلها غير قادرة على القيام بأي واجب تجاهه وتجاه الأبناء الأربعة .
كان يسبق إلى قضاء شؤوني ،ويخدمني بعينيه حتىّ جاء يوما يشتكي مشكلا عارضا .كان يحتاج مبلغا يخرجه من ورطة وجد نفسه فيها دون أن يكون له فيها ضلع .مكّنته من المبلغ الذي أراد فاختفى ليظهر بعد أيّام معترفا بأنّه لم يكن إلاّ محتالا أراد أن ينال منّي وأنّ العوض على الله.و هو فوق ذلك مازال يلحّ في أن يكون صديقا وأكثر بدعوى أن العلاقات السّائدة قائمة على تبادل الخدمات .ماتت ابنته المهندسة بعد أيام قليلة ،تحديدا يوم عيد الفطر سكرانة في سياّرة مشغّلها .
اللّعنة الخامسة :
لم أكن أعرفه شخصيا إلاّ من خلال شاشة التّلفاز وفي الجرائد والمجلاّت.
ليس بيننا ثأر ولا أمثّل أيّ خطر عليه فأنا لم أهتمّ يوما بالسّياسة وكنت مواطنة تابعة ورصينة ولكنه كان لا يكفّ عن التّصنّت إلى مكالماتي حتّى حرّمت الهاتف على نفسي .تأكّدت من ذلك عندما وضعت على ذمّتي خطّين وفتحتهما في نفس الوقت فإذا أنا في القصر الرّئاسي وإذا سيادته يتكلم إلى أحد أعوانه ويطلب منه الملفّ الخاصّ بي ،وعندما تفطّن إلى أنّني أسمعه سبّ الجلالة وصفع الموظّف الواقف أمامه ولم تمض إلاّ ثلاثة أيّام حتّى ثار عليه الشعب و فرّ بجلده باحثا عن بلد يستقبله.
تعليق