[align=right]فكرت ذات فراغ لو أنّ حدثا سخيفا يفرغني من إحساسي بالزّمان والمكان،وجرّني على حين غفلة منّي إلى دهاليز اليأس ثمّ أعود إلى شيء حصل : كصفعة تلقّيتها منّي على وجهي ، كتمزيق مسودّة لقصّة، أولرواية أفنيت عليها ذبالة عمري....ثمّ حصل ماحصل....../
إستيقظت من كابوس مفزع فجأة، أضأت الغرفة من زر قرب سريري ، تسلّلت من على السّرير بحذر شديد ـ حتّى لا أوقظ زوجتي.طفّأت نوالغرفة وأشعلت مصباح المكتب: كانت السّاعة تشير إلى الثّالثة صباحا، اللّيل ليل الشتاء الطّويل، لم تكف الرّعود طوال هذه الليلة من إثخام المدينة بزعيقها المدوّي.... جلست إلى المكتب أبحث عن مسودّة لقصّة وضعت خطوطها العريضة قبل أيّام، هل كانت لديّ رغبة ما في شيء ما ؟ وجدتها بعد جهد جهيد..!.!تأمّلت البياض العنيد والمستفزّ، فكان عليّ أن أحضر كأس قهوة سوداء سريعة... إندفعت كالصّاروخ إلى بهو الشقّة...لم أكلّف نفسي عناء البحث عن الزّرّ الكهربائي أضيء به مابين المكتب والمطبخ. ثمّ كانت الكارثة ! الخيط الّذي يربط التلفاز بمأخد الكهرباء في الجدار ، لم يفصل بعد العشاء ،والّذي أصرّت زوجتي ـ حفظها الله وشملها برعايته ـ أن يكون سريعا ، ودون الجلوس إلى مسرحيّة هزليّة ، جعلتها ضمن برامجي الموعودة قبل أسبوع . خطوة ..خطوتان...قدماي تشتبك بالخيط الواصل ، الّذي ضننته للوهلة الاولى : أفعى..قفزت مذعورا. ، ثمّ سمعت حركة..حركتان وإرتطام عنيف بأرضية الصّالون..ثمّ شلاّل من أصوات وهدير تكسّر الزّجاج...أعقب ذلك صراخ ينبعث من غرفة النّوم.. إنّه حقّا صراخ زوجتي ، التي لم تعرف بماذا إبتليت.!.أضأت الصّالون ،" ليس ثمّة شيء يا حبيبتي"...!. وقفت كالصّنم قليلا ، حتّى استعاد شخيرها حيويّته ، ثمّ هبطت بنظري إلى الارض : كان التّلفاز في عداد النّفايات أو تقريبا..!.هل ارتبكت ؟ أوأنستني هذه الطّامّة الكبرى ـ كما سمّتها زوجتي ـ هدفي الاسمى كأس قهوة سوداء سريعة ؟ تشعل فيّ وكالعادة الرّغبة في منازلة البياض والارتقاء الى عوالم النّشوة والمتعة اللانهائية : جنّة الكلمة..؟. هي القهوة إذن...؟ دلفت إلى المطبخ ، كان همّي الوحيد : إعداد الكأس الحلم..؟ هذه المرّة ، بدأت بالزّرّ الكهربائي ، فتحت صنبور الماء ، ولاقطرة مكّنتني من نفسها ، بحثت في الاكواب علّ وعسى ، لم أجد . فتّشت كلّ زوايا المطبخ ، لم يفتني البحث في المرحاض.! لم أجد بدّا من إستعمال( .....)إذا اقتضت الضّرورة ذلك. مبرّري الوحيد إعداد الكأس:الحبيبة..لكني وجدت نفسي غبيّا فجأة...السّماء مازالت تمطر..فتحت نافذة المطبخ ، مددت الكوب...لحظات وامتلأ ...سكبت مقدار الكأس في الغلاّية ، وضعته على الموقد ، ثم تفاجأت بانقطاع التّيّار الكهربائي !! الرعد مازال يقصف المدينة بوابل من الزّعيق ، ويمزّق السّكون المفتعل ، بخنجره المزلزل..جلست تقرفصا في زاوية من زوايا المطبخ شبه منهار أومنهار تماما ، أفكّر في حيلة ما.. أردت أن أصرخ..لكن لماذا ؟ فقط ، عليّ أن أبحث عن ولاّعة الموقد، أوعن عود ُثقاب...بحثت في كلّ الرّفوف بحذر شديد..حتّى أتّقي شيئا ما قد يحدث... لكنّه حدث !!! رزمة صحون زجاجية وأخرى خزفيّة هي كل ما تملك زوجتي وادّخرته لحفل العقيقة ، لمولود تقول زوجتي أنّه سيكون ّذكرا بإذن الله ، وأنا أدرك أنه فات الأوان لحلم مازال يعشعش في مخيّلة زوجتي ، وقد قلت لها مرارا : أنّك يا زوجتي العزيزة على مشارف الخمسين ! قالت دون أن تفارق الإبتسامة شفتيها الذّابلتين : لاييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون..:إنهارت الأطباق والصّحون وتلتها رزنامة من الكؤوس والأكواب ، لم أكن أعلم أنّ زوجتي تمتلك كلّ هذه الأواني الّتي أصبحت الاَن في خبركان..! فقط كان لديّ اعتقاد أن زوجتي كانت تزور جيوب سروالي الذي أعلّقه عادة قرب سرير النّوم فور عودتي من العمل ، الّذي بعد عشرين عاما ماوفّرت منه غير إسمي الٍرّسمي : موظف.! . كان الظّلام حالكا ، إلى جانب قدميّ فتات ذخائر زوجتي ، .صوت السّقوط الحرّ القوي لهذه الأواني كان مرعبا..، وكنت متأكّدا بما لايدع مجالا للشّكّ أنّ زوجتي سمعت بكارثة المطبخ كذلك ،واستوعبتها، سكنت حينا ، ثمّ استيقظت ، ونفضت عن مخيّلتي هذا الوجع..! وهي عادتي دائما ، ليس احتسابا أوصبرا منّي ، كما هي عادة الكبار الصّابرين على النّوازل - وللأسف - تجاهلت ما وقع ، وانطلقت أبحث عن ولاّعة سجائري ، حيث لم يغب عن ذهني إعداد كأس قهوة سوداء ، حتّى لو كلّفني ذلك كلّ ما أملك وما لا أملك !ربّما صرخت في عمق دواخلي..؟ : هات..هات ماعندك..كلّ ماعندك ، هذه اللّيلة عرس لكلّ النّوازل والزّلازل والمصائب والنّوائب..!! ..لمن وجّهت هذا السّؤال؟ من ألمخاطب ؟ لا أدري.... تذكّرت أنّ ولاّعة سجائري في جيب سترتي...وعليّ أن أقطع الصّالون إلى غرفة النّوم مرورا بسرير زوجتي الّذي أصبح حكرا عليها منذ أن إبتليت بمصيبة الكتابة اللّيليّة . فكّرت مليا..: :لماذا..؟...التّيّار ..لو .. كيف ؟ دلفت بحذر شديد كأنّني أتمشّى على البيض.!..لم يحدث شيء . أو هكذا ظننت....متأكّد أنّ زوجتي سمعت بكارثتي الصّالون والمطبخ ، وسوف تتّخذ قرارا ما ..وربّما اتّخذته.... قطّتي الوحيدة ، كنت نسيتها ..، كانت تحب النّوم قرب السّرير... كان عليها على الأقل أن تضمّ ذَنَبها إلى جسدها كما هي عادة القطط . خطواتي محسوبة وأنا أدلف الغرفة : خطوات مستقيمة تنمّ عن أنّي أعرف إلى أين تنتهي أصابع قدماي...رغم الظّلام الحالك .... المواء الشّديد للقطّة الظالمة نفسها .من جرّاء وضع رجلي من خطوة غير مظبوطة على ذنبها، أفزعني وأربك حركات جسدي كلّه...قفزت من مكاني ...أخيرا لطف الله تدخل ...لولاه لكان أغلى شيء عندي في عداد النّفايات ..:طاولة من زجاج عليها مزهريّة من خزف نفيس ونادر قربها صورة تذكاريّة لي مع زوجتي ليلة العرس الّتي مضى عليها أكثر من عشرين سنة دون أن أتمكّن أوربّما لم تتمكّن هي من الإنجاب ..وعلى الطّاولة جهاز راديو ترنزستور، هديّة إليّ من مدير الشّركة الّتي أعمل فيها طيلة زهرة عمري ، كتكريم لي .: أوصاني بعد أن أهداه إليّ أمام أصدقائي الموظّفين ، هامسا في أذني : "بإمكاني أن أسألك عنه..!
هل صرخت زوجتي أوإنتفضت غضبا كردّ طبيعي على مواء القطّة الشّديد ، أو زلزلة طاولتها النّادرة ؟...لا..اكتفت باستدارة جسدها المترهّل يمنة ثمّ يسرة....كشفت عن وجهها وهي تشعل مصباحا يدويّا موجّها إلى وجهي ...دون أن تفتح عينيها..:قالت في ألم مبحوح مشوب بالحسرة..: حســبــي اللّه ونـــعــم الوكيل ....!!! لم تضف شيئا ولم أنبس ببنت شفة . كانت لديّ رغبة ما في الإنتقام من القطّة الملعونة ، لكنّي تذكّرت أنّ غايتي كأس قهوة سوداء !...وقفت كالصّنم ، أستجدي ألفة هاربة منّي ، ولو كانت مصطنعة ،...القطّة تستعيد هرهرتها بالتّناوب مع شخير زوجتي..أخيرا نامت ....تقدّمت نحو مشجب الملابس ..فتّشت جيوب سترتي واحدا واحدا ، لم أعثر على الولاّعة...أخيرا إنفجرت .!.: أين أنت يا ملعونة..؟ " إنّها في جيب سروالك ....حسبي الله ونعم الوكيل.."...:قالت زوجتي بصوت ممزوج بالشّخير..العجوز لم تنم ! إذن شخيرها مصطنع..!.أعرف جيّدا أنّ العجوز تتلذذ بكل ما حلّ بي في هذه اللّيلة التّافهة !! وليكن... أخيرا عاد التّيّار الكهربائي، أخذت الولاّعة وقصدت المطبخ هرولة..كان بالامكان في أحسن الاحوال أن تكون قنّينة الغاز فارغة فجأة ، أوأن تكون بطّارية ولاّعتي فاسدة...أوأن تهبّ الرّيح من مكان ما شاءت فلا تسمح للموقد بالاشتعال ، أو ان أُسقِط الغلاّية فيندلق فجأة كوب الماء اليتيم ..وفي أسوء الاحوال أن تجتمع كلّ هذه الاحتمالات في رصاصة رحمة تأتي على ما تبقّى من صبري واصطباري....أخيرا أعددت الكأس ، شممت نكهة القهوة في نشوة مفتعلة ، واندفعت إلى المكتب ..مكتبي ..وضعت الكوب جانبا ...أوقدت سيجارتي في لهفة مبالغ فيها كأنّني فطمت منها لسنين ..أخذت القلم ، وتأمّلت من أين أبدأ..وكيف؟..القصّة تقترب من نهايتها... السّاعة تشير إلى الخامسة والنّصف صباحا .عبّأت رئتاي من شهقة ضخمة ومكثّفة من سيجارتي الخامسة ....كتبت وشطّبت... ثمّ كتبت وتبّثت..وووو...
أزيز ذبابة يبدأ في الاشتعال فجأة . بينما طفّأت سيجارتي الثّامنة في المرمدة.. الذّبابة الآتية من نوم مجهض تحوم حولي ، غابت قليلا ثمّ رجعت ..لم أعرها أيّ اهتمام... لكنّها سرعان ما أصرّت أن يكون مدار إستطلاعها..هو منضدة مكتبي ..أخيرا هاهي تحوم حول كأسي اليتيمة...حاولت إبعادها ببرود ...ثمّ بعصبيّة ونرفزة نزعت قميصي ولوّحت به عليها... إزداد الأزيز كثافة واستفزازا ...بضربة قويّة من يدي التي تمسك بالقلم.. ظننت أنّني أصبت الهدف..طارت فجأة وانذلق ما في الكأس من القهوة السّوداء...على أوراقي ....على مشروع قصّتي...تابعت سيل القهوة على البياض....لكنّي تداركته، بوضعي لنقطة النّهاية لقصّة لم تبدأ بعد ...!!!
بلقاسم إدير 2003[/align]
إستيقظت من كابوس مفزع فجأة، أضأت الغرفة من زر قرب سريري ، تسلّلت من على السّرير بحذر شديد ـ حتّى لا أوقظ زوجتي.طفّأت نوالغرفة وأشعلت مصباح المكتب: كانت السّاعة تشير إلى الثّالثة صباحا، اللّيل ليل الشتاء الطّويل، لم تكف الرّعود طوال هذه الليلة من إثخام المدينة بزعيقها المدوّي.... جلست إلى المكتب أبحث عن مسودّة لقصّة وضعت خطوطها العريضة قبل أيّام، هل كانت لديّ رغبة ما في شيء ما ؟ وجدتها بعد جهد جهيد..!.!تأمّلت البياض العنيد والمستفزّ، فكان عليّ أن أحضر كأس قهوة سوداء سريعة... إندفعت كالصّاروخ إلى بهو الشقّة...لم أكلّف نفسي عناء البحث عن الزّرّ الكهربائي أضيء به مابين المكتب والمطبخ. ثمّ كانت الكارثة ! الخيط الّذي يربط التلفاز بمأخد الكهرباء في الجدار ، لم يفصل بعد العشاء ،والّذي أصرّت زوجتي ـ حفظها الله وشملها برعايته ـ أن يكون سريعا ، ودون الجلوس إلى مسرحيّة هزليّة ، جعلتها ضمن برامجي الموعودة قبل أسبوع . خطوة ..خطوتان...قدماي تشتبك بالخيط الواصل ، الّذي ضننته للوهلة الاولى : أفعى..قفزت مذعورا. ، ثمّ سمعت حركة..حركتان وإرتطام عنيف بأرضية الصّالون..ثمّ شلاّل من أصوات وهدير تكسّر الزّجاج...أعقب ذلك صراخ ينبعث من غرفة النّوم.. إنّه حقّا صراخ زوجتي ، التي لم تعرف بماذا إبتليت.!.أضأت الصّالون ،" ليس ثمّة شيء يا حبيبتي"...!. وقفت كالصّنم قليلا ، حتّى استعاد شخيرها حيويّته ، ثمّ هبطت بنظري إلى الارض : كان التّلفاز في عداد النّفايات أو تقريبا..!.هل ارتبكت ؟ أوأنستني هذه الطّامّة الكبرى ـ كما سمّتها زوجتي ـ هدفي الاسمى كأس قهوة سوداء سريعة ؟ تشعل فيّ وكالعادة الرّغبة في منازلة البياض والارتقاء الى عوالم النّشوة والمتعة اللانهائية : جنّة الكلمة..؟. هي القهوة إذن...؟ دلفت إلى المطبخ ، كان همّي الوحيد : إعداد الكأس الحلم..؟ هذه المرّة ، بدأت بالزّرّ الكهربائي ، فتحت صنبور الماء ، ولاقطرة مكّنتني من نفسها ، بحثت في الاكواب علّ وعسى ، لم أجد . فتّشت كلّ زوايا المطبخ ، لم يفتني البحث في المرحاض.! لم أجد بدّا من إستعمال( .....)إذا اقتضت الضّرورة ذلك. مبرّري الوحيد إعداد الكأس:الحبيبة..لكني وجدت نفسي غبيّا فجأة...السّماء مازالت تمطر..فتحت نافذة المطبخ ، مددت الكوب...لحظات وامتلأ ...سكبت مقدار الكأس في الغلاّية ، وضعته على الموقد ، ثم تفاجأت بانقطاع التّيّار الكهربائي !! الرعد مازال يقصف المدينة بوابل من الزّعيق ، ويمزّق السّكون المفتعل ، بخنجره المزلزل..جلست تقرفصا في زاوية من زوايا المطبخ شبه منهار أومنهار تماما ، أفكّر في حيلة ما.. أردت أن أصرخ..لكن لماذا ؟ فقط ، عليّ أن أبحث عن ولاّعة الموقد، أوعن عود ُثقاب...بحثت في كلّ الرّفوف بحذر شديد..حتّى أتّقي شيئا ما قد يحدث... لكنّه حدث !!! رزمة صحون زجاجية وأخرى خزفيّة هي كل ما تملك زوجتي وادّخرته لحفل العقيقة ، لمولود تقول زوجتي أنّه سيكون ّذكرا بإذن الله ، وأنا أدرك أنه فات الأوان لحلم مازال يعشعش في مخيّلة زوجتي ، وقد قلت لها مرارا : أنّك يا زوجتي العزيزة على مشارف الخمسين ! قالت دون أن تفارق الإبتسامة شفتيها الذّابلتين : لاييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون..:إنهارت الأطباق والصّحون وتلتها رزنامة من الكؤوس والأكواب ، لم أكن أعلم أنّ زوجتي تمتلك كلّ هذه الأواني الّتي أصبحت الاَن في خبركان..! فقط كان لديّ اعتقاد أن زوجتي كانت تزور جيوب سروالي الذي أعلّقه عادة قرب سرير النّوم فور عودتي من العمل ، الّذي بعد عشرين عاما ماوفّرت منه غير إسمي الٍرّسمي : موظف.! . كان الظّلام حالكا ، إلى جانب قدميّ فتات ذخائر زوجتي ، .صوت السّقوط الحرّ القوي لهذه الأواني كان مرعبا..، وكنت متأكّدا بما لايدع مجالا للشّكّ أنّ زوجتي سمعت بكارثة المطبخ كذلك ،واستوعبتها، سكنت حينا ، ثمّ استيقظت ، ونفضت عن مخيّلتي هذا الوجع..! وهي عادتي دائما ، ليس احتسابا أوصبرا منّي ، كما هي عادة الكبار الصّابرين على النّوازل - وللأسف - تجاهلت ما وقع ، وانطلقت أبحث عن ولاّعة سجائري ، حيث لم يغب عن ذهني إعداد كأس قهوة سوداء ، حتّى لو كلّفني ذلك كلّ ما أملك وما لا أملك !ربّما صرخت في عمق دواخلي..؟ : هات..هات ماعندك..كلّ ماعندك ، هذه اللّيلة عرس لكلّ النّوازل والزّلازل والمصائب والنّوائب..!! ..لمن وجّهت هذا السّؤال؟ من ألمخاطب ؟ لا أدري.... تذكّرت أنّ ولاّعة سجائري في جيب سترتي...وعليّ أن أقطع الصّالون إلى غرفة النّوم مرورا بسرير زوجتي الّذي أصبح حكرا عليها منذ أن إبتليت بمصيبة الكتابة اللّيليّة . فكّرت مليا..: :لماذا..؟...التّيّار ..لو .. كيف ؟ دلفت بحذر شديد كأنّني أتمشّى على البيض.!..لم يحدث شيء . أو هكذا ظننت....متأكّد أنّ زوجتي سمعت بكارثتي الصّالون والمطبخ ، وسوف تتّخذ قرارا ما ..وربّما اتّخذته.... قطّتي الوحيدة ، كنت نسيتها ..، كانت تحب النّوم قرب السّرير... كان عليها على الأقل أن تضمّ ذَنَبها إلى جسدها كما هي عادة القطط . خطواتي محسوبة وأنا أدلف الغرفة : خطوات مستقيمة تنمّ عن أنّي أعرف إلى أين تنتهي أصابع قدماي...رغم الظّلام الحالك .... المواء الشّديد للقطّة الظالمة نفسها .من جرّاء وضع رجلي من خطوة غير مظبوطة على ذنبها، أفزعني وأربك حركات جسدي كلّه...قفزت من مكاني ...أخيرا لطف الله تدخل ...لولاه لكان أغلى شيء عندي في عداد النّفايات ..:طاولة من زجاج عليها مزهريّة من خزف نفيس ونادر قربها صورة تذكاريّة لي مع زوجتي ليلة العرس الّتي مضى عليها أكثر من عشرين سنة دون أن أتمكّن أوربّما لم تتمكّن هي من الإنجاب ..وعلى الطّاولة جهاز راديو ترنزستور، هديّة إليّ من مدير الشّركة الّتي أعمل فيها طيلة زهرة عمري ، كتكريم لي .: أوصاني بعد أن أهداه إليّ أمام أصدقائي الموظّفين ، هامسا في أذني : "بإمكاني أن أسألك عنه..!
هل صرخت زوجتي أوإنتفضت غضبا كردّ طبيعي على مواء القطّة الشّديد ، أو زلزلة طاولتها النّادرة ؟...لا..اكتفت باستدارة جسدها المترهّل يمنة ثمّ يسرة....كشفت عن وجهها وهي تشعل مصباحا يدويّا موجّها إلى وجهي ...دون أن تفتح عينيها..:قالت في ألم مبحوح مشوب بالحسرة..: حســبــي اللّه ونـــعــم الوكيل ....!!! لم تضف شيئا ولم أنبس ببنت شفة . كانت لديّ رغبة ما في الإنتقام من القطّة الملعونة ، لكنّي تذكّرت أنّ غايتي كأس قهوة سوداء !...وقفت كالصّنم ، أستجدي ألفة هاربة منّي ، ولو كانت مصطنعة ،...القطّة تستعيد هرهرتها بالتّناوب مع شخير زوجتي..أخيرا نامت ....تقدّمت نحو مشجب الملابس ..فتّشت جيوب سترتي واحدا واحدا ، لم أعثر على الولاّعة...أخيرا إنفجرت .!.: أين أنت يا ملعونة..؟ " إنّها في جيب سروالك ....حسبي الله ونعم الوكيل.."...:قالت زوجتي بصوت ممزوج بالشّخير..العجوز لم تنم ! إذن شخيرها مصطنع..!.أعرف جيّدا أنّ العجوز تتلذذ بكل ما حلّ بي في هذه اللّيلة التّافهة !! وليكن... أخيرا عاد التّيّار الكهربائي، أخذت الولاّعة وقصدت المطبخ هرولة..كان بالامكان في أحسن الاحوال أن تكون قنّينة الغاز فارغة فجأة ، أوأن تكون بطّارية ولاّعتي فاسدة...أوأن تهبّ الرّيح من مكان ما شاءت فلا تسمح للموقد بالاشتعال ، أو ان أُسقِط الغلاّية فيندلق فجأة كوب الماء اليتيم ..وفي أسوء الاحوال أن تجتمع كلّ هذه الاحتمالات في رصاصة رحمة تأتي على ما تبقّى من صبري واصطباري....أخيرا أعددت الكأس ، شممت نكهة القهوة في نشوة مفتعلة ، واندفعت إلى المكتب ..مكتبي ..وضعت الكوب جانبا ...أوقدت سيجارتي في لهفة مبالغ فيها كأنّني فطمت منها لسنين ..أخذت القلم ، وتأمّلت من أين أبدأ..وكيف؟..القصّة تقترب من نهايتها... السّاعة تشير إلى الخامسة والنّصف صباحا .عبّأت رئتاي من شهقة ضخمة ومكثّفة من سيجارتي الخامسة ....كتبت وشطّبت... ثمّ كتبت وتبّثت..وووو...
أزيز ذبابة يبدأ في الاشتعال فجأة . بينما طفّأت سيجارتي الثّامنة في المرمدة.. الذّبابة الآتية من نوم مجهض تحوم حولي ، غابت قليلا ثمّ رجعت ..لم أعرها أيّ اهتمام... لكنّها سرعان ما أصرّت أن يكون مدار إستطلاعها..هو منضدة مكتبي ..أخيرا هاهي تحوم حول كأسي اليتيمة...حاولت إبعادها ببرود ...ثمّ بعصبيّة ونرفزة نزعت قميصي ولوّحت به عليها... إزداد الأزيز كثافة واستفزازا ...بضربة قويّة من يدي التي تمسك بالقلم.. ظننت أنّني أصبت الهدف..طارت فجأة وانذلق ما في الكأس من القهوة السّوداء...على أوراقي ....على مشروع قصّتي...تابعت سيل القهوة على البياض....لكنّي تداركته، بوضعي لنقطة النّهاية لقصّة لم تبدأ بعد ...!!!
بلقاسم إدير 2003[/align]
تعليق