هلوسة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • شاكرين السامرائي
    أديبة وكاتبة
    • 15-06-2012
    • 574

    هلوسة


    هلوسة


    لا تخف يا صغيري ستكون بخير, هذا ما قالته صاحبتنا الشابة و هي تحتضن صغيرها بين ذراعيها. مضت ساعات و هي تنتظر دورها للدخول لعيادة الطبيب.

    أي عتمة هذه؟!! مصباح وحيد خافت الإضاءة في غرفة انتظار جدرانها بلون رمادي داكن, السقف قليل الارتفاع إلى درجة تستطيع لمسه بيدها. أريكة وحيدة أمامها يجلس عليها رجل عجوز يتكأ برأسه على عصاه يحركه بهدوء يمينا و شمالا, بدا و كأنه يتألم أو يأسف على شيء ما, تجلس بجانبه امرأة في الخمسين من العمر ممتلئة الجسم تسند يديها على بطنها المنتفخ, المرأة تميل برأسها قليلا نحو الرجل العجوز و تتمتم بكلمات. أدارت الشابة رأسها نحو يمين الغرفة حيث شاشة التلفاز تغطي الجدار. تعرض شريطا لصحراء قاحلة و أفعى صغيرة تتلوى و ضحكات حلوة لولد صغير.

    كيف حالك الآن؟ في أي الأيام نحن؟؟؟ اليوم؟؟
    سؤال طرحته السكرتيرة الضئيلة الحجم و هي تتحدث عبر هاتفها النقال, هي تجلس خلف مكتب كبير الحجم يسار الغرفة و تحدق أمامها حيث أوراق بيضاء وتمسك بقلم مكسور. الغرفة باردة و تزداد عتمة, هو المساء! اتجهت صاحبتنا بالنظر صوب النافذة, كانت مفتوحة على مصراعيها و لكن جدران من حجر تسدها من الخارج. هناك ما يكبل أرجلها لا تستطيع الحركة ربما هو البرد, لأحكم دثار الصغير, دقائق و نصل, سنكون بخير.
    تشعر بالعطش, مسحت صاحبتنا حبات العرق التي تناثرت على جبينها مع أن مكيف الهواء كان يرسل بتيارات من هواء بارد, عجبا لكنه الشتاء!!! خرطوم التصريف لمكيف الهواء كان يصب الماء داخل الغرفة, تكاد تسمع قطرات الماء و هي ترتطم على الأرضية الجرداء, قطرة تلو الأخرى, و أخذت ساقية صغيرة من الماء تتشكل و تتجه بهدوء إلى وسط الغرفة. آلم كوخز الإبر في مرفقها.

    في أي الأيام نحن؟ اليوم؟
    فتحت باب العيادة بقوة صفعت الجدار و شع نور قوي, أشاحت صاحبتنا بوجهها عن الضوء و أغمضت عينيها, دوي يصم الأذان, أنين و صرخة آلم مكتومة, ضغطت الصغير بين ذراعيها, أسرعت السكرتيرة نحو الباب و أغلقته. لملمت الورق المتناثر ثم تناولت الهاتف مرة أخرى و كأن شيئا لم يكن. الرجل العجوز كما هو و المرأة تتمتم بكلماتها. هو الألم في مرفقها كوخز الإبر. أفعى صغيرة تتلوى, ضحكات الطفل الصغير. تشعر بحركة غريبة أرض الغرفة تتحرك من تحتها و تميد بها, المكان يدور بسرعة حولها, تمسكت بحافة الكرسي الذي تجلس عليه, أوقفوه سيرتطم الجدار بنا, دوي هائل, العتمة. احتضنت طفلها بقوة, لا تخف يا صغيري ستكون بخير.

    كيف حالك الآن؟ في أي الأيام نحن؟؟؟ اليوم؟؟
    السكرتيرة لا زالت تتحدث عبر الهاتف و ترسم خطوطا و دوائر على أوراقها البيضاء, لكنه القلم المكسور!
    البرودة تغزو جسدها كله لا تستطيع أن تتحرك, الصغير ينام بهدوء بين ذراعيها. قطرات الماء لا زالت تتساقط قطرة تلو الأخرى, الماء يرتفع, يغرق قدميها و لا زال يرتفع, ليتها تستطيع الحركة. الرجل العجوز على جلسته و المرأة بجانبه لا زالت تتمتم. الماء يصل إلى حافة النافذة, تلك الأفعى تتلوى و يضحك الولد الصغير.

    كيف حالك الآن؟ في أي الأيام نحن؟ اليوم؟؟ فتحت باب العيادة مرة ثانية و شع النور القوي, دوي يصم الآذان و صرخة الألم المكتوم. جسمها المكبل بالبرد يمنعها من الحراك. في أي يوم نحن؟ في أي يوم نحن؟؟ تبا لكن أي يوم!

    هو نهاية الأسبوع و عليها أن تأخذ طفلها إلى بيت جده و جدته. قطرات المطر تتساقط على نوافذ السيارة قطرة تلو الأخرى. الصغير بجانبها يضحك, أبعدها عني أنا أخاف الأفاعي, كان يلاعبها و يخيفها بأفعى بلاستيكية.
    هبط المساء, زاد المطر من طرقاته على نوافذ و جوانب السيارة, الريح العاصف تهز الأشجار و أعمدة الكهرباء, العتمة تغزو المكان. لا تخف يا صغيري دقائق و نصل و نكون بخير. نور قوي لسيارة ضخمة من جهة اليسار, دوي هائل, سيارتها تدور لا تستطيع إيقافها, الهي سترتطم بالجدار الحجري, عتمة و آلم حاد.

    قدماها مكبلتان لا حرك لهما, والدها يجلس إمامها يتكأ برأسه على عصاه, و والدتها تهمس بصوت خافت, من سيخبرها بما جرى؟ من سيخبرها بموت الصغير؟؟
    لا باس عليك عزيزتي, هذا ما قالته الممرضة الضئيلة الحجم و هي تمسك بسجل أبيض؟ كيف حالك الآن؟ هل تعرفين في أي الأيام نحن؟ الألم يزداد عند المرفق حيث خرطوم المغذي يرسل بقطراته رويدا رويدا, السرير يميد من تحتها و البرودة تغزو جسدها.
    طوقت صاحبتنا وسادة بين ذراعيها و هي تردد بأنين مكتوم, لا تخف يا صغيري ستكون بخير.


    تحياتي – شاكرين السامرائي
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة شاكرين السامرائي مشاهدة المشاركة
    هلوسة


    لا تخف يا صغيري ستكون بخير, هذا ما قالته صاحبتنا الشابة و هي تحتضن صغيرها بين ذراعيها. مضت ساعات و هي تنتظر دورها للدخول لعيادة الطبيب.

    أي عتمة هذه؟!! مصباح وحيد خافت الإضاءة في غرفة انتظار جدرانها بلون رمادي داكن, السقف قليل الارتفاع إلى درجة تستطيع لمسه بيدها. أريكة وحيدة أمامها يجلس عليها رجل عجوز يتكأ برأسه على عصاه يحركه بهدوء يمينا و شمالا, بدا و كأنه يتألم أو يأسف على شيء ما, تجلس بجانبه امرأة في الخمسين من العمر ممتلئة الجسم تسند يديها على بطنها المنتفخ, المرأة تميل برأسها قليلا نحو الرجل العجوز و تتمتم بكلمات. أدارت الشابة رأسها نحو يمين الغرفة حيث شاشة التلفاز تغطي الجدار. تعرض شريطا لصحراء قاحلة و أفعى صغيرة تتلوى و ضحكات حلوة لولد صغير.

    كيف حالك الآن؟ في أي الأيام نحن؟؟؟ اليوم؟؟
    سؤال طرحته السكرتيرة الضئيلة الحجم و هي تتحدث عبر هاتفها النقال, هي تجلس خلف مكتب كبير الحجم يسار الغرفة و تحدق أمامها حيث أوراق بيضاء وتمسك بقلم مكسور. الغرفة باردة و تزداد عتمة, هو المساء! اتجهت صاحبتنا بالنظر صوب النافذة, كانت مفتوحة على مصراعيها و لكن جدران من حجر تسدها من الخارج. هناك ما يكبل أرجلها لا تستطيع الحركة ربما هو البرد, لأحكم دثار الصغير, دقائق و نصل, سنكون بخير.
    تشعر بالعطش, مسحت صاحبتنا حبات العرق التي تناثرت على جبينها مع أن مكيف الهواء كان يرسل بتيارات من هواء بارد, عجبا لكنه الشتاء!!! خرطوم التصريف لمكيف الهواء كان يصب الماء داخل الغرفة, تكاد تسمع قطرات الماء و هي ترتطم على الأرضية الجرداء, قطرة تلو الأخرى, و أخذت ساقية صغيرة من الماء تتشكل و تتجه بهدوء إلى وسط الغرفة. آلم كوخز الإبر في مرفقها.

    في أي الأيام نحن؟ اليوم؟
    فتحت باب العيادة بقوة صفعت الجدار و شع نور قوي, أشاحت صاحبتنا بوجهها عن الضوء و أغمضت عينيها, دوي يصم الأذان, أنين و صرخة آلم مكتومة, ضغطت الصغير بين ذراعيها, أسرعت السكرتيرة نحو الباب و أغلقته. لملمت الورق المتناثر ثم تناولت الهاتف مرة أخرى و كأن شيئا لم يكن. الرجل العجوز كما هو و المرأة تتمتم بكلماتها. هو الألم في مرفقها كوخز الإبر. أفعى صغيرة تتلوى, ضحكات الطفل الصغير. تشعر بحركة غريبة أرض الغرفة تتحرك من تحتها و تميد بها, المكان يدور بسرعة حولها, تمسكت بحافة الكرسي الذي تجلس عليه, أوقفوه سيرتطم الجدار بنا, دوي هائل, العتمة. احتضنت طفلها بقوة, لا تخف يا صغيري ستكون بخير.

    كيف حالك الآن؟ في أي الأيام نحن؟؟؟ اليوم؟؟
    السكرتيرة لا زالت تتحدث عبر الهاتف و ترسم خطوطا و دوائر على أوراقها البيضاء, لكنه القلم المكسور!
    البرودة تغزو جسدها كله لا تستطيع أن تتحرك, الصغير ينام بهدوء بين ذراعيها. قطرات الماء لا زالت تتساقط قطرة تلو الأخرى, الماء يرتفع, يغرق قدميها و لا زال يرتفع, ليتها تستطيع الحركة. الرجل العجوز على جلسته و المرأة بجانبه لا زالت تتمتم. الماء يصل إلى حافة النافذة, تلك الأفعى تتلوى و يضحك الولد الصغير.

    كيف حالك الآن؟ في أي الأيام نحن؟ اليوم؟؟ فتحت باب العيادة مرة ثانية و شع النور القوي, دوي يصم الآذان و صرخة الألم المكتوم. جسمها المكبل بالبرد يمنعها من الحراك. في أي يوم نحن؟ في أي يوم نحن؟؟ تبا لكن أي يوم!

    هو نهاية الأسبوع و عليها أن تأخذ طفلها إلى بيت جده و جدته. قطرات المطر تتساقط على نوافذ السيارة قطرة تلو الأخرى. الصغير بجانبها يضحك, أبعدها عني أنا أخاف الأفاعي, كان يلاعبها و يخيفها بأفعى بلاستيكية.
    هبط المساء, زاد المطر من طرقاته على نوافذ و جوانب السيارة, الريح العاصف تهز الأشجار و أعمدة الكهرباء, العتمة تغزو المكان. لا تخف يا صغيري دقائق و نصل و نكون بخير. نور قوي لسيارة ضخمة من جهة اليسار, دوي هائل, سيارتها تدور لا تستطيع إيقافها, الهي سترتطم بالجدار الحجري, عتمة و آلم حاد.

    قدماها مكبلتان لا حرك لهما, والدها يجلس إمامها يتكأ برأسه على عصاه, و والدتها تهمس بصوت خافت, من سيخبرها بما جرى؟ من سيخبرها بموت الصغير؟؟
    لا باس عليك عزيزتي, هذا ما قالته الممرضة الضئيلة الحجم و هي تمسك بسجل أبيض؟ كيف حالك الآن؟ هل تعرفين في أي الأيام نحن؟ الألم يزداد عند المرفق حيث خرطوم المغذي يرسل بقطراته رويدا رويدا, السرير يميد من تحتها و البرودة تغزو جسدها.
    طوقت صاحبتنا وسادة بين ذراعيها و هي تردد بأنين مكتوم, لا تخف يا صغيري ستكون بخير.


    تحياتي – شاكرين السامرائي


    الزميلة القديرة
    شاكرين السامرائي
    نص مفعم بالوجع والتوهان
    صورة عشتها معك لحظة بلحظه
    انفجارات ومفخخات وحوادث سير وهلوسة اعترتنا جميعا في لحظة ما وحين تشتد علينا الأحداث وزخمها
    مؤثرة صورة الوليد والوسادة التي احتضنتها البطلة
    وكم ألف أم احتضنت السراب لأنها لم تصدق أن ابنها الصغير أصبح أسير القبور
    وأين أهرب من وجعي شاكرين وقد عاصرت معك الحدث وعشت أكبر منه
    عشنا المأساة الكبيرة
    سعيدة بك وبوجوك سيدتي وبودي أن تشاركي الزميلات والزملاء نصوصهم وتبدين رأيك ورؤيتك دون مجاملة حولها كي تفيدي وتستفيدي
    هلا وغلا بك بيننا نورت ياعيوني
    محبتي لك من بغداد الغالية
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • شاكرين السامرائي
      أديبة وكاتبة
      • 15-06-2012
      • 574

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
      الزميلة القديرة
      شاكرين السامرائي
      نص مفعم بالوجع والتوهان
      صورة عشتها معك لحظة بلحظه
      انفجارات ومفخخات وحوادث سير وهلوسة اعترتنا جميعا في لحظة ما وحين تشتد علينا الأحداث وزخمها
      مؤثرة صورة الوليد والوسادة التي احتضنتها البطلة
      وكم ألف أم احتضنت السراب لأنها لم تصدق أن ابنها الصغير أصبح أسير القبور
      وأين أهرب من وجعي شاكرين وقد عاصرت معك الحدث وعشت أكبر منه
      عشنا المأساة الكبيرة
      سعيدة بك وبوجوك سيدتي وبودي أن تشاركي الزميلات والزملاء نصوصهم وتبدين رأيك ورؤيتك دون مجاملة حولها كي تفيدي وتستفيدي
      هلا وغلا بك بيننا نورت ياعيوني
      محبتي لك من بغداد الغالية

      كم اسعدني وجودك هنا بين حروفي أديبتنا الغالية,, سررت بكلماتك,, بأذن الله اشارك الادباء و الكتاب مواضيعهم في ملتقانا الثقافي الرائع هذا,, لك تقديري و أحترامي و شكري من هنا من قلب بغداد,,, تحياتي

      تعليق

      • شمس الموعود
        عضو الملتقى
        • 10-06-2012
        • 31

        #4
        القصة مؤلمة جدا

        الام الثكلى تتابع انفاس وهمية من غير ان تعلم ..مؤلم جداً

        راق لي ما نثره قلمك هنا

        تعليق

        • شاكرين السامرائي
          أديبة وكاتبة
          • 15-06-2012
          • 574

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة شمس الموعود مشاهدة المشاركة
          القصة مؤلمة جدا

          الام الثكلى تتابع انفاس وهمية من غير ان تعلم ..مؤلم جداً

          راق لي ما نثره قلمك هنا

          عميق امتناني للمرور و جميل المشاركة,,, تحياتي و تقديري

          تعليق

          يعمل...
          X