يصعب على المرء أن يتحدث عن نفسه أن كم من المفردات تكفي و كم من الجمل يمكن تجميعها لإيصال المعنى و كم من فاصلة و نقطة ستشتركان في صنع الأمثلة و نسج الأدلة . الحياة لا يمكن أن تبدأ من وحي العدم فالحياة هي نحن و النحن هو التراكيب و النظم و القوافي التي تصنعها محطة الانتظار و ينقلها قطار الوحدة التي تحيك لك رداء المنفى على مقاسها و تدعوك لترتديه أمام جموع غفيرة من أناس امتزجت طباعهم باللئم و الخير ، بالفضيلة و العرفان أو بالتنكر و الظلم .و عندما تقف أمام الحشود تبتسم لتبكي و تخطو خطوات إلى الخلف لتجلس و تنتظر كيف سينتهي هذا المشهد الذي تجهل إن كنت أنت بطله أم أنك ستكون مثالا عن حب افتقدته و نفس تهذي بداخله عدت لتغلغلها بعد أن جزعت و هربت منك .تقدمت صاحبة الجلالة صاحبة الدعوة و طلبت أن أتحدث عن ما يجول بفكري و أنا التي جيء بي من مخبئي أجهل بعد سبب وجودي لم أتمكن من الحديث و أنا أجهل ما سأقول و الجموع الغفيرة تحملق في وجهي و في مظهري لم أعرض عن الحديث و لكن حديث دار بداخلي أوحى لي بفكرة و هو أن أعبر عن سعادتي لأنني بت أعلم أنني موجودة و أنه لا مناص للتخفي و التنكر و التخلف عن المواعيد الرسمية و الحفلات الصاخبة. و لكن هل لي أن أعرب عن فرحتي و أنا التي كسوت بعباءة سوداء في يوم كهذا و كأني في حداد و ليس بوسعي أن أخمد هذا اللهيب بداخلي الذي يعلن عن ألم دفين اخترق المنصة التي أقف عليها و عبر الحشود و استكان عند كل زاوية .و لاح لي بكلتا يداه من بعيد .كيف لي أن أتخلص من روح العبث و أن أبتسم حتى أبدو في حالة جنون هستيرية .أليس بوسعي قول ما يمكن أن يبدو قويا ليدفعك إلى التمثيل و الترحيب و الضحك .و التعبير عن الامتنان و الشكر الجزيل لأنه جيء بك لتعبر عن شيء لا تشعر أنت بنفسك به .هنا وقفت فاستدارت المنصة فجأة و اختبأت الحشود بعد أن ساد الظلام فعدت إلى روضتي و مكتبي و غرفتي التي لطالما دفعت بي لمواقف مماثلة .فشكرت الحلم الذي جعلني أرتاد أماكن بعيدة فأجزع لأعود لأجلس بهدوء و أبدأ في حياكة رداءي بيدي رداء أطويه و أضعه في درج خزانتي رداء يحكي عن حياتي حكايتي.
عن الطفولة دائما نبدأ فهي التي لطالما تذكرنا من الماضي الذي ألفنا عودته فالكثير منا يحن إلى مقاعد الدراسة الأولى و إلى الصداقات الأولى والى الفساتين الأولى و إلى الأيام الدراسية الأولى التي ولت بدون رجعة فالكثير ما تحثني نفسي أن أوفر لأولادي الجو نفسه .
عادت ذاكرتي لتشتغل و لكن تكتنفي دائما هذه المسحة من الألم لأنها كانت طفولة مريضة فقد بلغت مواطن بعيدة لم أكن لأعود منها لولا إراداة الله الذي أراد أن أبقى إلى جوار أهلي و أن أحيا و لو بذكريات ثقيلة و لكنها تستحق أن تعاش و تحكى . فليس بوسعنا أن نحيا طفولة ثانية .
لطالما أغفو لأعود و أستفيق حتى لا يفوتني موعد المدرسة و لكن كانت ثقتي كبيرة بوالدتي لأنها كانت تستيقظ باكرا جدا لتحضير الفطور و الاستعداد للذهاب للعمل و كان والدي ينهض بصعوبة لإعداد السيارة حتى يقل أمي لعملها و هي التي كانت تعمل كمدرسة تاريخ و جغرافيا ليعود إلي مسرعا ليجدني أمام باب المنزل أعاتبه في خجل إن تأخر و أركض إلى المدرسة التي لم تكن بعيدة عن بيتنا و هذا ما كان يواسيني . فلم يكن بوسعي مغادرة البيت و ترك أختي الصغرى التي كانت تغط في نوم عميق . خمس دقائق من الركض كانت تكفي لأن أصل و أدخل القسم . لأجلس و أرتاح قليلا .كم كنت أقضي الساعات و أنا أدرس و أنجز الواجبات و كم كنت أختلس الوقت لأخذي قلم الحبر لأخط فواصل زمنية هاربة وأكتب فصول من ذاكرتي التي كانت تزاول عادة الظهور لتستعرض نفسها على أوراقي التي كنت أسافر وراءها فكنت أكتب و أكتب دون شعور مني .فكنت أبدع بسهولة و تغدق علي الكلمات التي أتنسمها دون انتظار . فكم كانت المواضيع كثيرة و كم كنت أكتب و أكتب .
فكنت أحضر لأغيب ،وكم كان الوقت جميل . عندما كنت أخرج لألعب كنت أحبذ لعب دور الأم أو العروس كنت أجيد الأدوار و أتقمصها بإدمان كبير كما كنت أزاول هواية الغناء و التخيل و أبتاع إكسسوارات طفولية و أضعها لتكتمل الصور المشهدية بذاكرتي التي تستحضر الماضي .كم كان الماضي و لا يزال جزءا كبيرا من حياتي التي لا زلت في رحلة البحث عن ذكريات أخرى طالها الغبار .
أنا اليوم أزاول مهنة التعليم بطريقة خاصة ، تلقيت تكويني الأكاديمي في الصحافة و الإعلام هذه المهنة التي أردت أن أجيدها أن أزاولها باحتراف أخاذ . أنا اليوم أتحدث مع نفسي بصوت عال أنتقي المفردات و المواضيع الهادفة و أعاين جوانب الواقع التي تكسوها الضبابية .و تتربص بها العقد .أريد أن أحيا و أعيش فأنا هنا حتى يحين موعد الأجل و لكن قبل أن ينتشلني الموت أريد أن أترك شيئا ينبض . أنيس وحدة من أحبوني و تحدثوا إلي , إلى كل من التقيتم للحظة لدقيقة و ابتسموا لي ثم افترقنا و لم يمهلنا الوقت فرصا لنلتقي من جديد لنعود و نبتسم .كما في المرة الأولى .
طفولتي كانت تحمل الكثير من الضحكات و البكاء الصامت . يوم كسا جسدي الصغير النار و أنا ألعب في المطبخ رفقة ابنة الجيران لتدفع بي فوجدتني أبكي من شدة الألم و أمي هي الأخرى التي أصيبت بحروق خفيفة و هي تسعفني فجزعت و صرخت لأقترب منها و أنا أشاهدها الممرض يداوي حروقها فبكيت لأجلها و نسيت ما حل بي . فقد وجدتني مستلقية و من حولي عدد كبير من الأطباء و الممرضين يركضون في جميع الاتجاهات .جاء جدي و أخذني بسرعة إلى المستشفى و لم أكن أشعر بجسمي الذي انفصل عني . كم كنت صبورة و شجاعة .خرجت من المستشفى لأجدني في غرفة مظلمة لا يصلها النور و امرأة أعترف لها بالجميل فكانت تداوم على المجيء لعلاجي من الحروق .و كم كنت أتألم عندما تبدأ في فصل الجلد المتورم من الحروق عن جسدي فكنت أشعر بألم فأصرخ و أئئن. كانت تزورني بشكل يومي و ما إن أراها أبدأ في البكاء .و أرجوها أن تغادر و تتركني لأستريح و لو ليوم واحد .و لم يكن هناك بديل . فكنت أعيش بمنفى فلم يكن بوسعي التحرك و التحدث و أكل الشكولاطة فكن قريباتي يأتين لي بالمثلجات خفية و يتسللن إلى الغرفة لرؤيتي فيتعرضن للعقوبة لأن حالتي الصحية كانت هشة و لم أكن لأقوى على احتمال وعكة أخرى فلم يكن جسمي ليحتمل المزيد . تعرضت لهذا الحادث و كنت قد خرجت من غيبوبة لأجدني في حالة أخرى ليست أسوأ من الأولى. تعافيت و تماثلت للشفاء ببطئ و لكن لم أعد كما كنت شيء بداخلي هزني فأعرضت عن الحياة و إنزويت و لكن بعد سنوات فقد سجنتني هذه الحالة .و اكتنفني شعور بالاستياء و العزلة و أصبحت كثيرة التفكير ، دائمة المرض ، و حساسة فوق اللزوم .تحديت المرض فعزلني و أغمض عيناي عن ما كان يجري خارج غرفة سجني . فاضمحل جسمي و لكن عدت لألعب و لكن بحذر شديد الجميع بات يخاف الاقتراب مني أو الركض ورائي خوف سقوطي فالجميع بات يرعاني . كنت أجلس في المناضد الأولى و لطالما ذهبت بمخيلتي بحثا عن موطن يأخذ بيدي كنت أمتاز بقراءة جميلة في حصة القراءة . و لطالما رسمت في منزلا بسيطا من الخارج به وادي و تغمره الشمس بضوئها و الأشجار بظلالها و تزهو العصافير التي تقف من أمامه هذا كان رمز الاستقرار و البساطة فالمنزل كان رمزه يجسد تعابير كثيرة . و هو تعلقي بكل معنى يجعلني اشترك في حياتي مع أفراد أسرتي يجمعنا سقف و موطن واحد .كم من الشهادات و التكريمات جزيت ،كم كنت أشعر بالفخر و الاعتزاز عندما أصعد أدراج المنصة و أقف أمام التصفيقات . كم كنت أحب الغناء و لا زلت و كأني أترك كل شيء ورائي و أمسك الشهرة و كل المنافذ التي تأخذني إلى المنصة. فقد نجوت من الموت مرتين و كم كانت تحثني نفسي على تحقيق أحلامي قبل أن أغفو أو أعثر لأجدني في موقف حتمي أمام الموت .عله يأخذني في المرة الثالثة .فالحياة درب من المستحيل و قد يكون الخوض في الحلم ضرب من المستحيل و قد تكون اللغة ريح و ألم و نار و لكن ليست الحياة وهم فلنا أن نمزق بعض السجلات القديمة و الصفحات الخالية و أن نبتعد و أن نختار ما نحب .انغمست في حب الإذاعة و التلفزيون فعدت لأحب الإذاعة بشكل كبير و عدت لأزاول مهنة الإذاعة و عملت لساعات طوال دون أن أشعر بالتعب و الجهد وأنا أزاول مهنة البحث عن المتاعب .مارست التنشيط فكنت أجتهد لأقدم الأحسن في فقراتي الصباحية المتنوعة فكيف لي أنسى و هي أهم المراحل التي مررت بها في حياتي. بدايتي الأولى بالإذاعة كانت من أنجح المراحل لأتحول في وقت وجيز إلى مقدمة برامج أحظى بمتابعة و حظيت بإعجاب ووفاء الكثيرين .من برامجي التي لا زلت أعتز بها برنامج صفحات هذا البرنامج الذي أقلب فيه الصفحات التي تعبر عن مواضيع منوعة أنتقل من المواضيع الاجتماعية إلى الثقافية و كم من الشخصيات المحلية الزاحرة حياتها بالتجارب و المواقف التي أنصفتها ,حاولت أن أحيي ذكراها عسى أن يأتي أحد بعد أن أغيب ليتذكرني . كم من أطباء و محامين و مدرسين كانوا نماذج من العطاء أحبهم الجميع شخصيات لن يتكرر وجودها مرتين.برنامج رجال من هنا شخصيات لم تعد تحيا بين الأحياء ، غادرت الديار و لم تعد أو إذا عادت لا تمكث طويلا شخصيات باحثين اجتهدوا و قدموا الكثير تركوا بصمات و تجارب لا تنبض.و برامج أخرى كبرنامج قضايا تهمنا الذي يعنى بالبرامج الاجتماعية اللصيقة بالواقع .
تجربتي مع الحياة أختزلها في محطات .ذكريات أردتها أن تغادر و لكنها أبت و بقيت رفقتي رغما عني و أخرى لازالت صامتة تزورني ثم ما تلبث أن تغادر بعد أن تترك لي رسائل قديمة تروي تفاصيل لم تكتمل بعد.أجهد نفسي في البحث عن تفاصيل أخرى حتى أنهك و يتغلب علي الإعياء فأنهي المحاولة و أعود لتكرارها.تجربتي مع المرض صعبة و معقدة و لا زالت تلازمنيفي هذه المرحلة بالضبط هنا عادت حياتي لتصنف أوراقها لتزور حوض أسماكها و لتشهد ميلاد تجارب أخرى لا ترضاها هنا تمزقت الألسن و تعادلت الهزات في اضطرابها و عدنا أنا و روحي من جديد بعد أن مررت بومضات موت عسير و رجات هوت بي إلى قاع البحر السحيق و جعلتني أنام على موقد السكون الشاحب مدة خمسة عشر يوما إنها الغيبوبة التي كنت فيها كالطفل السجين لا أتذكر أحلاما مرعبة أو ألاما مبرحة لم أشعر بأحد قربي الشيء الذي أتذكره و أنا في غربة الوجود أنني كنت أسبح مع الأسماك في قاع البحر كانت أسماك ملونة و كانت حركاتها بطيئة و كم كنت أرغب في الخروج من قلاع البحر المدفونة لا يصلها صوت البحارين و لا السفن كنت في سجن غريب أسبح و أجول في نفس الأماكن و كلما انهمكت في التفكير عدت أسأل عن سبب وجودي هنا . مللت و انهكت من ساعات لا تحصى وأنا في حالة من الصمت و الانتظار و الإبحار أتابع و أصاحب حركات الأسماك و اتجاهاتها التي تستدير ثم تنحني و أنا لا أفهم سبب هذا التغير ، كم طالت مدة ترقبي فتعبت و استسلمت إلا أن دفعت بي قوة باطنية إلى فوق أجهل متى و كيف و لكن فور وصولي إلى سطح البحر فتحت عيناي استفقت الآن و كنت على سريري بالمستشفى في غرفة العناية المركزة هنا أدركت أنني كنت في حالة نوم عميق لخطورة وضعي و أنني لم أكن أهذي بل كنت أقاوم الموت فصبرت و لم أستلم إلا أن سحبتني قوة إلهية خفية إلى هنا و عدت لأعيش عمرا آخر .كانت ممرضتي روسية و كانت تدللني و تقضي يومها في مراقبتي و التحدث إلي كانت تأتيني بالبرتقال و الحلوى .جاء يوم أصدقاء والدي و كنت في حال تعب و إغماء قل ما أصحو منه و كنت مستلقية تحت النافذة و أشعر بصعوبة كبيرة في تحريك يداي أو حتى رأسي و كان المصل المغذي الذي وضعوه لي ينقل يبطئ إلى عروقي كانت يداي متورمة لكثرة الإبر التي لطالما أسعفوني بها .و لم أكن أريد النظر إلى حالي فلازمت الفراش و لم أشعر بخطورة الوضع فحالتي كانت لا تزال دقيقة و لذا لم أتمكن من مغادرة المستشفى و بقيت تحت المراقبة .هنا دخل الزوار فبذلت جهدا لجعل عينياي متفتحان و لم تكن ليصلني حديثهم فكنت أبتسم حتى لا أشعرهم بالخجل لم أرى إلا الوجوه و الأجسام تتحرك و تتحدث ببطئ لا أدري كم طالت مدة مكوثهم بغرفتي ليمد أحدهم لي بدمية بمعطف أحمر .كم كانت جميلة و لكن لم يكن باستطاعتي حملها فعندما رغبت في رفعي يداي و مدها لم أستطع فعادت يداي إلي في حركة مرتعشة فرف قلبه وطفح له عجزي الذي لم أتمكن من عزله أو إخفاءه و لو لبعض من الوقت .فاقترب مني ووضعها بين أذرعي فاحتضنتها و نمت و غفوت للحظة و لم أشعر بهم و هم يغادرون .
لم يكن باستطاعتي الاستحمام .فأنا مستلقية دائما ألبس ملابس النوم و قمصانا خفيفة و الحمى لا تفارقني فكانت أنيسي الدائم و عندما أحاول النهوض أو الحراك تخونني قواي و تدفعني حركة في هجوم اضطراري و تعود بي إلى المخدة لأبقى هكذا فأدمنت النوم الثقيل و أصبح شعري الذي خلته طويلا قصيرا مجعدا و أنهض أجد أمي تنتظر الطبيب لفحصي. حرصت أمي منذ طفولتي أن أستقل بغرفة بمفردي كان بها سريران متقابلات مليئة بالدمى و كان حوض سمك بالجدار موضوع رفقة كتب مرتبة .كانت غرفة تنبض بالحياة بها باب يؤدي إلى حديقة البيت أين كانت الأرجوحة و بيت كلبنا الأمين .كنت أقضي ساعات و أنا أدندن و أكتب كنت مولعة بفساتين العرس ذات الشراشف البيضاء .نادرا ما كانت أمي تصطحبني في زياراتها إلى أصدقائها و أقربائها فلم أكن ألح عليها في الخروج فكنت أبقى في البيت أحرص أختي الصغيرة دالي التي تصغرني بخمس سنوات كم كنت أحبها و أدللها فكانت كل ما لدي . أرعاها كثيرا و أقدم لها كل ما تريد أتابع حركاتها و أجفف دموعها و أخطو خطواتها . أمي عانت كثيرا معي و اصطحبتني طويلا في رحلات العلاج العصيب كنت طفلة تهوى اللعب لم أكن أحب المكوث بمفردي كانت تزورني حالات من العتق الوجداني أخرج فيها عن عالمي و أهيم بكل جوارحي أحاول أن أستحضر أحلامي اللطيفة التي لا طالما دعوتها و ناجيتها و تحدثت إليها أحيانا يسكنني صوت طفولي مفضوح.كنت أبتسم عندما أصل إلى عتبة الحلم و أركض عندها في أرجاء بيتي الجميل . كنت مولعة بمشاهدة رسوم الأميرات و أود أن نملك بيتا واسعا به سلالم و غرف في طابقه العلوي كانت هذه رغبتي الطفولية و التي تحققت في وقت وجيز. لم تتمكن والدتي من أن تحمل بعدي بسنوات و لم أتقبل الوضع فكنت أبكي عندما أشعر بالوحدة و أعاتبها لأنها لم تتمكن من إهدائي أختا أخرى كانت تشتري لي الدمى التي تبكي، تغني و تضحك و لكن سرعان ما أملها و أرميها أرضا و أطلب منها أن لا تأتيني بهذه الدمى التي لا تتنفس و لا تتحدث اليك إذا ما طلبت اليها ذلك . كنت ألح في رغبتي أرفض الدمى كنت أريد فهم الحقيقية فكل بنات خالتي كن ينعمن بإخوة و أخوات إلا أنا .تحملت أمي الكثير لأجلي و تحققت رغبتي بعد خمس سنوات . لا زالت أمي اليوم تذكرني بنوبات الغضب تلك و لا زلت أتذكرها اليوم جيدا .كانت دالي طفلة صعبة لا تحب أن يقربها أحد أو يتحدث إليها كانت في هجوم دائم على الضيوف .كانت قريبة جدا إلى والدي تحمل دميتها الطويلة التي تتدلى طوال الوقت فتمسح بها البلاط لطولها و هي تمشي .كانت يداها دائما مشغولتان تحمل بذراعها الأخرى زجاجة الحليب كانت حالمة و متمردة ذكية و مشاكسة .كنت أمضي زمنا طويلا و أنا أقص عليها الأحاجي فتسمع و هي لا تفهم و ما إن تغمض عيناها أتوقف فتشير لي بيدها أو بصوتها المعتاد فلم تكن قد تعلمت النطق بعد فأواصل الغناء. كثيرا ما كنت أخترع قصصا و كلمات أغان بعد أن أفرغ من رواية كل ما عندي و أغني كل ما أحفظ . تنام أخيرا بعد بذل كل ما عندي لأنهض في هدوء أكمل مراجعتي . كانت دالي عقوبة لذيذة في حياتي فلم أبتعد عنها و لم أتخلف عليها فكنت أصطحبها في خرجاتي المسائية و في حفلات أعياد ميلاد الجيران و حتى في نومي . اصطحبتها في يومها الأول إلى مدرستها و خرجت قبلها في المساء و بقيت عند باب المنزل أنتظر دق جرس الفناء الذي كان بإمكاني سماعه بالقرب من البيت .فلم أرغب انتظارها أمام باب المدرسة و ليتني فعلت فقد مر الوقت دون شعور مني و أنا أتحدث لزميلة في المدرسة لتعود بها فتاة في سني و هي تبكي لأنها لم تجدني فحاولت تهدئة الوضع حتى لا تعاقبني أمي و بعد أن نسيت الأمر دخلنا البيت و مر الأمر بسلام و لم أتخلف عنها يوما بعد ذلك .ولادتها لا تنسى أمي استفاقت في الساعات الأولى من الصباح و نقلت إلى المستشفى على وجه السرعة و بقيت رفقة جارتنا دليلة التي سميت دالي على اسمها .لم تنجح جارتنا في تهدئة فقد كان خوفي ظاهر فكتمت بكائي فاستلقت بجانبي على سريري بغرفتي و بقيت تحدثني إلى أن غفوت لتعود أمي رفقة أختي في اليوم الموالي .كانت دليلة لها ثلاث بنات و كانت ليلى أكبرهن كانت طفلة مدللة مثلي فهي كانت مصابة بمرض مزمن مرض الربو و لم تكن حالي أحسن حال منها كانت دليلة جراحة أسنان .كانت أحيانا تطلب مني أن بقى إلى جوار ليلى أحادثها عندما كانت تمرض بعد أن تزورها نوباتها بقوة.فلم يكن بوسعي تركها إلى حين عودة أمها من عملها.
زواج خالي: بقيت ذكراه عالقة بذاكرتي كان أول زواج أحضره وافقت أمي أخيرا على اصطحابي معها و لكن قبل ذلك كان لها أن تشتري لي فستانا للعرس أبيضا يشبه إلى حد ما فستان العروس.جبنا العديد من المحلات و لم يعجبني أيا منها ثم توقفنا أخيرا أمام أحدهم و دخلت و أخيرا وقع اختياري على أحدهم فارتديته و كم غمرتني فرحة عارمة فمن فرط سعادتي خرجت مسرعة به لأريه لزوج عمتي الذي رافقنا بسيارته لشراء الفستان العجيب فما كاد يراني حتى أعجب لمنظره ووقفت أتباهى به في حركات امتزجت بالانفعال و الدهشة بالفرح و الإمتتنان و الرضا .و رأتني إحدى النساء فاقتربت مني و قبلتني في حنان و توجهت لأمي و شكرتها لأنها رغبت في إسعادي .حضرت العرس و أنا أتباهى لجمال فستاني . ووقفت أراقب العروس من باب الغرفة فخجلي لم يكن يسمح لي بدخول الغرفة حتى إذا فكرت في الاستئذان .و هنا نظرت إلي العروس و دعتني للدخول لماذا أنا الوحيدة التي فكرت في مناداتي لم أصدق و لكن إلحاحها جعل أحدى مرافقاتها تأخذنني من يدي و تدخلني الغرفة فابتسمت و دعتني لأن أجلس أمامها فكاد يغمى علي .فانحنيت لها و غمرتها بابتسامة امتنان كبير لأنها شعرت بخجلني و شاركتني رغبة الدخول .كانت امرأة شابة و فاتنة بقيت لبعض الوقت إلى أن حان وقت تغيير ثيابها فخرجت مسرعة قبل أن يطلب مني إخلاء الغرفة .و بقيت لأيام أحلم بقربها.
كنت أرغب دائما في الغناء و التمثيل كنت أحاول أن أصنع لنفسي عالما قريبا من الحقيقة أعبئه بالأحلام كانت تستهويني مهنة تقديم الحصص التلفزيونية . فكنت في حصص المراجعة أقوم بتجميع الدمى التي كانت بغرفتي و أضعها جميعها فوق سريري و أجمل المسطرة و أبدأ بطرح الأسئلة عليها و أجيب هكذا كنت أراجع و أمتحن الذاكرة . و غالبا ما كنت أقف أمام المرآة لا أدري كم كان يمضي من الوقت و أنا على تلك الحال، أبدأ في تقديم حصة غنائية فكنت ألعب الدورين دور المقدمة و المغنية.كانت أحب تزهو بصوتي فكالا زارنا أحد الأصدقاء طلبت مني أن أغني كنت في العطل أخرج إلى الفناء الكبير و أبدأ في الغناء طويلا فيصل صوتي إلى الجيران أتذكر اليوم هذا و أنا أبتسم هل أحبوا السماع إلي فصوتي كان ما يزال نشازا و لكنهم أجبروا على سماعه فلم يسلموا منه هم أيضا فلم يكن بإمكانهم عزل طفلة حالمة عن الغناء.كنت و بقيت لسنوات و أنا أتحدث إلى نفسي في المرآة فأخترع المواقف و أبتدع القصص .و أبدأ في التحليل السؤال و الجواب .أتحدث إلى شخصيات وهمية و أحاول طرح الأمور بتلقائية .كنت أحاول الحفاظ على توازني على هدوئي و كأني أمام شاشة الكاميرا و كأن الديكور و كل شيء يبدو حقيقيا لا وهميا مفتعلا كنت أجمع بنات الجيران أمام باب منزلي لمدة ساعتين متتاليتين و كن يرغبن جميعهن في الحضور في الوقت المحدد فموعد البرنامج كان مضبوطا فأحمل الميكروفون و أنظم الجلوس و أشرح لهن شروط المشاركة و كنت مواظبة على الوقت فكنت أنشطه بانتظام و كن يأتين في الموعد و يشاركن و يغادرن لأختم البرنامج في عدد أخير بكين بعضهن لأنهن اعتدن على وجوده .
تعليق