اليوم الأول
عادة
يختلط اللون الرمادي والأسود في حاله اشتباك غيميه.. تشقهما سهام مضيئة ومبرقه بذكريات ورعود.. تهتاج صفحه السماء بثورة غاضبه..تساقط مطرا مضيئا يعزف سيمفونية صاخبة فوق ألواح الزينكو.. تبتلع الأرض العطشى وتتسرب بقاياه عبر حفر وأزقه وحارات
أبو محمود يعاند المطر
يفز من نومه كمن أصابته مس من الشيطان ..يتمتم بصوت غاضب ..يعدل وضع عقاله ..يحمل فاسه..يتقدم نحو الباب ..صوت صرير مزعج.. يخرج والرياح تعصف بالمكان
"شو هذا؟ ليله زى قاع الكيله ..كب من الرب..ياوردى لو حشت المى على ,راح تغرق البيت كله ..آخ ..كله من قناة أبو الشوارب هالزلمه الناقص ..شو فيها لو حطلوة عتبه زغيرة عند باب دارة , مش كان يريحني من هال تعب
اح
"هو" يتذكر العام الماضي عندما استباحت المياه منزله وأغرقت جميع غرفه وكل مايملك
وبدا عمله بهمه ونشاط
محروسة بلا ولد أو سند
تتململ.. يدفعها بخشونة..تتلوى..تشد نحوها اللحاف القماشى..الليلة شديدة البرودة والجسد أنهكته السنون..أربعون عاما تحلم بتلك اللحظة..تتلاقى وتبتعد..تجتمع وتتفرق..
"هو" في الخامسة والأربعين منهكا ..متعبا..حزينا..تتعانق أوجاعه بجسده الضعيف ..ذات يوم انتظر كثيرا أمام المائدة..خرج يبحث عنه في الازقه..يساءل الأطفال..النسوة..الحجارة..الارصفه..المقاهي
و
بكى بحرارة "لقد دهسته سيارة عابرة " صادم الحيطان ..دق رأسه بعنف..تمرغ بالتراب
"هي" لم تتجاوز العشرين بعد ترفل بثوب ابيض..يتأبط بيد مرتجفة ذراع بضه..اقسم الايتزوج واكتفى بتربيته ودهسته سيارة مجنونه
ومضت تحلم بقطعه منها تضمها ناحية القلب
ومازالت بلا سند ا أو ولد
بداياتي
أفيق بالقوة الجبرية..أتململ في فراشي الدافئ..أتقلب يمينا وشمالا..أعيد قدمي الهاربة نحو منطقه الدفء..اجعلها قريبه ومتلازمة..شخير اخوتى يملا الغرفة ألحانا نشاز..جسدي يئن واطرافى ترتجف..قطرات المطر تنز من فتحه ما"لااذكرها الآن" لتسقط بمهارة لاعبي الجولف داخل دلو صغير
فركت عيوني بأطراف اصابعى ..تندلق من النافذة نفحات باردة..الوجوه الشاحبة تتشكل بصور من البؤس والفقر "هم اخوتى" استندت براسي نحو حائط ذي دهان باهت ..ضممت ركبتي نحو صدري..أزحت ماعلق برموشي من آثار نوم متبقي عنوة..نهضت متأبطا افكارى الضبابية واوجاعى المزمنة
جوره أبو راشد
تنفجر من تحت عباءتها حكاية مازالت حتى اللحظة..يحلو للواحد فينا انس ضغط ذاكرته ويجمع شتات افكارة
"سنرميهم لسمك القرش"
انطلقت هذه العبارة وهلل وكبر كل من بالمقهى..تعانقوا وتبادلوا التهنئات..أكواب الشاي اعتلت المناضد الخشبية..ابتسم أبو محمود بتشف ومصمص شفتيه..ارتكز على راحة يدةالخشنه..دارت عيناه تبحث عنه
"في ناس مش عاجبهم الوضع ..جماعتنا راح يفعصوا اليهود الأنذال فعص..اسمعوا الراديو ياخلق..اخ لو الواحد معاة "برن" لعمل
الهوا يل..ايش رأيكم نربطهم زى الحمير أعزكم الله
"ممنوع التجول وعلى جميع السكان التجمع عند جوره أبو راشد وقد اعذر من انذر"
جيش الدفاع الاسرائيلى
وزمجرت الدبابات فوق ارض المخيم ..رفعت الرايات البيضاء فوق الأسطح..لم يتبق سوى الزحف نحوها
طفل لم يبلغ سن النسيان
امى تحضنني طفلا لم ابلغ الثانية..أتلفت بكل الرعب ..ارقب المشهد من فوق كتفها ..انقش الذكريات ..اخزن الذكريات لأنثرها ذات يوم
بهدوء قاتل يمشون الهوينى..صور المذبوحين..المبقورين..الدماء غطت وجه الشمس والذاكرة معباءة بمشاهد الذبح والقتل..تتوقف الكلمات منتصف الحلق..تحتبس الأنفاس..البنادق مستعدة للانطلاق..وشوشات اللاسلكي تنتشر بفوضى مدروسة..أبو محمود يتلفح ببطانية سوداء خشنه استلمها من وكاله الغوث ..زوجته ترتجف بصوت مسموع
"مالك يابنت الحلال ارمي حملك على الله ماراح يصير حاجه"
أبو حسين يشعل سيجارته التي بللها بطرف لسانه
الحاجة سعديه تستند على كتف الصبية فردوس
الصبية فردوس كانت ذات ضفائر سوداء طويلة
"هي" تشاهدها تقبل من الجنوب حيث منطقه دفن الموتى ..هدأت الأصوات ..غرق الجميع فيما سيحدث
"طيارة تكتكت على المكابر جنحت"
أطلقتها عجوز سبعينية من مهجري مدينه المجدل
ولادة قيصريه
انتشرت الخيام ليتعلب داخلها مشردي ال48 ..يتكومون..يتكاثرون..ينتشر الأبناء بين الخيام أملا بالعودة
"تندفن كل الأشياء بفعل الواقع ويبقى الحلم "
تبتسم النسوة بنشوة ليله فائته.يتهامسن بلذة غريبة والملابس تنتشر على حواف الخيام بكل فخر واعتزاز
زواج قهري
كأسراب الوروار العائدة إلى رقعه الحلم يندفن المهجرين مع تقاليدهم..أخلاقهم..ذكرياتهم..اندفنوا في كل الامكنه والبلاد بعد أن أصبحنا بلاهويه أو وطن
بيوت قرميديه وزعتها وكاله غوث اللاجئين أقامتها بجوار"جوره أبو راشد"..التي تتجمع داخلها مياه الأمطار وتتلاقى مياه الصرف مع الحشرات والبعوض
فعلا بيوت تقينا زمهرير الضيف وبرودة الشتاء أفضل من مساحات خضراء كانت لنا ذات وجع..استلمنا المفاتيح بكل ثبات وأبقينا مفتاح عودتنا ضمن الذكريات..جلسنا نتسامر منتظرين الدورة القادمة للتموين وما تجلبه لنا من دقيق وفول وحمص وزيت وما يكفينا لنهاية الشهر
مخيم جباليا يغوص في التيه والظلام ..بيوت تتصافح أسطحها..تتعانق شوارعه..تتمدد الازقه ..تنهض وتنكفئ الذاكرة..تتعثر وتتماوج
طرمبه حمودة
تتجمع السيارات الصغيرة والكبيرة..الباصات تدور وتزعق عجلاتها بصوت مزعج..الأصوات تملا المكان..الأضواء المبهرة تزيل النعاس..باعه الفول والفلافل ينتشرون بفوضى.
ينطلقون إلى داخل الخط الأخضر..يتدثرون بملابس ثقيلة..يشعلون نارا تقيهم برد الفجر..يتقدم نحوى كشبح اسطورى لينزعني من حلمي اللذيذ..يتقدم بلونه الاحمروانوارة الساطعة..ينزلق بهدوء..نقف متزاحمين..متدافعين..تتسابق خطواتي وهمساتي
شعرت بصعوبة التجربة..شباب وصبايا يجلسون متلاصقين..يضحكون..بئسا لنظرياتي جميعها
نحو المقعد الأخير تقدمت بوجل وخوف وتمسمرت ممسكا بذاتي
يتبع
عادة
يختلط اللون الرمادي والأسود في حاله اشتباك غيميه.. تشقهما سهام مضيئة ومبرقه بذكريات ورعود.. تهتاج صفحه السماء بثورة غاضبه..تساقط مطرا مضيئا يعزف سيمفونية صاخبة فوق ألواح الزينكو.. تبتلع الأرض العطشى وتتسرب بقاياه عبر حفر وأزقه وحارات
أبو محمود يعاند المطر
يفز من نومه كمن أصابته مس من الشيطان ..يتمتم بصوت غاضب ..يعدل وضع عقاله ..يحمل فاسه..يتقدم نحو الباب ..صوت صرير مزعج.. يخرج والرياح تعصف بالمكان
"شو هذا؟ ليله زى قاع الكيله ..كب من الرب..ياوردى لو حشت المى على ,راح تغرق البيت كله ..آخ ..كله من قناة أبو الشوارب هالزلمه الناقص ..شو فيها لو حطلوة عتبه زغيرة عند باب دارة , مش كان يريحني من هال تعب
اح
"هو" يتذكر العام الماضي عندما استباحت المياه منزله وأغرقت جميع غرفه وكل مايملك
وبدا عمله بهمه ونشاط
محروسة بلا ولد أو سند
تتململ.. يدفعها بخشونة..تتلوى..تشد نحوها اللحاف القماشى..الليلة شديدة البرودة والجسد أنهكته السنون..أربعون عاما تحلم بتلك اللحظة..تتلاقى وتبتعد..تجتمع وتتفرق..
"هو" في الخامسة والأربعين منهكا ..متعبا..حزينا..تتعانق أوجاعه بجسده الضعيف ..ذات يوم انتظر كثيرا أمام المائدة..خرج يبحث عنه في الازقه..يساءل الأطفال..النسوة..الحجارة..الارصفه..المقاهي
و
بكى بحرارة "لقد دهسته سيارة عابرة " صادم الحيطان ..دق رأسه بعنف..تمرغ بالتراب
"هي" لم تتجاوز العشرين بعد ترفل بثوب ابيض..يتأبط بيد مرتجفة ذراع بضه..اقسم الايتزوج واكتفى بتربيته ودهسته سيارة مجنونه
ومضت تحلم بقطعه منها تضمها ناحية القلب
ومازالت بلا سند ا أو ولد
بداياتي
أفيق بالقوة الجبرية..أتململ في فراشي الدافئ..أتقلب يمينا وشمالا..أعيد قدمي الهاربة نحو منطقه الدفء..اجعلها قريبه ومتلازمة..شخير اخوتى يملا الغرفة ألحانا نشاز..جسدي يئن واطرافى ترتجف..قطرات المطر تنز من فتحه ما"لااذكرها الآن" لتسقط بمهارة لاعبي الجولف داخل دلو صغير
فركت عيوني بأطراف اصابعى ..تندلق من النافذة نفحات باردة..الوجوه الشاحبة تتشكل بصور من البؤس والفقر "هم اخوتى" استندت براسي نحو حائط ذي دهان باهت ..ضممت ركبتي نحو صدري..أزحت ماعلق برموشي من آثار نوم متبقي عنوة..نهضت متأبطا افكارى الضبابية واوجاعى المزمنة
جوره أبو راشد
تنفجر من تحت عباءتها حكاية مازالت حتى اللحظة..يحلو للواحد فينا انس ضغط ذاكرته ويجمع شتات افكارة
"سنرميهم لسمك القرش"
انطلقت هذه العبارة وهلل وكبر كل من بالمقهى..تعانقوا وتبادلوا التهنئات..أكواب الشاي اعتلت المناضد الخشبية..ابتسم أبو محمود بتشف ومصمص شفتيه..ارتكز على راحة يدةالخشنه..دارت عيناه تبحث عنه
"في ناس مش عاجبهم الوضع ..جماعتنا راح يفعصوا اليهود الأنذال فعص..اسمعوا الراديو ياخلق..اخ لو الواحد معاة "برن" لعمل
الهوا يل..ايش رأيكم نربطهم زى الحمير أعزكم الله
"ممنوع التجول وعلى جميع السكان التجمع عند جوره أبو راشد وقد اعذر من انذر"
جيش الدفاع الاسرائيلى
وزمجرت الدبابات فوق ارض المخيم ..رفعت الرايات البيضاء فوق الأسطح..لم يتبق سوى الزحف نحوها
طفل لم يبلغ سن النسيان
امى تحضنني طفلا لم ابلغ الثانية..أتلفت بكل الرعب ..ارقب المشهد من فوق كتفها ..انقش الذكريات ..اخزن الذكريات لأنثرها ذات يوم
بهدوء قاتل يمشون الهوينى..صور المذبوحين..المبقورين..الدماء غطت وجه الشمس والذاكرة معباءة بمشاهد الذبح والقتل..تتوقف الكلمات منتصف الحلق..تحتبس الأنفاس..البنادق مستعدة للانطلاق..وشوشات اللاسلكي تنتشر بفوضى مدروسة..أبو محمود يتلفح ببطانية سوداء خشنه استلمها من وكاله الغوث ..زوجته ترتجف بصوت مسموع
"مالك يابنت الحلال ارمي حملك على الله ماراح يصير حاجه"
أبو حسين يشعل سيجارته التي بللها بطرف لسانه
الحاجة سعديه تستند على كتف الصبية فردوس
الصبية فردوس كانت ذات ضفائر سوداء طويلة
"هي" تشاهدها تقبل من الجنوب حيث منطقه دفن الموتى ..هدأت الأصوات ..غرق الجميع فيما سيحدث
"طيارة تكتكت على المكابر جنحت"
أطلقتها عجوز سبعينية من مهجري مدينه المجدل
ولادة قيصريه
انتشرت الخيام ليتعلب داخلها مشردي ال48 ..يتكومون..يتكاثرون..ينتشر الأبناء بين الخيام أملا بالعودة
"تندفن كل الأشياء بفعل الواقع ويبقى الحلم "
تبتسم النسوة بنشوة ليله فائته.يتهامسن بلذة غريبة والملابس تنتشر على حواف الخيام بكل فخر واعتزاز
زواج قهري
كأسراب الوروار العائدة إلى رقعه الحلم يندفن المهجرين مع تقاليدهم..أخلاقهم..ذكرياتهم..اندفنوا في كل الامكنه والبلاد بعد أن أصبحنا بلاهويه أو وطن
بيوت قرميديه وزعتها وكاله غوث اللاجئين أقامتها بجوار"جوره أبو راشد"..التي تتجمع داخلها مياه الأمطار وتتلاقى مياه الصرف مع الحشرات والبعوض
فعلا بيوت تقينا زمهرير الضيف وبرودة الشتاء أفضل من مساحات خضراء كانت لنا ذات وجع..استلمنا المفاتيح بكل ثبات وأبقينا مفتاح عودتنا ضمن الذكريات..جلسنا نتسامر منتظرين الدورة القادمة للتموين وما تجلبه لنا من دقيق وفول وحمص وزيت وما يكفينا لنهاية الشهر
مخيم جباليا يغوص في التيه والظلام ..بيوت تتصافح أسطحها..تتعانق شوارعه..تتمدد الازقه ..تنهض وتنكفئ الذاكرة..تتعثر وتتماوج
طرمبه حمودة
تتجمع السيارات الصغيرة والكبيرة..الباصات تدور وتزعق عجلاتها بصوت مزعج..الأصوات تملا المكان..الأضواء المبهرة تزيل النعاس..باعه الفول والفلافل ينتشرون بفوضى.
ينطلقون إلى داخل الخط الأخضر..يتدثرون بملابس ثقيلة..يشعلون نارا تقيهم برد الفجر..يتقدم نحوى كشبح اسطورى لينزعني من حلمي اللذيذ..يتقدم بلونه الاحمروانوارة الساطعة..ينزلق بهدوء..نقف متزاحمين..متدافعين..تتسابق خطواتي وهمساتي
شعرت بصعوبة التجربة..شباب وصبايا يجلسون متلاصقين..يضحكون..بئسا لنظرياتي جميعها
نحو المقعد الأخير تقدمت بوجل وخوف وتمسمرت ممسكا بذاتي
يتبع
تعليق