كنا فى الصف الأول الإعدادى ..إنه اليوم الثاني من الأسبوع الأول ،و جرس الحصة الثالثه يدق .. فإذا بمدرس شاب يأتي ليقود نصف الصف تقريباً للمسجد .. لم أكن أعير الدراسه فى تلك الفتره من حياتي قدرا من الإهتمام كي أدرك كنه الموقف ، لذا سألت إحدي زميلاتى ..
- ما الأمر ؟
- هذه حصة التربية الدينيه ..
- و لماذا نحن ذاهبون إلى المسجد ؟
- ستدرس – لنا - الحصة هناك ,, لأن الفتايات المسيحيات ستدرس لهم حصة الدين المسيحى بالصف .
حينها أدركت ،، للمرة الأولى أننا لابد عن ننفصل عن الفصل فى حصة التربية الدينيه ، أنه لابد أن تكون - على الأقل- إحدي زميلاتي المسيحيات تفكر بما أفكر فيه الأن .. كنا أطفال صغار و على المستوى الشخصى فإن هذا الموقف جعلنى أشعر بشئ من الإنقباض الداخلى إلى الأن لا أدرى ما كان هذا الشعور ؟! .. أيكون التفرقه على أساس الدين ؟! .. جلست طوال الحصة أشعر بأزمة داخليه لا أدرى ماهي ، و بشعور طفلة عفوى أرجأت هذا الأمر لأنى لم أتعود الجلوس على السجاد بالمدرسه .. فلابد من ( تختة ) و بالطبع كان المسجد مفروشا بالسجاد .
عدنا – بعد إنقضاء - الحصة للصف ، فإذا به شئ من الروحانية العالية تحسها .. تماما كتلك التى كانت تحوم حول الفتايات بالمسجد ..
تدور الأيام، و نحن على هذا الحال ، يزداد إختلاطنا مسيحون و مسلمون يوم عن يوم ، تترنح - بينا - العلاقات .. شد و جذب و خناقات أحيانا ، من يقف فى صف من ؟! .. حقا لن تدرى ، و كذلك كنا وقتها ..
فى السنة الدراسيه التاليه ..تفرقنا كل مجموعة فى صف مختلف، و نسينا كل شئ .. إلا أن شئ واحدا أعتقد أننا جميعنا لم ننساه .. حكايانا سويا .
( الحكاية الأولي )
( ش . م )
إنها ( ش . م ) .. فتاة مسيحيه .. لم تكن على أى قدر من ذلك الجمال ، الذى لا يهم سوى السفهاء - جمال الوجه و الجسد - كانت عملاقه الحجم ذات جمجمة مفلطحة و بروزات بالوجه تستعصى على التناسق .. يتدلى خيط رفيع من لعابها بين شفتيها حين تتكلم ،و جعلها منبوذة من الفتايات مسيحيهم بمسلميهم .. نتيجه لسفه الجميع .. على الرغم من ذلك كان بداخلها جمال لا يوصف .. وجدت بي ملاذا من الجميع لا أدرى لما ؟! .. لكننى أحببتها.. كانت تلاقاني بذراعين مفتوحتين و أحضان عميقة .. كنت أحبها حقا ، و أحضانها كانت تترك لدي إحساس غير عادي .. الآن أتذكرها فى رمضان ذلك العام ،و لم أكن بعد قد إرتديت الحجاب .. أتتنى متسائلة ...
- رباب هذا رمضان، و إنتم صائمون .. ألستى صائمه ؟!
- بلى صائمه ..
- إذا أرتدي الحجاب فهو واجب عليك .. كي يقبل صيامك فى رمضان ، و لا ينبذك أصدقائك .
( الحكاية الثانية )
( روزالين )
هذه الفتاة كانت تقدر ، و هى فى - طفولتها البريئة – تلك أن تشعل فتنه طائفية بمفردها ، لا أدرى إن كان ما بداخلها خطأها أم خطأ والديها أم خطأ مجتمعها ؟! .. فهى طفلة لا تحاسب على حب أو كره ,قد يكون خطأ والديها الناجم عن خطأ المجتمع فى حقهم.. ذلك المجتمع الذى لا يدرك أننا - مسلمون مسيحيون - لنا خالق يقيم أعمالنا ، لا دين يفرض و لا دين معاقب عليه ،و كلنا متجه للخالق ليشمله برحمته .
إنها – روزالين – كانت لها أختا توأماً تدرس – أيضا - معنا .
فهاهي للمرة الأولى تعاقب صديقتها علنا .. بصوت صاخب ، عاقبتها لأنها أحضرت ( ساندويتشا ) .. فى كيس أبيض مكتوب عليه .. دير العدرا السريان ، كانت الفتاة لو وقفت بجابنها لأستندت عليها بمرفقها من شدة قصر الأولى و طول الثانيه الفارع .. على الكيس رسم لم ألحظ تفاصيله جيدا .. لكنه لسيدة تفتح أحضانها لحامل الكيس بكل الحب . إحدي الفتيات المسلمات سألتها
- ماهذا المرسوم على الكيس ؟!
صديقة روزالين تأتي للإجابة
- أنها.
و تختطف .. روزالين الكلمة من على فمها قبل أن تكمل .
- إنك فتاة عديمة المسئولية و لست محترمه ,, كيف تضعين ( ساندويتشا ) فى كيس مرسوم عليه العدرا و تأتين به إلى المدرسه ؟!
الأجمل أن هذا الموقف مر عليه للآن عشر سنوات .. و قد قابلت – روزالين - فجأة فهى تعمل فى إحدي الصيدليات .. تذكرتني و تذكرتها .. سلمت عليا و قبلتني و خفضتلي سعر ما كنت أريد .. سألتني عن حياتي و أين إختفيت كل هذا الوقت ؟! .. فلما أخبرتها ببعد مسكنى .. قالت ,
- ستجدين – كارولين – أختي بطريق عودتك .. تدير محلا تجاريا لأبى مرى لتسلمي عليها ستفرح حينما تراك .
( الحكاية التالثة )
( حنونــــــــــــــــه )
فتاة ذات بشرة سوداء ، متوسطة الطول ، ذات إبتسامة فيها من العفوية و طيبة القلب ما يأسرك .. لكنها فقيره .. فى مجتمع أغلبه فقيرا، و يعاقب الإنسان على فقره .. لم تكن تشكوا حالها .. لكنه كان باد فى إنكسارها ،و إنزوائها و تملمها أحيانا كثيره .
فى أحد أيام .. فصل الشتاء قارصة البرد ..حضرت للصف ترتدي ( إيشاربا ) فى وقت كنت و بعض صديقاتي - لم نرتديه بعد- .. فإستدرات زميلتنا صاحبة الشعر الذهبي - راندا – لها.
- إيه ده .. حنونه لابسة حجاب .. إنتي أسلمتي و لا أيه ؟
أجابتها بإنكسارها المعهود
- لا ياستى الجو برد أوي ، و عندي إلتهاب فى اللوز ..
حينها .. تدخلتُ فى نقاشهما ..
- راندا بلاش تضايقيها ..ممكن تسيبيها فى حالها و تبطلى إسلوبك المستفز ده ؟؟ ..
و جلست بجانب الفتاة أطلب منها ألا تغضب فصديقتنا راندا تمزح معها ليس أكثر، وإذا بالخبر قد وصل إلى قائدة الحرب روزالين فوجدتها .. قادمة مستشيطه الغضب .
- أنتى موش هتبطلى الحركات دي ؟؟ خليتهم يتريقوا عليكى !!
حينها إستدرت لحنونه متسائلة
- ليه روزالين بتصرف كده ؟!
- قالت لا أدرى ..حاشره نفسها فى كل شئ ، و هي لا تدري شيئا .
- طيب فهميها أنك لابسه الحجاب علشان تعبانه .. و خليها تبطل تعاملك كده .
( الحكاية الرابعـــــــــة )
( مستر إقبال )
مدرس اللغة العربيه – مستر إقبال – هكذا- كانت- تدعوه الفتايات.. شاب فى منتصف الثلاثينات .. ذو لحية قصيرة سوداء ، و فى أغلب الأحيان لم يكن يهذبها .. كان يعاملنى معاملة جافه لأني لا أكتب درسا أو واجبا، و الوحيده بالصف التى تدعوه أستاذ .. هو لا يحب لفظة – أستاذ - لكننى كنت أشعر بشئ من الحمق حين أدعوه مستر ..إنه مدرس اللغة العربيه !! ..
لذا كنت معظم الأحيان على استعداد لتلقى ضربا بالعصا على يدي - اللهم إلا من مرات قليلة كانتا راندا و حنونه تكتبان لي- فيها - شيئا من دروسي و واجباتى على عجل . .
فى ذلك اليوم .. دخل الصف .. قائلا ..
- النهارده تسميع النص القرآنى اللى أخدناه الأسبوع اللى فات .. اللى موش حافظ هينضرب تلت عصيان على ضهر إيديه .
حينها فرحت .. ربما تكون المرة الأولى التى ستمر بها العصا على أيدي جميع الفتايات إلا أنا.. فكنت فى هذه السن أحفظ الكثير من أجزاء القرآن .
أخذ .. يسأل البنات .. واحدة تلو الأخرى .. واحدة تجيب و أخرى لا تعرف .. واحده تجلس فى هدوء .. أما الثانيه فلا تجلس دون أن تنال منحة الطالب البليد ( ثلاث مرات ضرب بالعصاعلى ظهر كفيها ).
حتي جاء دور سالى .. فتاه مسيحيه فى شدة الاناقة ، ذات شعر أسود داكن ينسدل على عينيها، قامت فقالت فى تحد، و حدة ..
- لم أحفظ النص .
- لما لم تحفظى الدرس !!
فقالت هكذا لا أريد أن أحفظ قرآنا .. حضرتك ما تحفظنيش اللى على مزاجك .. لو النص هينجحنى فى الماده أنا عايزه أسقط .
حينها ساء مزاجه .. فصفعها على وجهها .. شهقت- أنا - شهقه إلى الآن أحدثها رغما عني .. حينما يفزعني أمر .. و كنت أظن أننى أحدث نفسى ، لا أدرى كيف سمعني حين قلت ...
- دى قلة أدب .. الزاى يضرب بنت كده ؟!
الغريبه .. أنه يومها أوسعني ضربا .. ثم عاد فإعتذر لسالى ..عما فعل بها .. و أدركت أنا من يومها أنه - لا- عيش هانئ فى هذا الصف حتي ينتهي الفصل الدراسى الأول و يأتينا مدرس غيره .
( الحكاية الخامسة )
( سميـــــــــــــــــــه )
كانت روحها روح طفلة مع أنها كانت فى الحادية عشر من عمرها ، لكنها طفلة فى كل تصرفاتها ، كان ذلك يجعلنى أتطلع إلى وجهها الحريري الأبيض بشئ من الإستغراب ، كنا نمضى بطريقنا .. فإذا براهبة تمر من أمامنا متجهة لكنيسة ( الشهيد العظيم مارجرجس) . بالمناسبه هذه الكنيسة .. بينها و بين مسجد العلم و الإيمان ممر ضيق جدا .. تراهم من بعيد .. متعانقين فى سلام ، و بعدما مرت الراهبه وجدت سمية .. تتمتم بكلمات ..فسألتها..
- ماذا تقولين ؟!
- قالت أشتم عليها .. لأنها لا تعجبنى .
- و لماذا لا تعجبك .. لها دينها و لك دين ..حرية العقيدة مكفولة فى القرآن .. أتخالفينه إذا ؟! أليس من شروط عقيدتنا أن نؤمن بالمسيح عيسى بن مريم؟!
- بلى .. صدقت .
- إذا فلا تفعلى هذا مجددا .. فإن الله إختص نفسه بحساب الناس .. و مايدريك قد تكون هذه المراءة عند الله أفضل منى و منك .. هذه إمراءه تركت الدنيا بأسرها من أجل ربها و دينها .. أنت و أنا ماذا فعلنا ؟!
تمتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلمي
ربابـــــــــــــ السنهوري .
تعليق