مريميّات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين أحمد سليم
    أديب وكاتب
    • 23-10-2008
    • 147

    مريميّات


    مريميّات

    بقلم: حسينأحمد سليم

    في رسائلحنان إلى أمّي


    مريميّات في رسالة حنان أولىإلى أمّي

    أمّاهْ... أتذكّركِدائما وأبدا ما حييت, أتذكّركِ في ومضات الصّحوة, أتذكّركِ فِي ارتعاشات اليقظة,وأتذكّركِ فِي رؤى الغفوة, وفي أحلام الثّبات... لم ولن ولا تبرحين وجداني, لم ولنولا تغيبين عن خاطري, منذ شاء الله أن تنتقلي إلى رحمة جواره... لتنعمين اطمئناناوهدأة وسكينة في جنان الخلد برضى الحقّ...

    مريميّات في رسالةحنان ثانية إلى أمّي

    أمّاهْ... أتذكّركِأمّاهُ في كلّ ومضة, وفي كلّ لفتة, وأناجي روحكِ الأثيريّة, وأمتزج بها وأتوحّد,ليلا ونهارا في امتدادات البعد... روحكِ التي أستشعرها تحلّق فوق رأسي, أينماذهبت, وأينما يمّمت وجهي, وأينما كنت, وأينما حططت سكينة هدأتي, وأينما أرسيت ضجعةهجعتي...

    مريميّات في رسالة حنان ثالثةإلى أمّي

    أمّاه... كلّمساء زمنيّ, تتراءى لي هالة طيفكِ, تحلّق في فضاءات غرفتي, تحوطني بقبس من أنوارحنانكِ, تتغلغل بين أنسام شعري, وتمسّد لي جدائلي, وتدغدغني طويلا, كأنّها الأنسامالشّفيفة, الحانية التّموّجات... بصوتكِ الرّقيق اللطيف, تدندنين وتحْدينَ لي أرقّالكلمات, وأجمل التّرانيم التي تتموسقين بها, فأنام مطمئنّة بين سيّالات طيفك,وأنا أحلم بكِ أجمل وأعذب الأحلام...

    مريميّات في رسالةحنان رابعة إلى أمّي

    أمّاهْ... كلّصباح قدريّ, أستيقظ منتعشة على همس صوت طيفكِ الأثيريّ, القادم من البعد الآخر إلىجلاء سمعي, مرندحا من لامتناهيات البعد, خلف إمتدادات المدى... وأكحّل عينايالنّاعستين, بخيوط من هالة طيفكِ الصّباحيّة... وانشطارت هالة طيفكِ, تهدهدنيوتعانقني وتضمني, وأنا ما زلت مستلقية, مستدفئة في فراشي, فأحسّ بأنّ يومي قد بدأبالأمل المرتجى, وتضمّخ بنبل الحبّ والعشق...

    مريميّات في رسالة حنان خامسةإلى أمّي

    أمّاهْ... كلّيوم مباركٍ, يطلّ مولودا من قلب الزّمن, مشرقا بالأمل المرتجى, يتماهى في دورةالحياة, أستشعره عيدا خاصّا ومباركا لكِ أمّاهُ... فيراودني وجداني, الذي لا يغفوعن ذكركِ, لأبحر في الخيال بعيدا, وأرتحلفي التّفكّر عميقا, علّني أظفر فرحا وحبورا, ببعض الكلمات الحانيات, المضمّخات بالحبّوالعشق, النّابضات بالوفاء والإخلاص, المنتعشة بالصّفاء والنّقاء, والتي أودّ أنأرفعها خالصة لكِ, هديّة لمقامكِ الرّفيعِ, عربون تقدير وإجلال وإحترام...

    مريميّات في رسالةحنان سادسة إلى أمّي

    أمّاهْ... أتقدّمإليكِ مهنّئة, مباركة لكِ مع كلّ صباح, أزور ضريحكِ مع كلّ مساء, بمناسبة وبدونمناسبة... أستلهم من تراب لحدكِ حكمة الحياة, وأستوحي من ذرّات رغام قبركِ, أنّيلاحقة بكِ يوما... فكلّ يوم في قناعتي, هو عيد لكِ, وكلّ عيد, هو عيدكِ يا أطهرالأمّهات...

    مريميّات في رسالة حنان سابعةإلى أمّي

    أمّاه... غالباما تراودني الأفكار الغريبة, وتجتاحني الرّؤى العجيبة, فتمسكني وتكبّلني في وحدتي,و تقيّدني في غربة حياتي الممتدّة, القاسية في هذه الدّنيا... فتزدحم الصّور فيخيالي, وتتكاثف الأفكار في خواطري, وتتدفّق المشهديّات في تفكّري... فيحرّضنيالقلم على جرأة البوح, ويحملني قهرا على قهر على ركوب صهوة التّدوين للذّكرى,فأكتب إليكِ أحاسيسي ومشاعري, التي تنتابني بين الحين والحين...

    مريميّات في رسالةحنان ثامنة إلى أمّي

    أمّاهْ... أمارسالجرأة ببعضَ بوحي, أنمنم الحروف والكلمات في سطور من قصار الجمل, في عفويّةمعدودة... تشبه كثيرا سذاجة طفلة بريئة,تلعب في حبيبات الرّمال عند شاطيء الذّكرى, أعبّر فيما أبوح, عمّا يختلج في دواخليمن شوق وحنين لكِ, بعيدا عن الكلمات المزخرفة والمنمّقة, فالكتابة لكِ أمّاه...أصدق وأطهر وأوفى ما يكون من إبنة لأمّها... وكلماتي لكِ, هي حديث إنسان صادق مع نفسه,واعد وعاهد في رؤى تجلّياته...

    مريميّات في رسالة حنان تاسعةإلى أمّي

    أمّاهْ... دائماوأبدا, منذ وعيت وحدتي في غربتي, بعد رحيلكِ القدريّ عنّي, أستشعر هالة طيفِ روحكِالنّورانيّة, تشعّ في قلبي إستنارة, وتضيء صدري استبصارا, وتبعد الظّلمةالدّجوجيّة عن تفكّري, وتهديني الطريق الأقوم في حياتي... وكلّما إتّقد النّورالقادم من هالة طيفكِ, وتنامى في دواخلي, واستدام في بواطني لهيبا آخر... أشعر فيكنهي, بأنّني بحاجة إلى حضنكِ الدّافيء, لأشعر بالهدأة والسّكينة, ولأحتمي تحتجناحيكِ الوارفين, وأختبيء في دفء صدركِ, كي أشعر بالأمان والإطمئنان...

    مريميّات في رسالةحنان عاشرة إلى أمّي

    أمّاهْ... أولدمن جديد, طفلة بريئة بجسد إمرأة, أنهكتها أعباء الحياة... فأنعتق تفكّرا من كلّشيء, وأنتزع عن وجهي, كلّ الأقنعة الموروثة, وأخلع عن جسدي, كلّ الأرديةالمادّيّة... وأرتدي ثوب الطّهارةِ والبراءةِ, نفسا وروحا وفكرا, وأرتمي علىصدركِ, أتحسّس حنانكِ وعطفكِ وأمومتكِ...

    مريميّات في رسالة حنان حاديةعشر إلى أمّي

    أمّاهْ... فجركلّ يوم جديد, ينعم به الله على الخليقة, مودّة ورحمة, ومع إطلالة نجمة الصّبح فيالأفق الشّرقيّ لبلادي, ومع اشراقة كلّ شمس, تتكوكب من خلف قمم الجبال, ومع غروبالغزالة بعد ارتحالها اليومي, ومع تشكيل كلّ شفق صباحي وغروبيّ, ومع سطوع كلّ قمرفي أطواره... أهدي إليكِ أمّاه, محبّتي الصّادقة, وعزف قلبي الطّيّب الطّاهر, وعداصادقا لكِ وعهدا واعدا لك...

    مريميّات في رسالةحنان ثانية عشر إلى أمّي

    أمّاهْ... كنتوأبقى وسأبقى, كما شئتِ لي, نقية الطّوايا, صافية النّوايا, أضوع بطهر الطّيبِ...وسأكون زهرة جميلة شذيّة, تفوح بعطرها عند أركان قبركِ, ضارعة لله تعالى, ألاّتبخلي عليّ, ببركة رضاكِ... حيث أستمدّ القوّة والعزم منكِ, والمثابرة والإستمرارفي حياتي... أنتِ من زرع في روحي الإيمان, منذ طفولتي الأولى, وأنتِ من أرضعتنيالقناعة والعنفوان, وأسقيتني الشّهامة وعزّة النّفس...

    مريميّات في رسالة حنان ثالثةعشر إلى أمّي

    أمّاهْ... يامن حملتني كرها على كره في أحشاءكِ, ويا من عانيتِ بي الآلام والأوجاع, ولا منيشعر بكِ, ويا من تمخّضتِ بي ووضعتني بين الحياة والموت... يا من أرضعتني حبّالحياة, ويا من علّمتني الإباء والكبرياء والرّفعة... وعدا لك وعهدا, ستبقى هامتيشامخة للعلا, وسيبقى رأسي عاليا, ولم ولن ولا ينحني لغير الله تعالى, مهما تكالبتعليّ ظروف الحياة, ومهما توالت عليّ الهموم والمصاعب, ومهما عصفت بي هوج الرّياح,وحرمتني نعيم الحياة, وزجّت بي في أتون العذابات والآلام...

    مريميّات في رسالةحنان رابعة عشر إلى أمّي

    أمّاهْ... كلّماضاقت بي ظروف الحياة, أدخل مخدعي باكية, وأنظر إلى وجهكِ, الطّافحِ بالبشر, المشرقفي صورتكِ, التي يتماهى بها جدار غرفتي... وأغيب عن ذاتي في ارتحال نفسي بعيد, خلفقيود المكان والزّمان... فتسري في كينونتي الضعيفة, قشعريرة الحنان من هالة طيفوجهكِ, وأنتعش مجدّدا بالحياة...

    مريميّات في رسالة حنان خامسةعشر إلى أمّي

    أمّاهْ... شاءتحكمة الله, التي أجهلها, أن ترحلي بعيدا عنّي, وتتركيني وحيدة أمّاهُ, أعانيالآلام والعذابات في عصر القهر, وزمن الوحشة, وحياة الغربة, ولا من يشعر بي, لا منقريب أو من بعيد... تركتينني أمّاهُ, أحارب كلّ الأشياء, التي أحاطت بي, إحاطةالسّوار بالمعصم, تريد نهش بقاياي... فآثرت على نفسي, ألاّ أغرق في بحار السّرابات,وألاّ أستسلم طائعة, لتتقازفني الأمواج العاتية, ذات اليمين وذات اليسار, ضياعا فيالمتاهات, التي لا نهايات لها...

    مريميّات في رسالةحنان سادسة عشر إلى أمّي

    أمّاهْ... عزمتالأمر بعد تفكّر وتعقّل, ألاّ تستهويني المظاهر المزيّفة, التي يتباهى بها النّاس,ويتبجّحون بها, وينتحلون شتّى الصّفات, وألاّ أذوب في زيف العصرنة, و ألاّ أكرهعلى أجوائها الغريبة العجيبة... فلقد تعلّمت منكِ, كيف أمارس الحياة, بحرّيّةوجرأة وقوّة, وكيف أجتاز كلّ الصّعاب, ولا أخاف كلّ الأشياء, مهما صغرت أو كبرت أوتعاظمت...

    مريميّات في رسالة حنان سابعةعشر إلى أمّي

    أمّاهْ... تعلّمتُمنكِ سيّدتي, ما لمْ ولن ولا أتعلّمه من غيركِ من النّساء, وتعلّمت منكِ ما لمتلقّنني إيّاه المدارس العصريّة, ونهلت من وعيكِ ما لم أنهله من وعي آخر, وغرفت منثقافتكِ ما لم أغرف من ثقافة أخرى... وتعلّمت منكِ, الكثير الكثير, وحفظت عنكِالكثير الكثير, وتدرّبت على راحة يديكِ, وتدرّجت في مراحل مدرستكِ...

    مريميّات في رسالةحنان ثامنة عشر إلى أمّي

    أمّاهْ... تعلّمتأن أحاسب نفسي مع قدوم كلّ مساء, وأحقّق معها مع إطلالة كلّ صباح, وألاّ أجعلللشّرور الصّغيرةِ, أن تبقى مختبئة في زوايا نفسي, وأن أحرّض مكامني على فعل الخيرللجميع...

    مريميّات في رسالة حنان تاسعةعشر إلى أمّي

    أمّاهْ...كلّما ألقيت برأسي على وسادتي, يتراءى لي طيفكِ النّورانيّ, فتتطهّر نفسي منشرورها, وتنعتق من قيودها, وتتخلّص من سلاسلها... فأشعر بالهدأة والطّمأنينةوالسّكينة, ويرتاح وجداني, ويطمئن ضميري, وأنتعش بروحيّة الإيمان, بتناممستدامٍ...

    مريميّات في رسالة حنان عشرونإلى أمّي

    أمّاهْ... كلّيوم يبدأ ببركة الله تعالى, لله تعالى أتطهّر, نفسا وروحا وقلبا وفكرا ووجداناوخاطرا... وأرتدي ثياب طهارتي, وأنعش كينونتي, بقداسة الحبّ والعشق... أرود غرفتيالصّغيرة, بعيدا عن أعين النّاس, ومن تراودهم نفوسهم على الفضول... أقف خاشعة بينيديّ الله, وأستقبل قبلة الإيمانوالقناعة, تستقبلني جميع الخوافق متّجهة إلى نور الله في كلّ مكان...

    مريميّات في رسالةحنان حادية وعشرون إلى أمّي

    أمّاهْ... أقيمصلاتي, قناعة تفكّر, وأركع إجلالا وعظمة لخالق الأكوان, وأسجد تعظيما وعرفانالوحدة الله... وأرفع يداي عاليا إلى السّماء, أدعو الله لكِ في سرّي وعلانيّتي,يرحمكِ بواسع رحماته... وأتهجّد له في قيامي وقعودي, وفي نومي ويقظتي, وفي هجعتيوضجعتي, وفي تفكّري وخيالاتي, أن يجعل مسكنكِ الأخير بهيجا, ويمنّ عليكِ مثواكِالأفضل, راحة وطمأنينة في جنان الخلد...

    مريميّات في رسالةحنان ثانية وعشرون إلى أمّي

    أمّاهْ... للأمومةمعناها الأرقى, كلمة لها قدسيتها, ولها طهارتها, إحساس نبيل مخبّأ طيّ حقائبالصّروح المجيدة والمباركة... تمتزج معاني الأمومة بروحانيّة الوجدان, تعانقأطيافها بشائر الرّؤى التي تشكّل الأمل المرتجى... بيارق الأمومة ترتفع أعلاماخفّاقة فوق القنن تتماهى على سواري العنفوان, تتجلّى في محاريب العطاءات... هذه هيالأمومة التي أتلمّسها في كينونتي, وهي ما رضعته مع الحليب من ثدييكِ يا أمّي...

    مريميّات في رسالةحنان ثالثة وعشرون إلى أمّي

    أمّاهْ... وأنافي الحقول اليانعة بالورود والرّياحين والأزهار, أذكرك سيّدتي, وأنا أراقب تنقّلالفراشات البيضاء الهائمة بالحبّ والعشق, تحوم مع دفء سيّالات الشّمس على موسقةألحان الأنسام ودندنتها في أذن المدى, والفراشات المزركشة الألوان, كأنّها لوحاتمنمنمة بريشة فنّان حاذق, أواكبها تبحث عن الرّحيق في ميسم كلّ زهرة تناجي شروقالشّمس وغروبها...

    مريميّات في رسالةحنان ثالثة وعشرون إلى أمّي

    أمّاهْ... الأمومةالّتي تتجلّى لي في بهاء ونقاء وصفاء, كلّما إستذكرتكِ, وتراءى لي طيفكالنّورانيّ, وأنا أتفكّر بكِ أمّاه... أرى طيف أمومتكِ الحاني السّيّالات, يُخيّمعلى ظلال أريج الرّحاب الإيماني المتّقد في نفسي وفي ومض روحي, حيث أستقبل من نوروجهكِ الإيمانيّ, الهدي والرّشاد في مدى وفضاءات أجوائي الحياتيّة...

    مريميّات في رسالةحنان رابعة وعشرون إلى أمّي

    أمّاهْ... الأمومةربيع دائم الإفترار, يمتد على مدار السّنة, وحنان الأمومة أوراق ذهبيّة ربيعيّةنضرة ودائمة الإخضرار, أبدا لا تذبل ولا تصفرّ ولا تهتريء على مذابح فصل الخريف,ولا تقرب لها عواصف الرّياح الجنونيّة... وتبقى الأمومة كما الشّجرة المخضلّةالوارفة, مترامية الظّلال, يركن إليها الأطيار, ليهنؤون في قلب حنانها...

    مريميّات في رسالةحنان خامسة وعشرون إلى أمّي

    أمّاهْ... أبجديّةالأمومة, منظومة هجائيّة أخرى, تكتنز بأسرار الله, الّذي منح الأمّ ما لم يمنح سواها,من قداسة وطهارة... أبجديّة الأمومة أبدا لا تشبه أبجديّات التّواصل الأخرى, ولهاأحرفها اللامكتوبة, والّتي لم ولن ولا تتّقن العمل بها إلاّ كلّ من طهّرها اللهبالأمومة... وأنتِ أمّاه من أولئك الأمّهات اللواتي تطهّرن بالقداسة الآلهيّة,وأنجبتني بالحبّ والعشق إلى هذه الحياة...

    مريميّات في رسالةحنان سادسة وعشرون إلى أمّي

    أمّاهْ... جميعاللّغات تتماهى بكِ, وكلّ السّمات تترقّى بكِ, ولك أجمل الصّفات... فأنت سِرّالبشارات في استمراريّة الحياة, وأنت رمز المزامير في أذن الموسقات, وأنت ديمومةالآيات في مسارات الأمل المرتجى... وأنت كلمة الله التي تراحم بها رحمك, المشتقّمن الرّحمة, والرّحمة من الرّحيم, إسم حسن من أسماء الله الحسنى, وله الأسماءالحسنى, سبحانه تبارك الله...

    مريميّات في رسالةحنان سابعة وعشرون إلى أمّي

    أمّاهْ...ريشتي الصّوفيّة الّتي أرسم بها طيفك, بأشكال وألوان ومشهديّات تتراءى لخيالاتي...أبذل قصارى جهدي كي تأتي مطابقة لمعاني الأمومة الّتي أكرمك بها الله, والّتيأتمنّاها لكينونتي برضى الله... حروفي وكلماتي لكِ أعزفها على أوتار موسيقى روحي,روحي المنتشية بالأنغام العطشى لكِ, تحلم بالآمال المعقودة الّتي سيحملها لي الغدالآتي على صهوات الأحلام العِذاب...

    مريميّات في رسالةحنان ثامنة وعشرون إلى أمّي

    أمّاهْ...طيفك الأثيريّ الّذي لم ولن ولا يفارقني لهنيهة في استمراريتي, تهتزّ له رعشاتيوتنتابني قشعريرة أخرى, كلّما ومض في وجداني طيفك الشّفيف... ودائما طيفك ينعشنيبرنين سيمفونيّاته المعطّرة, ويغرقني في رؤى البعد المأمول بنعيم دائم في رياضالله...

    مريميّات في رسالةحنان تاسعة وعشرون إلى أمّي

    أمّاهْ...أستذكرك يا أمّي الرّاحلة الهائمة في رحاب الله, كيف كنتِ تمضين حالات أفراحكوأتراحك في كنف مسيرة حياتكِ... تقطعين الأوقات وأنتِ غارقة في كنف الخشوعالإيمانيّ لله, تختصرين كلّ الطّرق بطريق واحد, علاقتك بالله وهو أقصر الطّرق إلىرضى الله... تزرعين صلواتك وتهجّداتك حبّات حبّ وعشق في تراب العمل الصّالح, لتنبتسنابل مودّة ورحمة تزدان بقطرات ندى الإيمان...

    مريميّات في رسالةحنان ثلاثون إلى أمّي

    أمّاهْ...كُلّما إرتفع من مآذن المساجد صوت الآذان يدعو النّاس للصّلوات في أوقاتها,أتذكّرك كيف كنتِ تتهيّئين لأداء الصّلوات متوشّحة بألبستكِ البيضاء وتقفين خاشعةبين يديّ الله... وكُلّما دقّت أجراس الكنائس ونواقيسها لأداء مراسم القداديس فيرحابها, أتذكّرك كيف كنتِ تتشهّدين باسم الله, وتتمتمين بالسّلام على ابن مريمعليه السّلام... منكِ تعلّمت أسرار الإيمان ومراسيم الخشوع في الصّلوات...

    مريميّات في رسالةحنان حادية وثلاثون إلى أمّي

    أمّاهْ...عندما أستيقظ باكرا مع شقشقات الضّوء الفجريّ, حيث يتماهى الصّباح بالأنساماللّطيفة... أخرج من غرفتي نحو أواني الورود, الموزّعة في جنبات الشّرفات في بيتناالواسع, أروي تربتها وأرشّها بالماء, وأدغدغ وريقاتها لتتشذّى بالحبّ والعشق, وكييضوع عبير طيبها في أنحاء غرف البيت, إقتداءً بما كنتِ تمارسين وأنت بيننا, قبل أنيتغمّدك الله بواسع رحمته, ويسكنك رحابه الطّاهرة بالرّحمة والغفران...

    مريميّات في رسالةحنان ثانية وثلاثون إلى أمّي

    أمّاهْ...تفتقدك الورود أمّاه في رحاب دارتنا, ودائما تفاجئني عنكِ بالسّؤال, كلّما حملنيالفضول إليها, حيث هي تنعم بالهدأة والسّكينة في جنبات البيت وشرفاته... تقطر منعينيّ الدّموع حزينة على فراقك منسابة فوق وجنتيّ, وتشاركني الورود ,الّتيعايشتكِ, في الحزن, وكأنّ قطرات النّدى على أكمامها, دموع الحزن على مرارة الفراق,وتعبيرا عن لوعتها لبعدك القاصي عنها...

    مريميّات في رسالةحنان ثالثة وثلاثون إلى أمّي

    أمّاهْ...مواهبي الّتي أنعم الله بها على كينونتي, ما هي إلاّ من إيحاءات أمومتك لي وحنانكلي, وما هي إلاّ ما رشح من نبل رعايتك لي وحضانتك لي... وهي يا أمّاه النّبراسالإيحائيّ, الصّامد في قلاع كينونتي من إيحاءات طيفك المبارك, المتناهي لي فيالبعد... أمدّ لك يداي وأناملي مفترّة بالدّفء, كأغصان الأشجار في الحدائقالغنّاء, وأنا بينها أرفل تحت نظرك الحاني, بثوب العفاف ووشم العنفوان...

    مريميّات في رسالةحنان رابعة وثلاثون إلى أمّي

    أمّاهْ...ما زلت أذكر رغم قهر الأيّام والسّنون لي, ويتراءى لي وجهك الممتليء بالحبّوالعشق, الطّافح بالبشر, المشرق بالأنوار, وكأنّك لست إلاّ في غيبوبة النّوم, ومازال جثمانك المسجّى يخاطرني في رواق البيت قبل أن يوارى في غياهب التّراب وظلمةالقبر... ما أنت إلا القربان الأعظم لجنائن الأنهار المتدفّقة في مدينة الشّمس,وبقايا عظامك ما هي إلاّ نديم الصّفاء, ساكنة في القبر, تخاطرني مع كلّ مساء وصباحبأناشيد الماضي والحاضر والمستقبل...

    مريميّات في رسالةحنان خامسة وثلاثون إلى أمّي

    أمّاهْ... خلف أسوار أسرار الموت, حكمة الخالق في فناء كلشيء, تتجلّى الدّروس والعبر في مسارات الحياة... كأنّي خلف تلك الأسوار أستنيربطهارة الأمومة وقدسيتها, ترتسم أمامي بصري في الأفق البعيد, وكأنّها لوحات زيتيّةعابقة بقصائد الحبّ والعشق... تلتقي في دفائن آيات براءاتها, أسرار الآمالالمرتجاة, تراودني كيفما ارتحل وجداني, وترتمي نفسي في دفء أحضانك, مخضّبة بملامحالخجل...



    مريميّات في رسالةحنان سادسة وثلاثون إلى أمّي

    أمّاهْ...حروف الأبجديّة غير كافية لي للإستدلال والتّعريفات والمناقبيّات الّتي كنتِتتحلّين بها يا أمّي... وعقول النّوابغ والمبدعين والمفكّرين والكتّاب والشّعراء,أيضا لا تفي للتركيز والتّمايز والتّفسيرات لصفاتك الّتي ميّزكِ بها الخالقسبحانه... أنت أمّي الّتي حملتني وتعذّبت بي ووضعتني وحضنتني وسهرت على تربيتيوتنشئتي... أنتِ كلّ شيء في الحياة على الإطلاق...

    مريميّات في رسالة حنانسابعة وثلاثون إلى أمّي

    أمّاهْ...أنتِ سفينة النّجاة والخلاص لي, وأنتِ الأمل المرتجى في البعد لي, وأنت المثلالمحتذى لي في معتركات العيش, وأنت الهدي والرّشاد لي في متاهات الحياة... وأنتقمم العنفوان الّتي أتمثّل بها في مساراتي, وأنت قيثارة الحبّ والعشق الّتيتُفعمني بالشّدو, وتنعشني بالموسقة... وأنت رؤى النّور البعيد الوامض فياللامتناهيات, يهديني استقامة السّبيل إلى الهدف الأسمى المنشود...

    مريميّات في رسالةحنان ثامنة وثلاثون إلى أمّي

    أمّاهْ...تتراءى لي روحك في طيفها الأثيريّ, شفيفة النّقاء والصّفاء, تتماهى في برزخ عالمالذّرّ... حيث يتجلّى بديع صنع الله في عظمته وقدرته ووحدته... وحيث عجائب الخلقوغرائبها ترسي معايير المعادلات ومقاييسها في أقانيم الحبّ والعشق من رحم المودّةوالرّحمة الّتي أودعها الله في صدور الخلّص له من عباده...

    مريميّات في رسالةحنان تاسعة وثلاثون إلى أمّي

    أمّاهْ...ما أحلى وأطيب حلاوة الشّهد المنساب من رضابكِ فوق شفتيكِ متساقطا عند قرمزيّةلماكِ... وما أجمل تلك الوضات الّتي تتجلّى في مآقي عينيكِ العسليّتين... وهي تزرفبعض الدّمع الدّافيء ينساب فوق وجنتيكِ وأنتِ تدندنين لي كي أغفو بين يديكِ, حالمةبالحنان المنعش لروحي ونفسي وكينونتي...

    مريميّات في رسالة حنانأربعون إلى أمّي

    أمّاهْ...لو تعلمين أمّاه ماهية الأحزان والإكتئاب وصعوبة الإبتعاد والهجر والفراق؟!...ليتكِ أمّاه تدرين ما أنا فيه من الحيرة والقلق من جرّاء قهر الأيّام؟!... وليتكِتعرفين أنّني كلّ يوم أرتحل إليك وأبوح لك بما يتفاعل في كينونتي من ظلم الآخرينلي؟!... أبكي عند تراب قبرك حتّى أرتحل في غيبوبتي لأجل... وأضع على ضريحك باقة منالورود والرّياحين, تضوع بالطّيب لأنفاسك الطّاهرة... وأعود القهقرى إلى سجنيالّذي عليه اعتدت في هذه الدّنيا, بإنتظار حكمة الله...

    مريميّات في رسالةحنان حادية وأربعون إلى أمّي

    أمّاهْ... أَنْتِ فِتْنَةٌ فِي جَنَّةِ الحَيَاةِ, صَاغَالله قَلْبَكِ مِنَ شَفِيِفِ رُوْحِهِ, خَفْقُ نَبَضٍ بِالحَنَانِ, صَدَىالأَنْفَاسِ الدَّافِئَةِ... أَنْتِ سَوْسَنَةٌ تَتَنَهَّدُ مَعْ كُلِّ صَبَاحٍوَمَسَاءٍ, وَرَذَاذُ الطِّلِّ هَامٍ عَلَى الأَكْمَامِ, يَا غُرَرُ الجَمَالِتَتَأَلَّقُ عَلَى جَوَانِحِ المُقْمِرَاتِ... بِكِ كَانَتِ بَدْءُ الكَائِنَاتِ,مِنْ رَحَمَكِ صَاغَ الله رَوَائِعَ الرَّئِعَاتِ, يَا أُمُّ الحَيَاةِ... يَامَنْ سَامَرْتِ أَحْلاَمِي فِي اللَّيْلِ وَالسُّبَاتِ, يَا مَنْ سَقَيْتِنِيالحُبَّ وَالعِشْقَ فِي أَكْؤُسِ هَانِئَاتٍ... أَنْتِ نُعْمَى الوُجُوْدِ,وَطَيْفُكِ دَائمًا يُلْفِتُنِي, يُحَرِّضُ فِي كَوَامِنِي الذِّكْرَيَاتِ...

    مريميّات في رسالةحنان ثانية وأربعون إلى أمّي

    أمّاهْ... صَغِيِرَةً كُنْتُ أُنَادِيِكِ بِلَهَفٍ,وَشَوْقٍ مُتَعَاظِمٍ لَكِ... كُنْتِ دَائِمًا مِثَالُ الجَمَالِ أَرَاكِ, وَكَمْكُنْتُ أَتَمَنَّى أَنْ يُسْبِغَ الله عَلَيَّ وَمَضًا مِنْ حُسْنَكِوَجَمَالكِ... صَدْرُكِ الدَّافِيِءِ بِالحَنَانِ, كَانَ لِي أَفْضَلَ وِسَادَةٍ,أُلْقِي بِرَأْسِي إِلَيْهَا, وَأَرْتَاحُ عَلَيْهَا... حَمَلْتِيِنِي تِسْعَةَأَشْهُرٍ فِي بَطْنَكِ, وَكَثِيِرًا تَأَلَّمْتِ بِي... أَطْعَمْتِيِنَنِي مِنْصَدْرَكِ كُلَّمَا الجُوْعُ إفْتَرَسَنِي... وَحَمَلْتِيِنَنِي بَيْنَ ذِرَاعَيْكِكُلَّمَا أَجْهَشْتُ بِالبُكَاءِ وَالصُّرَاخُ أَخَذَنِي... وَكُلَّمَا غَفَوْتُكُنْتِ تَرْكَعِيِنَ قُرْبَ سَرِيِري... لَيْتَنِي بَقِيِتُ صَغِيِرَةً,وَبَقِيِتِ بِقُرْبِي يَ أُمِّي...

    مريميّات في رسالةحنان ثالثة وأربعون إلى أمّي

    أمّاهْ... تَكْرِيِمًا وَعَرَفَانًا لَكِ وَبِكِ,جَعَلُوا لَكِ عِيِدًا سَنَوِيًّا, يَتَجَدَّدُ مَعْ نِهَايَةِ كُلَّ شِتَاءٍوَإِطْلاَلَةِ كُلَّ رِبِيعٍ... حَيْثُ تَتَوَازُنُ الأَوْقَاتُ عَدَلَةً,وَيَتَسَاوَى حِكْمَةَ خَالِقٍ, زَمَنُ اللَّيْلِ وَزَمَنُ النَّهَارِ... وَحَيْثُتَتَبَرْعَمُ أَكْمَامُ الأَغْصَانِ اليَابِسَةِ وَتَتَوَرَّقُ, وَتَتَمَوْسَقُالأَوْرَاقُ بِالحَنَأنِ... وَتَتَفَتَّحُمَيَاسِمُ الوُرُوْدِ, وَتُزْهِرُ وَتَتَفَتَّقُ بِالأَزْرَارِ, وَتَتَشَذَّىبِالطِّيِبِ يَنْتَشِرُ فِي الأَرْجَاءِ... وَتُنْبِتُ الأَرْضُ بِالحُبِّوَالعِشْقِ, وَتَلْبِسُ الطَّبِيِعَةُ أَجْمَلَ ثِيَابِهَا مِنْ سُنْدَسِ الإِخْضِرَارِ...كُلُّ ذَلِكَ إِحْتِفَاءً بِكِ يَا أُمِّي... لَيْتَ كُلَّ الفُصُوْلِ فُصُوْلَالرَّبِيِعِ, وَلَيْتَ كُلَّ الأَسَابِيِعِ أَسَابِيِعَ الوَفَاءِ وَالإِخْلاَصِ,وَلَيْتَ كُلَّ الأَيَّامِ أَيَّامَكِ يَا أُمِّي...

    مريميّات في رسالةحنان رابعة وأربعون إلى أمّي

    أمّاهْ... عَيْنَاكِ الثَّقِبَتَانِ أُمَّاهُ,نَجْمَتَانِ مُتَلأْلِئَتَأنِ, تَخْتَصِرَانِ كُلَّ النُّجُوْمِ, الوَامِضَةِ فِيدُجَى اللَّيِلِ, قَنَادِيِلَ مُعَلَّقَةً فِي قُبَّةِ السَّمَاءِ... وَوَجُهُكِأُمَّاهُ المُشْرِقِ بِالبَسْمَةِ, بَدْرٌ وَامِضٌ بِالبِشْرِ وَالضَّوْءِ,يَخْتَصِرُ كُلَّ البُدُوْرِ, المُتَكَوْكِبَةِ فِي كَبِدِ اللَّيَالِي...لأَجْلَكِ أُصَلِّي أُمِّي بَيْنَ يَدَيِ الله, مِنَ الغَسَقِ حَتَّى الفَجْرِ,وَأَبْكِي وَأَتَهَجَّدُ حَتَّى الصَّبَاحِ... وَأَنْتَظِرُ قُدُوْمَكِ البَهِيُّمَع سَيَّالاَتِ الشَّمْسِ, الَّتِي تُطِلُّ عَلَى مَدِيِنَةِ الشَّمْسِ مَنْخَلْفُ الأُفُقِ... فَكُلُّ الصَّبَاحَاتِ لاَ رَوْنَقَ لَهَا بِدُوْنَكِ...وَكُلَّ اللِّقَاءَاتِ وَالمَوَاعِيِدِ وَهْمٌ بِلاَ حُنُوَّكِ...

    مريميّات في رسالةحنان خامسة وأربعون إلى أمّي

    أمّاهْ... كَمْ أَنْتَظِرُ شَوْقًا وَحَنِيِنًاوَتَشَاغُفًا, قُدُوْمَ انْبِلاَجِ الصَّبَاحِ, كَيْ يَحْمِلُنِي حَالِمَةًإِلَيْكِ عَلَى صَهَوَاتِهِ الأَثِيِرِيَّةِ, المُرْتَحِلَةُ فِي الرِّحَابِالمُمْتَدَّةِ عِبْرَ ثَنَايَا حَنِيِنِ الأَنْسَامِ... أَتَذَكَّرُ أَيَّامَالطُّفُوْلَةِ وَالحَنِيِنَ وَالوِدَادِ, وَأَتَذَكَّرُكِ أُمَّاهُ, فَتَلْتَهِبُلَكِ عَوَأطِفِي, وَتَجِيُِشُ بِي أَحَاسِيِسيِ, وَتَتَّقِدُ كَمَا البُرْكَانِ...أَعِيِشُ حَيَاتِي مُعَذَّبَةً, أَرْقُبُ عَوْدَتَكِ مَعْ كُلِّ مَسَاءٍ وَصَبَاحٍ,وَيَطُوْلُ بِيَ الإِنْتِظَارُ عِنْدَ مَرَافِيِءِ الحَيَاةِ... صَادِقَةُالوَعْدِ لَكِ أُمَّاهُ, وَالأَحْزَانُ تَشْهَدُ, مَا جَفَّتْ مِنِّي المَآقِي,وَلاَ الأَشْجَانُ عَرَفْتُ لَهاَ إِطْمِئْنَانْ... أَبْكِي وَأَبْكِي,زُوَّادَتِي ذِكْرَى الأُمُوْمَةِ, وَأَنْسَامَ الحَنَانِ...

    مريميّات في رسالةحنان سادسة وأربعون إلى أمّي

    أمّاهْ... عَصْفُ الرِّيَاحِ, وَإِنْ جُنَّتْ, مَهْمَاتَعَاظَمَتْ عَصْفًا, لاَ تُقْلِقُنِي... وَقَصْفُ الرُّعُوْدِ, وَإِنْاحْتَدَمَتْ, مَهْمَا إشْتَدَّتْ رَعْدًا,لاَ تُرْعِبُنِي... فَفِي رُوْحِي الشَّفِيِفَةِ, هَمْسُ حَنِيِنٍ, أَعْظَمُ مِنْعَصْفِ جُنُوْنِ العَوَاصِفِ, حَنِيِنٌ يُطَمْئِنُنِيِ... ذّلِكَ حَنِيِنُكِالَّذِي أَسْتَشْعِرَهُ فِي البُعْدِ يَا أُمِّي... وَفِيِ كَيْنُوْنَتِيالأَبِيَّةِ, نَزْعُ صَوْتٍ بَعِيِدُ الرَّجْعِ, هَائِمٌ فِي الإِمْتِدَادَاتِ,أَتَحَدَّى بِهِ إِشْتِدَادَ قَصْفَ الرُّعُوْدِ, صَوْتٌ عَازِفٌ يُطْرِبُنِي...ذّلِكَ الصَّوْتُ الشَّجِيُّ, هُوَ صَوْتُكِ الحَانِي, فِي البُعْدِيُنَادِيِنِيِ, وَيُشْجِيِنِي يَا أُمِّي...

    مريميّات في رسالة حنانسابعة وأربعون إلى أمّي

    أمّاهْ... نَكَبَاتُ الأَيَّامِ, وَإِنْ تَكَاثَفَتْفَوْقَ كَاهِلِي, لَمْ وَلَنْ وَلاَ تُرْهِقُنِي... وَالبَلاَيَا وَإِنْ هَجَمَتْعَلَى قَلْبِي, فَلَمْ وَلَنْ وَلاَ تُحْبِطُنِي... وَجُوْرُ الزَّمَانِ, وَإِنْتَعَاظَمَ زُوْرًا وَبُهْتَانًا, لَمْ وَلَنْ وَلاَ يَفَلَّنِي... وَالرَّزَايَامَهْمَا هَدَّتْ مِنْ سُوْرَ آمَالِي وَحَطَّمَتْ, فَلَمْ وَلَنْ وَلاَتُحَوِّلُنِي يَبَابًا وَلاَ خَرَابًا... فَإِنَّ فِي حَيَاتِي أَمَلاً,أُحَاكِيِهِ وَيُحَاكِينِي, كَأَنَّهُ السَّيْفُ المَسْلُوْلُ فِي وَجْهِ المَنَايَا,يَدْرَأُ عَنِّي وَيَحْمِيِنِي وَيَزُوْدُ عَنِّي وَيَحْرُسَنِيِ... ذّلِكَالمَلاَكُ الأَمِيِنُ, طَيْفُ أُمِّي...

    مريميّات في رسالةحنان تاسعة وأربعون إلى أمّي

    أمّاهْ... ذِكْرُكِ المُبَارَكُ, أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْعَبَقِ الطِّيِبِ, وَضَوْعِ العَبِيِرِ, وَأَذْكَى لِي مِنَ الشَّذْيِاللَّطِيِفِ, يَتَمَاوَجُ فِي ثَنَايَا تَمَوُّجَاتِ الأَثِيِرِ... وَأَحَنُّوَأَشْجَى, مِنْ مَوْسَقَةٍ حَانِيَةٍ عَلَى الوَتَرِ الأَوْحَدِ, تَتَوَالَدُمِنْهُ أَنْغَامٌ, عَلَى إِهْتِزَازَاتِ الوَتَرِ الشَّرُوْدِ... مُحَيَّاكِ وَأَنْتِفِي خُشُوْعٍ تُصَلِّيِنَ لله, فِي العَشَايَا وَالسُّحُوْرِ, وَتَضْرَعِيِنَتَهَجُّدًا وَإسْتِغَاثَةً لِلْمَوْلَى القَدِيِرِ... تُنَاجِيِنَنِي عَلَىمَهْلٍ, قُرْبَ السَّرِيِرِ, وَأَنَا أَغْفُوْ حَالِمَةً, وَإِلَيَّ يَرْنُوْطَرْفُكِ تَارَةً وَأُخْرَى لِلْعَلِيِّ البَصِيِرِ...

    مريميّات في رسالةخمسون إلى أمّي

    أمّاهْ... كُلَّمَا حَاوَلْتُ أَنْ أَسْتَلَّ القَلَمَ,كَيْ أَبُوْحَ لَكِ, عَمَّا يَعْتَلِجُ فِي كَوَامِنِي, وَأَكْتُبَ لَكِ هَذِهِالكَلِمَاتِ, مِنْ حَرْقَةَ نَفْسِي عَلَى رَحِيِلَكِ, وَبُعْدَكِ عَنِّي,أَتَرَدَّدُ كَثِيِرًا؟؟؟!!!... غِيَابُكِ تَرَكَ لَنَا فَرَاغًا, قَدْ كُنْتِلَنَا نُوْرًا وَهَدْيًا, وَطَيْفَكِ كَانَ وَيَبْقَى وَسَيَبْقَى لَناَ وَبِنَاحُضُوْرًا رُوْحِيًّا أَبَدِيًّا, وَكُلَّ مَا عَدَاهُ لاَ مَعْنَى لَهُ...غِيَابُكِ عَنَّا, فَرَاغٌ رَهِيِبٌ فِي دُنْيَانَا, شَعَرْتُ بِهِ مَع اليَوْمِالأَوَّلِ لِغُرُوْبَكِ عَنِّي... وَخَيَالُكِ لاَ يَبْرَحُنِي, وَدَائِمًاوَأَبَدًا أَرَأهُ أَمَامِي, فَأَرْتَعِشُ وَأَنْتَعِشُ مُجَدَّدًا...

    مريميّات في رسالةإحدى وخمسون إلى أمّي

    أمّاهْ... شاء الله لكِ ما شاء, وبمزيد من الرّضىوالتّسليم, تقبّلت ما شاء لكِ الله... فما طال العمر بكِ سيّدتي وما طال بناالزّمان, حتّى انتقلتِ إلى رحاب الله الواسعة, وغدوتِ تسكنين تحت الثّرى...تركتيني وحدي, وسافرتِ على صهوة راحلة الموتِ, لا معين لي, يجتاحني الحزن, ويسكننيالكمد, لا عضد لي, ولا من أسكن إليه, حتّى غدوتُ فاقدة الصّبر, هائمة على وجهي,أضرعُ لله يُلهمني السّكينة والهدأة, كي أمسكّ أمري...

    مريميّات في رسالةثانية وخمسون إلى أمّي

    أمّاهْ... كم أقضي الليالي باكية, أذيب دمعي الصّارخ,شوقا ولهفا لكِ... لمن أشكو أمري سيّدتي؟! والكلّ من حولي يتجاهلني, والمآسي هدرتكياني, وأثقلت على كاهلي كلكلها... حبُّك أمّاه هو عشقي, هو فخري واعتزازي, أنتِهواي, وهواكِ أنسام عليلة حانية من ربوع مدينة الشمس... إليكِ أبوح في سرّي وفيعلانيّتي, وقلبي يعتصره الحزن عليكِ, وروحي تئنُّ في برزخها, ونفسي خارت محطمّة,وجسدي وهن من الألم عليكِ... فهل يا أمّاه ألقاكِ ثانية؟!...

    مريميّات في رسالةثالثة وخمسون إلى أمّي

    أمّاهْ... أتلفّت حولي بحذر شديد, أستيقظ في كنف الليل,والكوابيس تتملّكني, أحدّق في أوجه الظّلام حيرى... تغيمُ عيناي بدموع الذّكرى الأليمة,وأنا أحاول جمع بذور مصابي برحيلكِ, أغرسها وأعاودُ غرسها في حنايا ضلوعي... كمأجثو وحيدة أجترّ الأحزان, وتجترّني الآلام, قرب تراب قبركِ؟! والموتُ يُطعمنيرغما عنّي لُقمته... إليكِ أمضي كلّ يوم مع الشّروق والغروب, أبثُّ لكِ كلّ حكاياتحزني وألمي ووجعي, فواهٍ واهٍ لموتكِ أمّي...

    مريميّات في رسالةرابعة وخمسون إلى أمّي

    أمّاهْ... كم أتمنّى أن تعودي لي, رغم يقيني بإحالةعودتكِ؟!... أحلم وأنا بهذا العمر الذي تجاوز الصّبا, أن تُهدهدينني, مثلما لو كنتطفلة صغيرة, وأن تُلاعبينني كما كنتِ سابقا تُلاعبيني, وأن تزرعينني في ثرى مدينةالشّمس, شجرة غضّة يانعة مزهرة مثمرة, ترمي بظلالها وفيئها, تأوي إليها الأطيارالصّادحة, والعصافير الزقزاقة, والسّنونو الحالمة, والحمائم واليمائم الهادلة,وتتفيّأ ظلالها كلّ الأحباب والعشّاق في رضى الله وتقوى الله...

    مريميّات في رسالةخامسة وخمسون إلى أمّي

    أمّاهْ... جبيني المشرق بالنّور, بعضُ إشراقاتِ ضياكِ,وصدري المفعم بالإيمان, بعضُ ومضاتِ هُداكِ, وقلبي المتموسق بالتّشاغف لكِ, بعض مندفء حنانكِ, ووجداني الذي لا تغيبين عنه, بعضُ من قبس ذكراكِ, وعقلي المتفكّردائما بكِ, بعضُ من حكمة فكركِ, ووعيي الباطنيُّ الذي أنتِ قوامه, بعضُ نور وعيكِ,وعرفاني الذّاتيُّ الذي أنتِ أسسه, بعضُ شعلة عرفانكِ... بكِ أمّاه عقلنتُ قلبي,وبكِ أمّاه قلبنت عقلي, وبكِ وعيت وعيي, وبكِ ذاد عرفان ذاتي... رحماكِ, رحماكِ,رحماكِ, وطيّب الله أبي وثراكِ...

    مريميّات في رسالةسادسة وخمسون إلى أمّي

    أمّاهْ...أرسلي لي طيفكِ الأثيريّ الشّفيف, النّقيّ الصّفيّ الوضّاء... أرسليه لي, ذات ليلةكثيفة الظّلام, أرسليه يتلألأ في كنف الهدأة والسّكينة الغسقيّة, ويتهادى لي منعمق وقلب نجمة الصّبح الإشراقيّة, ليحملني عبر سيّالاته القدريّة, حيثما تبدووامضة رؤاكِ... فأذداد إيمانا على إيمان, وأكتنز تقوى على تقوىً, وأسمو سموّا علىسموٍّ, وأحمل ذاتي بذاتي, كي أعرج في مسارات الخيط الفضّيّ, الممتدُّ بين الأرضوالسّماء, وأتواصل بكِ روحا أثيريّة شفيفة, تنتعش في برزخ الحقّ والإيمان ورضىالله وتقوى الله...

    مريميّات في رسالةسابعة وخمسون إلى أمّي

    أمّاهْ...أنا سجينة ربقة جسدي, الكثيف بالمادّة التّرابيّة, المخلوقُ من الحمأ المسنون,وسجينة كهوف هذه المرذولة, التي يُسمّونها الأرض, وهي فانية, وكل شيء فان, ولايبقى سوى وجهه الكريم بعد فناء كلّ الأشياء... وأنا يا أمّاه, أعيش مُجبرة في العصرالقاهر الفاجر الكافر, حبيسة الأعراف البالية, والتّقاليد العفنة, ومزاجيّاتالعشيرة القبليّة, التي تتماهى بها النّفوس المريضة, والعقول الصّدئة, الموبوءةبالفصام, تحت ستائر وأوشحة وديثارات, متعدّدة الألوان والأشكال, تتنافخ بما ليسفيها... فمتى أمّاه تدعينني إليكِ, كي أرتاح؟!...

    مريميّات في رسالةثامنة وخمسون إلى أمّي

    أمّاهْ...إغسليني سيّدتي من ذنوب هذه الأرض, المليئة بالشّرور, التي تتربّص بي من كلّ حدبوصوب, والتي تتعاظم وتتكاثف يوما عن يوم... وامنحيني أمّاه, من الأمل المرتجى,الذي يُحاكيني, وأُحاكيه في البعد المأمول... واضرعي لي عند الباري, حيث أنتِ, فيمثواكِ الأخير, لِيزداد يقيني, علّ يوما ما, فيهِ ألتقي بكِ وأراكِ... إنّي ها هنافي حياتي الفانية, وفي شجوني المتعاظمة, وفي أحزاني التي تفترسني, أرفع يدايللسّماء قانطة داعية مستغيثة متضرّعة, أستجدي طالبة آملة رضى الله ورضاكِ...

    مريميّات في رسالةتاسعة وخمسون إلى أمّي

    أمّاهْ...طواكِ الرّدى, على حين غفلة منّي, وزُفّ جثمانكِ إلى مثواه الأخير, ورقد هامداساكنا تحت الثّرى في روضة قبرك, وهامت روحكِ الطّاهرة في رحاب الله, وعادت نفسكالمطمئنّة ورجعت إلى ربّها بارئة, راضيّة مرضيّة, ودخلت عباده ورياضه ورحابه...وبموتكِ أمّاه غاضت ينابيع المحبّة والحنان, وتخيّلت روحي, نزلت معكِ في حفرةالقبر, بعدما رافقة نعشكِ المسجّاة عليه... وقلبي أحسسته يدُبُّ حزينا كئيبالفراقكِ, ونفسي ما زالت حتّى اليوم وتبقى وستبقى, تسكب توجّدها عند تراب قبرك...
    حسين أحمد سليم
    hasaleem
  • أبوقصي الشافعي
    رئيس ملتقى الخاطرة
    • 13-06-2011
    • 34905

    #2
    أشكرك الحبيب على الطرح
    الرائع و مناجاتك لست الحبايب
    ومن تكن الجنان تحت قدميها
    لغتك غاية في الاتقان و الجمال
    مريمياتك شجية خلابة
    واسمح لي اخي الحبيب
    بسرد ملاحظة بسيطة
    من تلميذك قصي
    النص طويل جدا
    لو قسمته لكان أفضل


    وأشكرك أخي الحبيب
    نصك جميل جدا
    و غاية في الإتقان
    رحم الله والدتك التقية
    و أسكنها فسيح جناته
    تقديري و أكثر



    كم روضت لوعدها الربما
    كلما شروقٌ بخدها ارتمى
    كم أحلت المساء لكحلها
    و أقمت بشامتها للبين مأتما
    كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
    و تقاسمنا سوياً ذات العمى



    https://www.facebook.com/mrmfq

    تعليق

    • ريما الجابر
      نائب ملتقى صيد الخاطر
      • 31-07-2012
      • 4714

      #3
      لا تمل العين من متابعة ما ينزف القلم
      عن حبيبة القلب ، ونبض الشرايين ( أمي) رزقني الله وإياكم برها
      ورحم من مات منهن وتغمده بواسع فضله

      عانقت السطور، وانسابت أحرفها تبعث الاشتياق
      تمتمات وهمسات نقية ، ولؤلؤات ازدانت بها الصفحة
      وسام على صدري مطالعتها
      http://www.pho2up.net/do.php?imgf=ph...1563311331.jpg

      تعليق

      يعمل...
      X