الاستشراف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سعدي صبّاح
    أديب وكاتب
    • 22-06-2008
    • 26

    الاستشراف


    الاستشراف ...
    - [IMG]file:///C:/DOCUME%7E1/ADMINI%7E1/LOCALS%7E1/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image002.jpg[/IMG]سعدي صباح

    عرفتُ عثمان منذ كان غضّـاً لا يعرف للحياة معنى ... لعبنا بين المروج وارتمينا على الثرى ورعينا السخال بالمراعي الخضراء ... كنّا ننتظر التنّور بما يجودُ علينا من خبز الشّعير ! .. تعلّمنا الأبجدية على ظهر حمار أحوّ هزيل يتمشى وئيدا بنا إلى مدرسة البرواق الشّطيرة ! ، أتبعه كظلّه كلّ مساء نتصيّد نسمات البوادي من وراء شيج البريّة والمثنان و أشاطره قنص العصافير ونصب الفخاخ للكروان العسلي ، أحبّ فيه فطنته وتفوقه على الأتراب ، هو مأسور بالطّيور ومسحور ...يجلّونه أطفال الدّشرة وتحبّه معلّمته الحبّ الكبير ، اشتهر بتميّزه وتفرّده .. فلاح اسمه في عنفوانه ، أحبّ الطبيعة فأبحرها وأعطته أكثر مما أعطته معلمته الرؤوم ! ، فاقتنص من النّملة صمتها.. ومن النّحلة التزامها ..ومن العصافير رؤمها .. ومن الحساسين شدوها.... ومن السّخال وداعتها.... ومن صقور الشّماريخ شموخها.. ومن كلاب الدّشرة وفاءها.. ومن البومة الغريبة سمرها ! .. هام في بيوت الشَعر فتفجّرت موهبته، فراح يقرض الشّعر على منوالها ، مازلتُ أحفظ له أول خاطرة يتغزّل فيها بحسناء بسواحل الثعالبي.. وإن لم تسكنه ما سكنته أبالسة الشّعر..هكذا قرّلي جنب الرّابية، عرفَ بوحيرد دون أن يراها وكتبَ فيها نونيّة قرأها على مسمعي جنب الغدير ... أدمنَ عشق الكتب فاستبدت به، .. فلا تخلو محفظة الشوالق من جبران ولا وسادته المهلهلة من بدوي الجبل ... قرأ لمفدي فتزيّا به ....حفظ لوردة:"بلادي أحبّك" وحفظ لدرياسة : " حزب الثّوار " شغوف بلوحاته يموت في الفن الذي يسمو به.. فاز الوحيد في دورة الكهول وشاءت الأقدار أن يرحل إلى المدينة مكرها .. فتبوّأها ومازال يراوده ذاك الحنين ، أحبّ ابن باديس فاهتدى بهديه.. والأمير فتمسّك بشمائله ، أحب كاشرو من أجله وجعلها محجّا له ، أرادته المدينة فمنعته شياطين الشّعر. شرفته الطيران إلى الأقاصي تسمو به أجنحة الذّاريات ،.... تواق إلى الروابي يقترع الشّعف السوامي حتى صارت البلاغة حشوا لبنانه .. والرّفض شماته ! ودّع الكروان العسلي فابتلعته مقبرة البشر، واستبدت به الخلوة، وما غرفه من أمهات الكتب تحوّل إلى خصال ، تناسلت أفكاره .. يطمح أن يجسدها في هذا الوطن يناشدُ بالتطّهير ، والسياسة عنده فنُّ مثل الشّعر والموسيقى ! ، يؤلمه من يهتك أعراض الورى ويدّعي بأنه ضدّ الصولجان ، يبحث على البياض عن نقدٍ شريف لرجال هذا الوطن.. يناضل بنظم القوافي حتى وإن تكن حبراً على ورق! ، يرفض الكراسي لأنه متمرّدحتى على نفسه ! لذلك كان كلّما أرادوه أحجم .. قوّال أحبّ النجمة والهلال حفظ الإلياذة رسم " أعطيناك عهداً " على دفتر المذاكرة ، واستأنف من الأقنعة والقشور الآنية .. معتبراً قصائده لا تصلح لزمن استحالت فيه سلالة الطين إلى خشب !، تأجّجت جذوته بسنين الخراب فأطلق الرّصاص من شعره على الإخوة المتناحرين ! إيمانا منه بأن موت أحد الطرفين خيانة عظمى لهذا الوطن ! ، تنبّأ ساعتها بانفلاق القمر.. وغرّد على المنابر.. يوم ذبحت فيه العصافير على الشّجر ! ، أحبَّ القمرواحتفى في النّجوىبمواقفه اتجاه النوابغ وصفوة البشر .. مدحه بقصيدة، أبكت الحيارى والثكالى .. وها هو الآن يتنبّأ بالتغيير.. لكن ليس كما يريده البعض.. يريده بدءاً من السفوح ً إلى أن يصل الذرى ، تهمّه الوحدة المغاربية يحبّ الخضراء ويرى الجماهيرية ضحيّة الرّبيع ،نظّم الرّبيع الأدبي نقيضا لربيع الخراب والدّمار..بداخله بوعزيزي يروّض لحنا ..شاعر يضمر همسا حزينا ..ينهره سرا عاذلا إياه وعاذرا ، كم تعذبه عواصف الرّبيع ويعكّر مجازه وهو يرى مستولغين يتصدّرون القوائم ! أصيب بالذّهول إزاء هياكل انتصبت بعدد الخطايا بحثا عن حقّها في الصّولجان أو في النّهب من يدري ؟ .. وفتحت النّهار أبوابها للهراء فتفطّن لتهميش أمثاله الذين لا يصلحون إلا للتغريد.. فاعتنف الشّعر وأهله... هجرته الأبالسة بعدما وجد نفسه بحاجة شديدة إلى مراجعتها.. رمى شعره باللائمة نهره :شعري أنت ليس مجرّد حرفة يكون النّجاح فيها ببراعة التغريد.. .. يحلم بأن يتحوّل إلى طائر مهاجر نحو مبتغاه .. قد يُراشقُ .. قد يجوع. قد يتحطّم ولكن بداخله رسالة أسمى، وسيظلّ إلى أن تعانق عيناه حبّات الثرى ! يرى الحالمين بالقبّة على خطأ !.. يريد من هؤلاء الذين يلهثون وراء المجد أن يُصحّحوا أنفسهم ويكونوا أمثلة للرعيّة ، فالشّاعر بداخله يحملُ رسائل لذلك يطمحُ أن يختار له ولغيره الذي يتفهّمه.. وفضّل وقطار القبّة يطلق صرخاته أن يكون خادماً للذرى من أن يظلّ ذنبا لها ! .. شغلهُ تحويل الدرب وهو يرى العزوفَ عن الشّعر وعلى يقين من أنّ طين الله الذي ركّبه تحوّل إلى أخشاب تنعدم فيها رهافة الحسّ .. عجزَ شعره عن إمتاع الخشب ! معلّلاً في النجوى نصيب كتبه من الفئران أكثر من نصيبها من الخشب إلا ما رحمَ ربِّي !وأشرطة الزّهوانية أكثر رواجا من دواوينه التي أحرقت دمه من عهد الكروان العسلي !ويرى ميرا نخر المدينة واستمر في احتياله ليتخذ من "البرمة مال" ذريعة لمواصلة عبثه..لعن سرا الشّعر والرّواية وتوغّل في التفكير.. معتبرا نفسه نصف امرأة على أقل تقدير !
    خرجَ عن جلدته في هذا الزّمن الذي شابه فيه الشيء ضدّه .. تبـاً لممثلين فاسدين اقتحموا القبّة سلفا بفضل صالحين جُبلوا على حبّ الرداءة ! ~ .. هكذا قال في نفسه ومن حبّ دفين لعرشه المكين أصر على الولوج في المعمعة ...معمعة ربيع "البرمة مال" وسار رهوا إلى مقهى النّوارس ..خلا بنفسه.. شعل سيجارة أخذ نفسا عميقا .. عاد إلى زمن الكروان فتذكّر نجلا له ..أخرج هاتفه رن .. رن.. فرد النّجل ولم يصدق : أهلا شاعرنا الكبير .. عهدناك تشرّفنا دائما .. رأيناك على صفحات الجرائد وسمعناك عبر الأثير ... أثنى عليه وشيّد ذكراه ولحاجة بالغ في تقريضه .. أفصح شاعرنا أتريد تنظيم أمسية ؟ .. فالقاعة لك .. وقد نحتاج لك هذه الأيام إذا لزم الأمر . توعّر الشّاعر الأمر ثم تشجّع : أنا يا صاحبي شبعت شعرا وأستطرد والله لا أدري لماذا ؟أ أ وتلعثم لسانه !... . فقاطعه أمر ماذا ؟ الانخراط . فردّ: لا أظن .. لقد أنهينا القائمة البارحة ليلا ! فترّجاه: حاول يا حميمي ولا يهمني الترتيب ! فكر النّجل ثم أطمأنه : عندنا الرتبة السادسة رفضها أحد العطّارين ! أترضيها ؟ وردّ مغتبطا : نعم .. نعم أنا ممنون لك.. ! ، نال الشّاعر ارتياده وشكره : أنت منيتي ومرادي .. أتمسّك بحبلك بعدما نبا بي حبل الشّعر والشّعراء ... أخرس النّوكيا وعاد إلى المدينة بسرعة البرق لجمع الأوراق ،تسبقه فرحته ! وسادت الفرحة مترشحي الوفاء بعد أن تخلّصوا من تحضير الخطابات ! ، أنجز مطوية كتب عليها أول قصيدة تغزّل فيها بحب فاتنة تسكن الشّطآن .. يبرز محاسنها والقطب الرّباني "سيدي عبد الرّحمان " ورصّع على حواشيها صورا مع فنانين من تونس والمغرب ولبنان ! .. شفعت له مواقفه فشغل كلّ المدينة ! .. ولاحت تباشير المجد للوفاء ! والأنصار متيقنون بأنّ الشّاعر على خطى ثابتة اتجاه "البرمة مال" .. بدأ عرينه يغصّ بحشود البشر مع كلّ ليل دامس ! .. وهو منكب السّاعات الطوال على تحضير الخطابات .. يقص كلّ ما يدور ويترصّد.. بعد أن أكّد له الشّارع الطّويل الظّفر بقبّة " البرمة مال " ! .. زوجته تحولت إلى طاهية للكسكس وماهرة في إعداد الشاي والحلوى والمكسرات.. ، هي الآن زوجة "برمة مالي" ! لا زوجة شاعر يخونها على الورق ! ومترشحي الوفاء أقوياء بالشّاعر وتشذّره للتغلب على المعمعة حتى الفوز العظيم ، وراهن الأنصار جهرا على حصادهم لثمانية مقاعد على الأقل ! تناسى الرّمل والخبب وشغله الوعاء الجماهيري ... بدأ مشواره... تطرّق إلى البطالة وردع الخشخاش الذي غزا ديار المسلمين ! الرّشوة واجتثاثها من الجذور ! و انتوى تمرير رسائله المكدّسة منذ عهد الكروان ! وها هو بابه يطرق كل حين وهاتفه لا يتوقف على الرنين ! وهو مغتبط ، إذ كان بينهم أفصح لسان! وبعد أيام قلائل سيصبح الشّاعر البدوي في "البرمة مال" ! تراه زوجته على اليتيمة .. تراه ليلاه ويراه معشر الشّعراء ويراه الخلان! وعلى حين غرة انفلق القمر في الهضاب ..تهمّس له .. اقتنص من شفتيه رسالة مشفرة ! ومرت الأيام رعناء.. ودقت الأجراس تنعي أخر يوم من عرس البغل والحصان ! .. وغدا يكرم المرء أو يهان ! وأتضح للشّاعر جليا بأنه تردّى ببحر متلاطم الأمواج ! وهمس القمر حزّ في نفسه ... تذكر عرابدةدنّسوا القبّة وعاثوا في الأرض فسادا... هجع اللّيلة وما لبث أن أفاق من عراه وهمس القمر يتردّد على مسمعه كال نّشيد ... القمر الذي زوّى الحبل ليهول المغضوب عليهم! جن الشّاعر .. حفت به الوساوس واستبدّ بيه التفكير شعل سيجارة فسيجارة من أخت لها ! وارتشف قهوة باردة أخر ليل انقلبت فيه المفاهيم ! ومع انبلاج الفجر نزع القناع بينه وبين نفسه ! .. دنا من حافظته .. أخرج بطاقة النّاخب وسرى كالنّسيم ! يتصدّى للصواب والاستشراف له .. لج باب الاقتراع .. تفرّس قوائم بعدد الذّنوب ! تأبّطها على أخرها ولوى خلف الستار ... تفحّصها من جديد تأمّل مليا قائمته ... رماها بالعار وأخر الحكاية منحها للثّوار ! ليثبت للشّاعر الذي بداخله بأنّه رجل حصيف .. تنبّأ للشّمس من مطلعها ككل الأبرار .


    سعدي صبّاح
    sebbah@maktoob.com











    رِجَالُ حَارَتِنَا يَقْتُلُونَ نَوَارِسَ عَنْتَرَةْ
    تَاهِمِينَ عَبْلَة بِالغِوَايَةْ ، ثُمَّ يُطْعِمُونَ
    السَّنَابِلَ لِطُيُورِ دِيك الجِن فَهُمْ ضِدّ
    العُذْرِية لأَنَّهَا تَسْمُو عَنْ نَزَوَاتِهِم ْ...!
    ** **
    سعدي صبّاح / الجزائر
    sebbah@maktoob.com
    www.sebbah.jeeran.com
  • آسيا رحاحليه
    أديب وكاتب
    • 08-09-2009
    • 7182

    #2
    هكذا هو الشاعر الحق المسكون بالجمال و الخير و الصدق يأنف الأقنعة
    ومهما ينحرف به المسار فإنه يعود إلى نبع الشعر و يغريه همس القمر أكثر من قوائم الإنتخاب..
    سررت بالقراءة لك ..
    و استوقفتني عبارة
    "معتبرا نفسه نصف امرأة على أقل تقدير ! "
    هههه قد تكون نصف امرأة / و لو أني لا أدري معنى نصف امرأة ! / أفضل من رجل أو حتى اثنين .
    مجرّد ملاحظة أحببتها أن تصلك .
    تقديري و احترامي و تمنياتي لك بمزيد من الإبداع .

    يظن الناس بي خيرا و إنّي
    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

    تعليق

    يعمل...
    X