عيد مؤجل / قصة قصيرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • د مرتضى الشاوي
    عضو الملتقى
    • 08-07-2011
    • 85

    عيد مؤجل / قصة قصيرة

    عيد مؤجل* / قصة قصيرة
    أوشك شهر رمضان بحليته الروحانية وبقداسته الإلهية أن يجرّ ثوبه القشيب كما ينبغي في حساب الصائمين ؛ لأنّهم في آخر يوم منه قد شعروا بفراقه إذ تصرمت أيامه ولياليه كحبال الدلو المتهرئة بعد عناء السقي .
    ظلّ الناس – كعادتهم - في حيرة ولهفة انتظار بزوغ الهلال وهو يبدو دائما ً كزورق فضي ، فلا العين المجردة تراه بوضوح ، ولا العين المسلحة ( الدربين )* تكشف سرّه عند الغروب .
    كانت أعناق النساء مشرئبة نحو الأفق غارقات في الأوهام وخيالات المساء ، وينتظرن مداعبات الصباح الآتي من جديد ، وكذلك تمتمات كبار السن تتوالى نحو السماء بهتاف ونفحات قدسية يا الله ... يا الله ! ، أما الأطفال فهم في انتظار الفرحة الكبرى ، جموح ولعب وابتسامات وقهقهات تتعالى وأصوات : يا رب ، يا رب .....!!!
    متى يطلع الهلال ؟ وكيف نراه بثغر شوال المبتسم ؟ كيف أقابل أصدقائي وقراباتي غداً ؟ كيف أعانق والدتي ؟ ، وكم يعطيني أبي من المال ؟ وماذا تشتري لي والدتي من الحلوى ؟ أسئلة تتراكض وأجوبة مؤجلة في طيات الغد المؤمّل .
    إنّه الحاضر في كلّ ليلة والغائب قبيل ليلة ، قد امتطى صهوة الليل السوداء فجأة ؛ ليغيب عن عيونهم الناعسة ، ويخرج بغرة فرس بيضاء يبهر الأطفال بانحنائه أجلالاً لهم ، هكذا اعتادت نفوسنا الظامئة وقلوبنا الوالهة وأفكارنا الغارقة ؛ لرؤية الهلال ذلك " الدائب السريع ".
    الكلّ ينتظر إلى طلعته البهية ، لكن لم يبدُ بعدُ ذلك المشهد عند الغروب إذ اختفى خلف غيوم بيضاء راكضة تناثرت وتسابقت بسرعة تدفعها ريح هائجة .
    كم مذهل ومريع هذا المساء ؟ لا يحمل تباشير فرحة العيد ، ربما يجرّنا إلى يوم آخر .
    لقد طبع في أوجه الناس الحزن ، واعتاد الصائمون في نحو ما أن يعتمدوا على الرؤية بالعين المجردة كحكم شرعي أولاً ، وثانياً على مضي ثلاثون يوماً من الشهر كان العاشقون يتنافسون في ضيافته الرحمانية ، لكنّ الناس لم يروا شيئاً قط ، ولم يبن ضوئه المعتاد فظنوا أنّ العيد في خطر فراحوا يتهامسون... ويتهاجسون ... وووو .
    صاح الناس : الهلال في خطر !!! ونحن ننتظر الفرج . هل من راءٍ ينفذ بصره خلف السحاب ، فزرقاء اليمامة ما كان عليها لترمق السماء ؛ لأنّ عيونها خلقت لترى معالم الصحراء .
    ما الحل ؟ إذ لا حلّ !!!، فالأخبار من الأماكن البعيدة تأتي متأخرة ولا يمكن الاعتماد إلا على رؤية شاهد يعتدّ به .
    باتت القرية الريفية النائية في صمت بلا مذياع صوتي أو مرئي ينقل لهم نبأ حلول العيد ، فأجهزة الراديو التي تعمل على البطاريات قليلة ونادرة الاستعمال، فلا اتصال سلكي كان موجوداَ ولا جهازاً محمولاً كالذي هو في وقتنا .
    أغرق الناس في النوم بعد جهد وتعب في كشف ذلك المخلوق المطيع ، وأرادوا أن يعلموا عن أمر إطلالته فلم يفلحوا .
    راحوا ينتظرون ملامح الهلال فجراً ، وهو يطلّ بثوب شاب حسن ، وهي مسلمة في ظهوره يقيناً ، ولكنّ آمالهم تبددت بالفشل ، وتيقنوا أنّ فرحتهم بالهلال قد سرقت من قبل سماء صارت سوداء مكتظة بالغيوم ، إذ الإمطار تساقطت بغزارة وانهمرت في كل مكان بلا انقطاع ، وغاصت الشوارع بالمياه الموحلة بالطين فلا شعاع من شمس قادم إلى بيوتهم ولا ( طارش )*** يخبرهم بحتمية العيد .
    ظلّ سكان القرية صائمين في ترقب الطريق الطيني ، علّهم يجدون بارقة أمل تطلّ عليهم من بعيد .
    أقبل الظهر بأذانه كأنّه شيخ جليل عليه سمات الوقار، ولم يبادر أيّ أحد في إطراء تحيات العيد نحو الآخرين ، إذ لا عيد لهم ما لم يتحققوا من ظهوره بشهادة رجل عدل ، وشيوع رؤيته في المدن القريبة .
    وفجأة قدم ( أبو علي ) ذلك المسافر الذي شدّ السفر في كلّ سنة لزيارة أحد أقربائه في القرية الغارقة بالمطر بمناسبة حلول عيد الفطر ، وأخبرهم أنّ العيد قد تحقق في المدن الكبيرة وعند رجال الدين منذ الصباح الباكر... فرح الناس بهذا الخبر السارّ إذ ردّت المياه إلى تقاسيم وجهوهم ، وتصافحوا يغبط بعضهم الآخر.
    وسارع الأطفال في تحياتهم يجوبون الطرقات باحثين عن حلوى عيدهم السعيد المفقود في صبيحته بأقدام ملطخة بالوحل ظهراً حتى المساء .
    _______________
    *حدثت القصة في أوائل السبيعنيات في قرية ريفية نائية من قرى جنوب العراق عندما كانت الوسائل السمعية والبصرية غير منتشرة في ذلك الوقت .
    ** الدربين : مفردة تطلق على المنظار لرؤية الأشياء البعيدة بوضوح وهو منضار الجيش مثلاً أو المنضار اليدوي ذو القبضتين ، ودربين : أي الذهاب إلى مكان ما مرتين ، وهي مشتقة من كلمة درب يعني طريق أو مسار ... وقيل يلفظ ( دربيل ) وليس( دربين ) وقد حدث بها إبدال لكثرة الاستعمال .
    *** يسمي العراقيون القادم من بعيد فجأة نهاراً أو ليلاً بالطارش ؛ لأنّه يأتي خلسة بلا موعد .




  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة د مرتضى الشاوي مشاهدة المشاركة
    عيد مؤجل* / قصة قصيرة
    أوشك شهر رمضان بحليته الروحانية وبقداسته الإلهية أن يجرّ ثوبه القشيب كما ينبغي في حساب الصائمين ؛ لأنّهم في آخر يوم منه قد شعروا بفراقه إذ تصرمت أيامه ولياليه كحبال الدلو المتهرئة بعد عناء السقي .
    ظلّ الناس – كعادتهم - في حيرة ولهفة انتظار بزوغ الهلال وهو يبدو دائما ً كزورق فضي ، فلا العين المجردة تراه بوضوح ، ولا العين المسلحة ( الدربين )* تكشف سرّه عند الغروب .
    كانت أعناق النساء مشرئبة نحو الأفق غارقات في الأوهام وخيالات المساء ، وينتظرن مداعبات الصباح الآتي من جديد ، وكذلك تمتمات كبار السن تتوالى نحو السماء بهتاف ونفحات قدسية يا الله ... يا الله ! ، أما الأطفال فهم في انتظار الفرحة الكبرى ، جموح ولعب وابتسامات وقهقهات تتعالى وأصوات : يا رب ، يا رب .....!!!
    متى يطلع الهلال ؟ وكيف نراه بثغر شوال المبتسم ؟ كيف أقابل أصدقائي وقراباتي غداً ؟ كيف أعانق والدتي ؟ ، وكم يعطيني أبي من المال ؟ وماذا تشتري لي والدتي من الحلوى ؟ أسئلة تتراكض وأجوبة مؤجلة في طيات الغد المؤمّل .
    إنّه الحاضر في كلّ ليلة والغائب قبيل ليلة ، قد امتطى صهوة الليل السوداء فجأة ؛ ليغيب عن عيونهم الناعسة ، ويخرج بغرة فرس بيضاء يبهر الأطفال بانحنائه أجلالاً لهم ، هكذا اعتادت نفوسنا الظامئة وقلوبنا الوالهة وأفكارنا الغارقة ؛ لرؤية الهلال ذلك " الدائب السريع ".
    الكلّ ينتظر إلى طلعته البهية ، لكن لم يبدُ بعدُ ذلك المشهد عند الغروب إذ اختفى خلف غيوم بيضاء راكضة تناثرت وتسابقت بسرعة تدفعها ريح هائجة .
    كم مذهل ومريع هذا المساء ؟ لا يحمل تباشير فرحة العيد ، ربما يجرّنا إلى يوم آخر .
    لقد طبع في أوجه الناس الحزن ، واعتاد الصائمون في نحو ما أن يعتمدوا على الرؤية بالعين المجردة كحكم شرعي أولاً ، وثانياً على مضي ثلاثون يوماً من الشهر كان العاشقون يتنافسون في ضيافته الرحمانية ، لكنّ الناس لم يروا شيئاً قط ، ولم يبن ضوئه المعتاد فظنوا أنّ العيد في خطر فراحوا يتهامسون... ويتهاجسون ... وووو .
    صاح الناس : الهلال في خطر !!! ونحن ننتظر الفرج . هل من راءٍ ينفذ بصره خلف السحاب ، فزرقاء اليمامة ما كان عليها لترمق السماء ؛ لأنّ عيونها خلقت لترى معالم الصحراء .
    ما الحل ؟ إذ لا حلّ !!!، فالأخبار من الأماكن البعيدة تأتي متأخرة ولا يمكن الاعتماد إلا على رؤية شاهد يعتدّ به .
    باتت القرية الريفية النائية في صمت بلا مذياع صوتي أو مرئي ينقل لهم نبأ حلول العيد ، فأجهزة الراديو التي تعمل على البطاريات قليلة ونادرة الاستعمال، فلا اتصال سلكي كان موجوداَ ولا جهازاً محمولاً كالذي هو في وقتنا .
    أغرق الناس في النوم بعد جهد وتعب في كشف ذلك المخلوق المطيع ، وأرادوا أن يعلموا عن أمر إطلالته فلم يفلحوا .
    راحوا ينتظرون ملامح الهلال فجراً ، وهو يطلّ بثوب شاب حسن ، وهي مسلمة في ظهوره يقيناً ، ولكنّ آمالهم تبددت بالفشل ، وتيقنوا أنّ فرحتهم بالهلال قد سرقت من قبل سماء صارت سوداء مكتظة بالغيوم ، إذ الإمطار تساقطت بغزارة وانهمرت في كل مكان بلا انقطاع ، وغاصت الشوارع بالمياه الموحلة بالطين فلا شعاع من شمس قادم إلى بيوتهم ولا ( طارش )*** يخبرهم بحتمية العيد .
    ظلّ سكان القرية صائمين في ترقب الطريق الطيني ، علّهم يجدون بارقة أمل تطلّ عليهم من بعيد .
    أقبل الظهر بأذانه كأنّه شيخ جليل عليه سمات الوقار، ولم يبادر أيّ أحد في إطراء تحيات العيد نحو الآخرين ، إذ لا عيد لهم ما لم يتحققوا من ظهوره بشهادة رجل عدل ، وشيوع رؤيته في المدن القريبة .
    وفجأة قدم ( أبو علي ) ذلك المسافر الذي شدّ السفر في كلّ سنة لزيارة أحد أقربائه في القرية الغارقة بالمطر بمناسبة حلول عيد الفطر ، وأخبرهم أنّ العيد قد تحقق في المدن الكبيرة وعند رجال الدين منذ الصباح الباكر... فرح الناس بهذا الخبر السارّ إذ ردّت المياه إلى تقاسيم وجهوهم ، وتصافحوا يغبط بعضهم الآخر.
    وسارع الأطفال في تحياتهم يجوبون الطرقات باحثين عن حلوى عيدهم السعيد المفقود في صبيحته بأقدام ملطخة بالوحل ظهراً حتى المساء .
    _______________
    *حدثت القصة في أوائل السبيعنيات في قرية ريفية نائية من قرى جنوب العراق عندما كانت الوسائل السمعية والبصرية غير منتشرة في ذلك الوقت .
    ** الدربين : مفردة تطلق على المنظار لرؤية الأشياء البعيدة بوضوح وهو منضار الجيش مثلاً أو المنضار اليدوي ذو القبضتين ، ودربين : أي الذهاب إلى مكان ما مرتين ، وهي مشتقة من كلمة درب يعني طريق أو مسار ... وقيل يلفظ ( دربيل ) وليس( دربين ) وقد حدث بها إبدال لكثرة الاستعمال .
    *** يسمي العراقيون القادم من بعيد فجأة نهاراً أو ليلاً بالطارش ؛ لأنّه يأتي خلسة بلا موعد .




    الزميل القدير
    د\ مرتضى
    كانت البداية فيها بعض المباشرة لكني حين توغلت في النص غرقت فيه
    أحببت هذا الترقب وفهمت أن النص قادم من الذاكرة البعيدة حيث الحضارة تكاد تكون معدومة
    وذاك الطارش الذي جاء وكأني به قادم ننتظر حضوره من حيث لا نحتسب
    ربما نحن اليوم أكثر حاجة لمثل هذا ( الطارش )
    تحياتي لك سيدي الكريم
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • ميساء عباس
      رئيس ملتقى القصة
      • 21-09-2009
      • 4186

      #3
      عيد مؤجل
      منذ أن قرأت العنوان
      هيأت نفسي لدمعة وحنين
      جميلة وراقية
      وفيها من التشويق
      مايجرنا للأكثر ألما
      أعجبني مناخ العيد
      الصور الشاعرية
      كانت رائعة
      في وصفك لطقوس العيد
      وانتظاراته الثكلى حين جمود
      محزنة جدا
      ولإنها استطاعت نبش حزني
      أثبت عيدا مؤجلا
      عله يركن في قلوبنا بعض طيف
      بوركت يالعزيز
      ودمت رائعا
      ننتظر جديدك دائما
      وننتظر أكثر مشاركاتك

      ميساء العباس

      كانت أعناق النساء مشرئبة نحو الأفق غارقات في الأوهام وخيالات المساء ، وينتظرن مداعبات الصباح الآتي من جديد ، وكذلك تمتمات كبار السن تتوالى نحو السماء بهتاف ونفحات قدسية يا الله ... يا الله ! ، أما الأطفال فهم في انتظار الفرحة الكبرى ، جموح ولعب وابتسامات وقهقهات تتعالى وأصوات : يا رب ، يا رب .....!!!
      متى يطلع الهلال ؟ وكيف نراه بثغر شوال المبتسم ؟ كيف أقابل أصدقائي وقراباتي غداً ؟ كيف أعانق والدتي ؟ ، وكم يعطيني أبي من المال ؟ وماذا تشتري لي والدتي من الحلوى ؟ أسئلة تتراكض وأجوبة مؤجلة في طيات الغد المؤمّل .
      إنّه الحاضر في كلّ ليلة والغائب قبيل ليلة ، قد امتطى صهوة الليل السوداء فجأة ؛ ليغيب عن عيونهم الناعسة ، ويخرج بغرة فرس بيضاء يبهر الأطفال بانحنائه أجلالاً لهم ، هكذا اعتادت نفوسنا الظامئة وقلوبنا الوالهة وأفكارنا الغارقة ؛ لرؤية الهلال ذلك " الدائب السريع ".
      مخالب النور .. بصوتي .. محبتي
      https://www.youtube.com/watch?v=5AbW...ature=youtu.be

      تعليق

      • منتظر السوادي
        تلميذ
        • 23-12-2010
        • 732

        #4
        عيدٌ مؤجل
        العنوان لطيف ، يحمل من الدلالات الكثير ، لكن النصّ لا يحتمل ما حمله العنوان ...
        يرتدي الأطفال ثياب جديدة ، والنساء تغسل الوجوه ، يتمتم العجوز وهو يحرك مسبحته ببطء ، أشاهد من بعيد ، منظر يكاد يخفي أمراً ، ثمة على العتبة طفلة ترقب لفظة العيد في أفواه العجائز ...
        لا تفقه حروف تتناثر على الأفواه .
        بصمت وترقب دنوت ، لغتهم متكسرة ، صدرهم يعزفه الآه ، الدموع تغسل الوجوه ، وحوقلة تمتمة العجوز
        آه من لفظة بلا معنى ، كحلم الخيال


        سامحني د . مرتضى
        لك محبتي وباقات من البنفسج
        الدمع أصدق أنباء من الضحك

        تعليق

        • الحسن فهري
          متعلم.. عاشق للكلمة.
          • 27-10-2008
          • 1794

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة د مرتضى الشاوي مشاهدة المشاركة
          عيد مؤجل* / قصة قصيرة
          أوشك شهر رمضان بحليته الروحانية وبقداسته الإلهية أن يجرّ ثوبه القشيب كما ينبغي في حساب الصائمين ؛ لأنّهم في آخر يوم منه قد شعروا بفراقه إذ تصرمت أيامه ولياليه كحبال الدلو المتهرئة بعد عناء السقي .
          ظلّ الناس – كعادتهم - في حيرة ولهفة انتظار بزوغ الهلال وهو يبدو دائما ً كزورق فضي ، فلا العين المجردة تراه بوضوح ، ولا العين المسلحة ( الدربين )* تكشف سرّه عند الغروب .
          كانت أعناق النساء مشرئبة نحو الأفق غارقات في الأوهام وخيالات المساء ، وهُنَّ ينتظرن مداعبات الصباح الآتي من جديد ، وكذلك تمتمات كبار السن وهيَ تتوالى نحو السماء بهتاف ونفحات قدسية يا الله ... يا الله ! ، أما الأطفال فهم في انتظار الفرحة الكبرى ، جموح ولعب وابتسامات وقهقهات تتعالى وأصوات : يا رب ، يا رب .....!!!
          متى يطلع الهلال ؟ وكيف سَنراه في/بثغر شوال المبتسم ؟ كيف سَأقابل أصدقائي وقراباتي/ وأقربائي غداً ؟ كيف سَأعانق والدتي ؟ ، وكم سَيعطيني أبي من المال ؟ وماذا سَتشتري لي والدتي من الحلوى ؟ أسئلة تتراكض وأجوبة مؤجلة في طيات الغد المؤمّل .
          إنّه الحاضر في كلّ ليلة والغائب قبيل ليلة ، قد امتطى صهوة الليل السوداء فجأة ؛ ليغيب عن عيونهم/العائد هنا بعيد عن المَعود عليه/ الناعسة ، ويخرج بغرة فرس بيضاء يبهر الأطفال بانحنائه أجلالاً لهم ، هكذا اعتادت نفوسنا الظامئة وقلوبنا الوالهة وأفكارنا الغارقة/لوْ كانت هذه صفات مشبّهة ؛ لرؤية الهلال ذلك " الدائب السريع ".
          الكلّ ينتظر إلى طلعته البهية ، لكن لم يبدُ بعدُ ذلك المشهد عند الغروب إذ اختفى خلف غيوم بيضاء راكضة تناثرت وتسابقت بسرعة تدفعها ريح هائجة .
          كم هو مذهل ومريع هذا المساء ؟ لا يحمل تباشير فرحة العيد ، ربما يجرّنا إلى يوم آخر .
          لقد طبع في أوجه الناس الحزن ، واعتاد الصائمون في نحو ما أن يعتمدوا على الرؤية بالعين المجردة كحكم شرعي أولاً ، وثانياً على مضي ثلاثون/ثلاثين يوماً من الشهر كان العاشقون يتنافسون في ضيافته الرحمانية ، لكنّ الناس لم يروا شيئاً قط ، ولم يبن ضوئه/ضوءُه المعتاد فظنوا أنّ العيد في خطر فراحوا يتهامسون... ويتهاجسون ... وووو .
          صاح الناس : الهلال في خطر !!! ونحن ننتظر الفرج . هل من راءٍ ينفذ بصره خلف السحاب ، فزرقاء اليمامة ما كان عليها لترمق السماء ؛ لأنّ عيونها خلقت لترى/عيْنيْها خلقتا لترَيَا معالم الصحراء .
          ما الحل ؟ إذ لا حلّ !!!، فالأخبار من الأماكن البعيدة تأتي متأخرة ولا يمكن الاعتماد إلا على رؤية شاهد يعتدّ به .
          باتت القرية الريفية النائية في صمت بلا مذياع صوتي أو مرئي ينقل لهم نبأ حلول العيد ، فأجهزة الراديو التي تعمل على البطاريات قليلة ونادرة الاستعمال، فلا اتصال سلكي كان موجوداَ ولا جهازاً محمولاً كالذي هو في وقتنا .
          أغرق الناس في النوم بعد جهد وتعب في كشف ذلك المخلوق المطيع ، وأرادوا أن يعلموا عن أمر إطلالته فلم يفلحوا .
          راحوا ينتظرون ملامح الهلال فجراً ، وهو يطلّ بثوب شاب حسن ، وهي مسلمة في ظهوره يقيناً ، ولكنّ آمالهم تبددت/باءتْ بالفشل ، وتيقنوا أنّ فرحتهم بالهلال قد سرقت من قبل سماء صارت سوداء مكتظة بالغيوم ، إذ الإمطار تساقطت بغزارة وانهمرت في كل مكان بلا انقطاع ، وغاصت الشوارع بالمياه الموحلة بالطين فلا شعاع من شمس قادم إلى بيوتهم ولا ( طارش )*** يخبرهم بحتمية العيد .
          ظلّ سكان القرية صائمين في ترقب الطريق الطيني ، علّهم يجدون بارقة أمل تطلّ عليهم من بعيد .
          أقبل الظهر بأذانه كأنّه شيخ جليل عليه سمات الوقار، ولم يبادر أيّ أحد في إطراء تحيات العيد نحو الآخرين ، إذ لا عيد لهم ما لم يتحققوا من ظهوره بشهادة رجل عدل ، وشيوع رؤيته في المدن القريبة .
          وفجأة قدم ( أبو علي ) ذلك المسافر الذي يشدّ السفر في كلّ سنة لزيارة أحد أقربائه في القرية الغارقة بالمطر بمناسبة حلول عيد الفطر ، وأخبرهم أنّ العيد قد تحقق في المدن الكبيرة وعند رجال الدين منذ الصباح الباكر... فرح الناس بهذا الخبر السارّ إذ ردّت المياه إلى تقاسيم وجهوهم ، وتصافحوا يغبط بعضهم الآخر.
          وسارع الأطفال في تحياتهم يجوبون الطرقات باحثين عن حلوى عيدهم السعيد المفقود في صبيحته بأقدام ملطخة بالوحل ظهراً حتى المساء .
          _______________
          *حدثت القصة في أوائل السبيعنيات في قرية ريفية نائية من قرى جنوب العراق عندما كانت الوسائل السمعية والبصرية غير منتشرة في ذلك الوقت .
          ** الدربين : مفردة تطلق على المنظار لرؤية الأشياء البعيدة بوضوح وهو منضار الجيش مثلاً أو المنضار اليدوي ذو القبضتين ، ودربين : أي الذهاب إلى مكان ما مرتين ، وهي مشتقة من كلمة درب يعني طريق أو مسار ... وقيل يلفظ ( دربيل ) وليس( دربين ) وقد حدث بها إبدال لكثرة الاستعمال .
          *** يسمي العراقيون القادم من بعيد فجأة نهاراً أو ليلاً بالطارش ؛ لأنّه يأتي خلسة بلا موعد ... فهو إذاً الطارئ أو الطارق.




          بسم الله.
          سلاما،
          ومعذرة،
          إذ حسبت أني سأمرّ بهذا العيد المؤجل مرّا خفيفا،
          فألفيتني وقد خضت مع أهل القرية في الذي خاضوا،
          وأصابني مما أصابهم الكثير..

          أرجو التفضل بتأمل ومراجعة الملونات،
          أو الضرب عنها صفحا،
          وكأنّ شيئا لم يكنْ..
          ومعذرة مرة أخرى.
          ------------------------------
          * علامات الترقيم مهمة.

          تحيات وردية من أخيكم.
          التعديل الأخير تم بواسطة الحسن فهري; الساعة 23-08-2012, 21:07.
          ولا أقـولُ لقِـدْر القـوم: قدْ غلِيَـتْ
          ولا أقـول لـباب الـدار: مَغـلـوقُ !
          ( أبو الأسْـود الدّؤليّ )
          *===*===*===*===*
          أنا الذي أمرَ الوالي بقطع يدي
          لمّا تبيّـنَ أنّي في يـدي قـلــمُ
          !
          ( ح. فهـري )

          تعليق

          • د مرتضى الشاوي
            عضو الملتقى
            • 08-07-2011
            • 85

            #6
            المبدعة عائدة محمد نادر ....
            تقبلي شكري وتقديري انا لست قاصاً محترفاً بقدر ما أنا تدريسياً وباحثاً اكاديمياً ومازلت تلميداً متواضعاً في مجال القصة ، غايتي المشاركة وهي مساهمة في نقل بعض التجارب الحياتية في تسجيل والتقاط بعض الحياة اليومية في الجانب التراثي
            ملاحظاتك الفنية تبقى نصب الأعين من دافع فني كونكم انتم اكثر تخصصا في هذا المجال
            مع خالص الود

            تعليق

            • د مرتضى الشاوي
              عضو الملتقى
              • 08-07-2011
              • 85

              #7
              المبدعة المتميزة ميساء عباس .....
              شكري وتقديري اذ ارى لمسات احرف مضيئة تطرز تجاربي المتواضعة في مجال السرد القصصي وهي تجارب تلميذ متواضع في هذا المجال الغاية منها المساهمة في تفعيل فن القصة بطابعه الحيوي الواقعي .
              مع خالص المودة .

              تعليق

              • د مرتضى الشاوي
                عضو الملتقى
                • 08-07-2011
                • 85

                #8
                أيها العزيز منتظر السوادي :
                ملاحظتك الفنية في المرمى سجلت هدفاً رائعاً ....
                شكري لبصماتك الفنية وهي التفاتة متميزة ... فالقصة تبنى على السبب والنتيجة والعنوان نتيجة على الرغم من ان مضمون القصة قائم على استدعاء الموروث في تسجيل الواقع اليومي وهو التقاط حيوي لتجربة تراثية لا تخلو من فائدة دلالية .
                شكري لك ارجو لك التوفيق ومنك نستفيد فانت لك قصب السبق في هذا المجال الابداعي .

                تعليق

                • د مرتضى الشاوي
                  عضو الملتقى
                  • 08-07-2011
                  • 85

                  #9
                  ايها المبدع الحسن فهري :
                  شكري وتقديري لمرورك الكريم وانت تسجل بعض الالتفات اللغوية وبعض الملاحظات الطباعية والاملائية في هذه القصة الملتقطة من الحياة اليومية بطابعها الشعبي التراثي و ربما بعض المفردات لا تدور في بيئاتكم وهي في كل الاحوال كما تدور احداثها بجزئياها في بيئة ريفية نائية مثل ( قراباتي ، الدربين ، الطارش ، المنظار ) ، بعيدة عن المدينة المتحضرة وتحمل في طياتها الابعاد الفكرية والنفسية في تاخير بداية ساعة العيد الاولى الى ساعات متأخرة من النهار .
                  اوافقك الرأي في ملاحظتك النحوية واللغوية في عبارة ( في مضي ثلاثون = في مضي ثلاثين ) ومفردة ( ضوئه = ضوءه ، المنضار = المنظار ) ربما السرعة في الكتابة على الحاسوب مباشرة دون الكتابة على الورق ثم النقل هو السبب الرئيس في هذه الاخطاء اللغوية
                  اما بقية الظواهرالنحوية فحكمها جائز في التراكيب النحوية وانماطها التركيبية فقد تقصدت في ادراجها لكي لا تبتعد من نكهتها البيئية الخاصة والمجازية اذ تسجل التقاطاً للحياة اليومية السائدة باللغة الدارجة في فترة من فترات زمنية سحيقة .
                  انا تلميذ متواضع في مجال السرد القصصي ومنكم نستفيد .
                  مع خالص مودتي
                  التعديل الأخير تم بواسطة د مرتضى الشاوي; الساعة 24-08-2012, 14:40.

                  تعليق

                  يعمل...
                  X