هلوسات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصطفى لهروب
    أديب وكاتب
    • 25-07-2010
    • 18

    هلوسات

    هلوسات

    غير ما مرة راودته أفكار غريبة أحيانا ومجنونة أحيانا أخرى، مرة حلم أو توهم أنه يحلم بأنه رجل خارق يطير في السماء ويخترق المسافات ..ومرة يرجع من ثقب الزمن إلى الماضي أو يقفز منه إلى المستقبل.
    مرة حلم من بين ما حلم أنه دخل شاشة الحاسوب التي كان يجلس أمامه، وجد نفسه في حي يدعى الأمين بمحلة مئذنة الشحم قرب بيت نظام، رب سائل يسأل كيف عرف هذه الأماكن؟ فأجيب أنه لا علم لي بما يقع له، وما يهلوس به، كان يحدثني أنه يعشق هذه الفيحاء بياسمينها..
    أخبرني يوما أنه كان المخطط الأول لألواح "تحوتمس الثالث" فرعون مصر، وكان يتحدث إلي بثقة وهو يمشي نافخا ريشه في الشارع المستقيم..
    وأخبرني في يوم آخر أنه جالس "القديس بولس" تحت سفح قاسيون وكان يحدثه بلغة آشورية قحة.
    أحيانا كنت أتعجب من هول ما يخبرني به، وأستغرب كيف يخرج الكلام اللامنطقي واللامعقول من بين شفتيه بتلقائية وثقة ودون أن يرمش له جفن.
    كنت في قرارة نفسي أعرف أنه كاذب فيما يقول أو على الأقل بلغت منه الهلوسة حدا من العمق تزعزعت معه طبقات دماغه، ولكن كنت أجدني مشدودا لما يخبرني به لشدة الصدق الذي يغلف كلماته..
    ـ أتعرف أن البارحة احتسيت الشاي في الباحة الواسعة لقصر العظم؟
    هذا ما أخبرني به وهو ينزل بثقل عينيه علي حتى لا يترك لي الفرصة للارتياب أو حتى التساؤل عن مكان تواجد قصر العظم..وحتى يؤكد لي أنه وحتى إن كان يجلس بجانبي إلا أنه ما أن يغمض جفنيه حتى يسافر لأي مكان أو زمان يريده.
    أغمض عينيه وأخذ يوشوش: "..أنا الآن أعبر السور القديم وأخترق أبوابه العشرة كلها، فكل باب جاء من كوكب خارجي، فزحل يتربع باب كيسان والأبواب الأخرى شرقي والجابية وتوما وباب الفراديس والباب الصغير والجنيق والنصر والسلام تؤدي إلى كواكب أخرى.."
    كلما هدأ من تمتمته أستغرب أني جلست ممسوكا إليه مشدوها فيه وأنا لا علم لي بما يقول..ثم ابتسم وهو يردف:
    "..أتعرف أني أتنفس في كل هذه الأحياء والحارات و..؟؟ وعاود الابتسام وهو يكمل: ".. أنزل الآن من الشاغور إلى حي الميدان حيث النمورة وعش البلابل والعصافير..ثم شارع الأصمعي في جوبر وسوق الحميدية ثم كنيسة حنانيا والسوق الطويل..وازدادت ابتسامته اتساعا وهو يردف: "..وسوف أجلس في المقهى أنتظرها..مقهى النوفرة.. أتعرف لماذا لم تعد النافورة المحادية للمقهى ترسل ماءها؟؟. فتح جفنيه وهو يقذفني بهذا السؤال على حين غرة، ثم ابتسم متهكما تهكم المنتصر وهو يردف: ".. لكون نهر "يزيد" قد توقف عن الجريان منذ خمسين عاما، كنت حينها شابا وكان عمري يناهز آنذاك قرنين ونيف.. وقبل أن يترك لي فرصة للتعقيب أو الاستغراب مرة أخرى أردف وهو يغمض جفنيه:
    ـ أووش...ها هي ذي تمر الآن بقامتها الطويلة وقوامها المعتدل المتناسق وعينيها النجلاوين بلون سنابل الربيع..تعجبت من حالة الهيام المرتسمة على ملامحه العاشقة وهو يتحدث بوله عنها وقد تبدى بنظراته ما يشبه النعاس القريب من السكر..
    ـ أتعرف ماذا ترتدي الآن؟
    وقبل أن أجيب قطع محاولتي الساخرة بجوابه:
    ـ إنها ترتدي ما يشبه غلالة بيضاء شفافة، لا يرى ما تحتها سواي، لونت الحارات والأزقة والجدران بلون عينيها، صوتها الطروب يخرس الحكواتي الذي يزقزق في المقهى منذ الصباح..وأي صباح هذا وهي التي تنصب أعمدته وتبهج هواءه من الحميدية إلى الكاتدرائية المريمية، ومن الكتية السليمانية إلى ضريح السلحضار، تنساب في مشيتها بين المباني العتيقة، تنزل برموشها على حيطانها فتبتهج الياسمينات وتدفأ جدران السيدة زينب والسيدة رقية وفروخ شاه والمرادي و..
    صمت وقد تذكر شيئا ..فأخذت سحنته في التحول إلى ملامح تتقطر صبابة وعشقا وهو يكمل حديثه من تحت جفنيه المغمضين :
    ـ ألا تعرف أن اليوم عيد ميلادها يا هذا؟؟
    ـ كيف لي أن أعرف؟
    كانت لي رغبة في أن أثور في وجهه قبل أن يكمل:
    ـ ها أنذا ألمس أناملها.. أمسكها برفق، يا لنعومتها، أرفعها إلى شفاهي، ألثمها بحرارة زادت من تورد خديها فأطرقت بعينيها إلى الأرض..
    هي هكذا..كلما حدثتها عن مشاعري إلا وتلتوي عقدة لسانها وتنعقد، وتتورد وجنتاها حتى ترتفع حرارة دمشق ..ليتك ترى نصف ما أرى..
    وفي الحقيقة رغبت في أن امتلك بصيرته في هذه اللحظة حتى أرى ما يراه
    ـ أتعرف كيف أصبحت هكذا؟ أخترق الزمان و المكان وأرى ما لا يراه الآخرون؟
    ـ هذا السؤال أثار فضولي وأنا أحثه:
    ـ لا..لاأعرف أخبرني من فضلك..
    ـ لأني كنت أقدم نزلاء بيمارستان النوري قبل أن يتحول إلى مشفى الغرباء في القرن الخامس والثلاثين ..وكل ذلك بسبب عينيها ..وأردف:
    ـ فمن خلالهما أسافر عبر الأزمنة والأمكنة ..
    حولت نظري عنه حتى أتمكن من استيعاب ما أخبرني به، ثم التفتت إليه لأترك له فرصة إكمال ما بجعبته..ازداد استغرابي واتسعت دهشتي حينما لم أجد أمامي سوى شاشة الحاسوب...
    من لا يعتبر وجودي مكسبا له
    لن أعتبر غيابه خسارة لي
  • ريما ريماوي
    عضو الملتقى
    • 07-05-2011
    • 8501

    #2
    اهلا بك الأستاذ مصطفى الهروب،

    ويا لهذه الهلوسات، وهذا سحر الحاسوب

    الذي جعلنا نعيش عالما عجيبا غريبا لم نكن

    لنعيشه من غيره، إذا صاحبنا مجنون القرن الخامس

    والثلاثين يسرح ويعود في الزمان من أجل عيون معشوقته

    الشامية، وجميل ان يكون الحب هكذا غير مرتبط لا في زمان ولا مكان...

    أعجبتني دقتك في وصف الشام مع أنك لم تزرها.. دليل سعة اطلاعك وقراءاتك،

    يكفيني هلوسات معك ولنعد للواقع،

    القصة لا تمت للواقع إلا بوصفك للشام؟!

    وكأنها أحلام أو فانتازيا أتمنى سبر غورها أكثر...

    فحضرتك لا يكتب شيئا جزافا....

    شكرا لك، مودتي واحترامي وتقديري.
    التعديل الأخير تم بواسطة ريما ريماوي; الساعة 04-09-2012, 16:38.


    أنين ناي
    يبث الحنين لأصله
    غصن مورّق صغير.

    تعليق

    يعمل...
    X