قال لي :" انا أصدق إيمانا منكم ...أنا أتوضأ حينما أتوضّأ فلا يداخلني الشكّ في العدد ولا في الكيف وأركع وأسجد ولا أبالي إن انا زدت أو أنقصت وأقرأ ولا يهمّني إن أنا قدّمت او أخّرت ...أصلّي ولا أنشغل باستواء صفوفكم وانتظام أقدامكم ولا أنتبه إلى ترديد المردّد ولا أتتبّع زلات لسان الإمام ولا أقف عند الوعيد وتصنّع القارئ الرّهبة ...أنا أصلّي وأترك مساجدكم وثقتي في أنّ الله يقبل صلاتي لا تتزعزع وأنتم تغادرون متدافعين شاكين صاخبين كأنّكم تخرجون من سوق استنفذ كلّ أموالكم وطاقاتكم بينما أخرج أنا جذلا لأنّني أسمع صوت الله في داخلي يقول لي أنت وحدك لا تشبههم وأسمع الصّوت في داخلي يقول لي أنت وحدك من صلّيت اليوم ...تخرجون من المسجد متدافعين بالمناكب متصايحيين باحثين عن نعالكم المسروقة فلا تجدونها فتثورون وتسبون بعضكم وبعضكم يسبّ الله واليوم والمسجد في سرّه وتتبادلون النّظرات الملغومة وتتلاعنون وتقسمون بأغلظ الأيمان أنّكم على حقّ وأنّ الآخر على الباطل وترتفع أصواتكم فتسخر من حلومكم العنايةُ الربانيّة في علاها بينما أترك لكم نعلي وأسير حافيا مستجيبا لدعوة نورانيّة في قلبي تأمرني بترك النّعل والانخراط في طريق الله حافيا ...كنتم دائما تسخرون مني وتقولون :"إنّه لا يركع مثلنا ولا يسجد مثلما نسجد وقد يستعجل الخروج قبل انتهاء المنسك "وتقولون " إنّه يضحك راكعا ويلغو في الجُمَعِ مسبّحا ويكلّم الهواتف " وتقولون :"إنّ به جنّه" وتقولون :"كلمّا استوت صفوفنا دخل بيننا فأفسد نظامها " وتقولون كلّما اتّحدت كلمتنا في التّأمين نشز له صوت وارتفع له خُلف وفرّق كلمتنا ومكّن الشيطان من فُرَجِنا فتسلّل إلى قلوبنا وعقولنا " وقلتم :"لو لم يكن بيننا لما انهزم جيشنا " ...أتذكرون صيامكم الذي تُتْبعونه الأذى ؟ ألم تكونوا تصومون وأنتم تتذمّرون من وطأة العطش وشدّة الحرّ وإذا أذّن المؤذّن أسرعتم إلى سدّ حاجاتكم وجعلتم تتذاكرون اليوم والأمس وتقارنون أثر كلّ منهما فيكم وكدتم تلعنون الصّيام وأنتم في الآن نفسه تدّعون الورع وتتمنون من الله الأجر الوفير أما صاحبكم فلا يفطر إذا صام إلاّ وقد رأى من الله اليقين وتأكّد من أنّ الله قد ملأ فراغه يقينا وحبّا وثباتا وتقوى ولا يفطر إلاّ إذا وجد الصّوت يتردّد في أرجاء ذاته يتوسّل إليه أن يفطر ويقدّم له براهين الحبّ والودّ والرّحمة ...هو لا يفطر إلاّ إذا رأى من ربّه الآية الكبرى ...يراها يجلّلها التسبيح ويحفّ بها التقديس ...هو لا يفطر على طعام مرّتين ولا يشرك بالارتواء المقدّس شربة ماء ...لذلك أقول لكم ما تفعلونه لا يتجاوز الدّنيا وأحكامها ونواميس المجتمع وحرص الناس على الانتظام وما أفعله هو بالفعل مركبي إلى نور الله لأنّه لا ينضبط بضوابط الفانية
توفيق بن حنيش 27 أوت 2012
تعليق