قراءة في قصيدة الشاعر ماهر هاشم قطريب ( طفلة )
الشاعر في حروف
الشاعر الرهف ماهر هاشم قطريب هو واحد من الشعراء وكتاب المسرح السوريين يكتب القصيدة النثرية بجمال وبسلاسة الضوء ، الذي يتخللنا بسحره دون استئذان منا ، يتناول القصيدة كأنما يتناول خيوطاً من الحرير يغزلها بخفة انتشار الفجر فوق القمم لـتأتي القصيدة مترفة الرؤى ، و رشقية الجمل
بعيدة المعنى بسلاسة نهر صغير يجري على أسيل الربيع
فتزورنا كتاباته كطير جميل نحب تغريده في الأفياء
طفلة
ماهر قطريب
كقطرة ٍ
دلفت
من سقف عمرٍ
مهترىء
لتنسلّ بين مساءاتي
المترهلة
و تغزل من النزف
خمائل
كفراشةٍ
ملثمةٍ بالياسمين
هاربةٍ
من قفص البرد ِ
لتفرش الحلم
ضياءًَ
و كعصفورة .... جفلى
نسيت مواعيد الرحيل
حطت في ظل الوجع
لتنتشل بجنحها الفضي
ظلمة ... الوقت
**
من .. أنت .. ؟
و كيف... ؟؟
و من أين جئت
ياصغيرتي.. ؟؟
بهطولك العفوي
حطمت رتابة الطعن
و جحافل الصمت
**
ترى ..
أمن حضن الشمس
هربت .. ؟؟
أم سقطت
من عبِّ قمرٍ ....... مرتبكٍ
لا ....
فإله العشق
نسي طقوس
قسوته
غافل الصحوة
و أسرف
بالعطاء ....
**
آهٍ ...!
ياعمراً
مشبعاً ... بالرحيل
كيف لسواقي روحي
احتمال كل هذا
الألق المتدفق
من عيون
عينيك
يا ..طفلتي
السماوية !! ؟؟
،،،،،،
اللوحة الأولى
كقطرة ٍ
دلفت
من سقف عمرٍ
مهترىء
لتنسلّ بين مساءاتي
المترهلة
و تغزل من النزف
خمائل
عنون القصيدة بطفلة
هي المرأة الطفلة تتفتح بقلبه بكل معايير البراءة والجمال تنهل من القلب شغف المكان بحب ، لتزهر جورية حمراء بعذوبة الطفولة كاملة
كقطرة ماء تنزلت في ازدحام حياته المتعبة لتتسلل من بين مسامته كهواء ينعشه ، ترتق الجورح وتحيلها خمائل نادية من حب وحياة خضراء تموج بالفرح
كان الشاعر هنا رهفاً في توظيف المعنى وتوظيف الكلمات حيث أختار منها أرقها
من العنوان طفلة ، قطرة ماء ، خمائل
بينما نجد الرشاقة القافزة من جملة لجملة
لتشكل اللوحة الأولى في جسد القصيدة ، متكونة من جمل قصيرة رشيقة سلسة جداً
مثلاً قال :
" كقطرة دلفت "
" لتنسل بين مساماتي "
هنا وصلنا المعنى كاملاً من كل جملة رغم قصرها ( كقطرة دلفت ) انتهت الجملة بجمالية المعنى ليستمر هكذا لنهاية المقطع
في اللوحة الثانية والثالثة
تباثق المعنى لدى الشاعر ، تباثقت الصفات
عاد وقال
" كفراشةٍ
ملثمةٍ بالياسمين
هاربةٍ
من قفص البرد ِ
لتفرش الحلم
ضياءًَ
و كعصفورة .... جفلى
نسيت مواعيد الرحيل
حطت في ظل الوجع
لتنتشل بجنحها الفضي
ظلمة ... الوقت "
كفراشة ملثمة بالياسمين و أي معنى أجمل من هذا الذي ينبثق من المقطع الأول ليصفها ، بفراشة تتلفع الياسمين
تهرب من برد الحياة لتهبه دفئاً ، وتجعل من حلمه العتم نوراً يملأ مسامه وحياته كاملة ، ما زالت لديه الجمل رشيقة منسابة متتابعة بنفس السوية الشعرية ، والجمال النثري
ثم عاد وصفها كعصفورة خائفة
هربت لقلبه تستشعر الدفء والحنان فيه ، وتجد خيمة من أمان داخله تظللها ، وبنفس الوقت ، تحيل
الوجع الدفين داخله لفرح ، وتشعل العتمة ضياء
مازال شاعرنا يسبح في عالم جميل ، يحيل حياته لحلم وردي ، تتعدد أطياف الجمال فيه ، فتولد الصورة الشعرية ، مما سبقها برشاقة شعرية رائعة ، دون تعقيد في الألفاظ أو المعنى
اللوحة الرابعة
روح الشاعر تسأل أسئلة وجودية
كأسئلة الجاهل بالشيء وهو يعلمه ، مندهش لوجودها وكيف تناهت إليه بهذه الخفة
أسئلة رشيقة للغاية تعبر عن دهشه بالحضور ، ليصل لنتيجة بأن هذا الحضور هو من حطم
رتابة الزمن ، وأبواب الصمت المغلقة على الوجع فأحال النفس إلى واحة من حياة خضراء
تتابع الرؤى حتى كأنه يراها هبطت من الشمس بكل ضياءها ودفئها وجمالها ، بل تعود معامل الشعر داخله لتؤكد إنها هبطت من لجين القمر و من صدره الرهيف المرتبك بذاته العاشقة ، بكل تعتيق الشفافية
البيضاء هنا نلاحظ الأسئلة القصيرة جداً والموصلة لهدفها
من أنت ؟
و كيف... ؟؟
و من أين جئت
ياصغيرتي.. ؟؟
بهطولك العفوي
حطمت رتابة الطعن
و جحافل الصمت
**
ترى ..
أمن حضن الشمس
هربت .. ؟؟
أم سقطت
من عبِّ قمرٍ ....... مرتبكٍ
لا....
ما زالت روح الشاعر تبحث عن إجابة
ما زال سيل الأسئلة يتتابع معه جارفاً ، وداخله الشعري لا يتوقف ، إسلوبه ما زال هو نفسه لم يتغير شيء في نبض القصيدة حافظ فيها على ألق الجمل الرشيقة بكلماتها السلسة جداً بنفس الرتم الموسيقي
ليصل لنتيجة حتمية ، من سيل هذا الجمال الجارف داخله
وكأنها عمراً كاملا بذاته من الحسن داخل أعماقه ، ولشدة فرحه ، وتغير مسار أيامه كأنه يشعر بأنه غير قادر على تحمل هذه الروعة ، التي دلفت إلى حياته
بإنسيابية قطرة مطر ترسل ألق الوجود من أعماق عينيها وكأنها طفلة تنزلت من السماء
الخاتمة
هنا عاد وأغلق القصيدة بنفس مبتدأها ( طفلة )
وهذه إحدى طرق القصائد النثرية ، إحكام الإغلاق بحيث يضع القفلة الشعرية بنفس مبتدأها
كمن يضع تيمة يبتدأ بها القصيدة ، وترافقه ليختم القصيدة النثرية بها كي لا يدع مسرباً للضعف ينسرب لنصه
كانت مشاعره صادقة شفافة ، إسلوبه سلس دونما تعقيد في المعنى أو المغزى واضح بغايته ، جلي بأعماقه ، لم يعتمد هنا الإرموزات المعقدة ، الثنائية المعنى ، كبعض السرياليين الذين يقمصون القصيدة ، بمعنى خاص ومعنى عام ، بل كانت نثرية انطباعية بكل مقايس الجمال
آهٍ ...!
ياعمراً
مشبعاً ... بالرحيل
كيف لسواقي روحي
احتمال كل هذا
الألق المتدفق
من عيون
عينيك
يا ..طفلتي
السماوية !! ؟؟
كلمة ختام
تحية لشاعرنا الرهف حيث هو ، كانت قصيدته ماتعة في
كل أجزائها كقطرة مطر تدلف لقلب قارئها
بصورها السلسة ، الرقيقة ، الرشيقة ، بكل ما جالت به قطرة المطر هذه في دواخله ، وبكل ما كونته في الأعماق الروحية من تأثير تأصل داخله ، حتى أنبت هذه الخفة الجمالية ، الماتعة بموسيقا رشيقة تكاملت في الداخل والخارج من بداية النص لنهايته
تعليق