تحياتي للجميع وكل عام وأنتم بخير الرواية اجتماعية سياسية والعنوان قد يكون مقزز عند البعض لكنه الواقع المقزز
حكايات مخزية(1) بقلم صالح العجمي

جلس شاحبا في الحديقة القريبة من الحي السياسي يتأمل ويخفف عن نفسه ضغوطات ساعات العمل الطويلة التي تلاحقه من الطفولة وما لبث أن ادرك حقا أن القدرفرض عليه العيش وحيدا يداعب دموعه ويتسلى بهمومه وأن الله قد يخلق الجميع في رحم واحد ويملي عليهم حتمية الفرقة والتشتت في الدنيا , تأمل قليلا في طفل صغير يتقاسم مع اخيه قطعة حلوى بيديه ويصارعه على الكرة برجليه وعائلتهم منهمكون في سواليف وضحك على حصير ناعم تحتفظ به العائلة في السيارة الفارهه لحين الخروج في نزهات واستراحات .
كان يركز على التفاصيل الدقيقة لحد الفضول ويحاول الانخراط مع الناس حوله ولكنه يفشل وينصدم بالحقيقة انه محروم من ابتسامة حوله تشعره أنه شريك حقيقي في الحياة او بشر مثلهم واثناء حديثه مع نفسه ضرب الطفل كرة القدم فسقطت على راسه بالصدفة والطفل يهرول خلفها خوفا عليها من هذا الغريب وامسك بالكرة فتراجع الطفل ورفض ان يأخذها منه فقررالقيام والتقدم اليه وتحدث إليه ببعض المفرادات التي لم يسمعها في طفولته.. انت لاعب محترف فشعر الطفل بالامان واخذ الكرة وعاد مجددا الى المرح واللعب مع اخيه بينما جلس الى التفكير والعزلة القاتلة يحدث نفسه هل كان لي أخ في الطفولة نلعب في الحديقة؟ , هل خرجت في نزهة ولبست البوتي الرياضي وحملت كرة القدم واتخيل نفسي في برشلونه واسدد الضربات؟؟,وتذكر تلك الطفولة التعيسه في حرارة الشمس يحمل دبات الماء الثقيلة ويتلقى الضربات الموجعه كل صباح من أخيه الجاهل الذي كان يرضع من انثى الحمار في غياب أمه و يمارس الرذيلة مع جارتهم المطلقة بعد ما يفرض عليه العمل في المزرعه ساعات طويله حتى لا يثير الضجيج ويفسد عليهم متعة اللقاء في منتصف النهار , كانت الدموع تدحرج على خديه وصوت الضحكة يعلوا في ارجاء الحديقة حيث المئات من العوائل التي وقف الى جانبها القدر والقانون تلهو وتلعب وتشرب القهوة التي اعدت في البيت ورائحتها تصل إلى أنفه تذكره بقهوة جارتهم اللعينة في يوم العيد عندما جاء اليهم ليلعب مع ابناءها فغضبت منه ورشقته بفنجان قهوة من النافذة لاتزال اثار الحروق منه في يده اليسرى .
قرر الرحيل من الحديقة والتوجه الى مقهى يرتاده منهم على شاكلته حيث الاركيلات المتنوعة والمعسلات... وغادر الى المقهى في شمال المدينة الذي تعود على ارتياده ليلا مع شباب لم تمنحهم الحياة فرصة مع أهلهم لعله يتقاسم اطراف الحديث معهم , فهم لم يتعودوا على فرفشات مليئة بالعاطفة ولم يروق لهم سماع مثل هذه الخرافات. واثناء دخوله اذا بصوت عبد الله الرويشيد في مكبرات الصوت داخل المقهى لا تغرك الضحكة ترى كلي احزان لوتضحك اعيوني ترى كلي جروح واخفي وراء عيوني من الدمع بركان ومن خلف صمتي اخفي الحزن واجروح.
وجلس بجانب احدهم ممن نجوا من الحرب الأهليه في مناطق الصراع بين الحكومة والمتمردين والذي لم يعرف أهله وعاش وحيدا يكابد الحياة ويتسول لقمة العيش يشاهدون التلفاز في زاوية المقهى وقناة اليمن تتحدث عن الرعاية الاجتماعية التي تقدمها جمعية الصالح وجمعية الاصلاح الخيرية للأيتام.... وبداءت مداخلات الشاب اليتيم الذي عاش تحت جسر مع كلاب المدينة عشر سنوات من عمره حيث أنه لايعرف شيء عن والدته وابوه فقد قامت برعايته عجوز مسنه قذف بها الزمن لتعيش بالقرب من صندوق القمامة تتسابق مع كلاب المدينة على النفايات وكان من سوء حظه ان تلك العجوز وجدته في النفايات قبل ان يلفظ انفاسه ففرحت به لكونها حرمت من الامومة فزوجها كان ضابط لوطي ويتناول المخدرات والقات والحشيش ومات في حصار السبعين يوم في صنعاء ...ودار النقاش الحاد حول اكاذيب الجمعيات الخيرية والمنظمات الانسانية ...ولكن اثار السهر والتعب استحوذت عليهم وقرروا الرحيل بعد ما خصصوا اليوم الثاني الحضور في وقت مبكر لمشاهدة المبارة المثيرة للجدل التي تتحدث عنها كل وسائل الاعلام بين المانيا وايطاليا . .
تحت تأثير الشيشة والضجيج داخل المقهى والذكريات المؤلمة وما يشعر به من الأستياء جراء الكذب الإعلامي الذي تبثه القنوات لتجهيل المجتمع مستغلة وضعهم المعيشي التعيس وعدم قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم وحتى الحصول على ابسط الحقوق في مجتمع يعيش على حروب وصراعات طائفية وسياسية , كل هذه التنقاضات تعشعش في عقله ولم يستطيع ان يرى الطريق التي تؤديه الى غرفته الإيجار في ضواحي المدينة العاهرة خصوصا وان الكهرباء منقطعة في معظم المدن بعد تعرضها لقصف مدفعي من القبائل والعصابات التي عجزت الدولة عن ردعهم .
وقف على الرصيف ينتظر حافلة تقله إلى الطريق الفرعي القريب من حي المتسولين والشحاذة وطوابير من الكلاب المسعورة تحيط به في وقت متأخر من الليل وحركة النقل تتوقف في ساعات مبكرة فالكثير من سائقي الحافلات يكتفي بالعمل الى فترة الظهيرة وهمه الحصول على مبلغ الغداء والقات. وفجاءة توقف بجانبه البوليس وبادره بالسؤال ماذا تفعل هنا في هذا الوقت ؟ وطلب منه هويته ولم يكتفي بذلك بل اقتاده الى المخفر وتم ايقافه ومسائلته بل أنه تم ايداعه في الزنزانة بتهمة الشبه بينه وبين احد المطلوبين من تنظيم القاعدة . وبالرغم من محاولاته المتكررة اثناء المسائلة مع ضابط القسم وقدم لهم هويته وعنوانه وعمله لكنها كانت محاولات بائسه . وتم ايداعه في الزنزانة الانفرادية في الظلام وبداء سيناريو العذاب اليومي والحرمان من الطعام و الماء كما هو روتين يومي تعسفي يعامل به المساجين على خلفيات تهم ملفقة وقضايا اخرى على ذمة المشاركة في الاحتجاجات المحتدمة في البلد ضد النظام السياسي .
دخل الغيبوبة جراء التعذيب والاهانات لانتزاع اعترافات وبعد يوم من الغيبوبة استفاق يسأل عن ماء وقليل من الطعام ولكنه استفاق على صراخ وعويل في الزنزانات المجاورة وهراوات الجنود تطالهم وعصي الكهرباء تجبرهم على قول مالم يرتكبوه من جرم وقدم له الحارس قليل من الماء مع كدمه يابسه واخبره ان هذا طعامك ليومين فلدينا ازمة عالمية ولا يوجدغذاء كافي للمجرمين .
تواصل الشباب تلفونيا ببعضهم للتوجه للمقهى لمتابعة المباراة ولكن تلفون عبد الوهاب كان مغلقا واثناء سيرهم في الطريق إلى المقهى في الحافلة كانت الطريق مزدحمة جدا و أمام إشارة المرور التفت جميل من زجاج الحافلة الى السيارة الفارهه الواقفة بجانبها والتي يتعالي منها اصوات الاغاني الغربية والروك الغريبة على ثقافة المجتمع تفاجأ ان صاحبها هو زميل الدراسة الذي كان يرتاد بيته يوميا لكي يساعده في مادة التفاضل والتكامل في مرحلة الثانوية العامة وصرخ باعلى صوته وائل التفت وائل مندهشا وإذا به يرى جميل يناديه الحق بنا انا جميل فلحق به الى موقف الحافلات واثناء المصافحة الحارة كان يبدو كل منهم مشغولا بامر ما وفي حالة استعجال وحين ذلك بادر وائل بالسؤال ما بكم مستعجلين ؟ فرد عليه نحن في عجلة لنشاهد مبارة كرة القدم بين المانيا وايطاليا في مقهى شعبي في شمال المدينة ولكن وائل اصر عليه ان يذهب معه لمشاهدة المباراة في المقهى السياحي الذي لا يرتاده الا الطبقة المترفة تراجع جميل قليلا خجلا من دفع الفاتورة حيث انه لا يمتلك في جيبه الا اجرة الحافلة عند العودة وبعد الحاح شديد من وائل على دعوته له واصدقائة للذهاب معه الى هذا المقهى تشاور جميل مع اصدقائه واقنعهم بالذهاب .
وانطلق بهم وائل بسيارته واثناء سيرهم في الطريق تحدث جميل مع وائل عن ايام الدراسة وذكرياتهم ولم يتجاهل كيف اصبح الفرق بينهم فهو لا يزال صعلوكا مشردا في الشارع ولم يحصل على فرصة عمل بعد بينما وائل الذي كان مستواه الدراسي متدني أصبح من أثريا المدينة فلم يتردد أن سأله كيف وصلت إلى هذا المستوى من الثراء ؟ فقهقه وائل .. والتفت إليه في غرور ألم أقل لك ونحن في المدرسة أن المستقبل في هذا البلد ليس لإصحاب العلم وإنما لذوي النفوذ والسلطة ؟ وطأطأ جميل رأسه حزينا .. ولكنه ضبط نفسه وقال للأسف كنت أصدق ما يردده المعلمون عن مستقبل التعليم والمتعلمين خصوصا معلم التربية الوطنية الفاسق الذي اكتشفت أنه كان له علاقة بأحد قيادات في جهاز الاستخبارات يدير له ماخور دعارة في المساء ويتأخر عن الدوام لهذا السبب الذي كنا نجهله , انفجر وائل ضاحكا ألم تكتشف إلا حقيقة معلم التربية الوطنية المسكين ؟ التفت جميل مستغربا! وهل يوجد هناك قذارة أكثر من حقيقة معلم المراقص هذا ؟ تفاخر وائل بما لديه من فضائح كان يعرفها منذ زمن طويل عن مدير المدرسة ايضا الذي كان يجبر الطلاب على الحضور قبل الدوام بساعة ويجمعهم في حوش المدرسة لترتيل القرأن الكريم جماعيا . التفت جميل إلى وائل مندهشا لا أصدق ما تقوله !!.. كف عن هذا ولكن وائل امسك بيده قائلا ياصديقي لا يوجد أحد نبيل في عصر العولمة . جميل .. وهل عصر العولمة عصر الإنحطاط الخلقي لا يعقل هذا!! . وائل بل إنه أكثر مما تتوقع .
هل تعلم أن المدير الذي منحك شهادة السيرة والسلوك وشهادة التفوق لم يحمل الشهادة التي حصلت عليها وكان مدير مدرسة لإن والده كان مقرب من محافظ المحافظة وخلال الإجازة الصيفية كان يسافر بإسم المدرسة لحضور دورات تدريبة في الازهر الشريف واحيانا يدعي انه خرج الى دماج في رحلة مع رجال الدين وذات يوم كنت مريضا ولم اجد العلاج في مستشفيات البلد واضطر والدي أن ينقلني إلى الخارج لإجراء عملية صمام القلب وخلال إقامتي في المستشفى في أحد البلدان ذات يوم خلال فترة الزيارة دخل والدي ووجهه مكفهر وتبدوعليه ملامح الحزن والغضب وبالرغم من وضعي الصحي السيء سألت والدي ما بك ؟ ولكنه قال لي بعد أن تخرج من المستشفى سوف اقول لك . وكانت في يديه جريدة الحدث المصرية وسألني عن حالتي وابلغني السلام من أمي وجاءت الممرضة تخبره بانتهاء وقت الزيارة فخرج والدي ونسي الصحيفة على الطاولة التي كانت بجانبي.
ولمعرفتك ياجميل بأنني لا احب القراءة لكن الملل وشدة المرض اجباراني على أن اتسلي بالصحيفة وكانت الفاجعة فقد كانت صورة مدير المدرسة في الصفحة الأولى من الجريدة وهو عار مع نساء اجنبيات في ملهى ليلي وقد القت القبض عليه الجهات المختصة بعد خروجه في الشارع في حالة سكر شديدة وتم ترحيله إلى البلد كما ورد في الجريدة فطلبت من الممرضة أن تتصل بوالدي ولكنها رفضت وناولتني جرعة منومة .
وحين العودة للوطن كنت اتوقع انه في السجن وقد تم استبدال مدير المدرسة ولكن بحكم علاقاته تم التستر على فضيحته بل لقد استقبله في المطار اثناء وصوله مدير مكتب التربية ومدير المركز التعليمي ومعهم اعداد كبيرة من طلاب المدارس و كان بيتنا قريبا من المدرسة و في الصباح إذا بصوته الجهورفي الميكرفون يلقي كلمة طابور الصباح عن الأخلاق الفاضلة وحب الوطن وكأن شيء لم يحدث .
قاطعهم عارف قائلا ياشباب الآن المبارة سوف تبدأ بعد قليل واتجه الجميع بسرعة لكي يحجزوا لهم مكان في المقهى السياحي قبل الأزدحام و تقدمهم وائل وحجز لهم مكان بناء علاقته مع فؤاد الذي كان يدير المقهى.
وبالرغم من أن المباراة قد بدأت لكن جميل وعارف لم ينتبهوا لذلك لما ادهشهم في المقهى من مغريات وحداثة بداية بالديكورات الباهضة الثمن ورائحة المسكرات ناهيك عن الإختلاط الغير مألوف في البلد فلا يكاد يكون هناك طاولة إلا وفيها صديق مع صديقته وحينها التفت إليهم وائل وقال لهم أنه على موعد مع احداهن واضاف بإمكانكم الجلوس وطلب لهم القهوة والاركيلة وسدد الفاتورة ثم توجه إلى طاولته المعتادة في الجلسات الخاصة حيث كانت صديقته تنتظرة فنهضت من الطاولة غاضبة توجه له اللعنات والشتائم قائلة له لقد خدعتني يا حقير لقد أوهمتني بأنك من عائلة راقية وأنك من مشائخ اليمن ومن مستواي الأجتماعي واليوم تأتيني وانت برفقة متسولين من حثالة المجتمع فحاول تهدأتها ولكن كان صوتها يرتفع لحد أنها لفتت انتباه المتواجدين مما استثار غضبه وحميته فصاح في وجهها اسكتي يا حقيرة انت في هذا المكان لانك بنت شيخ له نفوذ ولكن غيرك من المواطنات الشريفات في بيوتهن و لكنها تمادت في غرورها وتوجيه المزيد من الشتائم ما اضطره أن يصفعها أمام الحاضرين فصرخت واستغاثت فهب مجموعة من عدة طاولات وانهالوا عليه ضربا مبرح ما حدى بعارف وجميل للتدخل مباشرة في العراك وتفاقم الوضع إلى أن استخدم وائل المسدس الذي كان بحوزته واطلق النار وفي اثناء العراك كان فؤاد قد اتصل بالشرطة والتي حضرت بعد فوات الاوان وقد اردى وائل احدهم قتيلا .
القت الشرطة القبض عليهم الثلاثة وجميع من اشترك في العراك واقتادوهم الى قسم الشرطة بينما داست صديقة وائل على الدماء واتجهت الى الركن الثاني من المقهى وكأن شيء لم يحدث وبدأت تنظر يمين وشمال وتتصفح احيانا البلاك بيري وتارة الاي باد واحيان الاي فون لعلها ترى من يشاركها الجلوس في الطاولة التي تعكس الدماء من أرضية المقهى وإذا بأحدهم يغمز لها وكان شاب وسيم يبدو عليه أنه رجل أعمال وما يحظى به من إهتمام ملفت من العاملين في المقهى بالإضافة إلى أنه دخل أحد الضباط بالميري يبحث عن طاولة وبالصدفة جلس في الطاولة المقابلة لذلك الشاب وما لبث أن جلس وهرع إليه النادل إلا وإذا به ينهض من الكرسي ويتقدم الى امام طاولة ذلك الشاب ويؤدي له التحية العسكرية فتغيرت وجهة نظرها وبدأت تركز عليه وبدالته النظرات ومن ثم بعثت له رقم الجوال عبر البلوتوث واتصل بها فأخبرته أنها سيدة أعمال ولديها شركة خاصة وأبوها شيخ تربطه علاقات بدول اجنبيه وأنها مطلقة بعد ما زوجها والدها من رجل أعمال أجنبي أثناء إقامته في اليمن وسافرت معه إلى الدار البيضاء و له أعمال تجارية هناك وكان يخرج إلى العمل في النهار ويعود لها في المساء لمدة شهر ثم خرج ولم يعود واغلق تلفونه وبعد أن انتظرته عدة أيام تواصلت مع والدها وكانت الفاجعة أنه قد اتصل به وطلقها فعادت الى الوطن على أول رحلة ولم يغيب عنها عنوان مسرحية محمد عبد الولي التي كانت في مقرر كتاب الأدب في مرحلة الثانوية والتي كانت سبب في فشلها عاد وليته لم يعد ومن ذلك اليوم لم يتقدم لخطبتها أحد وأخبرها سامي أن والده وزيرا وذلك بعد ما كان سفيرا في عدة دول عربية واجنبية وأنه في زيارة لليمن قصيرة فهو لايعيش في اليمن وإنما يأتي بحكم العمل والمصالح ويعود فورا إلى مقر إقامته في باريس وأنه لم يتزوج وذلك لأن والده لم يقبل بفكرة زواجه إلا بعد ما يكمل الجامعة وهولايحب التعليم وتخرج من الثانوية بمعدل 60% وميوله تجارية ولكن والده اجبره على الدخول كلية الطب ولم يقدر على التخرج منذ تسع سنوات .
بينما جلس بقية رفاق وائل وجميل وعارف في الجلسة يتابعون الاخبار الرياضية لعلهم يعرفون النتيجة حيث أن العراك اربكهم وتحدث رامي إليهم علينا أن نرحل الوقت متأخرا ولكن طارق رفض واصر على البقاء حتى الصباح فهو يرى انها فرصة استثنائية ولم يكن قادر على دخول هذا المكان لولا أن وائل سدد الفاتورة.
واتفق الجميع مع طارق واضطر رامي للجلوس معهم رغم شعورة بالملل فهو شاب تحت البطالة بعد أن تخرج من قسم الهندسة المدنية ولولا أن القدر والحظ بأن تم قبوله من بين زملائه حيث انه اجتاز امتحان القبول وتم اختياره من قبل دكتوراجنبي في لجنة القبول والذي تم طرده في ذلك العام لرفضه تنفيذ أوامر شيخ متنفذ في قبول ابنه في الكلية ومر عليه عامين وذاق المر خلال دراسته الجامعية فقد توفي اباه وهو في السنة الأولى في الجامعة الذي كان يقف الى جانبه ويزوده بالمال وكان لديه محل خضروات وفواكه وتم اغلاقه من قبل البلدية لكونه محل متنقل عبارة عن خيمة متنقلة وسط الاسواق ما اضطر رامي للعمل والدراسة واتجه للعمل في بوفية خلال المساء ويذهب الى الجامعة في الصباح كما أنه فقد أخيه الذي كان عسكري في الأمن المركزي في التفجير الإرهابي الذي تعرض له الجنود في كمين نصب لهم أثناء قيامهم بمهمة أمنيه في ضواحي المدينة ولديه ولدان وبنت وقد تحمل رامي مسؤولية النفقة عليهم في حين أن راتب والدهم تم ايقافه من قائد الكتيبة التي ينتمي اليها أخيه وذهب رامي الى البريد يسأل عنه ولكن للأسف لم يحصل على شيء وقيل له أن معظم الشهداء يستلم رواتبهم جهات عليا لا يمكن مسائلتهم عن ذلك .
بعد اقتياد وائل وجميل وعارف إلى مقر الشرطة تم التحقيق معهم وزج بهم في السجن وفي الصباح خرج عبد الوهاب الى ساحة السجن واذ بجميل نائم على التراب في حرارة الشمس فأيقضة من النوم وتصافح الجميع وبداء عبد الوهاب يشتكي لهم عن الظلم والمعاناة والمأساة التي تعرض لها في السجن وكان جميل شخصية نبيلة ولديه من الذكاء ما مكنه ان تخرج من كلية العلوم ولكنه كان متذمرا من هذا التخصص فقد اجبر على الدخول كلية العلوم حيث أن الفرص في كلية الطب والهندسة وتخضع لسياسة النفوذ والوجاهة الاجتماعية .
حكايات مخزية(1) بقلم صالح العجمي

جلس شاحبا في الحديقة القريبة من الحي السياسي يتأمل ويخفف عن نفسه ضغوطات ساعات العمل الطويلة التي تلاحقه من الطفولة وما لبث أن ادرك حقا أن القدرفرض عليه العيش وحيدا يداعب دموعه ويتسلى بهمومه وأن الله قد يخلق الجميع في رحم واحد ويملي عليهم حتمية الفرقة والتشتت في الدنيا , تأمل قليلا في طفل صغير يتقاسم مع اخيه قطعة حلوى بيديه ويصارعه على الكرة برجليه وعائلتهم منهمكون في سواليف وضحك على حصير ناعم تحتفظ به العائلة في السيارة الفارهه لحين الخروج في نزهات واستراحات .
كان يركز على التفاصيل الدقيقة لحد الفضول ويحاول الانخراط مع الناس حوله ولكنه يفشل وينصدم بالحقيقة انه محروم من ابتسامة حوله تشعره أنه شريك حقيقي في الحياة او بشر مثلهم واثناء حديثه مع نفسه ضرب الطفل كرة القدم فسقطت على راسه بالصدفة والطفل يهرول خلفها خوفا عليها من هذا الغريب وامسك بالكرة فتراجع الطفل ورفض ان يأخذها منه فقررالقيام والتقدم اليه وتحدث إليه ببعض المفرادات التي لم يسمعها في طفولته.. انت لاعب محترف فشعر الطفل بالامان واخذ الكرة وعاد مجددا الى المرح واللعب مع اخيه بينما جلس الى التفكير والعزلة القاتلة يحدث نفسه هل كان لي أخ في الطفولة نلعب في الحديقة؟ , هل خرجت في نزهة ولبست البوتي الرياضي وحملت كرة القدم واتخيل نفسي في برشلونه واسدد الضربات؟؟,وتذكر تلك الطفولة التعيسه في حرارة الشمس يحمل دبات الماء الثقيلة ويتلقى الضربات الموجعه كل صباح من أخيه الجاهل الذي كان يرضع من انثى الحمار في غياب أمه و يمارس الرذيلة مع جارتهم المطلقة بعد ما يفرض عليه العمل في المزرعه ساعات طويله حتى لا يثير الضجيج ويفسد عليهم متعة اللقاء في منتصف النهار , كانت الدموع تدحرج على خديه وصوت الضحكة يعلوا في ارجاء الحديقة حيث المئات من العوائل التي وقف الى جانبها القدر والقانون تلهو وتلعب وتشرب القهوة التي اعدت في البيت ورائحتها تصل إلى أنفه تذكره بقهوة جارتهم اللعينة في يوم العيد عندما جاء اليهم ليلعب مع ابناءها فغضبت منه ورشقته بفنجان قهوة من النافذة لاتزال اثار الحروق منه في يده اليسرى .
قرر الرحيل من الحديقة والتوجه الى مقهى يرتاده منهم على شاكلته حيث الاركيلات المتنوعة والمعسلات... وغادر الى المقهى في شمال المدينة الذي تعود على ارتياده ليلا مع شباب لم تمنحهم الحياة فرصة مع أهلهم لعله يتقاسم اطراف الحديث معهم , فهم لم يتعودوا على فرفشات مليئة بالعاطفة ولم يروق لهم سماع مثل هذه الخرافات. واثناء دخوله اذا بصوت عبد الله الرويشيد في مكبرات الصوت داخل المقهى لا تغرك الضحكة ترى كلي احزان لوتضحك اعيوني ترى كلي جروح واخفي وراء عيوني من الدمع بركان ومن خلف صمتي اخفي الحزن واجروح.
وجلس بجانب احدهم ممن نجوا من الحرب الأهليه في مناطق الصراع بين الحكومة والمتمردين والذي لم يعرف أهله وعاش وحيدا يكابد الحياة ويتسول لقمة العيش يشاهدون التلفاز في زاوية المقهى وقناة اليمن تتحدث عن الرعاية الاجتماعية التي تقدمها جمعية الصالح وجمعية الاصلاح الخيرية للأيتام.... وبداءت مداخلات الشاب اليتيم الذي عاش تحت جسر مع كلاب المدينة عشر سنوات من عمره حيث أنه لايعرف شيء عن والدته وابوه فقد قامت برعايته عجوز مسنه قذف بها الزمن لتعيش بالقرب من صندوق القمامة تتسابق مع كلاب المدينة على النفايات وكان من سوء حظه ان تلك العجوز وجدته في النفايات قبل ان يلفظ انفاسه ففرحت به لكونها حرمت من الامومة فزوجها كان ضابط لوطي ويتناول المخدرات والقات والحشيش ومات في حصار السبعين يوم في صنعاء ...ودار النقاش الحاد حول اكاذيب الجمعيات الخيرية والمنظمات الانسانية ...ولكن اثار السهر والتعب استحوذت عليهم وقرروا الرحيل بعد ما خصصوا اليوم الثاني الحضور في وقت مبكر لمشاهدة المبارة المثيرة للجدل التي تتحدث عنها كل وسائل الاعلام بين المانيا وايطاليا . .
تحت تأثير الشيشة والضجيج داخل المقهى والذكريات المؤلمة وما يشعر به من الأستياء جراء الكذب الإعلامي الذي تبثه القنوات لتجهيل المجتمع مستغلة وضعهم المعيشي التعيس وعدم قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم وحتى الحصول على ابسط الحقوق في مجتمع يعيش على حروب وصراعات طائفية وسياسية , كل هذه التنقاضات تعشعش في عقله ولم يستطيع ان يرى الطريق التي تؤديه الى غرفته الإيجار في ضواحي المدينة العاهرة خصوصا وان الكهرباء منقطعة في معظم المدن بعد تعرضها لقصف مدفعي من القبائل والعصابات التي عجزت الدولة عن ردعهم .
وقف على الرصيف ينتظر حافلة تقله إلى الطريق الفرعي القريب من حي المتسولين والشحاذة وطوابير من الكلاب المسعورة تحيط به في وقت متأخر من الليل وحركة النقل تتوقف في ساعات مبكرة فالكثير من سائقي الحافلات يكتفي بالعمل الى فترة الظهيرة وهمه الحصول على مبلغ الغداء والقات. وفجاءة توقف بجانبه البوليس وبادره بالسؤال ماذا تفعل هنا في هذا الوقت ؟ وطلب منه هويته ولم يكتفي بذلك بل اقتاده الى المخفر وتم ايقافه ومسائلته بل أنه تم ايداعه في الزنزانة بتهمة الشبه بينه وبين احد المطلوبين من تنظيم القاعدة . وبالرغم من محاولاته المتكررة اثناء المسائلة مع ضابط القسم وقدم لهم هويته وعنوانه وعمله لكنها كانت محاولات بائسه . وتم ايداعه في الزنزانة الانفرادية في الظلام وبداء سيناريو العذاب اليومي والحرمان من الطعام و الماء كما هو روتين يومي تعسفي يعامل به المساجين على خلفيات تهم ملفقة وقضايا اخرى على ذمة المشاركة في الاحتجاجات المحتدمة في البلد ضد النظام السياسي .
دخل الغيبوبة جراء التعذيب والاهانات لانتزاع اعترافات وبعد يوم من الغيبوبة استفاق يسأل عن ماء وقليل من الطعام ولكنه استفاق على صراخ وعويل في الزنزانات المجاورة وهراوات الجنود تطالهم وعصي الكهرباء تجبرهم على قول مالم يرتكبوه من جرم وقدم له الحارس قليل من الماء مع كدمه يابسه واخبره ان هذا طعامك ليومين فلدينا ازمة عالمية ولا يوجدغذاء كافي للمجرمين .
تواصل الشباب تلفونيا ببعضهم للتوجه للمقهى لمتابعة المباراة ولكن تلفون عبد الوهاب كان مغلقا واثناء سيرهم في الطريق إلى المقهى في الحافلة كانت الطريق مزدحمة جدا و أمام إشارة المرور التفت جميل من زجاج الحافلة الى السيارة الفارهه الواقفة بجانبها والتي يتعالي منها اصوات الاغاني الغربية والروك الغريبة على ثقافة المجتمع تفاجأ ان صاحبها هو زميل الدراسة الذي كان يرتاد بيته يوميا لكي يساعده في مادة التفاضل والتكامل في مرحلة الثانوية العامة وصرخ باعلى صوته وائل التفت وائل مندهشا وإذا به يرى جميل يناديه الحق بنا انا جميل فلحق به الى موقف الحافلات واثناء المصافحة الحارة كان يبدو كل منهم مشغولا بامر ما وفي حالة استعجال وحين ذلك بادر وائل بالسؤال ما بكم مستعجلين ؟ فرد عليه نحن في عجلة لنشاهد مبارة كرة القدم بين المانيا وايطاليا في مقهى شعبي في شمال المدينة ولكن وائل اصر عليه ان يذهب معه لمشاهدة المباراة في المقهى السياحي الذي لا يرتاده الا الطبقة المترفة تراجع جميل قليلا خجلا من دفع الفاتورة حيث انه لا يمتلك في جيبه الا اجرة الحافلة عند العودة وبعد الحاح شديد من وائل على دعوته له واصدقائة للذهاب معه الى هذا المقهى تشاور جميل مع اصدقائه واقنعهم بالذهاب .
وانطلق بهم وائل بسيارته واثناء سيرهم في الطريق تحدث جميل مع وائل عن ايام الدراسة وذكرياتهم ولم يتجاهل كيف اصبح الفرق بينهم فهو لا يزال صعلوكا مشردا في الشارع ولم يحصل على فرصة عمل بعد بينما وائل الذي كان مستواه الدراسي متدني أصبح من أثريا المدينة فلم يتردد أن سأله كيف وصلت إلى هذا المستوى من الثراء ؟ فقهقه وائل .. والتفت إليه في غرور ألم أقل لك ونحن في المدرسة أن المستقبل في هذا البلد ليس لإصحاب العلم وإنما لذوي النفوذ والسلطة ؟ وطأطأ جميل رأسه حزينا .. ولكنه ضبط نفسه وقال للأسف كنت أصدق ما يردده المعلمون عن مستقبل التعليم والمتعلمين خصوصا معلم التربية الوطنية الفاسق الذي اكتشفت أنه كان له علاقة بأحد قيادات في جهاز الاستخبارات يدير له ماخور دعارة في المساء ويتأخر عن الدوام لهذا السبب الذي كنا نجهله , انفجر وائل ضاحكا ألم تكتشف إلا حقيقة معلم التربية الوطنية المسكين ؟ التفت جميل مستغربا! وهل يوجد هناك قذارة أكثر من حقيقة معلم المراقص هذا ؟ تفاخر وائل بما لديه من فضائح كان يعرفها منذ زمن طويل عن مدير المدرسة ايضا الذي كان يجبر الطلاب على الحضور قبل الدوام بساعة ويجمعهم في حوش المدرسة لترتيل القرأن الكريم جماعيا . التفت جميل إلى وائل مندهشا لا أصدق ما تقوله !!.. كف عن هذا ولكن وائل امسك بيده قائلا ياصديقي لا يوجد أحد نبيل في عصر العولمة . جميل .. وهل عصر العولمة عصر الإنحطاط الخلقي لا يعقل هذا!! . وائل بل إنه أكثر مما تتوقع .
هل تعلم أن المدير الذي منحك شهادة السيرة والسلوك وشهادة التفوق لم يحمل الشهادة التي حصلت عليها وكان مدير مدرسة لإن والده كان مقرب من محافظ المحافظة وخلال الإجازة الصيفية كان يسافر بإسم المدرسة لحضور دورات تدريبة في الازهر الشريف واحيانا يدعي انه خرج الى دماج في رحلة مع رجال الدين وذات يوم كنت مريضا ولم اجد العلاج في مستشفيات البلد واضطر والدي أن ينقلني إلى الخارج لإجراء عملية صمام القلب وخلال إقامتي في المستشفى في أحد البلدان ذات يوم خلال فترة الزيارة دخل والدي ووجهه مكفهر وتبدوعليه ملامح الحزن والغضب وبالرغم من وضعي الصحي السيء سألت والدي ما بك ؟ ولكنه قال لي بعد أن تخرج من المستشفى سوف اقول لك . وكانت في يديه جريدة الحدث المصرية وسألني عن حالتي وابلغني السلام من أمي وجاءت الممرضة تخبره بانتهاء وقت الزيارة فخرج والدي ونسي الصحيفة على الطاولة التي كانت بجانبي.
ولمعرفتك ياجميل بأنني لا احب القراءة لكن الملل وشدة المرض اجباراني على أن اتسلي بالصحيفة وكانت الفاجعة فقد كانت صورة مدير المدرسة في الصفحة الأولى من الجريدة وهو عار مع نساء اجنبيات في ملهى ليلي وقد القت القبض عليه الجهات المختصة بعد خروجه في الشارع في حالة سكر شديدة وتم ترحيله إلى البلد كما ورد في الجريدة فطلبت من الممرضة أن تتصل بوالدي ولكنها رفضت وناولتني جرعة منومة .
وحين العودة للوطن كنت اتوقع انه في السجن وقد تم استبدال مدير المدرسة ولكن بحكم علاقاته تم التستر على فضيحته بل لقد استقبله في المطار اثناء وصوله مدير مكتب التربية ومدير المركز التعليمي ومعهم اعداد كبيرة من طلاب المدارس و كان بيتنا قريبا من المدرسة و في الصباح إذا بصوته الجهورفي الميكرفون يلقي كلمة طابور الصباح عن الأخلاق الفاضلة وحب الوطن وكأن شيء لم يحدث .
قاطعهم عارف قائلا ياشباب الآن المبارة سوف تبدأ بعد قليل واتجه الجميع بسرعة لكي يحجزوا لهم مكان في المقهى السياحي قبل الأزدحام و تقدمهم وائل وحجز لهم مكان بناء علاقته مع فؤاد الذي كان يدير المقهى.
وبالرغم من أن المباراة قد بدأت لكن جميل وعارف لم ينتبهوا لذلك لما ادهشهم في المقهى من مغريات وحداثة بداية بالديكورات الباهضة الثمن ورائحة المسكرات ناهيك عن الإختلاط الغير مألوف في البلد فلا يكاد يكون هناك طاولة إلا وفيها صديق مع صديقته وحينها التفت إليهم وائل وقال لهم أنه على موعد مع احداهن واضاف بإمكانكم الجلوس وطلب لهم القهوة والاركيلة وسدد الفاتورة ثم توجه إلى طاولته المعتادة في الجلسات الخاصة حيث كانت صديقته تنتظرة فنهضت من الطاولة غاضبة توجه له اللعنات والشتائم قائلة له لقد خدعتني يا حقير لقد أوهمتني بأنك من عائلة راقية وأنك من مشائخ اليمن ومن مستواي الأجتماعي واليوم تأتيني وانت برفقة متسولين من حثالة المجتمع فحاول تهدأتها ولكن كان صوتها يرتفع لحد أنها لفتت انتباه المتواجدين مما استثار غضبه وحميته فصاح في وجهها اسكتي يا حقيرة انت في هذا المكان لانك بنت شيخ له نفوذ ولكن غيرك من المواطنات الشريفات في بيوتهن و لكنها تمادت في غرورها وتوجيه المزيد من الشتائم ما اضطره أن يصفعها أمام الحاضرين فصرخت واستغاثت فهب مجموعة من عدة طاولات وانهالوا عليه ضربا مبرح ما حدى بعارف وجميل للتدخل مباشرة في العراك وتفاقم الوضع إلى أن استخدم وائل المسدس الذي كان بحوزته واطلق النار وفي اثناء العراك كان فؤاد قد اتصل بالشرطة والتي حضرت بعد فوات الاوان وقد اردى وائل احدهم قتيلا .
القت الشرطة القبض عليهم الثلاثة وجميع من اشترك في العراك واقتادوهم الى قسم الشرطة بينما داست صديقة وائل على الدماء واتجهت الى الركن الثاني من المقهى وكأن شيء لم يحدث وبدأت تنظر يمين وشمال وتتصفح احيانا البلاك بيري وتارة الاي باد واحيان الاي فون لعلها ترى من يشاركها الجلوس في الطاولة التي تعكس الدماء من أرضية المقهى وإذا بأحدهم يغمز لها وكان شاب وسيم يبدو عليه أنه رجل أعمال وما يحظى به من إهتمام ملفت من العاملين في المقهى بالإضافة إلى أنه دخل أحد الضباط بالميري يبحث عن طاولة وبالصدفة جلس في الطاولة المقابلة لذلك الشاب وما لبث أن جلس وهرع إليه النادل إلا وإذا به ينهض من الكرسي ويتقدم الى امام طاولة ذلك الشاب ويؤدي له التحية العسكرية فتغيرت وجهة نظرها وبدأت تركز عليه وبدالته النظرات ومن ثم بعثت له رقم الجوال عبر البلوتوث واتصل بها فأخبرته أنها سيدة أعمال ولديها شركة خاصة وأبوها شيخ تربطه علاقات بدول اجنبيه وأنها مطلقة بعد ما زوجها والدها من رجل أعمال أجنبي أثناء إقامته في اليمن وسافرت معه إلى الدار البيضاء و له أعمال تجارية هناك وكان يخرج إلى العمل في النهار ويعود لها في المساء لمدة شهر ثم خرج ولم يعود واغلق تلفونه وبعد أن انتظرته عدة أيام تواصلت مع والدها وكانت الفاجعة أنه قد اتصل به وطلقها فعادت الى الوطن على أول رحلة ولم يغيب عنها عنوان مسرحية محمد عبد الولي التي كانت في مقرر كتاب الأدب في مرحلة الثانوية والتي كانت سبب في فشلها عاد وليته لم يعد ومن ذلك اليوم لم يتقدم لخطبتها أحد وأخبرها سامي أن والده وزيرا وذلك بعد ما كان سفيرا في عدة دول عربية واجنبية وأنه في زيارة لليمن قصيرة فهو لايعيش في اليمن وإنما يأتي بحكم العمل والمصالح ويعود فورا إلى مقر إقامته في باريس وأنه لم يتزوج وذلك لأن والده لم يقبل بفكرة زواجه إلا بعد ما يكمل الجامعة وهولايحب التعليم وتخرج من الثانوية بمعدل 60% وميوله تجارية ولكن والده اجبره على الدخول كلية الطب ولم يقدر على التخرج منذ تسع سنوات .
بينما جلس بقية رفاق وائل وجميل وعارف في الجلسة يتابعون الاخبار الرياضية لعلهم يعرفون النتيجة حيث أن العراك اربكهم وتحدث رامي إليهم علينا أن نرحل الوقت متأخرا ولكن طارق رفض واصر على البقاء حتى الصباح فهو يرى انها فرصة استثنائية ولم يكن قادر على دخول هذا المكان لولا أن وائل سدد الفاتورة.
واتفق الجميع مع طارق واضطر رامي للجلوس معهم رغم شعورة بالملل فهو شاب تحت البطالة بعد أن تخرج من قسم الهندسة المدنية ولولا أن القدر والحظ بأن تم قبوله من بين زملائه حيث انه اجتاز امتحان القبول وتم اختياره من قبل دكتوراجنبي في لجنة القبول والذي تم طرده في ذلك العام لرفضه تنفيذ أوامر شيخ متنفذ في قبول ابنه في الكلية ومر عليه عامين وذاق المر خلال دراسته الجامعية فقد توفي اباه وهو في السنة الأولى في الجامعة الذي كان يقف الى جانبه ويزوده بالمال وكان لديه محل خضروات وفواكه وتم اغلاقه من قبل البلدية لكونه محل متنقل عبارة عن خيمة متنقلة وسط الاسواق ما اضطر رامي للعمل والدراسة واتجه للعمل في بوفية خلال المساء ويذهب الى الجامعة في الصباح كما أنه فقد أخيه الذي كان عسكري في الأمن المركزي في التفجير الإرهابي الذي تعرض له الجنود في كمين نصب لهم أثناء قيامهم بمهمة أمنيه في ضواحي المدينة ولديه ولدان وبنت وقد تحمل رامي مسؤولية النفقة عليهم في حين أن راتب والدهم تم ايقافه من قائد الكتيبة التي ينتمي اليها أخيه وذهب رامي الى البريد يسأل عنه ولكن للأسف لم يحصل على شيء وقيل له أن معظم الشهداء يستلم رواتبهم جهات عليا لا يمكن مسائلتهم عن ذلك .
بعد اقتياد وائل وجميل وعارف إلى مقر الشرطة تم التحقيق معهم وزج بهم في السجن وفي الصباح خرج عبد الوهاب الى ساحة السجن واذ بجميل نائم على التراب في حرارة الشمس فأيقضة من النوم وتصافح الجميع وبداء عبد الوهاب يشتكي لهم عن الظلم والمعاناة والمأساة التي تعرض لها في السجن وكان جميل شخصية نبيلة ولديه من الذكاء ما مكنه ان تخرج من كلية العلوم ولكنه كان متذمرا من هذا التخصص فقد اجبر على الدخول كلية العلوم حيث أن الفرص في كلية الطب والهندسة وتخضع لسياسة النفوذ والوجاهة الاجتماعية .
تعليق