تروي أحداث القصة شخصاً قاتلاً حائراً في أمر جثة الضحية ، ثم يقرر بأنّ الدفن على شاطئ البحر هو الخيار الأفضل للتخلص منها ، ويتم الدفن ، ثم يفقد البطل وعيه وكأنه ينام ، أو كان ما تصوّره مجرد حلم ، ويحاول البحث عن واقعيته بدخوله البحر والبحث عن ذلك الهاجس الذي غشاه طويلاً ، وقد اعتمدت القصة على لعبة التناص ، بصورة ذكية وتجعل القارئ يتيه مع المتناصات الكثيرة التي تجيء في القصة وتراود أفكاره وثقافته ، وفيه تتجلى القدرة العقلية للكاتبة ، وذلك بتلاعبها على أكثر من نصّ لتنتج نصّاً واحداً ، فلا يعرف مع أي حكاية اعتمدتها الكاتبة للتناص ، ويمكننا القول أنّ القصة كتبت بذكاء ، وتمويه كبير ، ولاسيما مع العتبات ( العنوان والتوقيع ) . وسنتطرق الآن إلى بعض الأماكن التي يظهر بها التناص بآلية من آلياته :
أولاً : قصة قابيل ودفن الجثة ، وكيف أصيب الجاني قابيل بحيرة شديدة بأنّه سيفضح أمره ، ولم يعرف ما سيعمل بالجثة ، فجاء الغراب ، وتم الدفن ، بعدها أصبح نادماً ، وفي للقصة نجد (( عاد يحمل معه شخصاً آخر .. يحمله حيناً ويجرجره أحياناً .. لا وقت لمحو الآثار وصاحب الآثار ملقى على الشاطئ [ ...] هدير الموج يشتته .. يبعثر تركيزه .. جلب مجرفته وأخذ يحفر .. وبيده يعمّق الحفر ..
يأتي الموج يناكفه .. يناكده .. يملأ حفره .. يسكنها ويذوب داخلها )) . العميلة واحدة وهي إخفاء جثة ، والحيرة التي تسبق الدفن ، فالبطل لا يعرف ما سيعمل بالجثة حتّى جاء القرار الأخير ، وهو في كلتا الحكايتين الدفن ، والغاية من وراء الدفن نهاية أمر الجثة وإِلى الأبد .
ثانياً : قصة أصحاب الكهف ( ع ) ، ولاسيما بعد استيقاظهم ، قالوا كم لبثتم ؟ ، السؤال الغريب الذي يبيّن جهل الإنسان وعجزه عن معرفة أبسط شيء ، فلا يعلم جواب ذلك سوى الخالق ، وكان التناص ظاهراً هاهنا لفظياً ، فتقول القصة : (( ونام لا يدري كم .. ربما يوما أو بعد يوم )) . والنهاية مقاربة وهي تناص أيضاً فأصحاب الكهف طلبوا من الله الموت والخلاص من آثام الدنيا ، فرحلوا عن عالم الحياة وعن المضايقات البشريّة وإلى الأبد ، وكذلك البطل فإنّه بعد الاستيقاظ هام على وجهه في البحر ليتخلص من أفكاره التي لازمته ، وقد رحل تحت الموج وإلى الأبد .
ثالثاً : القصة القرآنيّة الرجل صاحب الحمار الذي قال أنّى يحيي الله هذه الأرض ، فبعد الاستيقاظ من موته وغفوته التي لا يعرف أمدها ، لم يجد الحمار ، وتغير شكل الرجل نفسه ، وهنا نفس الأمر مع البطل فطول لحيته بعد استيقاظه ، وجهله بمدة نومه ، وخفاء الجثة التي كانت معه ، يتناص مع تلك القصة القرآنيّة .
رابعاً : قصة سيدنا يونس ( ع ) وخروجه من البحر وحاجته إلى الظل والشجرة ، وهنا كان التحوير في القصة ، فهو على الشاطئ ثم غاص بالبحر ، والتقارب بين النصين الجهل بالمصير في كلتا القصتين ، فهذا يخرج من الظلمات والحيرة إلى نور العفو والمغفرة ، فضلاً عن أنه تلقن درساً وحكمة من لدن السماء تجاه أفعاله ، وكذلك البطل في القصة ، فهو يتلقن درساً ثم سعيه في البحث عن المصير لنهاية الجثة أو البحث عن المعرفة فأين تذهب الجثة ؟ ، أو الخلاص ممّا فعله ، وهنا يحتمل الأمر شدة الندم التي يعيشها .
خامساً : الحكمة من الحياة التي ترويها الأحاديث ، التي تقول الناس أموت فإنّ ماتوا أحيوا ، فالبطل هنا يدفن الجثة وهو مستيقظ ، وهو حالنا نحن البشر أمام الميت ساعة موته وحتى ساعة دفنه ، لكنّنا بمجرد أن نعود من الدفن ننسى المصير الذي ينتظرنا ، فتأخذنا الدنيا في غفوة ، ولا نستفيق حتى يقرع الموت أسماعنا ، وعندها لا ندري كم لبثنا في سكرتنا ، ويرجع لنا البصر ، فالبطل بعد أن دفن الجثة عاد إلى غيبوبة وإلى لهوه ومتعته في الحياة أشبه بالميت ، ويستيقظ بعدما تكون لحيته قد طالت (( أخذ يتحسس وجهه هل طالت لحيته ؟ .. هل شابت ؟ )) وعندها يغوص في البحر رمز الفناء والنهاية والضياع لمن كان في الدنيا أعمى عن التفكير بمصيره ، فهو راح وإلى الأبد في البحر (( هرول نحو البحر بكل ما بقي فيه من قوة [ ... ] لا يدري .. ربما يوماً أو إلى الأبد! )) .
سادساً : رواية مونتي كريستو وكيف يتخلص البطل ممّا يحمله معه من أثقال حديديّة ، التي وضعت كي تنقله إلى أعماق البحر ، فيشق الكفن ويخرج إلى الساحل ، وهنا يتخلص البطل من الجثة التي كانت معه أو من الأثقال التي تسحبه إلى القعر ، لكن الموقف مغاير هنا في القصة فالبطل يصيبه الذهول والندم والحيرة والجنون ، وربما هو الأمر ذاته مع ( دانتس ) بطل الرواية مونتي كريستو ، الذي ظهر بلحيته الطويلة وثيابه المتهرئة ، وكأنه مجنون ، لكن صاحبنا هنا في القصة كان وحيداً وقرر النهاية في البحر .
خاتمة
العنوان يبدو لا علاقة له بالدلالات التأويلية المحتملة سوى المكان ، وهو ما أكدته الكاتبة في ذيل القصة وذلك عبر التوقيع ، بوضع مكان سكناها ( الإسكندرية ) ، فالقصة لها علاقة وثيقة بالمكان ، وربّما هدف الكاتبة يختبئ خلف ذلك المكان . يتضح ممّا تقدم - من متناصات وقفنا عندها - التمويه الذي قدمته الكاتبة عبر العنوان الذي كان بريئاً ، وظهر كأنه محايد ( الشاطئ ) ، إذ لا يحمل من الدلالات سوى المكانيّة ، وبإضافته إِلى التوقيع الذي يُذيلُ النصّ ( الإِسكندرية ) يكتسب من الواقعيّة شيئاً ، وعندها تجيء بعض الأفكار للقارئ ذات علاقة وطيدة بالواقع المعيش ، لكن المتأمل يكشف الخدعة ، ويقول ما جاءت به الكاتبة ما كان سوى تحوير وإبعاد للتناص المفضوح أو المكشوف أَو إِبعاد القارئ عن معرفة التناص بسهولة ويسر ، عبر خدعة العتبات النصيّة ، وعندها تنتصر القصة على قارئها المستهلك ، ويختفي التناص القرآنيّ - وهو كثير أو هو مع أكثر من نص - خلف بعض التلاعب في العتبات التي اعتمدتها الكاتبة .
أولاً : قصة قابيل ودفن الجثة ، وكيف أصيب الجاني قابيل بحيرة شديدة بأنّه سيفضح أمره ، ولم يعرف ما سيعمل بالجثة ، فجاء الغراب ، وتم الدفن ، بعدها أصبح نادماً ، وفي للقصة نجد (( عاد يحمل معه شخصاً آخر .. يحمله حيناً ويجرجره أحياناً .. لا وقت لمحو الآثار وصاحب الآثار ملقى على الشاطئ [ ...] هدير الموج يشتته .. يبعثر تركيزه .. جلب مجرفته وأخذ يحفر .. وبيده يعمّق الحفر ..
يأتي الموج يناكفه .. يناكده .. يملأ حفره .. يسكنها ويذوب داخلها )) . العميلة واحدة وهي إخفاء جثة ، والحيرة التي تسبق الدفن ، فالبطل لا يعرف ما سيعمل بالجثة حتّى جاء القرار الأخير ، وهو في كلتا الحكايتين الدفن ، والغاية من وراء الدفن نهاية أمر الجثة وإِلى الأبد .
ثانياً : قصة أصحاب الكهف ( ع ) ، ولاسيما بعد استيقاظهم ، قالوا كم لبثتم ؟ ، السؤال الغريب الذي يبيّن جهل الإنسان وعجزه عن معرفة أبسط شيء ، فلا يعلم جواب ذلك سوى الخالق ، وكان التناص ظاهراً هاهنا لفظياً ، فتقول القصة : (( ونام لا يدري كم .. ربما يوما أو بعد يوم )) . والنهاية مقاربة وهي تناص أيضاً فأصحاب الكهف طلبوا من الله الموت والخلاص من آثام الدنيا ، فرحلوا عن عالم الحياة وعن المضايقات البشريّة وإلى الأبد ، وكذلك البطل فإنّه بعد الاستيقاظ هام على وجهه في البحر ليتخلص من أفكاره التي لازمته ، وقد رحل تحت الموج وإلى الأبد .
ثالثاً : القصة القرآنيّة الرجل صاحب الحمار الذي قال أنّى يحيي الله هذه الأرض ، فبعد الاستيقاظ من موته وغفوته التي لا يعرف أمدها ، لم يجد الحمار ، وتغير شكل الرجل نفسه ، وهنا نفس الأمر مع البطل فطول لحيته بعد استيقاظه ، وجهله بمدة نومه ، وخفاء الجثة التي كانت معه ، يتناص مع تلك القصة القرآنيّة .
رابعاً : قصة سيدنا يونس ( ع ) وخروجه من البحر وحاجته إلى الظل والشجرة ، وهنا كان التحوير في القصة ، فهو على الشاطئ ثم غاص بالبحر ، والتقارب بين النصين الجهل بالمصير في كلتا القصتين ، فهذا يخرج من الظلمات والحيرة إلى نور العفو والمغفرة ، فضلاً عن أنه تلقن درساً وحكمة من لدن السماء تجاه أفعاله ، وكذلك البطل في القصة ، فهو يتلقن درساً ثم سعيه في البحث عن المصير لنهاية الجثة أو البحث عن المعرفة فأين تذهب الجثة ؟ ، أو الخلاص ممّا فعله ، وهنا يحتمل الأمر شدة الندم التي يعيشها .
خامساً : الحكمة من الحياة التي ترويها الأحاديث ، التي تقول الناس أموت فإنّ ماتوا أحيوا ، فالبطل هنا يدفن الجثة وهو مستيقظ ، وهو حالنا نحن البشر أمام الميت ساعة موته وحتى ساعة دفنه ، لكنّنا بمجرد أن نعود من الدفن ننسى المصير الذي ينتظرنا ، فتأخذنا الدنيا في غفوة ، ولا نستفيق حتى يقرع الموت أسماعنا ، وعندها لا ندري كم لبثنا في سكرتنا ، ويرجع لنا البصر ، فالبطل بعد أن دفن الجثة عاد إلى غيبوبة وإلى لهوه ومتعته في الحياة أشبه بالميت ، ويستيقظ بعدما تكون لحيته قد طالت (( أخذ يتحسس وجهه هل طالت لحيته ؟ .. هل شابت ؟ )) وعندها يغوص في البحر رمز الفناء والنهاية والضياع لمن كان في الدنيا أعمى عن التفكير بمصيره ، فهو راح وإلى الأبد في البحر (( هرول نحو البحر بكل ما بقي فيه من قوة [ ... ] لا يدري .. ربما يوماً أو إلى الأبد! )) .
سادساً : رواية مونتي كريستو وكيف يتخلص البطل ممّا يحمله معه من أثقال حديديّة ، التي وضعت كي تنقله إلى أعماق البحر ، فيشق الكفن ويخرج إلى الساحل ، وهنا يتخلص البطل من الجثة التي كانت معه أو من الأثقال التي تسحبه إلى القعر ، لكن الموقف مغاير هنا في القصة فالبطل يصيبه الذهول والندم والحيرة والجنون ، وربما هو الأمر ذاته مع ( دانتس ) بطل الرواية مونتي كريستو ، الذي ظهر بلحيته الطويلة وثيابه المتهرئة ، وكأنه مجنون ، لكن صاحبنا هنا في القصة كان وحيداً وقرر النهاية في البحر .
خاتمة
العنوان يبدو لا علاقة له بالدلالات التأويلية المحتملة سوى المكان ، وهو ما أكدته الكاتبة في ذيل القصة وذلك عبر التوقيع ، بوضع مكان سكناها ( الإسكندرية ) ، فالقصة لها علاقة وثيقة بالمكان ، وربّما هدف الكاتبة يختبئ خلف ذلك المكان . يتضح ممّا تقدم - من متناصات وقفنا عندها - التمويه الذي قدمته الكاتبة عبر العنوان الذي كان بريئاً ، وظهر كأنه محايد ( الشاطئ ) ، إذ لا يحمل من الدلالات سوى المكانيّة ، وبإضافته إِلى التوقيع الذي يُذيلُ النصّ ( الإِسكندرية ) يكتسب من الواقعيّة شيئاً ، وعندها تجيء بعض الأفكار للقارئ ذات علاقة وطيدة بالواقع المعيش ، لكن المتأمل يكشف الخدعة ، ويقول ما جاءت به الكاتبة ما كان سوى تحوير وإبعاد للتناص المفضوح أو المكشوف أَو إِبعاد القارئ عن معرفة التناص بسهولة ويسر ، عبر خدعة العتبات النصيّة ، وعندها تنتصر القصة على قارئها المستهلك ، ويختفي التناص القرآنيّ - وهو كثير أو هو مع أكثر من نص - خلف بعض التلاعب في العتبات التي اعتمدتها الكاتبة .
تعليق