خبز ولآلئ
المشهد الأولتحتضن الأم ابنها:مرحبا بالحبيب الصغير، هلّا انتهيتمن اللعب على الشاطئ، وجمعت الحصى وبنيت قصوراً على الرمال.
(يبتعد واضعا يده على معدته)نعمان: وتناجيت مع الحوريات، لكنّ الجوع أثقل وطأته على معدتي الخاوية فعدت لتناول الطعام.
الأم (بصوت كسير): ياه يا نعمان، لو استطعت لأطعمتك حبات القلب، لكن ما باليد حيلة، هاك بعض كسيرات الخبز وسمكة جففتها الشمس.
نعمان (مستكينا): إلى متى ستظل معدتي حوض أسماك مجففة!
يظهر عبد الله مستمعاً إلى هذا الحوار حاضنا ولده بلهفة: أتمنى لو أقطف لك نجوم السماء،أو أغوص حاملا لآلئ البحر، وأقدم ما تشتهيه نفسك الفتية، فأنت يا صغيري لا تحتمل الفقر ومعسرات الفاقة.
نعمان(يلقي برأسه على كتف أبيه): أبي، كم أنا مسرور لرؤيتك.
عبد الله(بتنهيدة جارحة): البحر كالعادة شحيحاً معي فأنا أرمي الّشباك ولكن القليل من الأسماك يغزو شباكي.
الأم : هذا رزقك يا عبد الله ، هلّا حمدت لله.
عبد الله(متذمرا): الحمد لله ولكنّ الصيادين سلالهم فائضة بخيرات البحر وسلتي شبه خاوية وتغزو شباكي حفنة من الأسماك، لا أدري ماذا أفعل؟ لقد مللت الفقر الذي يكاد يخنقني.
الأم (مشجعة): ادع الكريم الرزّاق.
عبد الله(مستاء): من الفجر وأنا ملتصق بالصخرة والسمك يداعب الشباك ولا يستقر بها والشمس مجمرة تلقي بسياط من لهب على جسدي، ومللت صيد الشاطئ، اليم يدعوني إلى القاع لعل الرزق هناك.
مرجانه(برعدة خوف): الغوص يا عبد الله ،محال ما تنويه، البحر غدار، وأنا لا أريد محارا لؤلئيّا أو مالاً، يكفينا رزق الشاطئ.
نعمان(راجيا ممسكا يد أبيه): مادام المحار يأتي بالمال الوفير، لماذا لا تحاول يا أبي؟ اليوم رأيت قطعا من الحلوى مع ابن التاجر كسّاب، ما أشهى طعمها، لقد حملته على ظهري ثلاث مرات حتى وافق أن أتذوق طعمها، كم هي رائعة ولذيذة، أيوجد مثلها في الأحلام؟
عبد الله (بحماس): بني،سأغوص البحار، واقتلع لآلئها وأحضر ما تشتهي.
يدخلان الكوخ ثم يسمع صوت صياح الديك عبد الله(بيقين): ذاهب للاتفاق مع الغواصين للغوص في القاع.(يخرج)
تنظر مرجانه إلى البحر بوجل وتخيط الشباك وتنظر إلى الشمس (تترنم بأغنية طلعت يا محلى نورها شمس الشموسة)
يظهر نعمان (مستوضحا): أحقيقة سيتعلم أبي الغوص ويأتي باللآلئ؟
مرجانه (أحاطته بنظرة يائسة): أبوك يسير إلى الهاوية لأن الغوص ليس دربه وحكايته مع الغيب محيرة، يكفينا رداء الفضيلة، لا نريد لؤلؤاً ولا ياقوتاً، كلّ ما نريده زادنا اليومي وسعادتنا بوجوده معنا.
يظهر زوجها ساخرا: انظري إلى شباكي إنها تئن من كثرة السمك، انتهى الفقر لقد اتفقت مع الغواصين للانطلاق غدا إلى الأعماق.
مرجانه(ناصحة):المال يجلب المشاكل والمصائب،الحياة حلوة بالقناعة.
عبد الله (ناظرا إليها بغضب): دعك من هذه الأقاويل، بالغد سأخوض في اليم ولن أخشى الأهوال ، لعلي أقطف لؤلؤة من قلب الأصداف.
(لحظة صمت) مرجانه (ترتجف هلعا): إن البحر غدار وأنا خائفة عليك،من غدر البحر وسطوة المال، قد يخفي في خباياه الشر.
عبد الله (واثقا من أمانيه): لا تخافي، لأني أحاول تحقيق أحلامك، ألم تحلمي بقطع من اللحم أو حبة فاكهة وبيت من الحجر بدل من هذا الكوخ الحقير، أتحلمين بثوب شفيف مرهف بدلاً من هذه الملابس الخشنة، سأذهب إلى القاع وسأغمد خنجري في خبايا الأصداف.
( يظهر نعمان وصراخه يعلو): أمي، لدغني عقرب، السمّ يطفئ أنفاسي، آه،آه، الألم يمزقني.
عبد الله محزونا قلقا: سأحضر الطبيب حالا.
يدخل الطبيب قائلاً:كنت مارّا من هنا فأدركت إنّكم بحاجتي، ما الصراخ، (يتجه نحو الصغير) أين مصدر الألم؟
عبد الله بحرقة : يكاد الألم يمزق ولدي، عالجه أيّها النطاسي البارع.
الطبيب مقررا: ها، إنه ملدوغ، يا للمسكين إنه يتلوى من أثر السم في جسمه، كم تدفع ثمناً مقابل علاجه.
عبد الله فاغراً فاه بدهشة: لا أملك شيئاً.
الطبيب بجشع: أين خيرات البحر؟ إنّ جيوبكم مليئة باللآلئ.
عبد اللهمستنكرا: أتدري ما رزق البحر، هوغيمه تمطر في صحراء لا تحفل الرمال بها .
الطبيب مأخوذ بكلامه: إن لم تبادر إلى نقدي أجر العلاج، فإنّ ابنك لن يبرأ وسيموت في الحال، من قال لك إني أعالج الفقراء مجاناً.
يسمع صوت قهقهة ماكرة: عالجه مسكين وأنا سأنقدك ثمن العلاج.
الطبيب ينظر حوله مستنكرا: من أنت؟
كسّاب (بنبرة واثقة): أنا شعاع الرحمة الذي يضيء قلوب المساكين.
عبد الله (مأخوذا بمبادرته): شكرا لك يا كسّاب، يا منقذ الإنسانيّة.
كسّاب (بصوت يشف عنه الاحتيال): لكن لي شرط ، عندما تعود من الغوص تعطيني ما تجده من اللآلئ مقابل علاج ابنك، وهذا صك توقعه هنا على أن يكون ابنك رهينة مقابل لآلئ البحر.
عبد الله مأخوذا وساخراً بما لم يكن بالحسبان:يا لرحمتك يا كساب يا لقلبك الحاني علينا،يا لتراتيل الغبطة التي تترنم بهايا كسّاب
كسّاب (بدهاء يهوديّ): وقّع أو أترك ابنك يذوي من السم في جسده.
عبد الله (بآهات مبطنة بأسى): سأوقع، ولدي الغالي، لن أتركك فريسة للموت(يوقع)
كسّاب(بفظاظة عبثيّة): لا تكابر هيا، ستكسب الكثير من خير البحر.
يتقدم الطبيب ليعطي نعمان البلسم الشافي ويعود عبد الله إلى بيته يخالطه الفزع والحزن برما بمجريات الحدث محدثا نفسه: لو كان بوسعي المكابرة لفعلت، ولكنّه وحيدي وفلذة كبدي.
تحتضن مرجانهابنها فرحة بشفائه: حمدا لله على سلامة ولدي، كاد قلبي يحترق عليك، فأنت حبة القلب ونداءالروح.
عبد الله (قطّب وجهه وقست ملامحه): الآن عرفت مدى أهمية المال في الحياة سأستقل زورقا إلى الحوّام وسيكون لي ميلاد حياة.
مرجانه بهلع قاتم: أتعرف يا عبد الله ما البحر؟ هو لحد من المياه الهوجاء، موت يئن من لطم المجاديف الصارخة بوجه الحياة.
عبد الله(مهموما ومطرقا بتفكير عميق): أصبحت حائراً في أمري، الحياة بالنسبة لي لغز، الحياة عندي صراع من أجل البقاء.
مرجانه(تهدئ من روعه وتربت على كتفه): لا تخف فالله معنا، خذ قليلاً من الراحة واخلد للنوم حتى تستعد إلى رحلة الغد.( يخرجان).
المشهد الثاني
السمكة(بترفع وكبرياء): أنا ملكة السمك هلا تركتني أعود للأعماق.
عبد الله(بصيحة هستيرية، مبتهجا): أهي حقيقية أم رؤى؟ لا يا ملكة البحر سأحملك إلى السوق لأبيعك الآن وأنا على يقين أني سأربح المال الكثير.
السمكة بنداء عميق وبطيء: عبد الله، حدّق بما تحمله زعانفي، إنه خاتم مسحور، تخدمه أربع حوريات، كل واحدة تحقق لك حلما، كلّ واحدة ترقى بمطلب إنساني لا تستطيع أن تحيد عنه إلى مطلب آخر.
عبد الله (مأخوذا): أهذا النداء، حقيقة أم خداع.
السمكة بصدق: الخاتم في زعنفي، تناوله وجرب، ادعكه ويحقق لك الكثير من الآمال.(تنسحب)
يمد عبد الله يده ويتناول الخاتم ثمّ يدعكه لتخرج فتاة تحمل وشاح "الفضيلة" تتثاءب باستغراب:منأيقظني من أحلامي الوردية؟ من دعاني من الحلم الشاسع المتناثر إلى عالم الواقع الإنساني.
يخرّ واقعا من هول المفاجأة ثمّ ينهض متثاقلا: أنا عبد الله، إنسان البرّ الشقي، أنا دمعة الأزمنة التي تتلألأ بالبؤس والفقر، أنت جئت إليّ بدعوة الخاتم المسحور لتلبي رغباتي الدنيويّة.
حورية الفضيلة(تحدق): أهلا بصديق الألفة والمحبة، سأمنحك كل ما تريد من الفضيلة والخلق الكريم والسماحة، ستكون متدثرا بالخلق الكريم وتتبوأ الصدق، الكرم، الإيثار، التواضع.
عبد الله هازئا : ما هذا؟ وأين الثراء المال الجاه.
حورية الفضيلة(بكياسة): أنا بنت الفضيلة، هذا ما أملك ولا أمنحك سواها.
عبد الله(مصافحا زعنفتها بحنو): اذهبي رعاك الله، سأستدعي من يحقق مطلبي.(تغوص)
يدعك الخاتم وتظهر له حورية متثائبة تتشح بوشاح "الحرية" متثائبة: ياه، من الداعي إلى عالم النور، من الهاتف بدعوى الحرية؟
عبد الله (بصوت منتشٍ): حورية الحرية!! خبريني عن عطائك.
حورية الحرية (متهدّجة النبرات): أنا متواجدة خلف شقوق التاريخ، أبعث نداء الحرية، أنا إشراق العيون التي أسملها الظلم، ماذا تريد يا عبد الله.
عبد الله(ذليلا): أنا مقهور الفقر والحاجة ومحاطا بوجهه البشع.
حورية الحرية: ويحك، أتريد تحريرك من عبودية الفقر إلى عبودية المال يا لسوء الملتقى، مسكين يا هذا، تلهث وراء السراب باسم المال.
عبد الله (يهذي بهوس غير منطقيّ): أغربي عن وجهي، يا أول نزف في التاريخ حتى حافة الخلود، يا حليفة الخراب والنزف الدمويّ، أتريدين أن أتحرر من عبودية المال إلى عبودية المبادئ؟ لا يمكن(تغوص).
يعود عبد الله إلى خاتمه ليدعكه فتخرج "حورية العلم" (بصلابة وثقة): أنا حورية العلم، أنا الأمان من غدر الزمان، أنا الفكر ونعمة تحضّر الإنسان في هذا الزمان، الإنسان ورقيّ إنسانيته وراحته، أنا النور يغزو القلوب ويفجر إبداع العقول، أنا من يضيء شعلة العلم في دروب الجهل، أنا الأمل السرمدي في حياة الإنسان.
عبد الله(مشدوها مدلّها): وهل العلم يقدم المال الوفير، هل أبني قصرا ويحقق آمالي وأحلامي.
حورية العلم: لا ،العلم يحتاج إلى المال ليحقق الأهداف ثمّ،وقد يجني الأموال بعد عناء.
عبد الله: إذاً لا أحتاجك لأني لا اهتم بالعلوم كافّة، إلا علوم البحار، عودي إلى مستقرك ما زال بهذا الخاتم أمل بالمال.
يدعك خاتمه فتخرج حورية المال: أنا حورية الخير، جئتك ملبية للنداء، ماذا تريد؟ مالاً، قصورا، كلّ ما تشتهي من خير العالم أنا أحلامك.
عبد الله جذلا مرحبا: أهلا، بمنية المنى، ولبّ الأمل، وغاية الرجاء.
ويمسك بزعنفتها(ذراعها) ويراقصها على موسيقى هادئة، وقبل انتهاء الرقصة بقليل تدخل مرجانه وترى عبد الله محركا ذراعيه: ماذا أصابك، ماذا تفعل؟ أتسير وأنت نائم، استيقظ، ما بك؟ (تغوص الحورية).
عبد الله(ناظرا في الفراغ الموجس، وبحركة دائريّة، متوحدا مع ضجيج داخلي متضارب): لقد كان حلما رائعاً! لم أيقظتني؟ لو كنت معي وسمعت وعود حورية المال،لحلّقت فرحا، إنها قادمة من معشوقتي مدينة اللآلئ.
مرجانه (مقاطعة بعصبيّة): من هي؟ ما بالك تهذي، ومن هي المرأة التي غزت أحلامك؟
عبد الله(مطمئنا): لا تخافي، لا وجود للنساء في حياتي، فالفقراء يتصفون بالوفاء والإخلاص.
مرجانه(بحماس): إنّه يوم الغوص الموعود، فاللآلئ مستقرة في القاع.
عبد الله(بيقين): سأجلب لك عقودا منضدة تزين جيدك، سأغزل لك من النجمات تاجاً من الألماس لتكوني ملكة في مملكتي المنتظرة.
مرجانه بحنان: أريد وجودك في حياتنا، استيقظ من رؤاك اللؤلئيّة.
عبد الله (مودعا بحزن): إلى اللقاء يا مرجانه، إلى اللقاء يا نعمان، أريد الكثير من الدعوات حتى أوفق في رحلتي.
مرجانه بوجل وأمل: رعاك الله وأعادك إلينا سالما غانما،هيّا، بخطى ثابتة، من سيرافقك في هذه الرحلة ؟
عبد الله (واثقا): أخي سالم هو سندي ورفيق رحلتي، الوداع(يخرج).
تؤدي مجموعة من البحارة رقصة البحارة تعبيراً عن قيام عبد الله بالرحلة ويشارك بها.
المشهد الثالث
يظهر نعمان ملهوفا: أمي، هل سيعود أبي؟ أنا خائف من سطوة البحر،لأنّه لم يعتد الغوص.
مرجانه (مهدئة): لا تخف يا صغيري سيعود والدك بإذن الله سالما لو أنّ خبرته بالغوص قليلة ومخاطر البحر عظيمة، نمْ يا بني،ولا تفكّر في الأمر، أنظر إلى القمر فهو يسامرنا حتى يعود والدك وتترنم بأغنية" نحنا والقمر جيران"و تدخل إلى الكوخ ويسمع صوت صياح الديك.
يخرج نعمان والنوم يداعب جفونه:أمي هل عاد أبي كم أنا مشتاق لرؤيته.
مرجانه (بلهجة حزينة): إنّه بالأعماق يبحث عن اللآلئ التي هي سر سعادته، ليت البحر يترفق به،( تمسك بيد ولدها وتشير إلى البحر) بنيّ، أنظر نحو الأديم إن شفاه المياه مشققة عطشى لعويل الريح، عساه أن يعود قبل جنون الريح ورقص الأعاصير.
نعمان(يتقافز مرحا): سيعينه عمي سالم لخبرته الواسعة في الغوص.
مرجانه (تنظر مليا في عينيه): نعمان، أتحب والدك أكثر أم اللآلئ ؟
نعمان (يبسط ذراعيه ويدور ويحكي بطلاقة): أحبهما، أبي يغمرني بالحب والحنان، واللآلئ توفر الحلوى والطعام الشهيّ والثياب الجميلة والألعاب.
مرجانه (بابتهال): أدع الله أن يعيده سالماً إلينا،لا نريد هبة البحر لنا.
نعمان (بصوت محتقن بالبكاء): أريد أبي والحلوى والثياب والألعاب.
مرجانه(تحتضنه ناصحة): بني، بدون حبّ أبيك لن تشعر بلذة الطعام ولا بمتع الدنيا، وهذا الإحساس لأنك محرومً من نعيم الدنيا، أذهب إلى الشاطئ والعب مع أصدقائك وحوريات البحر. ( تنسحب الأم)
نعمان (بنداء مرح): هيّا يا أصدقائي، نلعب على الرمال، ونبني قصور الأحلام. (تصدح الموسيقى وتدخل مجموعة من الفتيات تؤدي"رقصة باليه" يشترك فيها نعمان وبعد انتهاء الرقصة تخرج المجموعة)ينادي أمه ملهوفا: أمي حضّري آخر وجبة سمك مجففة، فأنا جائع.
مرجانه(تنظر بعيدا نحو الشاطئ ويُسمع صوت غضبة البحر): يا إلهي إنّ الجوّ مكفهرّ والبحر يزأر بأمواج الغضب ورذاذ المطر يتساقط من غمام داكن، كم أنا خائفة على والدك، أنظر يا نعمان، في البعيد نور يتقادم إلينا، قد يكون زورقه، ثم تهدأ قليلاً لتترنم بأغنية"هدى يا بحر هدي"على موسيقى هادئة.
نعمان (مشيرا للبعيد): إنّه الزورق الذي يحمل الغواصين إنهم هناك بعيدا، ستنتهي أيام الضنك.
مرجانه(راجية): ادع الله أن تهدأ العاصفة ليصل أبوك إلى شاطئ الأمان.
نعمان: انظري، هناك زورق اقترب من الشاطئ، وآخر تبعده الأمواج.
مرجانه(تحدق في الأفق): لهفي عليك يا عبد الله ماذا فعل بك البحر؟
نعمان (بنبرة ثائرة): انظري، إنّه عمي سالم، عمي سالم.
سالم (يعلن بفرح كبير): البشرى، البشرى،يا مرجانه لقد حصل أخي على صدفة تحوي أكبر لؤلؤة، إنّها الخير كله، الحمد الله وصلنا بسلام.
مرجانه(تتراقص فرحا): أحقيقة ما تقول، لؤلؤة وكبيرة!!
يدخل سالم( مدندنا): لؤلؤة بحجم بيضة، لم يسبق أن رأينا لها مثيلا، سنصبح أغنياء جداً. تشدو مرجانه فرحة أغنية" الليلة عيد ع الدنيا سعيد".
عبد الله(بكبرياء الأثرياء): مرجانه،مرجانه، تحققت رؤيا حورية المال أصبحنا ننعم بالثراء، انظري كم هي كبيرة كلّ من على الشاطئ مذهول من حجمها، إنها أكبر لؤلؤة.
مرجانه(متشككة): حقا أنا فرحة، لكن قد تكون اللؤلؤة نعمة أم نقمة.
عبد الله بزهو وتعالٍ:ما هذا السخف والهذر،متى كان المال نقمة، اصمتي، في الصباح سأذهب إلى السوق وأعرضها للبيع،سآخذ معي هذا الكيس، بل أكياساً لأحملها معي لعل أموال التجار كلهم لا تساويها ثمناً، سأهدم هذا الكوخ بل سأحرقه، إنه الشاهد الوحيد على فقري.
مرجانه(بصوت مختلج): مهلاً،لا يأخذك الفرح إلى عالم مجهول، فكّر ولا تتسرع.
عبد الله(يسترسل في أحلامه معبّرا بحركات منتظمة راقصة): آمالي في هذه الكرة اللؤلئية، أحلامي تقبع بداخلها، ياه متى يأت الصباح واغترف الأموال وأصبح الثري عبد الله ملك البحر والبر وأنت يا مرجانه سأتوجك ملكة على عروش العز والثراء، متى يا مرجانه!
مرجانه(في عينيها سعادة غامرة بابتهال): أتمنى لك التوفيق، الغد قريب ونحن بانتظارك، نمْ يا عبد الله، وأتمنى تحقيق أحلامك وبناء مملكة زاخرة بالقصور الجميلة والحدائق الغنّاء.
عبد الله(بخشوع): يا ربّ، يسّر دربي وأبعد مطامع الناس عني وقني شر المال، وبضحكة مكتومة: وهل يعقل أن يأتي المال بالشرّ.
المشهد الرابع
التاجر1: ما عندك يا عبد الله، لقد سمعنا بعطاء البحر، أرني لآلئك.
عبد الله متباهيا: ها هي اللؤلؤة، يقيني أنّك لم تر مثلها في حياتك.
التاجر1 (فاغراً فاه هامسا" ما أكبرها لم أر أكبر منها ")بلا اكتراث: هذه عادية لا تساوي الكثير يكفيك خمسمائة دينار ثمنا لها.
صاح عبد اللهبهستيرية: ماذا تقول يا جشع، إنها تساوي ملايين الدنانير.
ينتقل إلى تاجر2(يتباله عليه): ما هذه، كرة معدنية مطلية باللون اللؤلئي .
عبد الله(منفعلا مغتاظا): تفحصها يا رجل إنها حقيقية تساوي الكثير.
أخرج التاجر عدسة مكبّرة ونظر إلى اللؤلؤة من خلالها وصاح (مندهشا):يا لهول ما رأيت، إنها لؤلؤة حقيقية، ونظر إلى عبد الله " قائلاً : لكنها لا تلزمني، لا أريدها أبعدها عني.
عبد الله صائحاً: من يريد لؤلؤة كبيرة؟من يملك الملايين ثمنها؟
يصيح تاجر بغباء: أتقبل بألف دينار لها؟وماذا ستفعل بالمال وأنت فقير لا تستطيع أن تستثمره؟
كسّاب قادم من بعيد صارخاً بلؤم ماكر: يا عبد الله إنها ملكاً لي، وهذا هو الصك الذي كتبته على نفسك وتقرّ فيه أن ما تصطاده من البحر هو من حقي، مقابل حياة ابنك أتذكر الصك؟
عبد الله (مصعوقا بما لم يكن بالحسبان): أنت مجنون، أنت تريد حقك لؤلؤة صغيرة بحجم الأرز أما هذه فلا وألف لا.
كساب (تصفحه بازدراء): أنا لم أحدد حجمها، إنها لي.
عبد الله يدفعه بعيدا: أبعد عني يا جشع إنها "هبة البحر" لي وحدي.
كسّاب(متوعّدا ببندقيّة): سأقاضيك، إنها حقي، وإن لم آخذها سأقتلك.
يهرب عبد الله إلى الشاطئ وعند الصخرة ترصده لص يهجم عليه بخنجره، فينجو بأعجوبة ويقاوم اللص ويقتله بخنجره ويفر هاربا.
عبد الله(مرعوبا متحسرا): مرجانهاحزمي الأمتعة، مرجانه إنه الهروب أصبحت حياتنا مهددة بالخطر،غدوت قاتلا.
مرجانه (مرتبكة): كيف يا عبد الله ماذا حدث لقد أقلقتني.
عبد الله (بصوت أجش): اللصوص ورائي، وكسّاب يعتقد أنها من حقه حسب الصك الموقع بيننا، هيا نهرب إلى بلاد بعيدة، هيا يا سالم، يا نعمان، إنه الضياع، هيا إلى بلاد الآمال الواعدة، يجب أن نبتعد من هنا.
المشهد الخامس
عبد الله(واضعا يده على معدته ): ماذا حملت معك يا مرجانه من الطعام؟إني أتضور جوعا على لقمة سائغة.
مرجانه(متحسرة): لا طعام، لا شراب،ومن أين؟
عبد الله يقف مذعورا: ما العمل، المنطقة خاوية، والجوع يمزقني.
نعمان بائسا: والدي أنا عطشان،الأشعة ملهبة، تكاد تدمّر رأسي.
مرجانه( تناجي نفسها في هوس): أنا منهكة، لا أستطيع السير،اللعنة على اللؤلؤة، نعمان يئن أنيناً موجعاً، أتكون ضحية اللؤلؤة؟
سالم(متذمرا): يا لشؤم اللؤلؤة، نكاد نموت تشردا وجوعا.
عبد الله وقد تناولته ثورة صدمة الشك واليقين: فلنسر باتجاه الشاطئ علنا شيئا نقتات به، حتى نصل إلى الأمان ونبيع اللؤلؤة ونصبح أثرياء، أنا الذي أعتمت رؤاه، وغرقت بالأحزان والآمال، بسبب سراب المال ونسيت أنّ الحياة ليست بكثرة المال، لكنّّه الفقر اللعين أعمى بصيرتي،أنا قاتل وسارق حق كسّاب، السعادة كانت ملكي راضيا بين الشباك والأمواج، والآن مطرود بلدي، يا رب،هلّا أعدت إليّ الطمأنينة ، ولدي يموت واللؤلؤة بيدي لكنها لا تشفيه ولا تسد جوعه ولا تطفئ ظمأه.
مرجانه(نظرت إليه مستهجنة تطلب من باب الاستنكار): لم تقنع بالقليل، نكاد نفقد أغلى ما لدينا، هيا نعود يا عبد الله، تخلص منها،ارمها.
عبد الله(صراخ مكبوت): اصمتي، أكاد أتمزق، لقد أثرت في دمي نيران الشهب، بدأت ألعن حاضري، هذه اللؤلؤة تحولت من عمود فرح إلى عمود نار يلهب أعماقي، الشموس الممزقة في جهات السماء، تحرقني.
مرجانه( بصرخة خوف): ولدي يحترق بنار الحمّى، ارمها في البحر.
عبد الله (متفرّسا عينيها وكأنّه يستلهم وعدا): حقا هذا ما سأفعله، سألقيها باليم، وأحرق أحلامي وراءها ونعود إلى قريتنا لنعيش بسلام.
يجري عبد الله مسرعا إلى اليم ويقذف باللؤلؤة ويعود ليحمل نعمان، وإذ بالروح تفارق الجسد الصغير،تصرخ مرجانه بألم وبجنون ثكلى: ولدي، كنت فداء اللؤلؤة وضحية الطمع والجشع، لن تعوضني عنك لآلئ العالم، قلبي يحترق، أواه يا ولدي، ويبكيه عبد الله بحرقة.
تظهر مجموعة من الفتيات لتؤدي لوحة إيقاعيّة مرتدية ملابس بيضاء وتغني "الرضا والنور" ثمّ تخرج حاملة الصبيّ إلى مثواه الأخير.
انتهت
*فكرة المسرحية مقتبسة عن قصة "اللؤلؤة"للكاتب الأمريكي"جون شتاينبيك"
تعليق