قراءة في قصيدة "بيننا وبينهم.... أسواق" للشاعر حكيم الراجي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • زهور بن السيد
    رئيس ملتقى النقد الأدبي
    • 15-09-2010
    • 578

    قراءة في قصيدة "بيننا وبينهم.... أسواق" للشاعر حكيم الراجي

    بيننا وبينهم .... أسواق / حكيمالراجي

    في أسواقنا ..
    تلك التي يقترف فيها الصائمون مجون البضائع ..
    ممنوع علينا اجتراح ذنوب المعاينة ..
    محرّم على لذاتنا أن تسيل عروقهالتمسّ بعض رغباتهم ..
    لكن أحيانا يسمح لأنفسنا اليابسة ( لضرورة شهوّية)
    أنتسترق الأماني بعيدا عن جيوبهم ..!!
    في أسواقنا ..
    يلعن الحظ نفسه ,
    يدفععن حروفه جنحة التبضّع ,
    بدراهم :
    ما حصدت لذة الدثار في خزينة ..!!!
    لاهجعت قرب عطورهم ثملة ..
    ما زارت مصارف عُلّق على قبابها لفظ النخاسة .. $ !!! ..(1)
    ولا أجفلها أنين العذارى في ليلة حمراء ..!!
    ملعونة دراهمنا يتلفُالأسى نقوشها ..
    دلفت بين تشققات الأكف خجلا ..
    لو خيّروها بين بذخنا وحرصهم ..
    لانتحرت ركائز مطابعهم النقدية ...!!!
    في أسواقنا ..
    حاجيات بالكادتسرق بقية لون ...
    تغافل عنه وجل المتسكعين ...
    تتجاذبها :
    طريدات تشُكّأكباد اليتامى ,
    شهوات نساءنا الضاربات على دف النهم ,
    وحسرات شيوخ تزوجهمالضيم عديد دهور ..
    عند حسيس المباشرة نجهد أن ....
    نخلّصها من بين حدقاتالحالمين ..
    فإذا هي ...
    باهتة لا شرف لها .. !
    موسومٌ على نحوستها ..
    (منبوذة أُغتصبتْ لنا ..!!!)
    في أسواقهم ..
    أشياء خُتمَّ علىأعناقها
    (صُنعت خصيصا للقدسيين ..!!!)
    أثمانها ..
    (يا إلهي ...!!!)
    زحام أصفار بكرة اليمين يتقهقر العدُّ فلا يحصيها ..
    يشيّعهازئيـــــر ..
    تحرسها صواعق ..
    تَذبحُ على أعتاب قداستها خرافات طموحنا .. !!!
    ألوانها ..
    سبع حسان يجرجرن الزهو حدّ الذهول ..
    نورهن يلطم خدودجرأتنا ,
    يٍسألنا توبة نصوحا ..
    وإلا .....!!!
    مقاساتها ..
    خمس من ال ( x ) ااااات والزيادة حسنات ... (2)
    هو الكافل فلا يفرّن منه لعاب ..!
    يخدشطهارة فواتيرهم ..
    السماح مقتول لا فاعل له ,, وقد أحرقوا مفاعيله ..!!
    لاشفيع اليوم لجيوب ..
    خارج خصوبة الدفع ...!!!
    هي لذاتنا كسيحات..
    لهن سبعوسبعون قذيفة...
    كلهن .... جاهزات للفشل .!
    يا ويحنا ...!!!
    ومن خيبتنايواسي الكدر شُحّنا ..
    هي لباس الجبابرة لا تصلح للميتين .. !!!
    قسماً .....
    لو غفلوا ظهيرة عن عوزنا ..
    لأكلناها قبل أن تلبسنا ..!!

    (1) ...
    إشارة رمزية عرف بها الدولار الأمريكي .
    (2) ...
    إشارة رمزية تعرف بها حجومالأجساد ..
    النص يدور حول فكرة محورية واحدة, تعرض لما يعيشه الإنسان في المجتمعات الحديثة, من تفاوتات طبقية وتناقضات كبيرة, من خلال مظهر من مظاهر هذه التفاوتات المتعددة الأوجه, ألا وهو مسرح الأسواق (بيننا وبينهم أسواق/ أسواقنا وأسواقهم), أسواق الفقراء وأسواق الأغنياء. حيث أخذنا الشاعر في جولة إلى المكانين, لنقف بأنفسنا علىشساعة المسافة بيننا وبينهم.
    تستمد هذه القصيدة إذن موضوعها من الواقع, ومن التناقضات والفوارق بين فئات المجتمع, وما تحدثه هذه التناقضات في نفسية الإنسان المقهور من أسى عميق وإحباط كبير.
    تستمد كلمة "السوق" دلالتها العامة من المجال الاقتصادي/ الاستهلاك ومن المجال الاجتماعي..
    في السوق يجد الإنسان احتياجاته المادية, وتتنوع المعروضات وتتفاوت في الجودة حسب الحاجة والطلب.. والمتسوق يتبضع حسب حاجته وقدرته الشرائية ومستواه الاجتماعي, وهذا أمر طبيعي. لكن عندما تتسع المسافة بين الطبقات وتتناقض الأشياء حد النفور, فإن هذا يخرج عن المعتاد والمعقول.
    في هذه القصيدة يصوغ الشاعر المبدع حكيم الراجي هذه الظاهرة في قالب شعري جميل ومثير ومؤثر, ويكشف عن الأثر البليغ الذي تحدثه في نفوس المحرومين من أبناء المجتمعات, وتعكس صورا قاتمة للعلاقات الإنسانية القائمة على هذا التفاوت الطبقي السحيق والتعارض والتنافر لا التعايش.
    "بيننا وبينهم.... أسواق" هو العنوان الذي اختاره الشاعر لقصيدته, وحرص من خلاله على عرض الموضوع بصيغة مباشرة على أنظار القراء.. بتحديد أطراف الصراع: (بيننا/ بينهم ـ نحن/ هم), وتحديد موضوع الصراع وهو الأسواق.
    تتحدد الفكرة العامة في القصيدة منذ العنوان, إذ يبدو جليا أن الأمر يتعلق بفئتين اجتماعيتين, قد لا تجمعهما سوى القواسم المشتركة الطبيعية كون الجميع بشرا, أما عوارض الاختلاف والنفور فهي قائمة على عدة مستويات ومظاهر. ويمثل السوق هنا مظهرا بارزا من مظاهر هذه التفاوتات.

    يعقد الشاعر مقارنة بين أسواقنا وأسواقهم, أسواق الفقراء وأسواق الأغنياء على مستوى الشكل والمضامين والأفكار.
    على مستوى البناء والشكل الخارجي, قسم الشاعر قصيدته إلى جزئين كبيرين, الأول عنونه بـ "أسواقنا", والثاني تحت عنوان "أسواقهم". أما على مستوى المضمون فإن قراءة القصيدة تمكننا من استخلاص وحدتين دلاليتتين أساسيتين هما:
    1 ـ الفقر والحرمان.... (ومتعلقاته)
    2 ـ الغنى والبدخ... (ومظاهره)
    وهكذا يتماهى الشكل والعنوان والمضمون, لتأكيد تيمة المفارقة والتضاد على المستوى الإجتماعي (بيننا /بينهم). وتتجسد هذه التيمة في ثنايا القصيدة صورا عديدة لذلك, وأحاسيس وانفعالات مختلفة.
    يبدأ الشاعر قصيدته بمعاينة أسواقنا, حيث يقف على تمظهرات الحرمان, عبر تكثيف دلالي تحقق من خلال مجموعة من الكلمات والعبارت: (الصائمون ـ محرم ـ أنفاسنا اليابسة ـ نسترق الأماني...) محرم عليهم التبضع وممنوعة عليهم المعاينة, فلا يبقى إلا الحلمواختلاس الأماني, يقول الشاعر:
    في أسواقنا ..
    تلك التي يقترف فيها الصائمون مجون البضائع ..
    ممنوع علينا اجتراح ذنوب المعاينة ..
    محرّم على لذاتنا أن تسيل عروقهالتمسّ بعض رغباتهم ..
    لكن أحيانا يسمح لأنفسنا اليابسة ( لضرورة شهوّية)
    أنتسترق الأماني بعيدا عن جيوبهم ..!!
    ويستمر الشاعر في عرض واقع الحرمان والفقر بالكشف عن حجم المأساة التي يعيشها البسطاء عبر التصوير الاستعاري, فالحظ يلعن نفسه في أسواقنا, ويبتعد عن اقتراف جنحة التبضع بدراهم لا تشبه الدراهم, بئيسة وباهتة, يتلف الأسى نقوشها, تخجل من بين أصابع اليد, والمطابع تنتحر من هول القرف,... يقول الشاعر:
    في أسواقنا ..
    يلعن الحظ نفس,
    يدفععن حروفه جنحة التبضّع,
    بدراهم :
    ما حصدت لذة الدثار في خزينة ..!!!
    لاهجعت قرب عطورهم ثملة ..
    ما زارت مصارف عُلّق على قبابها لفظ النخاسة .. $ !!! ..(1)
    ولا أجفلها أنين العذارى في ليلة حمراء ..!!
    ملعونة دراهمنا يتلفُالأسى نقوشها ..
    دلفت بين تشققات الأكف خجلا ..
    لو خيّروها بين بذخنا وحرصهم ..
    لانتحرت ركائز مطابعهم النقدية ...!!!
    وللتفاصيل هنا وجه آخر, طبيعة المعروضات في أسواقنا باهتة رديئة لا لون لها ولا نضارة. تتجاذبها أكباد اليتامى وشهوات نساء محرومات وحسرات شيوخ لم يفارقهم الضيم طيلة حياتهم:
    في أسواقنا ..
    حاجيات بالكادتسرق بقية لون ...
    تغافل عنه وجل المتسكعين ...
    تتجاذبها :
    طريدات تشُكّأكباد اليتامى ,
    شهوات نساءنا الضاربات على دف النهم ,
    وحسرات شيوخ تزوجهمالضيم عديد دهور ..
    عند حسيس المباشرة نجهد أن ....
    نخلّصها من بين حدقاتالحالمين ..
    فإذا هي ...
    باهتة لا شرف لها .. !
    موسومٌ على نحوستها ..
    (منبوذة أُغتصبتْ لنا ..!!!)
    وهكذا لعب مسرح الوقائع والمشاهد سندا أساسيا للتصوير في القصيدة. إذ قام الشاعر بنقل وتصوير الواقع, لكن بلغة إيحائية استعارية, حيث يبتعد النقل عن النسخ الفوتوغرافي بما يشحنها به من صور ومعاني ودلالات عميقة, هي في الغالب ترجمة للإحساس بالتذمر واليأس التي تعكسها هذه الوقائع.
    فتحضر الصورة في القصيدة بمظهرين, بمظهر التصوير ونقل المشاهد من الأسواق, وبمظهر التصوير الشعري القائم على التعبير الاستعاري والإيحاء والانفعال..
    والشاعر ناطق بلسان هذه الفئة ويتوجه بخطابه إلى القارئ الذي ينتمي إليها, وذلك عبر استعمال ضمير المتكلم الدال على الجماعة والذي يؤكد انتماءنا جميعا إلى فئة البسطاء والمستضعفين: (في أسواقنا ـ ممنوع علينا ـ محرم على لذاتنا ـ أنفسنا اليابسة ـ ملعونة دراهمنا ....)
    وهكذا يتضح أن هذا الجزء الأول من القصيدة هو وصف ونقل لصورة واقعية بدقة متناهية, مع نقل وترجمة أحاسيس ومشاعر الفئات المحرومة.
    وينتقل الشاعر بنا في القسم الثاني من القصيدة إلى عالم الأغنياء, من خلال جولة في أسواقهم, حيث تتضح الفوارق الساحقة, وتتعرى التناقضات الصارخة, والتي تبرز أن الإنسان المقهور يعيش في مجتمعات يحكمها قانون القوة وبريق المال.
    وينساب الوصف, بعرض صورة البذخ والغنى الفاحش الذي تعيشه الطبقات العليا من الهرم الاجتماعي: بضائع مختلفة تماما عن البضائع في أسواق الفقراء, من حيث الجودة والأثمان والأحجام وطريقة عرضها .... صنعت خصيصا لهم, أثمانها باهضة, عليها حراسة آلية, ألوانها زاهية نضرة... يقول الشاعر:
    في أسواقهم ..
    أشياء خُتمَّ علىأعناقها
    (صُنعت خصيصا للقدسيين ..!!!)
    أثمانها ..
    (يا إلهي ...!!!)
    زحام أصفار بكرة اليمين يتقهقر العدُّ فلا يحصيها ..
    يشيّعهازئيـــــر ..
    تحرسها صواعق ..
    تَذبحُ على أعتاب قداستها خرافات طموحنا .. !!!
    ألوانها ..
    سبع حسان يجرجرن الزهو حدّ الذهول ..
    نورهن يلطم خدودجرأتنا ,
    يٍسألنا توبة نصوحا ..
    وإلا .....!!!
    مقاساتها ..
    خمس من ال ( x ) ااااات والزيادة حسنات ...
    ويستمر الشاعر بنا في قطع هذه المسافة الطويلة الشاسعة بيننا وبينهم, في بناء تصويري, وفق مكون الوصف الذي أسعفه كثيرا في رصد الظاهرة ونقلها من مسرح الواقع إلى عالم الفن والإبداع. فعمد إلى نقد الظاهرة باعتماد أسلوب المقارنة, والتصوير الاستعاري, لكشف عمق المأساة والتناقض وضياع الفقراء:
    هؤلاء لا يملكون إلا الحلم وأولئك ينفقون بلا حساب.
    هؤلاء لا يملكون حق الاشتهاء وإشباع الرغبات والنظر... والآخرون يسرفون في التمتع والبذخ...
    "هي لباس الجبابرة لا تصلح للميتين .. !!!
    ويتحول السوق من مكان طبيعي لعرض المنتوجات إلى مكان يضاعف الأزمة النفسية بعدم القدرة على تحقيق وإشباع رغبات طبيعية ومشروعة وبسيطة لفئة, في حين تنعم الفئة الأخرى في نعيم الترف:
    هو الكافل فلا يفرّن منه لعاب ..!
    يخدشطهارة فواتيرهم ..
    السماح مقتول لا فاعل له ,, وقد أحرقوا مفاعيله ..!!
    لاشفيع اليوم لجيوب ..
    خارج خصوبة الدفع ...!!!
    هي لذاتنا كسيحات..
    لهن سبعوسبعون قذيفة...
    كلهن .... جاهزات للفشل .!
    يا ويحنا ...!!!
    ومن خيبتنايواسي الكدر شُحّنا ..
    قسماً .....
    لو غفلوا ظهيرة عن عوزنا ..
    لأكلناها قبل أن تلبسنا ..!!
    اعتمد الشاعر على التصوير المفصل لعناصر الموضوع,ويبدو وكأن الشاعر يقوم بتحصيل حاصل أوتصوير فوتوغرافي لما ترآه العين في الأسواق, لكنه يتجاوز ذلك لأنه اعتمد الصورة بمختلف أنواعها, البلاغية ممثلة في التشبيه والاستعارة.. إضافة إلى خاصية اللغة الإيحائية, التي يتميز بها الشعر الحديث, والتي كسرت إلى حد كبير رتابة لغة الوصف المباشرة.
    وبالرغم من أن الطابع العام في القصيدة هو نقل الصورة بمصداقية الوقائع والأحداث, إلا أن الشاعر تمكن من خلق مسافة بين الصور كما هي في الواقع والصور في الشعر. فجعل الصور التي أخذها من الواقع تبتعد عنه لتلامس أعماق الظاهرة, وقدم قراءة للواقع في حقائقه الصادمة, وعرض صوره للتأمل وإعادة النظر.
    ويتميز أسلوب القصيدة بهيمنة الجمل الخبرية لنقل وتجسيد صورة الفوارق الساحقة بيننا وبينهم. كما لعبت بنية الضمير دورا أساسيا في إبراز الصراع الطبيقي من خلال الفروق الشاسعة بين فئات المجتمع:
    (ضمير المتكلم الجمع الدال على الفئة المستضعفة: بيننا ـ في أسواقنا ـ الصائمون ـ علينا ـ لذاتنا ..... وضمير الغائب الجمع: بينهم ـ رغباتهم ـ في أسواقهم ..)

    أخلص إلى أن الشاعر المبدع حكيم الراجي طرق قضية من قضايا الواقع والناس, صاغها بلغة شعرية قائمة على الإيحاء أحيانا والمباشرة أحيانا أخرى, ليجسد حقيقة الواقع ومفارقاته.
    فعبر هذه الجولة, وهذه التفاصيل من الصور والمشاهد في السوقين, الأول كئيب وضعيف, والآخر مزدهر ومشرق, نسمع صوت الشاعر صارخا نافذا, يأخذنا إلى تأمل هذا الواقع البائس الذي يثير الأسى والامتعاض في النفس ويتمادى في إذلال الإنسانية وتحقيرها. وينقلنا إلى مستوى القيام بنقد الواقع القائم على المتناقضات وزيف الشعارات التي تنادي بالإنصاف والمساواة والديمقراطية....
    أهنئ الشاعر حكيم الراجي على مسيرته الشعرية وأتمنى له المزيد من الإبداع والتألق..
  • د.نجلاء نصير
    رئيس تحرير صحيفة مواجهات
    • 16-07-2010
    • 4931

    #2
    قراءة متكاملة دكتورة زهور وجهد يستحق الثناء والتقدير من متخصصة في النقد الأدبي لم تبخل علينا بعلمها الوارف
    انتظر مزيدا من القراءات زهور الرائعة
    تحياتي وتقديري
    sigpic

    تعليق

    • سليمى السرايري
      مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
      • 08-01-2010
      • 13572

      #3
      قراءة نقديّة خارقة عزيزتي زهور
      نتعلّم الكثير في مثل هذه المتصفّحات وما يتحفنا به صاحبه من معرفة وجماليّة.

      شكرا سيّدتي ولك الألق.

      لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

      تعليق

      يعمل...
      X