غزة ـ من عبد القادر إبراهيم حماد:
الشاعر خالد الشوملي فلسطينيّ القلب، عربيّ الروح وإنسانيّ الحلم، ولد عام 1958 في مدينة بيت ساحور (قرب القدس في فلسطين) ونما في عائلة تحب الأدب والشعر والمسرح. حاصل على شهادة الهندسة المدنية من جامعة آخن في ألمانيا. ومقيم فيها منذ عام 1978 ويعمل مهندساً في مدينة كولون.
له ديوان شعر مطبوع صدر عن بيت الشعر الفلسطيني عام 2008 بعنوان "لمن تزرع الورد". كما صدر له بالاشتراك مع شعراء عرب معاصرين ديوان شعر مطبوع آخر بعنوان "مراتيج باب البحر" عام 2009 عن دار إفريقية للنشر، وله ديوان جديد صدر هذا الشهر عن دار الشروق في فلسطين والأردن بعنوان "مُعلّقة في دُخان الكلام"، كما له ديوان آخر تحت الطبع بعنوان "نحل الأماني".
كان لـ"الوطن" هذا اللقاء مع الشاعر خالد الشوملي ..
* متى رست سفنك على شواطئ الشعر؟
** كان وضع البيت والعائلة لدينا مهيئا للإبداع. فوجود مكتبة ضخمة في داخل البيت تحتوي على كافة أنواع الأدب العربي والعالمي وحضور ورعاية أبي الأديب والصحفي ساعدا أن أميل للأدب منذ صغري وأن تنمو موهبة الشعر لدي. وتعلمت العروض ونظمت الشعر مبكرا وفزت بجوائز شعرية في المدرسة ومدينة بيت ساحور عام 1975 مما ساهم في تلهفي للشعر.
* ولماذا الشعر دون غيره من ألوان الأدب الأخرى؟
** الشعر انعتاقُ الروحِ من قفصِ الجسد، لذا فهو أكثر اقترابا لقلبي من كل أنواع الأدب الأخرى. فهو أنقاها وأروعها وأكملها. هو تاج الأدب. والشعر الرائع يلامس كل الحواس ويجد طريقه للفؤاد مباشرة. وبيت واحد في الشعر يعبر عنه بصفحات نثرا.
لو اشتق من كل ألوان الأدب أروع صفاتها وجمعت في نص واحد لاقترب هذا النص من الشعر.
* ماذا يعني للشاعر خالد الشوملي أن يكون فلسطينيا؟
** فلسطين ليست موضوعا شعريا أو إنشائيا وإنما وطن أعيشه بكل خلجات الفؤاد. فيجد صداه في قصائدي. وإن كانت فلسطينيتي صدفة لأني ولدت في فلسطين فأنا أفتخر بانتمائي لهذا الوطن وشعبه الرائع. وانتمائي حر لطموحات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وليس صدفة بتاتا. فالشاعر لا يمكن إلا أن يقف مع الحق والعدالة. وافتخاري بفلسطينيتي لا يتناقض مع اعتزازي بعروبتي بل يتكاملان. فالعروية والإنسانية بما تحملانه من بُعد ومعان جميلة وسامية تشكلان أفقا لهذا الوطن الذي يسعى أن يضمد جراحه ويتأهب للتحليق.
* ما هي طقوس كتابة الشعر لدى الشاعر الشوملي؟
** تسبق كتابة القصيدة مرحلة من التأمل وكأنها مرحلة الحمل قبل الولادة. أتأمل الطبيعة كثيرا فمنها أستمد روعة الصورة الشعرية. هنا تبدأ الفكرة بذرة حتى تغدو لاحقا شجرة ويدندن الإيقاع في الأذن وتعصف بالقلب أحاسيس جديدة غير معهودة. هذا الجو الأمثل لي لكتابة قصيدة تحتوي على كل عناصر الجمال. ولا تنتهي القصيدة عندي إلا إذا اكتملتْ وأصبحتُ راضيا عن كل كلمة وكل صورة فيها. عند ذلك أقوم بنشرها أو تسجيلها.
* كيف تقيم الحركة الشعرية الفلسطينية؟
** لا شك أن الوضع الفلسطيني المميز باحتلال وطنه وتشريد شعبه وتشتته عكس نفسه على الحركة الأدبية الفلسطينية بشكل عام والحركة الشعرية بشكل خاص. ومع انطلاق الثورة الفلسطينية في عام 1965 تشكل ما يسمى شعر الثورة وشعراء الأرض المحتلة فبرز كل من توفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش وفدوى طوقان وراشد حسين وحنا أبوحنا وكمال ناصر وغيرهم. ساهم هؤلاء الشعراء بدفع الحركة الشعرية الفلسطينية وتطورها للأمام لتلحق وتواكب الحركة الأدبية العربية التي كانت متقدمة بعض الشيء بسبب قمع الاحتلال لكل ما هو فلسطيني أو عربي في فلسطين. ظهر بعد ذلك جيل جديد يذكر منهم الشعراء خالد أبو خالد وأحمد دحبور وعز الدين المناصرة وابن الشاطئ ومريد البرغوثي ممن ساهموا أيضا في حمل لواء الشعر الفلسطيني. كما جرت محاولات لتجديد الشعر شبيها لما حدث في الأقطار العربية الأخرى وأصبح لقصيدة النثر روادها. برزت أسماء جديدة هنا مثل زكريا محمد وروز شوملي مصلح وغيرهما. ظلت الحركة الشعرية الفلسطينية تحلق في مدار الوطن وقليلة هي المحاولات الجادة التي استطاعت أن تعطي الشعر حقه كاملا وتستنفد كل طاقاته في التعبير عن كينونة الإنسان بأبعادها اللامحدودة. ولأن الاحتلال ما زال قائما والمعاناة مستمرة سينال الوطن حصة الأسد من الشعر الفلسطيني حتى في المستقبل القريب.
ايجابيات الحركة الشعرية الفلسطينية تكمن في ملامستها لروح الشارع الفلسطيني وإضفاء الإنسانية على الحركة الوطنية الفلسطينية ودفعها لمواكبة حركة الشعر العربي. وسلبياتها على صعيد الشعر والإبداع تكمن في الاقتصار على بعض الوجوه والرموز المعروفة واختزال مواضيع الشعر في موضوع واحد والاتجاه للمباشرة على حساب الرمزية والتصوير والعمق.
* هل يفرض الوضع الفلسطيني خصوصية بأن يكون كل شعرنا وطنيا؟
** هنا تختلف الإجابات. أنا شخصيا أجد من الضرورة أن يتناول الشعر كل قضايا الإنسان بما فيها الوطن الغالي. طبعا ظروفنا كفلسطينيين صعبة للغاية والاحتلال يسعى إلى إلغاء الهوية الفلسطينية فمن هنا للأدباء والشعراء الفلسطينيين دور كبير في التعبير عن هذه المعاناة والمأساة العميقة التي لا مثيل لها في العصر الحديث. ولكن هذا ليس مبررا لأن نلغي كل ألوان الشعر ونحافظ على لون واحد فقط. فليكن الشعر قوس قزح. ولنرسم بكل أطيافه ولنكتب كل أنواعه ونعطي الشعر حقه كاملا في الابتكار وروعة الصورة الشعرية وعمق وبلاغة اللغة وعذوبة الإيقاع الداخلي والخارجي. فليكن الشعر إبداعا ساميا سواء كان للوطن أو للحبيبة أو للطبيعة أو كان قصيدة حكمة.
* هل تتفق مع من يقول إن الشعر الفلسطيني توقف بعد درويش؟
** موت الشاعر الكبير محمود درويش كان صدمة لكل الشعراء العرب والفلسطينيين بشكل خاص. لقد كان لديه قدرة هائلة في اقتناص اللحظة وملامسة الوجدان الفلسطيني والعربي بقصائده الرائعة. وقد ترك فراغا ملحوظا في ساحة الشعر الفلسطيني يصعب ملؤه. عصر الإنترنت الجديد والتواصل السريع بين الشعراء وتفاعلهم في كل الأقطار العربية والمهجر ساهم في اكتشاف شعراء لا يقلون قدرة في إبداعهم عن الشعراء المعروفين, وربما انتهت فترة الشاعر الرمز التي كانت سائدة طوال الحقبة الزمنية السابقة. سنجد شعراء عديدين مبدعين. المرحلة الجديدة تتيح للشاعر الفلسطيني أن يتأثر ويؤثر كفرد مباشرة دون وسيط محلي مع الشعراء العرب. بحيث بدأ يقل التفاوت بين شعر الأقطار العربية المتعددة. الفرق سيكون بين شعر غني بالإبداع وشعر أقل جودة. وهذا التقسيم لن يكون عموديا بين أقطار الوطن العربي وإنما أفقيا بين الشعراء العرب. مما يساعد في النهوض الجماعي للشعر العربي.
* كيف يرى خالد الشوملي دور المثقف في التغيير بالمنطقة العربية؟
** لقد كانت الكلمة الحرة على مدى التاريخ البشري أشد قوة من أي سلاح آخر. فلذلك تم اغتيال أدباء وشعراء ومبدعي فلسطين أمثال غسان كنفاني وكمال ناصر وراشد حسين وماجد أبو شرار وناجي العلي. إن ما يميز عصرنا هذا هو سرعة انتشار الخبر وتسليط الضوء على الأحداث مما يساعد اتخاذ موقف أثناء وقوع الحدث نفسه وهذا نوع جديد من التفاعل المتبادل. من يصنعون الحدث يدركون بسبب سرعة تفاعل الآخرين أنهم ليسوا وحيدين في المطالبة بحقوقهم بمزيد من الحرية والعدالة والسلام. هنا يكمن دور المثقف الصادق مع نفسه وقيمه.
* ما الذي يريد الشاعر الشوملي إيصاله من خلال ديوان "لمن نزرع الورد"؟
** يريد الشاعر أن يزرع وردة في حديقة الشعر العربي أو شجرة شامخة في غابة الشعر. ومن هنا جاء العنوان "لمن نزرع الورد" فالشاعر يستمر بزرع الورد رغم الحرب التي تهدم كل شيء وتخطف قمر أحلامه. القصيدة هي الوردة التي لا يريد لها أن تذبل. أما في ديواني الجديد الصادر هذا الشهر عن دار الشروق بعنوان "مُعلّقة في دُخان الكلام" فهو إبحار عميق في الشعر والوطن. القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة تنالان حقهما كاملا. أتمنى أن ينال ديواني النقد والدراسة الكافية من ذوي الاختصاص.
* كيف تقيم حركة النشر في فلسطين؟
** هناك بيت الشعر الفلسطيني في رام الله وقد كان ينشر للشعراء الفلسطينيين والعرب. لكنه منذ سنتين توقف عن النشر بسبب نقص في ميزانيته. تعتبر دار الشروق في رام الله ولها فروع في عمَّان وبيروت من أهم دور النشر التي تنشر كتبا أدبية في فلسطين.
إن حركة النشر في فلسطين غير مرضية بسبب غياب الدعم الكافي من قبل السلطة المحلية سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. بالإضافة لعدم وجود دعم عربي أو عالمي لتشجيع النشر في فلسطين. الوضع السياسي والاقتصادي الصعب للفلسطينيين يزيد من صعوبة نشر كتب أدبية وشعرية.
* اختم لنا بأبيات محببة إليك؟
** قبل أن أنهي أود أن أشكركم جدا على هذه المقابلة وجهودكم من أجل إنجاحها. سأختار الأبيات الموجودة على الغلاف الخلفي لديواني الجديد (مُعلّقة في دُخان الكلام)
وإليْكِ يَعْدو الْحُلْمُ في لهَفٍ
وَالْليْلُ مِنْ عَيْنيْكِ يَبْتعِدُ
وُتُرَفْرِفُ الآمالُ مُشْرِقَةً
فَمَتى يَخافُ مِنَ الظّلامِ غَدُ ؟
لَوْ كُنْتُ يَوْماً أشْتَهي وَطَناً
لاخْتارَني العُنْوانُ والْبَلَدُ
شقّوا الْفؤادَ لِيَقْرأوا كُتُبي
لكِنّهُمْ إلاَّكَ لمْ يَجِدوا
الشاعر خالد الشوملي فلسطينيّ القلب، عربيّ الروح وإنسانيّ الحلم، ولد عام 1958 في مدينة بيت ساحور (قرب القدس في فلسطين) ونما في عائلة تحب الأدب والشعر والمسرح. حاصل على شهادة الهندسة المدنية من جامعة آخن في ألمانيا. ومقيم فيها منذ عام 1978 ويعمل مهندساً في مدينة كولون.
له ديوان شعر مطبوع صدر عن بيت الشعر الفلسطيني عام 2008 بعنوان "لمن تزرع الورد". كما صدر له بالاشتراك مع شعراء عرب معاصرين ديوان شعر مطبوع آخر بعنوان "مراتيج باب البحر" عام 2009 عن دار إفريقية للنشر، وله ديوان جديد صدر هذا الشهر عن دار الشروق في فلسطين والأردن بعنوان "مُعلّقة في دُخان الكلام"، كما له ديوان آخر تحت الطبع بعنوان "نحل الأماني".
كان لـ"الوطن" هذا اللقاء مع الشاعر خالد الشوملي ..
* متى رست سفنك على شواطئ الشعر؟
** كان وضع البيت والعائلة لدينا مهيئا للإبداع. فوجود مكتبة ضخمة في داخل البيت تحتوي على كافة أنواع الأدب العربي والعالمي وحضور ورعاية أبي الأديب والصحفي ساعدا أن أميل للأدب منذ صغري وأن تنمو موهبة الشعر لدي. وتعلمت العروض ونظمت الشعر مبكرا وفزت بجوائز شعرية في المدرسة ومدينة بيت ساحور عام 1975 مما ساهم في تلهفي للشعر.
* ولماذا الشعر دون غيره من ألوان الأدب الأخرى؟
** الشعر انعتاقُ الروحِ من قفصِ الجسد، لذا فهو أكثر اقترابا لقلبي من كل أنواع الأدب الأخرى. فهو أنقاها وأروعها وأكملها. هو تاج الأدب. والشعر الرائع يلامس كل الحواس ويجد طريقه للفؤاد مباشرة. وبيت واحد في الشعر يعبر عنه بصفحات نثرا.
لو اشتق من كل ألوان الأدب أروع صفاتها وجمعت في نص واحد لاقترب هذا النص من الشعر.
* ماذا يعني للشاعر خالد الشوملي أن يكون فلسطينيا؟
** فلسطين ليست موضوعا شعريا أو إنشائيا وإنما وطن أعيشه بكل خلجات الفؤاد. فيجد صداه في قصائدي. وإن كانت فلسطينيتي صدفة لأني ولدت في فلسطين فأنا أفتخر بانتمائي لهذا الوطن وشعبه الرائع. وانتمائي حر لطموحات الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وليس صدفة بتاتا. فالشاعر لا يمكن إلا أن يقف مع الحق والعدالة. وافتخاري بفلسطينيتي لا يتناقض مع اعتزازي بعروبتي بل يتكاملان. فالعروية والإنسانية بما تحملانه من بُعد ومعان جميلة وسامية تشكلان أفقا لهذا الوطن الذي يسعى أن يضمد جراحه ويتأهب للتحليق.
* ما هي طقوس كتابة الشعر لدى الشاعر الشوملي؟
** تسبق كتابة القصيدة مرحلة من التأمل وكأنها مرحلة الحمل قبل الولادة. أتأمل الطبيعة كثيرا فمنها أستمد روعة الصورة الشعرية. هنا تبدأ الفكرة بذرة حتى تغدو لاحقا شجرة ويدندن الإيقاع في الأذن وتعصف بالقلب أحاسيس جديدة غير معهودة. هذا الجو الأمثل لي لكتابة قصيدة تحتوي على كل عناصر الجمال. ولا تنتهي القصيدة عندي إلا إذا اكتملتْ وأصبحتُ راضيا عن كل كلمة وكل صورة فيها. عند ذلك أقوم بنشرها أو تسجيلها.
* كيف تقيم الحركة الشعرية الفلسطينية؟
** لا شك أن الوضع الفلسطيني المميز باحتلال وطنه وتشريد شعبه وتشتته عكس نفسه على الحركة الأدبية الفلسطينية بشكل عام والحركة الشعرية بشكل خاص. ومع انطلاق الثورة الفلسطينية في عام 1965 تشكل ما يسمى شعر الثورة وشعراء الأرض المحتلة فبرز كل من توفيق زياد وسميح القاسم ومحمود درويش وفدوى طوقان وراشد حسين وحنا أبوحنا وكمال ناصر وغيرهم. ساهم هؤلاء الشعراء بدفع الحركة الشعرية الفلسطينية وتطورها للأمام لتلحق وتواكب الحركة الأدبية العربية التي كانت متقدمة بعض الشيء بسبب قمع الاحتلال لكل ما هو فلسطيني أو عربي في فلسطين. ظهر بعد ذلك جيل جديد يذكر منهم الشعراء خالد أبو خالد وأحمد دحبور وعز الدين المناصرة وابن الشاطئ ومريد البرغوثي ممن ساهموا أيضا في حمل لواء الشعر الفلسطيني. كما جرت محاولات لتجديد الشعر شبيها لما حدث في الأقطار العربية الأخرى وأصبح لقصيدة النثر روادها. برزت أسماء جديدة هنا مثل زكريا محمد وروز شوملي مصلح وغيرهما. ظلت الحركة الشعرية الفلسطينية تحلق في مدار الوطن وقليلة هي المحاولات الجادة التي استطاعت أن تعطي الشعر حقه كاملا وتستنفد كل طاقاته في التعبير عن كينونة الإنسان بأبعادها اللامحدودة. ولأن الاحتلال ما زال قائما والمعاناة مستمرة سينال الوطن حصة الأسد من الشعر الفلسطيني حتى في المستقبل القريب.
ايجابيات الحركة الشعرية الفلسطينية تكمن في ملامستها لروح الشارع الفلسطيني وإضفاء الإنسانية على الحركة الوطنية الفلسطينية ودفعها لمواكبة حركة الشعر العربي. وسلبياتها على صعيد الشعر والإبداع تكمن في الاقتصار على بعض الوجوه والرموز المعروفة واختزال مواضيع الشعر في موضوع واحد والاتجاه للمباشرة على حساب الرمزية والتصوير والعمق.
* هل يفرض الوضع الفلسطيني خصوصية بأن يكون كل شعرنا وطنيا؟
** هنا تختلف الإجابات. أنا شخصيا أجد من الضرورة أن يتناول الشعر كل قضايا الإنسان بما فيها الوطن الغالي. طبعا ظروفنا كفلسطينيين صعبة للغاية والاحتلال يسعى إلى إلغاء الهوية الفلسطينية فمن هنا للأدباء والشعراء الفلسطينيين دور كبير في التعبير عن هذه المعاناة والمأساة العميقة التي لا مثيل لها في العصر الحديث. ولكن هذا ليس مبررا لأن نلغي كل ألوان الشعر ونحافظ على لون واحد فقط. فليكن الشعر قوس قزح. ولنرسم بكل أطيافه ولنكتب كل أنواعه ونعطي الشعر حقه كاملا في الابتكار وروعة الصورة الشعرية وعمق وبلاغة اللغة وعذوبة الإيقاع الداخلي والخارجي. فليكن الشعر إبداعا ساميا سواء كان للوطن أو للحبيبة أو للطبيعة أو كان قصيدة حكمة.
* هل تتفق مع من يقول إن الشعر الفلسطيني توقف بعد درويش؟
** موت الشاعر الكبير محمود درويش كان صدمة لكل الشعراء العرب والفلسطينيين بشكل خاص. لقد كان لديه قدرة هائلة في اقتناص اللحظة وملامسة الوجدان الفلسطيني والعربي بقصائده الرائعة. وقد ترك فراغا ملحوظا في ساحة الشعر الفلسطيني يصعب ملؤه. عصر الإنترنت الجديد والتواصل السريع بين الشعراء وتفاعلهم في كل الأقطار العربية والمهجر ساهم في اكتشاف شعراء لا يقلون قدرة في إبداعهم عن الشعراء المعروفين, وربما انتهت فترة الشاعر الرمز التي كانت سائدة طوال الحقبة الزمنية السابقة. سنجد شعراء عديدين مبدعين. المرحلة الجديدة تتيح للشاعر الفلسطيني أن يتأثر ويؤثر كفرد مباشرة دون وسيط محلي مع الشعراء العرب. بحيث بدأ يقل التفاوت بين شعر الأقطار العربية المتعددة. الفرق سيكون بين شعر غني بالإبداع وشعر أقل جودة. وهذا التقسيم لن يكون عموديا بين أقطار الوطن العربي وإنما أفقيا بين الشعراء العرب. مما يساعد في النهوض الجماعي للشعر العربي.
* كيف يرى خالد الشوملي دور المثقف في التغيير بالمنطقة العربية؟
** لقد كانت الكلمة الحرة على مدى التاريخ البشري أشد قوة من أي سلاح آخر. فلذلك تم اغتيال أدباء وشعراء ومبدعي فلسطين أمثال غسان كنفاني وكمال ناصر وراشد حسين وماجد أبو شرار وناجي العلي. إن ما يميز عصرنا هذا هو سرعة انتشار الخبر وتسليط الضوء على الأحداث مما يساعد اتخاذ موقف أثناء وقوع الحدث نفسه وهذا نوع جديد من التفاعل المتبادل. من يصنعون الحدث يدركون بسبب سرعة تفاعل الآخرين أنهم ليسوا وحيدين في المطالبة بحقوقهم بمزيد من الحرية والعدالة والسلام. هنا يكمن دور المثقف الصادق مع نفسه وقيمه.
* ما الذي يريد الشاعر الشوملي إيصاله من خلال ديوان "لمن نزرع الورد"؟
** يريد الشاعر أن يزرع وردة في حديقة الشعر العربي أو شجرة شامخة في غابة الشعر. ومن هنا جاء العنوان "لمن نزرع الورد" فالشاعر يستمر بزرع الورد رغم الحرب التي تهدم كل شيء وتخطف قمر أحلامه. القصيدة هي الوردة التي لا يريد لها أن تذبل. أما في ديواني الجديد الصادر هذا الشهر عن دار الشروق بعنوان "مُعلّقة في دُخان الكلام" فهو إبحار عميق في الشعر والوطن. القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة تنالان حقهما كاملا. أتمنى أن ينال ديواني النقد والدراسة الكافية من ذوي الاختصاص.
* كيف تقيم حركة النشر في فلسطين؟
** هناك بيت الشعر الفلسطيني في رام الله وقد كان ينشر للشعراء الفلسطينيين والعرب. لكنه منذ سنتين توقف عن النشر بسبب نقص في ميزانيته. تعتبر دار الشروق في رام الله ولها فروع في عمَّان وبيروت من أهم دور النشر التي تنشر كتبا أدبية في فلسطين.
إن حركة النشر في فلسطين غير مرضية بسبب غياب الدعم الكافي من قبل السلطة المحلية سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. بالإضافة لعدم وجود دعم عربي أو عالمي لتشجيع النشر في فلسطين. الوضع السياسي والاقتصادي الصعب للفلسطينيين يزيد من صعوبة نشر كتب أدبية وشعرية.
* اختم لنا بأبيات محببة إليك؟
** قبل أن أنهي أود أن أشكركم جدا على هذه المقابلة وجهودكم من أجل إنجاحها. سأختار الأبيات الموجودة على الغلاف الخلفي لديواني الجديد (مُعلّقة في دُخان الكلام)
وإليْكِ يَعْدو الْحُلْمُ في لهَفٍ
وَالْليْلُ مِنْ عَيْنيْكِ يَبْتعِدُ
وُتُرَفْرِفُ الآمالُ مُشْرِقَةً
فَمَتى يَخافُ مِنَ الظّلامِ غَدُ ؟
لَوْ كُنْتُ يَوْماً أشْتَهي وَطَناً
لاخْتارَني العُنْوانُ والْبَلَدُ
شقّوا الْفؤادَ لِيَقْرأوا كُتُبي
لكِنّهُمْ إلاَّكَ لمْ يَجِدوا
تعليق