غزل...(ق.ق)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • شيماءعبدالله
    أديب وكاتب
    • 06-08-2010
    • 7583

    غزل...(ق.ق)


    غزل ..

    أمست فزعة تتخبط؛ يتوشحها سكون غربة و ظلمة كقبر داج ، مرتعدة الأوصال تجلس القرفصاء
    تحتضن رجليها النحيلتين وتدس رأسها بينهما ؛ ترتجف خوفا مغمضة العينين
    بصوت متلبك : ابتعد عني ابتعد عني .. لم تسمع سوى شرك نعليه
    أحكم غلق الباب بقوة؛ خطواته تبتعد شيئا فشيئا ..
    دب السكون لترتخي حواسها وأطرافها تباعا ثم تفتح عيناها مع ضوء خافت ورؤيا مشوشة تكاد لا تستبين شيئا إلا أمام مرآها نظرت لصحن ملقى بين أصابع قدميها تتلكأ أتسد جوعتها أم تحجم .
    لها من الأيام ثلاثة والجوع يفتك بها
    مدت أصابعها للتقاط لفافة خبز محشوة بالتمر،أكلتها بنهم ؛ لم تستوضح ملامح ذلك الوحش ، يفترسها الصمت وطنين بعوض ، تحكم قبضتها على فِراش مهترئ ووسادة . نافذة صغيرة تتطلع من خلالها؛ الليل ينصت لأنفاسها كما يضرب أطنابه أشواطا كدهر في لجة حيرتها .
    حارت بوسيلة الهروب من هذا الكابوس، تسبر الغور في إغفاءة لحيظات يقظة ، تسترجع فيها مرحها وصويحباتها وسط حديقتهم الفسيحة أمام بيتهم الفخم المحفوف بشجيرات النخيل التي تراقصت معهن طربا وهن يحتفين بين حين وحين . تستلقي على ألم صحوتها باستفهام مؤلم ؛ من سرقها من بيتها ودفئها وجردها من كل شيء حتى من فستانها؟! تشغلها الحيرة عما يحدث ؛تحاول استرجاع الأمس بذاكرة متعبة ، تجتاحها موجة بكاء تشل تفكيرها لتمسك ولو خيطا يحل هذه الأحجية .
    راعها فتح الباب بغير أوانها . تتصاعد أنفاسها خوفا وهلعا لتغمض عينيها كما فعلت من قبل ؛ لابد من رؤية ما يدور حولها ؛ هكذا حدثتها نفسها بحذر كخطو الهوينا تراقب علّ مخاوفها تجهض بمعرفة ما يجول في تلك الغرفة المعتمة ؛ لأول وهلة تفاجأ أن أمامها جسد نحيل خلاف ما صورته بمخيلتها . شاب في مقتبل العمر لم تتسع لها الرؤيا لتكشف ملامحه وقد صوب في وجهها وهج الضوء . لملمت جسدها متدثرة بالفراش المهترئ .
    تسأله من أنت وما تريده مني ؟
    رد ببرود واستخفاف : هسس لا تتبجحين . ستخضعين لي صاغرة رغم أنفك . بضحكة ساخرة يزيد قبل المضي .. ترى هل بقي لك شيئا من أموال أبيك سوى هذا الجسد الذي أضحى لي وحدي .
    تصرخ : ملابسي ملابسي . رَزْعُ الباب يَخرُسها .
    تجهش باكية حتى يغلبها نعاس أشبه بإغماء لتغط في نومة جراء جهد ثلاث أيام مربكة وقاسية .
    تستفيق على ضوء القمر وهو يشرع لرؤيتها من النافذة الصغيرة ؛ مبتسما أن الأمل لابد أن يصاغ واليسر حل عقدة كل عسير ، كل ما تحتاج بعض صبر وحنكة . تشرع في التدبير وهي تتلمس شعرها الطويل الجميل فإذا بكثير منه يتشابك وأصابعها .
    تحك من جلدها إثر لسعات البعوض حتى تكسرت إحدى أظفارها ليداهم حدسها أمرا ؛ لم تكن هنا لثلاث أيام بل أكثر ؛ نظرا لطول أظفارها ، جعلت من الليل ملاذا بتدبير فرجة تنفد بها من حبسها . بعد مضي أيام أيقنت أنها أمام شخص مريض من رهاب الفقر؛ محاولة إقناعه بالعدول عن حبسها وتحريرها من الأسر بات شبه مستحيل أمام جنونه وإصراره على معاقبتها بجريرة الغنى التي لم تكن لها يد فيها. لتهيء الحلول في إيجاد مخرج لها . لم تكن تلك الفتاة التي تنصاع لأمر بذئ ولا لترضى أن تتجرد من كل شي وأعز شيء.
    وجال الحديث ونفسها لابد من إبرام صفقة ولتكن مع الشيطان نفسه
    فتمثل لها ذلك السجان هو الشيطان بعينه ..
    انتظرت ساعة الغداء وتأتي خطواته المرعبة من شدة السكون
    وها هو أمامها وهي تشد باللحاف حول جسدها
    نظر ممتعضّا : بلغ من عطفي لأمنحك فراشا وتلفيه حولك معاندة قراري!
    حاول جذبه قالت بهدوء ما اعتاده منها : أرجوك دعه ، ما هو من أملاك والدي ؛وتستكثر عليّ ما وهبتني إياه ، لعلي أطمع كرما يزيد منك.
    تهلل مستبشرا ظنا بخضوعها له .
    ردت بسرعة البرق : هل لي بملبس كما منحتني الفراش؟
    نظر متعجبا منها : عنيدة
    ليلتفت هامّا بالخروج تتخطفه القول : لنبرم صفقة ..
    التفت مستفسر النظرات ..لتردف قائلة : تمنحني كسوة ؛ أمنحك الحياة.
    بسخرية يرد : أنت في قبضتي وأنا من يمنحك أو يسلمك للعدم .
    تلعثمت مستطردة: أو تحسب أن جاه أبي ووجاهته وكل ثراءه وأنا مدللته أن يترك أمري دون البحث والتقصي ؛ أو يترك عقاب؟.
    قاطعها بحزم : بائسة ومتعجرفة أنت ، وهل فاتني ذلك ؛ ومن أنا ليبحث عني والدك ، وأنّى له أن يدرك أين أنت ، لن تجدي النفود أمام تجردك أيتها المتكبرة؛ لا حديث بيننا وتذكري لن أجبرك على أمر وإن أنت بقبضتي ولكني وضعت لك الخيار بين خضوعك ووحدتك أبد الآبدين وهذا فارق ما بين الغنى والفقر تذكري ذلك .
    نظرت من حولها لاشيء سوى فراغ ووحشة و لابد من أن تضع حلا لما هي عليه لفك أسرها . ومرت الأيام بل مر عام ويزيد وهي بإصرارها وثباتها ؛ وصحن طعام يمر من تحت الباب بين يوم وآخر ؛وطرف حديث قد اعتادت عليه بل ترتقبه بفارغ الصبر ليخفف وطأة ما هي عليه. لتستفيق ذات خلوة على أصوات قرع ودق وخلع حتى بلغت تلك الموجة أعتاب جُحرها
    بعد كسر الباب؛ اقتحم رجالا يتوسطهم رجل أشيب هده التعب والحزن . لامست أشعة الشمس جسدها النحيل ، نظروا جميعهم لها بدهشة وإعجاب؛ كيف لفتاة أن تتزين بأبهى فستان يشع بريقا وهي حبيسة هذا المكان البائس؛ شعثة شاحبة مغبرة إلا من فستانها الذي حيك ببراعة بظفرها غزلت من شعراتها كسوة تستتر بها ، لم ترتمِ لأحضان أبيها سألت والعين تدمع : ما فعلتم به؟ مشيرة لجثة رموها تحت أقدامها بين ذهولهم لرؤيتها بعد غياب وبين ريبة ! تعتلي ملامح أبيها المخاوف : رأينا هذه الجثة مرمية في بهو المنزل لرجل مات من أشهر . نظرت إلى صحن الطعام بحيرة أتبعتها حسرة ، ردا على استفهامهم وخوفهم : لم يلمسني قط !


  • حازم البيومي
    قاص
    • 15-05-2011
    • 60

    #2
    كنت أتمنى أن أرى توظيفاً جديدا للفكرة , خاصة أنها مستهلكة إلى حدا ما , لكن ربما إعجاب الكاتب بالفكرة , جعلها تسطو عليه , فأسهب كثيرا , وأحالها إلى أسطورة قديمة كالتي نشاهدها في الأفلام الانجليزية القديمة
    لكن لا أنكر على الكاتب تمكنه من صناعة الدهشة , والإمساك بتلابيب القارئ حد التشويق , وإجادة تصوير المشهد بدقة .
    مودتي وتقديري لحرفك أستاذة شيماء
    التعديل الأخير تم بواسطة حازم البيومي; الساعة 13-10-2012, 17:16.

    تعليق

    • ريما ريماوي
      عضو الملتقى
      • 07-05-2011
      • 8501

      #3
      أعجبتني فكرة أن تغزل من شعرها غطاء لها..
      سؤالي هل هو شبحه الذي يزودها بالطعام..؟

      القصة مشوقة فعلا.. وهنا اثبت أن الكاتب
      يكتب في كل شيء ولا يتجاوز حدود اللياقة
      والأدب...

      شكرا لك استمتعت معك، تحيتي واحترامي.


      أنين ناي
      يبث الحنين لأصله
      غصن مورّق صغير.

      تعليق

      • شيماءعبدالله
        أديب وكاتب
        • 06-08-2010
        • 7583

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة حازم البيومي مشاهدة المشاركة
        كنت أتمنى أن أرى توظيفاً جديدا للفكرة , خاصة أنها مستهلكة إلى حدا ما , لكن ربما إعجاب الكاتب بالفكرة , جعلها تسطو عليه , فأسهب كثيرا , وأحالها إلى أسطورة قديمة كالتي نشاهدها في الأفلام الانجليزية القديمة
        لكن لا أنكر على الكاتب تمكنه من صناعة الدهشة , والإمساك بتلابيب القارئ حد التشويق , وإجادة تصوير المشهد بدقة .
        مودتي وتقديري لحرفك أستاذة شيماء
        مرحبا بالفاضل القدير حازم البيومي
        سعيدة بحضورك وأكثر سعادة بتحليلك لمتواضع قصتي
        ربما مستهلكة الفكرة كما أسلفت ولكنها كالرحى لمجريات ما يحدث هنا وهناك ح نسمع ونقرأ ونشهد الكثير من هذه الأحداث تكاد تكون أكثر من مرة في الأسبوع لاسيما في بلدي بعد ما عمت به الفوضى ...
        وأضفت لها ما أضفت لتعميق وترسيخ الوجهة المقتضاة أو الرؤيإ لإسقاطات مجريات ما يحدث
        لذا كان التصويب متشعب النظر وأكثر من وجهة ...
        شكرا لعناء الحضور وجهد القراءة
        سرني مرورك الكريم
        تحيتي وتقديري

        تعليق

        • شيماءعبدالله
          أديب وكاتب
          • 06-08-2010
          • 7583

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
          أعجبتني فكرة أن تغزل من شعرها غطاء لها..
          سؤالي هل هو شبحه الذي يزودها بالطعام..؟

          القصة مشوقة فعلا.. وهنا اثبت أن الكاتب
          يكتب في كل شيء ولا يتجاوز حدود اللياقة
          والأدب...

          شكرا لك استمتعت معك، تحيتي واحترامي.

          مرحبا بصديقتي وغاليتي العزيزة ريما ريماوي
          حياك ياغالية
          قد شغلت القصة ما بين الواقع والخيال
          ومن العنوان غزل فكل ما بها هو عبارة عن غزل ونسج واقع وخيال وما بين السطور يظهر ذلك ..
          كم سعيدة بحضورك وتشرفت بمرورك الكريم وشكرا على الإشادة التي غمرتني غبطة

          ممتنة يالغلا
          محبتي وأكثر

          تعليق

          • أبوقصي الشافعي
            رئيس ملتقى الخاطرة
            • 13-06-2011
            • 34905

            #6
            استمتعت كثيرا بقراءة القصة
            مشوقة و محبوكة
            فيها رؤية و ولغة فنية عالية الجمال
            وفق بناء ٍ قوي و متين
            بإسلوب ٍ فني مكثف و خلاب

            أبدعت ِ أستاذة شيماء
            تشرفت بقراءة القصة
            تقديري و جل احترامي



            كم روضت لوعدها الربما
            كلما شروقٌ بخدها ارتمى
            كم أحلت المساء لكحلها
            و أقمت بشامتها للبين مأتما
            كم كفرت بفجرٍ لا يستهلها
            و تقاسمنا سوياً ذات العمى



            https://www.facebook.com/mrmfq

            تعليق

            • شيماءعبدالله
              أديب وكاتب
              • 06-08-2010
              • 7583

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة قصي الشافعي مشاهدة المشاركة
              استمتعت كثيرا بقراءة القصة
              مشوقة و محبوكة
              فيها رؤية و ولغة فنية عالية الجمال
              وفق بناء ٍ قوي و متين
              بإسلوب ٍ فني مكثف و خلاب

              أبدعت ِ أستاذة شيماء
              تشرفت بقراءة القصة
              تقديري و جل احترامي

              الزميل المكرم قصي الشافعي
              كم سرني حضورك وتشجيعك الكريم لقصتي المتواضعة
              سلسبيل شكر على هذا المرور الداعم
              عظيم امتناني لسمو ذائقتك
              تحيتي الكبيرة مع فائق التقدير

              تعليق

              • ليندة كامل
                مشرفة ملتقى صيد الخاطر
                • 31-12-2011
                • 1638

                #8
                السلام عليكم
                عزيزتي شيماء كنت هنا بارعة
                لولا بعض الإسهاب
                لغة جميلة قوية تسلس مدروس ربما أرادت الكاتبه هنا توضح مدى قدرة القادر على فك الصعاب مهما بلغت بلغة جميلة جدا وخلاقة
                كنت هنا لأستمتع
                أنتظر المزيد محبتي
                http://lindakamel.maktoobblog.com
                من قلب الجزائر ينطلق نبض الوجود راسلا كلمات تتدفق ألقا الى من يقرأها

                تعليق

                • جودت الانصاري
                  أديب وكاتب
                  • 05-03-2011
                  • 1439

                  #9
                  مرحبا اديبتنا الغاليه شيماء
                  للكاتب الحق فيما يكتب ,, شريطة ان يرضي الاخرين ,,
                  وقد تمكن نصك منا ليقنعنا بشتى الوسائل,,
                  فابدعت
                  لنا معشر الانصار مجد مؤثل *** بأرضائنا خير البرية احمدا

                  تعليق

                  • شيماءعبدالله
                    أديب وكاتب
                    • 06-08-2010
                    • 7583

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة ليندة كامل مشاهدة المشاركة
                    السلام عليكم
                    عزيزتي شيماء كنت هنا بارعة
                    لولا بعض الإسهاب
                    لغة جميلة قوية تسلس مدروس ربما أرادت الكاتبه هنا توضح مدى قدرة القادر على فك الصعاب مهما بلغت بلغة جميلة جدا وخلاقة
                    كنت هنا لأستمتع
                    أنتظر المزيد محبتي
                    الغالية العزيزة المورقة ليندة
                    كان لحضورك طعم آخر ومعنى أروع لتوجيه عنايتك
                    أحببت هذه اللفتة الراقية منك لأتفادى هذا الإسهاب ..
                    وسلمت على الإشادة والحضور الذي توجتني به
                    محبتي وشتائل الورد

                    تعليق

                    • شيماءعبدالله
                      أديب وكاتب
                      • 06-08-2010
                      • 7583

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة جودت الانصاري مشاهدة المشاركة
                      مرحبا اديبتنا الغاليه شيماء
                      للكاتب الحق فيما يكتب ,, شريطة ان يرضي الاخرين ,,
                      وقد تمكن نصك منا ليقنعنا بشتى الوسائل,,
                      فابدعت
                      الفاضل المكرم جودت الأنصاري
                      كان لحضورك الأثر في نفسي
                      أغبطها عليه
                      سلمت ودمت
                      وشكرا على الإشادة الكريمة
                      تحيتي وتقديري

                      تعليق

                      • شيماءعبدالله
                        أديب وكاتب
                        • 06-08-2010
                        • 7583

                        #12
                        عدّلت النص بعد رؤية عيوب كثيرة
                        وأيقنت أن الكتابة اللحظية غير مجدية
                        شكري لأستاذي الذي يرعاني ويوجهني القاص الكبير علي الحديثي
                        علمني كيف أرعى القلم وأعتني بكتابتي كجنين أنتظره يكبر بعناية وإحاطة
                        تحياتي أستاذي لك ولكل من شجعني وحفزني



                        تعليق

                        • عائده محمد نادر
                          عضو الملتقى
                          • 18-10-2008
                          • 12843

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة شيماءعبدالله مشاهدة المشاركة

                          غزل ..

                          أمست فزعة تتخبط؛ يتوشحها سكون غربة و ظلمة كقبر داج ، مرتعدة الأوصال تجلس القرفصاء
                          تحتضن رجليها النحيلتين وتدس رأسها بينهما ؛ ترتجف خوفا مغمضة العينين
                          بصوت متلبك : ابتعد عني ابتعد عني .. لم تسمع سوى شرك نعليه
                          أحكم غلق الباب بقوة؛ خطواته تبتعد شيئا فشيئا ..
                          دب السكون لترتخي حواسها وأطرافها تباعا ثم تفتح عيناها مع ضوء خافت ورؤيا مشوشة تكاد لا تستبين شيئا إلا أمام مرآها نظرت لصحن ملقى بين أصابع قدميها تتلكأ أتسد جوعتها أم تحجم .
                          لها من الأيام ثلاثة والجوع يفتك بها
                          مدت أصابعها
                          للتقاط ( لالتقاط ) لفافة خبز محشوة بالتمر،أكلتها بنهم ؛ لم تستوضح ملامح ذلك الوحش ، يفترسها الصمت وطنين بعوض ، تحكم قبضتها على فِراش مهترئ ووسادة . نافذة صغيرة تتطلع من خلالها؛ الليل ينصت لأنفاسها كما يضرب أطنابه أشواطا كدهر في لجة حيرتها .
                          حارت بوسيلة الهروب من هذا الكابوس، تسبر الغور في إغفاءة لحيظات يقظة ، تسترجع فيها مرحها وصويحباتها وسط حديقتهم الفسيحة أمام بيتهم الفخم المحفوف بشجيرات النخيل التي تراقصت معهن طربا وهن يحتفين بين حين وحين . تستلقي على ألم صحوتها باستفهام مؤلم ؛ من سرقها من بيتها ودفئها وجردها من كل شيء حتى من فستانها؟! تشغلها الحيرة عما يحدث ؛تحاول استرجاع الأمس بذاكرة متعبة ، تجتاحها موجة بكاء تشل تفكيرها لتمسك ولو خيطا يحل هذه الأحجية .
                          راعها فتح الباب بغير أوانها . تتصاعد أنفاسها خوفا وهلعا لتغمض عينيها كما فعلت من قبل ؛ لابد من رؤية ما يدور حولها ؛ هكذا حدثتها نفسها بحذر كخطو الهوينا تراقب علّ مخاوفها تجهض بمعرفة ما يجول في تلك الغرفة المعتمة ؛ لأول وهلة تفاجأ أن أمامها جسد نحيل خلاف ما صورته بمخيلتها . شاب في مقتبل العمر لم تتسع لها الرؤيا لتكشف ملامحه وقد صوب في وجهها وهج الضوء . لملمت جسدها متدثرة بالفراش المهترئ .
                          تسأله من أنت وما تريده مني ؟
                          رد ببرود واستخفاف : هسس لا تتبجحين . ستخضعين لي صاغرة رغم أنفك . بضحكة ساخرة يزيد قبل المضي .. ترى هل بقي لك شيئا من أموال أبيك سوى هذا الجسد الذي أضحى لي وحدي .
                          تصرخ : ملابسي ملابسي . رَزْعُ الباب يَخرُسها .
                          تجهش باكية حتى يغلبها نعاس أشبه بإغماء لتغط في نومة جراء جهد ثلاث أيام مربكة وقاسية .
                          تستفيق على ضوء القمر وهو يشرع لرؤيتها من النافذة الصغيرة ؛ مبتسما أن الأمل لابد أن يصاغ واليسر حل عقدة كل عسير ، كل ما تحتاج بعض صبر وحنكة . تشرع في التدبير وهي تتلمس شعرها الطويل
                          الجميل فإذا بكثير منه يتشابك وأصابعها .
                          تحك من جلدها إثر لسعات البعوض حتى تكسرت إحدى أظفارها ليداهم حدسها أمرا ؛ لم تكن هنا لثلاث أيام بل أكثر ؛ نظرا لطول أظفارها ، جعلت من الليل ملاذا بتدبير فرجة تنفد بها من حبسها . بعد مضي أيام أيقنت أنها أمام شخص مريض من رهاب الفقر؛ محاولة إقناعه بالعدول عن حبسها وتحريرها من الأسر بات شبه مستحيل أمام جنونه وإصراره على معاقبتها بجريرة الغنى التي لم تكن لها يد فيها. لتهيء الحلول في إيجاد مخرج لها . لم تكن تلك الفتاة التي تنصاع لأمر بذئ ولا لترضى أن تتجرد من كل شي وأعز شيء.
                          وجال الحديث ونفسها لابد من إبرام صفقة ولتكن مع الشيطان نفسه
                          فتمثل لها ذلك السجان هو الشيطان بعينه ..
                          انتظرت ساعة الغداء وتأتي خطواته المرعبة من شدة السكون
                          وها هو أمامها وهي تشد باللحاف حول جسدها
                          نظر ممتعضّا : بلغ من عطفي لأمنحك فراشا وتلفيه حولك معاندة قراري!
                          حاولت جذبه قالت بهدوء ما اعتاده منها : أرجوك دعه ، ما هو من أملاك والدي ؛وتستكثر عليّ ما وهبتني إياه ، لعلي أطمع كرما يزيد منك.
                          تهلل مستبشرا ظنا بخضوعها له .
                          ردت بسرعة البرق : هل لي بملبس كما منحتني الفراش؟
                          نظر متعجبا منها : عنيدة
                          ليلتفت هامّا بالخروج تتخطفه القول : لنبرم صفقة ..
                          التفت مستفسر النظرات ..لتردف قائلة : تمنحني كسوة ؛ أمنحك الحياة.
                          بسخرية يرد : أنت في قبضتي وأنا من يمنحك أو يسلمك للعدم .
                          تلعثمت مستطردة: أو تحسب أن جاه أبي ووجاهته وكل ثراءه وأنا مدللته أن يترك أمري دون البحث والتقصي ؛ أو يترك عقاب؟.
                          قاطعها بحزم : بائسة ومتعجرفة أنت ، وهل فاتني ذلك ؛ ومن أنا ليبحث عني والدك ، وأنّى له أن يدرك أين أنت ، لن تجدي النفود أمام تجردك
                          أيتها المتكبرة؛ لا حديث بيننا وتذكري لن أجبرك على أمر وإن أنت بقبضتي ولكني وضعت لك الخيار بين خضوعك ووحدتك أبد الآبدين وهذا فارق ما بين الغنى والفقر تذكري ذلك .
                          نظرت من حولها لاشيء سوى فراغ ووحشة و لابد
                          من أن تضع حلا لما هي عليه لفك أسرها . ومرت الأيام بل مر عام ويزيد وهي بإصرارها وثباتها ؛ وصحن طعام يمر من تحت الباب بين يوم وآخر ؛وطرف حديث قد اعتادت عليه بل ترتقبه بفارغ الصبر ليخفف وطأة ما هي عليه. لتستفيق ذات خلوة على أصوات قرع ودق وخلع حتى بلغت تلك الموجة أعتاب جُحرها
                          بعد كسر الباب؛ اقتحم رجالا يتوسطهم رجل أشيب هده التعب والحزن . لامست أشعة الشمس جسدها النحيل ، نظروا جميعهم لها بدهشة وإعجاب؛ كيف لفتاة أن تتزين بأبهى فستان يشع بريقا وهي حبيسة هذا المكان البائس؛ شعثة شاحبة مغبرة إلا من فستانها الذي حيك ببراعة بظفرها غزلت من شعراتها كسوة تستتر بها ، لم ترتمِ لأحضان أبيها سألت والعين تدمع : ما فعلتم به؟ مشيرة لجثة رموها تحت أقدامها بين ذهولهم لرؤيتها بعد غياب وبين ريبة ! تعتلي ملامح أبيها المخاوف : رأينا هذه الجثة مرمية في بهو المنزل لرجل مات من أشهر . نظرت إلى صحن الطعام بحيرة أتبعتها حسرة ، ردا على استفهامهم وخوفهم : لم يلمسني قط !

                          نص رائع شيماء
                          جميل بكل وجعه ونحن الذين اكتوينا بنار الخطف ولاأحد مثلنا يعرف ماتعنيه تلك الكلمة من قسوه
                          أجدت صياغة العذاب وأطرافه وعمقه وجسدت الخوف بكل أشكاله
                          الخطف والقتل والفدية وجثث ترمى على قارعة الطريق بلا هوية ولا عنوان ورقم فقط مايميزها
                          ربما كانت محظوظة لأنه لم يغتصبها ويقتلها
                          ربما كان مغرما بها لهذا لم يفعل
                          نص رائع كنت فيه فرشاة رسام ماهر وقلم أديب بارع
                          أحببتك اليوم أكثر مما كنت أحبك لأني مولعة بالأدب وفنه والسرد
                          نص يستحق النجوم لأنه قوي
                          فقط لونت لك مارأيته فائضا ولك أن ترمي رؤيتي خلف ظهرك أو تأخذي بها وتمشطي شعر نصك ليبدو أجمل
                          محبتي وغابات ورد لك يالغلا
                          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                          تعليق

                          • شيماءعبدالله
                            أديب وكاتب
                            • 06-08-2010
                            • 7583

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                            نص رائع شيماء
                            جميل بكل وجعه ونحن الذين اكتوينا بنار الخطف ولاأحد مثلنا يعرف ماتعنيه تلك الكلمة من قسوه
                            أجدت صياغة العذاب وأطرافه وعمقه وجسدت الخوف بكل أشكاله
                            الخطف والقتل والفدية وجثث ترمى على قارعة الطريق بلا هوية ولا عنوان ورقم فقط مايميزها
                            ربما كانت محظوظة لأنه لم يغتصبها ويقتلها
                            ربما كان مغرما بها لهذا لم يفعل
                            نص رائع كنت فيه فرشاة رسام ماهر وقلم أديب بارع
                            أحببتك اليوم أكثر مما كنت أحبك لأني مولعة بالأدب وفنه والسرد
                            نص يستحق النجوم لأنه قوي
                            فقط لونت لك مارأيته فائضا ولك أن ترمي رؤيتي خلف ظهرك أو تأخذي بها وتمشطي شعر نصك ليبدو أجمل
                            محبتي وغابات ورد لك يالغلا
                            صديقتي وأختي العزيزة والأديبة الرائعة عائدة محمد نادر
                            كتبت هذا النص من قبل نضج القلم وحتما أتعلم وأتحين كل تعقيب وتوجيه يجعلني في تطور مستمر
                            أحب أسلوبك وتوجيهاتك
                            وأسعد كثيرا عندما أعود للملتقى وكأني ألتقيكم وجها لوجه أحبتي
                            شكرا لجهدك ومتابعتك ولنظرتك التي أعتز لكتاباتي
                            ممتنة ياغالية

                            تعليق

                            يعمل...
                            X