زق خمر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد الزروق
    تلميذكم المحب
    • 10-10-2007
    • 877

    زق خمر

    ][][§¤°^°¤§][][زق خمر][][§¤°^°¤§][][

    يبدو أن الرياح الشرقية التي هبت بعد أيام شديدة القيظ قد أغرت الناس بالمشي على أقدامهم ذلك الصباح الباكر , فها هو " فرحات " يشق الشارع ببطء مؤشرا بضوء الحافلة للمارة عسى أن يتفضل أحدهم بالصعود دون جدوى . رغم أن عدد الراجلين كبير وغير مسبوق , وكأنما القيظ حرمهم الخروج في الأيام السابقة فلما خفت حدته انطلق الناس يتنشقون أنسام الحرية غير مصدقين ...
    أبطأ "فرحات من سرعته " أكثر فأكثر . خطف نظرة سريعة إلى الكراسي الخلفية من خلال المرآة . ثمة امرأة ملثمة في ( جرد) أبيض , تتطلع إليه بربع عين ..
    - " أين محطتك يا حاجة ؟" سألها بعد أن نزل كل الركاب وباتت آخر محطة وشيكة ..
    أتاه صوتها ناعما رقيقا , لا يوافق الصورة التي رسمها لها في ذهنه , كأنها عجوز في مسلسل مكسيكي مدبلج , وقالت :
    - أينما تريد أن تنزل يا وليدي .. آخر محطة ...
    - أنا لن أذهب إلى آخر محطة .. سألف هنا وأبحث عن رزقي ..
    قالها بتبرم بعد أن عرف صاحبة الصوت , التي كشفت عن وجهها وسألته أن ينزلها فاستجاب على الفور , وأوقف الحافلة لتنزل , وتقدم إلى الأمام فور نزوله لتناديه أن انتظر .. خذ حقك ...
    وقضت وقتا أطول من المألوف لتخرج (دزدانها) .. وتمنحه ربع دينار .. يقبله شاكرا .. فهو حق (خبزة) للعيال على الأقل ..
    وفوجيء "فرحات" برجل أسمر بدين يترنح أمام الحافلة , ويضع رجله على عتبتها فلا تطاوعه .. يلتفت إلى المرأة ويضربها على كتفها ويبتسم لها ..
    - هي هي .. كيف حالك ؟
    وابتعدت المرأة بخطى سريعة في حين مد الرجل الأسمر يده إلى سائق الحافلة : " ساعدني على الركوب يا ولد خالتي " . قالها إشارة إلى اللون الأسمر لكليهما , فكل أسمر لابد أن يكون بالضرورة ابن خالة له .
    سحب فرحات الرجل بقوة ليجلسه على الكرسي الأمامي , وفاحت رائحة الخمر من فيه, نظر إليه فرحات بحنق وهم بدفعه إلى خارج الحافلة ولكن الرجل البدين غط في سبات عميق . بدا وكأنه نام منذ ساعات وأخذ يشخر .
    - " والآن يا سيد فرحات . كيف ستتصرف مع هذه المصيبة ؟ " .
    انطلق مجددا يقود الحافلة ولا يلتفت إلى إشارات الراغبين في الركوب , والذين لاحظ أن أعدادهم زادت فجأة ..
    ولأن فرحات رجل بسيط ومؤمن بالقضاء والقدر لم يحاول ربط الموضوع بالتشاؤم. كل القصة أن منتصف النهار قد اقترب والشمس تعامدت على رؤوسهم وأضحى السير براحة أمرا ذا صعوبة . وهو لا يستطيع أن يقف لهم وهذه البلوى خامدة في الكرسي الأمامي , وقد تهب رائحتها فجأة في أية لحظة .
    دع الفتنة نائمة . الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها . هكذا هتف فرحات بحنق وهو يمعن السير بحافلته المنهكة , ما هذا إلا ابتلاء من الله عز وجل .
    هداه تفكيره إلى أن يقف أمام بيت "أحد بائعي الخمور" . لم يكن متأكدا من البيت ولا من صفة الرجل الذي طالما رآه يترنح بين أزقة المنطقة , إلا أن شهداء الله في الأرض أجمعوا على أنه رجل فاسد يبيع الخمور التي يصنعها في بيته للجار القريب والقاصد البعيد . طرق باب البيت فخرج الرجل بشحمه ولحمه وحملق فيه بعنف , لعله رآه مرارا وهو يقصد المسجد القريب , وصاح في وجهه : " خير" .
    سحبه فرحات بهدوء ولكن بقبضة حديدية من يده إلى حيث الحافلة وسأله : " هل تعرف هذا الرجل ؟ "
    - " نعم ! إنه سعيد (تنك) . وهو يقطن في نهاية الشارع القادم إلى اليمين " .
    صعد فرحات إلى الحافلة وغادر دون أن ينطق بحرف ..
    - تفضلوا إلى الغداء .. الغداء على النار .. قل لنا شكرا على الأقل ..
    لم يكن لدى فرحات متسع من الوقت حتى للرد , فعليه أن يبادر بالتخلص من هذه الجثة كي يتفرغ لجمع رزقه قبل صلاة الظهر .
    وصل إلى بيت الرجل , سعيد تنك , الذي أفاق من نومه فجأة وكأنه كان يداعب فرحات ونظر إلى فرحات , ثم نظر إلى بيته وضحك بقوة .. استمر في الضحك وهو يصفق بيديه ويعيد النظر إلى فرحات :
    - " أنت تعرف أمكنتي . يا لك من داهية ! "
    واقترب من فرحات وكأنما يريد البوح بسر خطير وهمس :
    - " كيف عرفت بيتي أيها الخطير ؟ "
    لم يرد فرحات عملا بالحديث الشريف من كان يؤمن بالله فليقل خيرا أو ليصمت .. ونزل سعيد وهو يردد كلمات المجاملة والترحيب وحسن الضيافة وأشار فرحات بيديه أن لا داعي . وفجأة صاح سعيد :
    - انتظر ! سأعطيك حقك .
    دخل الرجل إلى البيت وغاب قليلا ثم عاد وفي يده كيسا مليئا بسائل شفاف ..
    - تفضل يا خوي .. هذا آخر خضخوض * اليوم .. تعال في المساء تأخذ حاجة طازة .. والله منور ..
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
    من مجموعة وجهان في الصقيع القصصية للكاتب محمد مفتاح الزروق
    خضخوض : بالدارجة ما يتبقى في قعر إناء الخمر .

    ربما ننفق كل العمر كي ننقب ثغرة
    ليمر النور للأجيال مرة.
  • محمد الزروق
    تلميذكم المحب
    • 10-10-2007
    • 877

    #2
    هل ثمة تعليق هنا ؟

    ربما ننفق كل العمر كي ننقب ثغرة
    ليمر النور للأجيال مرة.

    تعليق

    • مها راجح
      حرف عميق من فم الصمت
      • 22-10-2008
      • 10970

      #3
      الأستاذ الفاضل محمد رزوق
      قصة من واقع الحياة
      قام البطل بعمل بطولي نابع من ايمانه العميق بأن الأرزاق بيد الله
      وتصرفه كان حكيما

      قصة جميلة وهادفة
      مودتي




      [align=right]
      عفوا ما معنى (زق)؟[/align]
      رحمك الله يا أمي الغالية

      تعليق

      • محمد الزروق
        تلميذكم المحب
        • 10-10-2007
        • 877

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة مها راجح مشاهدة المشاركة
        الأستاذ الفاضل محمد رزوق
        قصة من واقع الحياة
        قام البطل بعمل بطولي نابع من ايمانه العميق بأن الأرزاق بيد الله
        وتصرفه كان حكيما

        قصة جميلة وهادفة
        مودتي




        [align=right]
        عفوا ما معنى (زق)؟[/align]
        أختنا مها :
        أسعدني حضورك وقراءتك وردك ..
        والزق في هذه القصة هو ذلك الكيس الذي كان فيه الخمر ...

        ربما ننفق كل العمر كي ننقب ثغرة
        ليمر النور للأجيال مرة.

        تعليق

        يعمل...
        X