انصره - قصة - نزار ب. الزين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نزار ب. الزين
    أديب وكاتب
    • 14-10-2007
    • 641

    انصره - قصة - نزار ب. الزين

    إنصره
    ظالما أو مظلوما
    قصة قصيرة : نزار ب. الزين*
    *****
    في مقهى اعتاد على ارتياده الزميلان الأستاذ علي - و هو مدرس في "ثانوية سعد" - و الأستاذ محمود ، المشرف الاجتماعي في نفس المدرسة ، و في حديث دار بينهما حول المثل المعروف : "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما " قال الأستاذ محمود لزميله : << ليس المقصود بكلمة "أخاك" في المثل معناها الحرفي ، بل وسَّعها بنو يعرب ليشمل أبناء القبيلة الواحدة في البادية ، أو العائلة الواحدة في المجتمعات الزراعية فيما بعد ؛ و عندما انتقلوا من حياة البداوة أو الفلاحة إلى الحياة المدنية ، زادوا في توسيعها لتشمل أبناء المدينة الواحدة ، أو الوطن الواحد ، مقابل الغرباء عن أي منهما ، فتطور المثل إلى : << أنا و أخي على ابن عمي و أنا و ابن عمي على الغريب >> .
    ابتسم الأستاذ علي ، قبل أن يرد على صاحبه قائلا : << تحليلك منطقي يا أخي ، و كعادتك تفلسف الأمور ؛ و لكن لماذا لا نقول : << أن المثل يعني باختصار التعصب الأعمى أو إن شئت العنصرية بأبشع صورها ؟! >> .
    أجابه الأستاذ محمود قائلا : << لن نختلف في هذا ، فلنقل أنها العنصرية ! >> .
    بعد فترة صمت ارتشف خلالها الأستاذ علي نفسا عميقا من نرجيلته ، تسببت بسعاله لبعض الوقت ، تنحنح ثم قال :
    - إليك قصة حول ذلك كنت أحد شهودها ؛ فبينما كنت جالسا – ذات يوم - على شرفة منزلي المطلة على أحد أسواق المدينة ، لفت سمعي صخب قريب فاستبد بي الفضول . وقفت مستندا على حاجز الشرفة لأرى شجارا محتدما بين جاري الخباز المعروف ب "أبو العز" و هو مقيم "أي لا يحمل جنسية هذا البلد" و بين أحد الزبائن من المواطنين ، ما لبث أن تطور إلى تماسك بالأيدي ، و بلمح البصر تقدم مواطن آخر ليدعم مواطنه دون أن يسأل عن سبب الشجار ، و هذا ما فعله آخرون بعد قليل !!!
    كان أبو العز طويلا عريض المنكبين مفتول العضلات كأنه مصارع من الوزن الثقيل ، تمكن بيسر من إلقاء أحدهما أرضا بينما كاد يلقي بالآخر ؛ و لذهولي الشديد أوقف مواطن ثالث سيارته بعيدا عن الرصيف و هبط منها مسرعا باتجاه المتشاجرين و ابتدأ يشد أزر مواطنَيه ؛
    ثم ... أخذ المارة من المواطنين يوقفون سياراتهم كيفما اتفق ،
    ثم ... يغادرونها مسرعين ليساهموا بمهاجمة "أبو العز" بما طالت أيديهم ... هذا بحذائه ، و ذاك بعقاله ، و غيرهما برفسة من قدمه أو بلكمة من قبضته ؛ و ظل أبو العز - رغم هذه الهجمات المتفاقمة الشرسة - يدافع عن نفسه ببسالة ، و قد تمزقت ثيابه و سالت الدماء من وجهه و يديه ؛ و عندما حاول بعض عمال المخبز بمؤازرة آخرين من أصحاب الدكاكين المجاورة فصل المهاجمين عن أبي العز ، تعرضوا للضرب بدورهم ، فانسحبوا بعيدا و اكتفوا بالفرجمة متألمين ، فكلهم مغتربون و كلهم يخشون على أسباب رزقهم و معاش أسرهم !!!.
    و بعد أن … كاد جمع المواطنين يقضون على أبي العز و يسلبونه حياته ،
    و بعد أن … عمت الفوضى في السوق كله ،
    و بعد أن … تعطل السير و علا عويل أبواق السيارات من كل صوب ؛
    قدمت سيارات الشرطة ،
    ثم … أخذ الشرطيون يفرقون الجمع ؛
    ثم ... قيدوا ابا العز – وحده - و ساقوه مكبلا إلى إحدى عرباتهم !!!!
    *****
    علق الأستاذ محمود قائلا :
    - إنها القبلية الجاهلية يا صاحبي ، لا زالت معششة - وا أسفاه - في أدمغة الكثيرين من بني يعرب !!.
    و ما حدث معي يضرب مثلا أسوأ ، فاصغ إليَّ يا أخي :
    - قبل أن أنتقل إلى ثانوية "سعد " كنت أعمل بمدرسة بلدة "أم النخيل" الابتدائية ، و بحكم وظيفتي كمشرف إجتماعي ، حولت التلميذ "عبد الله" إلى معهد الإحتياجات الخاصة ، بعد أن أثبتت إختبارات الذكاء عدم قدرته على مواصلة الدراسة في المدرسة الابتدائية العادية ، ثم تبين لي أن التلميذ المذكور شقيق أمين مخزن المدرسة و هو مواطن و من سكان "أم النخيل" ، الذي أبدى استياءه و اعتراضه الشديد على هذا القرار ؛ و رغم محاولتي إقناعه بأن انتقال "عبد الله" إلى ذلك المعهد كان لصالحه ، إلا أنه لم يقتنع ، و أجرى - من ثم - اتصالات برفقة وفد من وجهاء البلدة مع مسؤولي وزارة التربية لإيقاف القرار و لكن دون جدوى !!!
    ثم أضاف الأستاذ محمود قائلا :
    - و منذئذ ناصبني أمين المخزن العداء و امتنع عن تحيتي أو محادثتي ، و قد سلك السلوك ذاته حراس المدرسة الثلاثة و هم أيضا مواطنون و من سكان البلدة ، و لكن الأسوأ حدث فيما بعد ...
    ذهبت إلى مستوصف القرية بعد عدة أسابيع لعلة طارئة ألمت بي ، ففحصني طبيب المستوصف مشكورا و أعطاني وصفة الدواء اللازم – و هذا من حقي كموظف في الدولة - و بينما كنت أهم بتقديم الوصفة إلى الصيدلاني ، انقض عليَّ أمين المستوصف انقضاض صقر على حجل ، صائحا في وجهي : << لا يحق لك العلاج في هذا المستوصف ! >> ثم امتدت يده يريد سحب وصفة الدواء مني ، فقاومته و أنا أقول له مشمئزا : << الوصفة أصبحت ملكي ! يحق لك أن تمنعني عن حصولي على الدواء ، و لكن لا يحق لك انتزاع الوصفة مني !>> ثم مضيت ، و لكن ما أن ولجت في سيارتي ، حتى لمحت عددا من المواطنين ربما كانوا من مراجعي المستوصف المرضى أو موظفيه ، يحاولون اللحاق بي ، بل بدؤوا بإلقاء الحجارة باتجاهي ، فحركت سيارتي خلفا ، و هم يتابعونني ، حتى بلغت باب المدرسة ، فكفوا ....
    و لكن في اليوم التالي ، استُدعيت إلى مخفر "أبو النخيل" ، فأرسل معي مدير المدرسة – بعد أن أخبرته بقصتي - وكيله ؛ و كانت التهمة أنني هاجمت أمين المستوصف و هو على رأس عمله ، و أنني رميت عقاله أرضا ، و هذه إهانة في عرف البلد لا تغتفر ، و أنه مضطر لتوقيفي (!!!) ، فاقترح الأستاذ الوكيل – بعد نقاش طويل - أن أقدم اعتذاري لأمين المستوصف ، فوافق الملازم رئيس المخفر على ذلك ، شريطة أن يتنازل أمين المستوصف عن شكواه بعد الإعتذار !...
    و كان الإعتذار على شكل وفد ترأسه وكيل المدرسة بمصاحبتي مع عدد من الزملاء المعلمين ، في زيارة إلى مضافة أمين المستوصف ، الذي تصدر المضافة و على يمينه أمين مخزن المدرسة ، و قد شعرت خلال الزيارة بمهانة لا زالت تحز بنفسي حتى اليوم ....
    و تجنبا لهذا الجو العدائي ، طلبت نقلي من المدرسة .
    كانت الساعة قد شارفت على العاشرة ليلا عندما قرر الزميلان مغادرة المقهى ، و في سريرتهما تساؤلات بلا حدود
    -------------------------
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    الموقع : www.FreeArabi.com
  • إيمان الدرع
    نائب ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3576

    #2
    حال مؤلم، رصدته بعينك الواعية..
    مازال يعشّش في العقول التي لم تستطع التخلّص من إرثها القديم بعد..
    شعرت بالخيبة والمرارة والأسى وأنا أقرأ هذه المفارقات العجيبة
    و أسأل ذاتي...إلى متى ؟؟؟ فلا أجد جواباً
    كم أحترم قلمك د. نزار !!! لأنه يشير دائماً إلى واقع ملموس معاش،يحيط بنا وليس ببعيد عنا.
    حيّااااااااااكَ.

    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

    تعليق

    • نزار ب. الزين
      أديب وكاتب
      • 14-10-2007
      • 641

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
      حال مؤلم، رصدته بعينك الواعية..
      مازال يعشّش في العقول التي لم تستطع التخلّص من إرثها القديم بعد..
      شعرت بالخيبة والمرارة والأسى وأنا أقرأ هذه المفارقات العجيبة
      و أسأل ذاتي...إلى متى ؟؟؟ فلا أجد جواباً
      كم أحترم قلمك د. نزار !!! لأنه يشير دائماً إلى واقع ملموس معاش،يحيط بنا وليس ببعيد عنا.
      حيّااااااااااكَ.
      *********
      أختي الفاضلة إيمان
      للأسف هذا واقعنا
      فكثرا ما تسيقظ في أعماق نفوسنا
      الجاهلية الأولى
      أما تساؤلك : إلى متى ؟
      فالإجابة عليه – باعتقادي –
      عندما يشمل التعليم كل إنسان عربي
      و عندما تعم التربية السليمة
      و الحيث يطول يا أختاه
      ***
      أختي الكريمة
      إعجابك بما أكتب أسعدني
      فلك الشكر الجزيل
      مع ودي و وردي
      نزار

      تعليق

      يعمل...
      X