أمام الحاسوب كانت جالسة .. تسترجع مشاهد زفافها وحيدة محايدة ! .
كان القمر يتمايل ضوءه على أنغام عرسها . والفتيات يقفن خلفها في انتظار تلك اللحظة , التي سيمنحهن القدر إياها مغلفة في باقة ورد . تغمرها سعادة لفرطها كادت أن تكذّب عينيها . ممر الحياة يتسع أمامها. وعشرات الخطى تُهدر في الطريق خلفها , فيتكشف الوجود عليها وزوجها لاغير ...
انتبهتْ فجأة , لم تروِ الياسمين منذ يومين .
للتو أحضرتْ قارورة المياه مسرعة باتجاه الشرفة , تتحسس ياسمينها برفق حتى لا تتساقط أيامه !, تتنهد في ارتياح عندما يتسلل عطره مداعباً أنفِها . صوت يأتي مبحوحاً يعلن عن صرخة مكتومة من داخل قفص العصافير , تلتفت في إثرها لتنظر إلى عيني عصفورتها .. فيهما ماضٍ وأيام كثيرة , وبعض قراءات لم تُفك شفرتها حتى الآن ..
عادتْ إلى الشاشة تتابع ..
تشعر أنّ شبحاً بات يطاردها , يجعلها لا ترى في الأشياء سوى وجعها . تتعجب دائماً من بياض يُلبس في زفاف وفي موت , وسواد أنيق خلف نعش وخلف زفاف , وقبُلات هنا وهناك . وعمامة تقرأ في أسى , نفسها التي تقرأ في بهجة . حفلة تأبين لأرواح ماتت داخل أصحابها , أم حفلة ميلاد لروحين تزوجا للتو ؟ فلسفتُها التي أزعجتها .
ليلة الدخلة . ..نهض فجأة !!!
حاولتْ أن تفهم منه , قال بوضوح
_ إني عاجز , ولن أستطيع فعل ذلك !!
_ ربّما قلق , أو عرض استثنائي . ألم تُعرضَ على طبيب ؟
لم يجد السؤال نفعاً , فقد أعلنها صراحة ....
ذهب لعمل يتيح له فرصة الابتعاد عنها ,يرى خيبته في عينها دائماً , يتركها طوال الشهر إلا من أربعة أيام , يتبادلا فيهما الخناق لأتفهه الأسباب.
أغلقتْ الحاسوب في زفرة غاضبة . وقفتْ أمام المرآة تتحسس جسدها , تتأمل جمالها الفاتن , تشعر برغبة جامحة تجتاحها!, تحاول أن تطرد الفكرة بعيداً عن ذهنها.. لا مفر ! , كلمات الجار المُغازلة تنساب إلى أذنيها .. تبتسم .. تعدّل من وقفتها وتمسك بالهاتف . تذكر أنه أعطاها الرقم في ممر البناية ذات يوم , مغتنماً فرصة عدم تواجد زوجها. تخطو بحذر نحو الشرفة , الرقم بدا واضحاً على شاشة الهاتف , ستتصل الآن .. ترى الجار بعين الخيال وهو يداعبها ..يقبلها .. يفعلها بعد أن فشل زوجها! ,.تشعر بخيانة تعكر ما تبقى من صفو حياتها . تكبح جماح رغبتها وتمضي بعد أن انتابها إحساساً مفعماً بالخيبة ...
عرضَ زوجها عليها الطلاق , ودّت لو تملك الخيار .
تتذكر أمها وسط أصدقائها في جلسة(النميمة) بالنادي , مطّ الشفاه والشفقة في أعينهم , عندما تأتي سيرتها
وكأنها الوحيدة التي طلقت بعد أسبوع من زواجها ! , , الوصمة الأولى هي إذن . كذبَ عليها عندما لم يخبرها أنه متزوج ويعول , صديقات أمها تسألنها عن السبب , تخبرهن... يقولون إن الزواج من رجل يعول أفضل من الطلاق بعد أسبوع, فالفتاة على مشارف العقد الثالث من العمر ! .
بُهتتْ أمها , نادتْ عليها فأخذتها وذهبت ولم تأتِ ثانية ..
تذكرتْ كل هذا فرفضت الطلاق هذه المرة, ارتضتْ بنصف حياة, رغم دعوات أبيها المتكررة لتطليقها , خافت من لقب مطلقة للمرة الثانية ؟ لن ترحمها ألسنة المجتمع الثرثارة مهما فعلت .
جلستْ على كرسي أمام البيانو ...
رغم ما تحفظهُ من ألحان , إلا أنها تركتْ لأناملها حرية التعبير عما بداخلها , ربما تصنع لحناً جديداً صاخباً !, لكنها دوماً ما تجد اللحنَ هادئا ذا شجون , لم ترضخ ..أخذت تضرب بأصابعها بقوة .. يتعالى الصوت داخلها , تبحث عن لحنٌ ضائع ...لا تعثر عليه أبدا !. تركت البيانو .. قامت فوضعت اسطوانة في المُشغل , الإيقاع يرتفع .. يتمزّق الليل على هذيانها , تتمايل على الصخب الذي يتدفق إلى عقلها كالمخدر.. تتراقص على تأوهات "الميتال" . تدور وتدور ..
سقطتْ أرضا ....
وتذكرت فجأة أن اليوم هو الذكرى الأولى لزواجها , صديقاتها سيأتون للتو ليحتفلوا دون زوجها , عطلته بعد أسبوع , انتصبت بسرعة ..أغلقت الموسيقى .. دلفتْ إلى غرفة النوم.. ارتدتْ أفضل الثياب , تتضمخ بأجمل العطور , ترسم عيناها .. حاجباها .. تضع طلاء الشفاه لتصنع به بسمة غابت منذ فترة في ظروف غامضة !
يدقّ الباب..
تسُرع بفتحه .. قبلات وأحضان .. قهقهات عالية .. هدايا ملونة .
جلسن يراجعن أيام الجامعة , تبتسم في شجن .. تتحدث كثيراً عن الموسيقى .. العصافير .. الورد.. أي شيء تهرب به من السؤال الأزلي, الذي يطاردها عن حياتها بعد الزواج . تعلّق بصُرها بطفل يبتسم لها على يد أمه, شردتْ لبرهة قبل أن تأخذه . أحتضنه بقوة وحزن, ونشوة أغمضت لها عينيها ..
رأت الطبيب يخبرها بالحمل , رفرفتْ ابتسامة عُثر عليها ضالة في طرقات العمر حولها .. تتلذذُ بالصُراخ وهي تنجب .. تستمتع بإرضاع طفلها .. تضع له الطعام والكُتب في الحقيبة, قبل أن يطبعُ على خدها بقبلة ويذهب إلى المدرسة ... يكبر أمام عينها , وقد تسللتْ بعض الشُعيرات البيض إلى رأسها ... تبكي بينما يتركها في حفلةَ زفافه .. تقهقه بشدة ويفيض صدرها , عندما يداعبها حفيدها فيأخذ عصاها التي تتكئ عليها ويهرب ...
_ما بكِ يا لبنى ؟
بصعوبة ترفع جفونها المتثاقلة كبوابة حديدية.
انتبهتْ إلى رأسها المعقوفة على صدر الطفل , وصوت أسقطها من خيال في عنان السماء , إلى محض واقع يكشف عن وجهه الأبشع , وخَلَاص لا يبدو له سبيلاً ..ابتسمت على مضض.
قامت فوضعت الياسمين على البيانو تشمه, وأصابعها لا تزال تصنع لحناً دافئاً .
عاودتها الصديقة ..
_ أسعيدة في حياتك يا لبنى ؟
توقفتْ عن العزف .. ابتلعتْ غُصتها .. أجابتها بابتسامة واثقة تمرّسَتها مؤخراً
_جداً
كان القمر يتمايل ضوءه على أنغام عرسها . والفتيات يقفن خلفها في انتظار تلك اللحظة , التي سيمنحهن القدر إياها مغلفة في باقة ورد . تغمرها سعادة لفرطها كادت أن تكذّب عينيها . ممر الحياة يتسع أمامها. وعشرات الخطى تُهدر في الطريق خلفها , فيتكشف الوجود عليها وزوجها لاغير ...
انتبهتْ فجأة , لم تروِ الياسمين منذ يومين .
للتو أحضرتْ قارورة المياه مسرعة باتجاه الشرفة , تتحسس ياسمينها برفق حتى لا تتساقط أيامه !, تتنهد في ارتياح عندما يتسلل عطره مداعباً أنفِها . صوت يأتي مبحوحاً يعلن عن صرخة مكتومة من داخل قفص العصافير , تلتفت في إثرها لتنظر إلى عيني عصفورتها .. فيهما ماضٍ وأيام كثيرة , وبعض قراءات لم تُفك شفرتها حتى الآن ..
عادتْ إلى الشاشة تتابع ..
تشعر أنّ شبحاً بات يطاردها , يجعلها لا ترى في الأشياء سوى وجعها . تتعجب دائماً من بياض يُلبس في زفاف وفي موت , وسواد أنيق خلف نعش وخلف زفاف , وقبُلات هنا وهناك . وعمامة تقرأ في أسى , نفسها التي تقرأ في بهجة . حفلة تأبين لأرواح ماتت داخل أصحابها , أم حفلة ميلاد لروحين تزوجا للتو ؟ فلسفتُها التي أزعجتها .
ليلة الدخلة . ..نهض فجأة !!!
حاولتْ أن تفهم منه , قال بوضوح
_ إني عاجز , ولن أستطيع فعل ذلك !!
_ ربّما قلق , أو عرض استثنائي . ألم تُعرضَ على طبيب ؟
لم يجد السؤال نفعاً , فقد أعلنها صراحة ....
ذهب لعمل يتيح له فرصة الابتعاد عنها ,يرى خيبته في عينها دائماً , يتركها طوال الشهر إلا من أربعة أيام , يتبادلا فيهما الخناق لأتفهه الأسباب.
أغلقتْ الحاسوب في زفرة غاضبة . وقفتْ أمام المرآة تتحسس جسدها , تتأمل جمالها الفاتن , تشعر برغبة جامحة تجتاحها!, تحاول أن تطرد الفكرة بعيداً عن ذهنها.. لا مفر ! , كلمات الجار المُغازلة تنساب إلى أذنيها .. تبتسم .. تعدّل من وقفتها وتمسك بالهاتف . تذكر أنه أعطاها الرقم في ممر البناية ذات يوم , مغتنماً فرصة عدم تواجد زوجها. تخطو بحذر نحو الشرفة , الرقم بدا واضحاً على شاشة الهاتف , ستتصل الآن .. ترى الجار بعين الخيال وهو يداعبها ..يقبلها .. يفعلها بعد أن فشل زوجها! ,.تشعر بخيانة تعكر ما تبقى من صفو حياتها . تكبح جماح رغبتها وتمضي بعد أن انتابها إحساساً مفعماً بالخيبة ...
عرضَ زوجها عليها الطلاق , ودّت لو تملك الخيار .
تتذكر أمها وسط أصدقائها في جلسة(النميمة) بالنادي , مطّ الشفاه والشفقة في أعينهم , عندما تأتي سيرتها
وكأنها الوحيدة التي طلقت بعد أسبوع من زواجها ! , , الوصمة الأولى هي إذن . كذبَ عليها عندما لم يخبرها أنه متزوج ويعول , صديقات أمها تسألنها عن السبب , تخبرهن... يقولون إن الزواج من رجل يعول أفضل من الطلاق بعد أسبوع, فالفتاة على مشارف العقد الثالث من العمر ! .
بُهتتْ أمها , نادتْ عليها فأخذتها وذهبت ولم تأتِ ثانية ..
تذكرتْ كل هذا فرفضت الطلاق هذه المرة, ارتضتْ بنصف حياة, رغم دعوات أبيها المتكررة لتطليقها , خافت من لقب مطلقة للمرة الثانية ؟ لن ترحمها ألسنة المجتمع الثرثارة مهما فعلت .
جلستْ على كرسي أمام البيانو ...
رغم ما تحفظهُ من ألحان , إلا أنها تركتْ لأناملها حرية التعبير عما بداخلها , ربما تصنع لحناً جديداً صاخباً !, لكنها دوماً ما تجد اللحنَ هادئا ذا شجون , لم ترضخ ..أخذت تضرب بأصابعها بقوة .. يتعالى الصوت داخلها , تبحث عن لحنٌ ضائع ...لا تعثر عليه أبدا !. تركت البيانو .. قامت فوضعت اسطوانة في المُشغل , الإيقاع يرتفع .. يتمزّق الليل على هذيانها , تتمايل على الصخب الذي يتدفق إلى عقلها كالمخدر.. تتراقص على تأوهات "الميتال" . تدور وتدور ..
سقطتْ أرضا ....
وتذكرت فجأة أن اليوم هو الذكرى الأولى لزواجها , صديقاتها سيأتون للتو ليحتفلوا دون زوجها , عطلته بعد أسبوع , انتصبت بسرعة ..أغلقت الموسيقى .. دلفتْ إلى غرفة النوم.. ارتدتْ أفضل الثياب , تتضمخ بأجمل العطور , ترسم عيناها .. حاجباها .. تضع طلاء الشفاه لتصنع به بسمة غابت منذ فترة في ظروف غامضة !
يدقّ الباب..
تسُرع بفتحه .. قبلات وأحضان .. قهقهات عالية .. هدايا ملونة .
جلسن يراجعن أيام الجامعة , تبتسم في شجن .. تتحدث كثيراً عن الموسيقى .. العصافير .. الورد.. أي شيء تهرب به من السؤال الأزلي, الذي يطاردها عن حياتها بعد الزواج . تعلّق بصُرها بطفل يبتسم لها على يد أمه, شردتْ لبرهة قبل أن تأخذه . أحتضنه بقوة وحزن, ونشوة أغمضت لها عينيها ..
رأت الطبيب يخبرها بالحمل , رفرفتْ ابتسامة عُثر عليها ضالة في طرقات العمر حولها .. تتلذذُ بالصُراخ وهي تنجب .. تستمتع بإرضاع طفلها .. تضع له الطعام والكُتب في الحقيبة, قبل أن يطبعُ على خدها بقبلة ويذهب إلى المدرسة ... يكبر أمام عينها , وقد تسللتْ بعض الشُعيرات البيض إلى رأسها ... تبكي بينما يتركها في حفلةَ زفافه .. تقهقه بشدة ويفيض صدرها , عندما يداعبها حفيدها فيأخذ عصاها التي تتكئ عليها ويهرب ...
_ما بكِ يا لبنى ؟
بصعوبة ترفع جفونها المتثاقلة كبوابة حديدية.
انتبهتْ إلى رأسها المعقوفة على صدر الطفل , وصوت أسقطها من خيال في عنان السماء , إلى محض واقع يكشف عن وجهه الأبشع , وخَلَاص لا يبدو له سبيلاً ..ابتسمت على مضض.
قامت فوضعت الياسمين على البيانو تشمه, وأصابعها لا تزال تصنع لحناً دافئاً .
عاودتها الصديقة ..
_ أسعيدة في حياتك يا لبنى ؟
توقفتْ عن العزف .. ابتلعتْ غُصتها .. أجابتها بابتسامة واثقة تمرّسَتها مؤخراً
_جداً
تعليق