عفيفة بنتُ إسكندر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • المأمون الهلالي
    مُستعلِم
    • 25-10-2009
    • 169

    عفيفة بنتُ إسكندر

    المَوْصِلِ مَطلَِعُها في ناصِيةِ عِشرِيناتِ القرنِ الخالِي ؛ هُنالِكَ ترَعرَعَتْ واستقامَ مَلفَظُها ثمَّ انتجَعَتْ بغدادَ أيَّامَ زُخرُفِها فلبِسَتْ فِيها مِعطَفَ النَّضْرَةِ والشُّهْرَةِ وسَبَتْ رِجالَها بل رِجالاتِها وانثالَ النُّجَباءُ على نَدوَتِها وفُتِّحَتْ لها رَوْضاتُ الجَلالةِ والطَّفالةِ ؛ ثمَّ تقاصَرَ عنها الخَبَرُ وتطاوَلَ عليها العُمُرُ حتى نُعِيَتْ إلينا غَداةَ الثاني والعشرينَ من أوَّلِ التَّشرِينَينِ عامَ اثني عَشَرَ وألفينِ ،، لو تدرُونَ كم مَحفِلٍ عُظامٍ دُعِيَتْ إليهِ فترَنَّمَتْ في جَنَباتِهِ! وكأَيِّنْ مِن حَسِيبٍ سَمَيْدَعٍ سَلَبَتْ فؤادَهُ !! تِلكَ إذًا مِن أعلامِ العراقِ ومَعالمِهِ الأنِيقةِ، وليس في نُبُوغِها مِن عَجَبٍ وقد راقَ منها صَوْتٌ رَخِيمٌ وقَدٌّ قسِيمٌ ومَحضَرٌ كرِيمٌ ،ولم يَشْطُط أحمد شوقي في قولِهِ:
    ونالَ الفَنُّ في أُولَى الليالي وأُخْراهنَّ عِزًّا لا يُرامُ
    أُولَى الليالي وأُخراهنَّ : في كلِّ زَمانٍ.
    وعَشِيَّةَ نَعيِها وعَشِيَّةً مِن الغَدِ بَثَّتْ لها قناةُ الشرقيةِ لِقاءً ذا جُزأَينِ أُعِدَّ في عُقبانِ الغَزْوِ عامَ أربعةٍ وألفَينِ ، فتخَلَّتْ يَدايَ عَمَّا تحمِلانِهِ وجَلسْتُ حِيالَ صُورَتِها ساخِنَ القلبِ ساكِنَ القالَِبِ وشَددتُ طرفِي لدَى مُطَّلَعِها،، أمَا إنِّي عايَنتُ اللقاءَ قبْلاً ولكنَّهُ احلَوْلَى في ناظِرَيَّ لمَّا بَدَا ؛ فثنَيتُ العِنانَ لهُ ورَجَعتُ البَصَرَ إليهِ انتفاعًا بهِ والتِذاذًا ؛ لَكأنَّي ساعتئذٍ أُوَدِّعُها وألتقِفُ آخِرَةَ مَلامِحِها ومَناجِعِها وتغَضُّبِها وتضَحُّكِها وسائرِ مَناعِتِها ، وأُنشِدُ قولَ المتنبي:
    قِفا قليلاً بها عليَّ ؛ فلا
    أقلَّ مِن نظرةٍ أُزَوَّدُها
    في مَرْأًى مِن مَرائي اللقاءِ بَرَزَتْ "عفيفةُ" قائمةً في فزَعٍ وضَجَرٍ على إثرِ غارةٍ شَنَّها الغُزاةُ فحَلَّتْ قريبًا مِن بَيتِها فتفطَّرَ زُجاجُ نافذةٍ مِن نوافذِه، وفي مَرْأًى ثانٍ تظلَّمَتْ وأبْدَتْ حُزنًا مِن أقرانٍ لها لاحِقِينَ يَتجاسَرُونَ
    عليها بالتَّغَنِّي بأغانِيها زاعِمِينَ أنها مِن التراثِ (الفلكلور)، وما هي من التراثِ،، وفي مَرْأًى ثالثٍ قالتْ إنها كانتْ تصطفِي مِن القصائدِ أجْوَدَها فتقرَأُها على مُصطفَى بنِ جوادٍ -لُغَوِيٌّ كبيرٌ- لِئلاّ تلحَنَ وتغلَطَ في حِفظِها ، فإذا تغَنَّتْ بها أطرَبَتْ وأعربَتْ : فصُحَتْ وبانَ مَلفُوظُها.
    أُغنِياتُها العِذابُ -آوِنَةَ سالِفِ القُرُونِ خَمْسِيناتِهِ وسِتِّيناتِهِ- كُنَّ يَغشَيْنَ المَسامِعَ حيثُ المِذياعُ مَنصُوبٌ ؛ في بيتٍ أو رَكُوبٍ أو مَقهًى مِن لدُنِ الإصباحِ إلى شَطِيرِ الليلِ، بهذا أنبأني شَيْخٌ أدركَ تِلكَ الحِقبةَ شابًّا.
    ألا نُعمَى لِ (رُقيَّة حَسن) مُقدِّمةِ (ظهيرةِ الجُمعةِ) ؛ هي التي تعَهَّدتْ "عَفِيفةَ" بزِيارَتَينِ بارَّتَينِ في أُخْرَياتِ عُمْرِها ؛ فرَأينا ضَآلةَ مِخدَعِها ورَثاثةَ عِيشَتِها وأثاثةَ عِلَّتِها ؛ ورأينا عِندَ سَرِيرِها جَارَةً لها عَطِيفًا تَخدُِمُها وتَرعاها لا تُرِيدُ منها جَزاءً ولا شُكُورًا ، وأحسَِبُ " البُحترِيَّ " يُمَثِّلُ لِحالِها ساعةَ انطراحِها على فِراشِها بقولِهِ:
    إذا نحنُ زُرْناهُ أجَدَّ لنا الأسَى وقد كانَ قبلَ اليومِ يَبْهَجُ زائرُهْ
    أجَدَّ : أحدثَ.
    إنَّها -كما العراقيونَ جَمِيعُهم- لم تتعَوَّضْ عن الحِصارِ عِوَضًا ولا عن الغزوِ عِوَضًا ؛ ولَتَعتاضَنَّ العِوَضَيْنِ أعواضًا يَوْمَ الحِسابِ يَوْمَ لا يَنفعُ بُوشٌ ولا نتنياهو ، والعراقُ مِن دهوكَ إلى البصرةِ يَنقُصُهُ مِن أطرافِهِ السَّلْبُ أو يَتغَشَّى عُمْرانَهُ التَّلَفُ ؛ فكَمْ عِوَضًا يَحِقُّ إذا أُحْصِيَ التَّالِفُ والسَّلِيبُ مِن مَبْدَإ الحِصارِ إلى أوَّلِ الغزوِ ومِنه إلى مُنتهَى يومِنا؟ وهل للإنسانِ عِوَضٌ ؟!ولو أنَّ "جَرِيرًا" بُعِثَ مِن جَدَثِهِ فعاجَ على بلادِنا فلَمَحَ إلى عَطَبِها لخَصَّها بِقَولتِهِ:
    وقد كانَ المَنازِلُ مُؤنِساتٍ فهُنَّ اليومَ كالبَلَدِ القِفارِ
    يا لَلْفُرُطِ !! فاتِنةُ بغدادَ حاقَ بها عَوَزٌ لا سَدادَ لهُ ، وداءٌ يَحذرُ الأطِبَّاءُ خُسْرانًا إنْ قامُوا على تطبيبِهِ ، وتشييعٌ لا فيهِ احتفالٌ ولا احتفاءٌ ؛ حتى قَبِيلُها الفنَّانونَ والفنَّاناتُ تخَلَّفَ أكثرُهم عن غِشْيانِ جِنازَتِها والمَسِيرِ بها إلى مَرقدِها وكانوا فيها مِن الزَّاهِدِينَ ! تاللهِ إنها لَإحدَى الكُبَرِ ،،،
    أوَ لم تكنْ دارُها مَثابةً لِلمَلإِ ومُلتقًى لِلنُّبَهاءِ في مَوْسِمِ الحَِضارَةِ؟! بَلَى؛ لكنَّها خَوَتْ مِن بعدِ ما سَمَتْ وازَّيَّنتْ ، فانفَضَّ مِنها آمُّوها السَّفَرَةُ وجُلاّسُها البَرَرَةُ ، ثمَّ أتَى عليها مِن الخَلَفِ أنكادٌ ضَرَرَةٌ ؛ تغافَلُوا عن ضعفِها إلى أنْ أذَّنَ الناعِي بِنَعِيِّها ، وما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها ، وهل رَعَوْا
    مَأثرَةً قطُّ ؟! وصدقَ الشريفُ الرضي إذ قالَ:
    وهوَ الزَّمانُ ؛ إذا نبا
    سَلَبَ الذي أعطَى قدِيما
    نبا : خالفَ وقبُحَ.
    وإنْ قِيلَ : لقد فُرِضَ لها على رأسِ كلِّ شَهْرٍ نصِيبٌ في مالِ الدولةِ ؛ فإنَّ قَوْلَهم مَواعِيدُ عُرقوبٍ ؛ وقد حِيلَ بَينها وبَينَ نَصِيبِها ولم تُصِبْ منه دُرَيْهِمًا ولا نَصِيفَهُ ؛ إنْ هُوَ إلاّ بَرْقُ خُلَّبٍ ،،، باحَتْ بالنَّبإِ جارَتُها العَطِيفُ.،،،
    ما أحسَنَ أُغنِيتَها! (حِرَقتِ الرُّوح لَمَّنْ فارَقتهُمْ) ؛شَدَتْ بها على مَقامِ الصبا شَدْوًا كحَنِينِ الإبلِ ، وتمايَحَتْ حِينَ شَدوِها تمايُحَ الغُصْنِ الغَضِيضِ، واليومَ "عفيفةُ" آذانتْ بفِراقِها ومَنَعَتنا طَلعَتَها ولا مَطمَعَةَ في لُقيانِها ؛ على أنَّها في الذاكرةِ حَمامةٌ صافَّةٌ تطيرُ بينَ الألحانِ والأشجانِ وتَهْدِلُ بغِنائها ورُنائها، وفيها نقولُ مَقالةَ "معروف الرصافي":
    إنْ كانَ شخصُكَ باتَ في قَيدِ الثرَى
    فجَمِيلُ ذِكركَ لا يَزالُ طَلِيقا .
    حُرِّرَتْ المَقالةُ لِثمانيةِ أيَّامٍ مَضَيْنَ مِن ثانِي التَّشْرِينَينِ مِن سنةِ اثنتَيْ عشرةَ
    وألفَينِ.
    [/SIZE]
    التعديل الأخير تم بواسطة المأمون الهلالي; الساعة 14-02-2013, 17:14.
    sigpic
    إنَّ السلامةَ لا تكونُ لِمُبحِرٍ ترَكَ السفِينَ تقودُها حِيتانُ
  • حسين يعقوب الحمداني
    أديب وكاتب
    • 06-07-2010
    • 1884

    #2
    تحيه طيبه
    شكر للموضوع القيّم بارك الله فيكم وذكرى الفنانه الراحله عفيفه أسكندر كانت قيمه فنيه كبيرة شكرللموضوع
    تقبل تحياتي ..

    تعليق

    • المأمون الهلالي
      مُستعلِم
      • 25-10-2009
      • 169

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة حسين يعقوب الحمداني مشاهدة المشاركة
      تحيه طيبه
      شكر للموضوع القيّم بارك الله فيكم وذكرى الفنانه الراحله عفيفه أسكندر كانت قيمه فنيه كبيرة شكرللموضوع
      تقبل تحياتي ..
      الأستاذ حسين يعقوب الحمداني الموقر
      أهلاً بك
      ، وشكرًا على زيارتِكَ وكلماتِكَ الحسنة.
      سَلَّمَكَ اللهُ.
      sigpic
      إنَّ السلامةَ لا تكونُ لِمُبحِرٍ ترَكَ السفِينَ تقودُها حِيتانُ

      تعليق

      • سليمى السرايري
        مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
        • 08-01-2010
        • 13572

        #4
        جميل أن نتذكّر هؤلاء
        فهي لفتة وفاء للراحلين الذين تركوا بصمة ثابتة مثل الفنانة الراحلة عفيفة بنتُ إسكندر


        شكرا أستاذنا المأمون

        لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

        تعليق

        • المأمون الهلالي
          مُستعلِم
          • 25-10-2009
          • 169

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة سليمى السرايري مشاهدة المشاركة
          جميل أن نتذكّر هؤلاء
          فهي لفتة وفاء للراحلين الذين تركوا بصمة ثابتة مثل الفنانة الراحلة عفيفة بنتُ إسكندر


          شكرا أستاذنا المأمون

          الأستاذة سليمى السرايري المُكرَّمَة
          مرحبًا بكِ
          سَرَّتنِي التِفاتتُكِ إلى التدوينةِ التي ازدانتِ ببصمةِ ثنائكِ الراسِخةِ.
          وقد تنبَّهْتُ على تعليقِكِ اليومَ فسارعتُ
          إليهِ بالرَّدِّ فلا تؤاخذيني بغَفلتِي ولا بتأخُّرِي.
          سلمكِ المولى وزادكِ سُرورًا.
          sigpic
          إنَّ السلامةَ لا تكونُ لِمُبحِرٍ ترَكَ السفِينَ تقودُها حِيتانُ

          تعليق

          • حسين يعقوب الحمداني
            أديب وكاتب
            • 06-07-2010
            • 1884

            #6
            تحيه
            لايذكر الا من بقلبه حب ورحمه وهي تلك الروح التي سقيناها وكانت المطربه عفيفه
            اسكندر بالنسبه لنا الصوت الصباحي والذي يمشط لنا خيوط الصباح أيام العيد ..
            تغمدها الله بواسع رحمته
            تحياتي لكم أخي الكريم

            تعليق

            • المأمون الهلالي
              مُستعلِم
              • 25-10-2009
              • 169

              #7
              حسين يعقوب الحمداني تحيه
              لايذكر الا من بقلبه حب ورحمه وهي تلك الروح التي سقيناها وكانت المطربه عفيفه
              اسكندر بالنسبه لنا الصوت الصباحي والذي يمشط لنا خيوط الصباح أيام العيد ..
              تغمدها الله بواسع رحمته
              تحياتي لكم أخي الكريم
              [/quote]

              الأستاذ حسين يعقوب الحمداني المُكرَّم
              خبَّرتَني بأمْرٍ لم أكُ أعلمُهُ ولو علمْتُه أوَانَ كِتابةِ المقالةِ لضَمَمْتُهُ إليها ؛ لِما فيهِ مِن الإفادةِ الخَطيرةِ.
              بارك اللهُ عليكَ.
              sigpic
              إنَّ السلامةَ لا تكونُ لِمُبحِرٍ ترَكَ السفِينَ تقودُها حِيتانُ

              تعليق

              • سليمى السرايري
                مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                • 08-01-2010
                • 13572

                #8
                الصوت الذي لا يموت

                http://www.youtube.com/watch?v=3hQsSK0RHh8


                أدري بيك





                وهنا في هذا اليوتيوب ، معاناة الفناة الكبيرة التي أعطت الكثير للفنّ
                تنام على فراش المرض

                لنشاهد معنا :




                فائق تحيّاتي واحترامي

                لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                تعليق

                • المأمون الهلالي
                  مُستعلِم
                  • 25-10-2009
                  • 169

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة سليمى السرايري مشاهدة المشاركة
                  الصوت الذي لا يموت

                  http://www.youtube.com/watch?v=3hQsSK0RHh8


                  أدري بيك

                  http://www.youtube.com/watch?v=uzqfWgii2Lo



                  وهنا في هذا اليوتيوب ، معاناة الفناة الكبيرة التي أعطت الكثير للفنّ
                  تنام على فراش المرض

                  لنشاهد معنا :




                  فائق تحيّاتي واحترامي


                  سليمى السرايري الموقَّرة
                  كنتُ أظنُّ أني إنْ زِدتُ في إلحاقِ مَشاهِدِ الفيديو إلى المقالةِ سئمَها قارِئوها ؛ ولكنَّك فعلتِ ما أردتُ مِن تِلقاءِ نفسِكِ ذاتِ الذَّوْقِ ؛ ودحرتِ ظَنَّتِي .
                  رعاكِ ربي
                  التعديل الأخير تم بواسطة المأمون الهلالي; الساعة 05-03-2013, 07:49.
                  sigpic
                  إنَّ السلامةَ لا تكونُ لِمُبحِرٍ ترَكَ السفِينَ تقودُها حِيتانُ

                  تعليق

                  • علي العبادي
                    عضو الملتقى
                    • 19-07-2011
                    • 105

                    #10
                    المأمون شكرا لوفاؤك
                    ايها الاصيل
                    [URL="http://www.almolltaqa.com/upload//uploads/images/domain-6d0ea82249.jpg"][url=http://www.almolltaqa.com/upload//uploads/images/domain-6d0ea82249.jpg][img]http://www.almolltaqa.com/upload//uploads/images/domain-6d0ea82249.jpg[/img][/url][/URL]

                    تعليق

                    • المأمون الهلالي
                      مُستعلِم
                      • 25-10-2009
                      • 169

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة علي العبادي مشاهدة المشاركة
                      المأمون شكرا لوفاؤك
                      ايها الاصيل

                      علي العبادي المُكرَّم
                      أهلاً بكَ
                      مَجيئُكَ أسعدني ،،، سَلِمْتَ
                      وزادكَ المَولَى عُلُوًّا

                      sigpic
                      إنَّ السلامةَ لا تكونُ لِمُبحِرٍ ترَكَ السفِينَ تقودُها حِيتانُ

                      تعليق

                      يعمل...
                      X