الحصار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أمين خيرالدين
    عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
    • 04-04-2008
    • 554

    الحصار

    الحصار
    خرجت من الصف، بعد عمل يوم شاق مع طلاب هذا الزمن العجيب، فور سماع رنين جرس المدرسة،كمن يهرب من معركة، ودخلت غرفة المعلمين لتصلح ما انكسر من أعصابها، وتجمّل ماتغيّر من تعابير وجهها ، وتستبدل عبوسا مكفهرا كغيوم الشتاء المتلبدة، لا يلائم وجهها، بابتسامة تشرق كشمس نيسان في يوم صاف، وتعيد إلى وجهها الوجه الطبيعي الذي يعرفها الناس به، وتستعد للانطلاق من عالم الطلاب المراهقين إلى عالم أطفالها الصغار الذين ينتظرونها كما تنتظر صغارالعصافير أمهاتها.
    نفضت ملابسها لتزيل عنها ما علقبها من غبار الطباشير، وحين نظرت إلى المرآة المثبتة بجانب الباب، قبل خروجها، هالها ما علق على وجهها وشعرها من غبار الزمن، والذي يرفض التساقط كغبار الطباشير.
    ومع أنها ابتسمت لصورتها في المرآة، إلاّ أنهاأحسّت بشيء من الانقباض يعصر إحساسها ، لم تتمهل كثيرا أمام المرآة، وخرجت مسرعة،تركب الهواء لو استطاعت، لتصل إلى أطفالها الذين ينتظرونه كصغار العصافير.
    فجأة أحست بلسعة كالغصة في الحلق!
    تذكرت أنها جاءت بالباص، وأنها تركت سيارتها في البيت، منذ تنازلت عن رخصة السياقة لم تعد تجرؤ على أن تدير رأسها نحوها!
    كيف تعود إلى البيت؟؟..صغارها ينتظرونها على جوع ...كصغار العصافير...ليس لديهم أي فكرة عن الوقت و المسافات، وهي بشوق إليهم كشوق الأم إلى صغارها...
    لماذا تنازلت عن رخصةالسياقة؟؟؟!!! ليس لديها جواب، ولا تجرؤ حتى على التفتيش على الجواب!!!.. طُلِب منها! فلبت الطلب دون نقاش!
    عرضت عليها زميلتها أن تركب معها فرفضت..إنها تخاف.. تخاف كأنها محاصرة!
    كيف تعتبر نفسها مُحاصرة؟؟ هذه الكلمة تثير تداعيات موغلة في التاريخ والرعب!
    تذكّرت حصار نابليون لعكا! وتذكرت حصار النازيين لموسكو!
    لماذا توغل في التاريخ...؟ لماذا لا ترى الحاضر..؟ أهو أيضا مُحاصر ؟؟ أم نحن المحاصرون حتى لانرى بشاعة الحصار..!
    تذكرت حصار الاحتلال لغزة !
    لكنني لست في غزة ، قالت لنفسها
    ومع ذلك أنت محاصرة، ومهددة بالخوف والحرمان والعقاب..إن أنت قدت سيارة،ليس مهما إلى أين، إلى المدرسة، أو العيادة أو إن أنت نقلت مريضا إلى الطبيب أوالمستشفى أو إن ركبت مع زميلتك أو حتى إن ركب معك زوجك.. أنت تركبين معه ممكن! أمّا أن يركب هو معك ..هذا من المحرمات المقدسات عليك وعليها وعليهن!!
    "عقاب" !!! قالتها بشيء من الاحتجاج
    "لست الوحيدة المعاقبة"
    " لكن الجريمة تكبر وتكبر حين يصير العقاب جماعيا"
    ممنوع أن تقودي سيارة....ممنوع أن تركبي مع سائقة...ممنوع أن تتنفسي هواءنقيا.. قد يكون ملغوما.. يجب أن يُفتش..كما يُفتش أي مواطن يدخل محطة القطار، أو مركزا تجاريا، أو مؤسسة عامة..
    عودي إلى أطفالك دون فلسفة ...إنهم ينتظرون!
    كيف يا ربي.؟ إنه فوق استطاعتي ....لا بد أن تستغيثي بأحد... بزوجك!
    إنه بعيد...بُعد الأفق...في الجانب البعيد من البلاد!
    بأخيك...
    في الجانب الآخر من البلاد
    أخو زوجك
    إنه من المحرمات كرخص السياقة
    اتصلت بأخيها الأصغر..الطالب في الثانوية الذي يقود السيارة بدون رخصة سياقة، تحمّس للفكرة كمن استيقظت فيه الشهامة العربية....قاد السيارة كالمجنون.. لا يفكر بشيء سوى أنه يحلق في عالم الشباب...قادها في منعطفات الشوارع الضيقة.. المكتظة بالمارة وطلاب المدارس العائدين من مدارسهم... رأى الشارع أمامه ميدان سباق خاليا من كل شيء.. وفي آخره تقف أخته وحيدة تنتظره...نسي نفسه ونسي المنعطفات الضيقة والمارة ...وفي وحل نسيانه لم يحس بالسيارة حين ضربت أحد المارة، طالبا في الصفالرابع، ونسي أن يتوقف ليرى ما فعل! وواصل تحليقه ...
    كيف وصل إلى أخته..؟لا يدري، ما يعرفه أنه انتصر على الوقت، وتركه يلهث خلفه.
    وهي تجلس على المقعد الأمامي، بجانبه، أحست بانقباض مؤلم بصدرها، كأنه كابوس يضغط بشدة،...كأنها ارتكبت خطيئة..لم تفطن إلى أنها تجلس بجانب سائق لايحمل رخصة سياقة...فقط أحست بأنها تنتقم ...ممن؟ لم تحدد، ربما من نفسها فأحسّت أنها تحمل شيئا من المسؤولية .."لو لم أتنازل عن رخصة السياقة، لما وقفت وحيدة في الشارع، ولما زُجّ بي في مغامرة "السباق" هذه" !
    تاهت في إحساسها بالمسؤولية، وفقدت الصلة بأخيها الجالس بجانبها، يسابق الشارع، كأنه يقود طيارة، وبالشارع وبالمارة ، وصارت كالمُخدّرة تحت ثقل الأفكارالمتضاربة، ولم تحسّ بشيء حتى داهمها جمهور كبير، بعضه يصرخ وبعضه يبكي وبعضه يحركه الغضب نحو السيارة، يصرخون بصوتواحد "هذا هو"
    وأمام هذا الغضب الزاحف نحوهما فقدت وعيها، وغاصت في غيبوبة طويلة، استيقظت منها بعد أيام ، لترى حول سريرها في المستشفى زوجها ووالديها ووالد الطالب المصاب، رأت الابتسامة على وجوههم حين فتحت عينيها، وانطلقت الألسن تحمد الله على سلامتها، تقدم منها أبو الطالب المصاب قائلا
    عودي إلى أطفالك الذين ينتظرونك
    عودي لتحطمي الحصار!!!
    التعديل الأخير تم بواسطة أمين خيرالدين; الساعة 30-11-2012, 14:27.
    [frame="11 98"]
    لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

    لكني لم أستطع أن أحب ظالما
    [/frame]
  • ليندة كامل
    مشرفة ملتقى صيد الخاطر
    • 31-12-2011
    • 1638

    #2
    السلام عليكم
    حصار هو ممتد من ارذل التاريخ وما يزال قائما النظرة الذكورية للمرأة وإن اصبحت قائدة ما تزال تحت حصار التقاليد المتجدرة بأعماق ثقافاتنا العربية قصة جميلة كعادتك أخي أمين تقديري لإبداعك
    التعديل الأخير تم بواسطة ليندة كامل; الساعة 01-12-2012, 08:52.
    http://lindakamel.maktoobblog.com
    من قلب الجزائر ينطلق نبض الوجود راسلا كلمات تتدفق ألقا الى من يقرأها

    تعليق

    • أمين خيرالدين
      عضـو ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
      • 04-04-2008
      • 554

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة ليندة كامل مشاهدة المشاركة
      السلام عليكم
      حصار هو ممتد من ارذل التاريخ وما يزال قائما النظرة الذكورية للمرأة وإن اصبحت قائدة ما تزال تحت حصار التقاليد المتجدرة بأعماق ثقافاتنا العربية قصة جميلة كعادتك أخي أمين تقديري لإبداعك
      الكاتبة الكريمة ليندا كامل
      ننادي بالديموقراطية ونقاتل للحصول عليها
      وننسى أنها تبدأ من البيت
      من معاملة الرجل لأبنته او لزوجته أو لأخته
      أو من نظرته للمرأة أيا كانت
      هذا الرجل لا يمكن له ألا أن يكون شريكا في أرذل حصار ممتد من أبعد تاريخ
      والمراة التي تربت في جو يفضل الأخ على أخته
      وإن أصبحت قائدة
      سيظل في أعماقها نوع من الخنوع ومن الخضوع
      وللأسف الدين يدعم هذه النظرة الاستعلائية للذكر على النثى
      [frame="11 98"]
      لأني أحبُّ شعبي أحببت شعوب الأرض

      لكني لم أستطع أن أحب ظالما
      [/frame]

      تعليق

      يعمل...
      X