اللعبة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حازم البيومي
    قاص
    • 15-05-2011
    • 60

    اللعبة


    اللـعـبـة


    في عتمة الظلمة التي أحاطت بي .. كانت رائحة العفونة المنبعثة من الأشياء الفاسدة حولي ؛ تدفعني دفعا للتذمر والخروج من هذا المكان الذي وجدت فيه منذ أمد لم أتبين مدته بالضبط .. فلا أعلم متى .. ولا كيف وجدت هنا . وكان الوصول إلى هذه الغاية يتطلب الرضوخ لتلك اللعبة التي فرضت نفسها .
    كانت قواعد اللعبة تنص على أنني عندما أعتلي هذا الصندوق الخشبي وسط الغرفة , وأنظر لأعلى .. يسحبه أحدهم من تحتي ويرى إن كنت سأسقط واقفا على قدماي .. أم سأرتطم بالأرض فأخسر ويحكم علي بالبقاء هنا إلى أجل غير معلوم ..
    أخذت نفسا عميقا , وزفرته في محاولة للتهدئة من ضربات قلبي المتزايدة .. بينما كنت أثبت قدماي جيدا فوق الصندوق .. أشحت برأسي لأعلى منتظرا انتهاء العد التنازلي .. أغمضت عيني على مضض متأهباً للحظة السقوط .. جمعت شتات تركيزي لينصب على قدماي فقط .. فاللعبة من محاولة واحدة ..
    انتهي العد , وسحب الصندوق .. أسرعت بثني قدماي ثم فردها في حركة سريعة لولبية , عندما سقطت لتوي وشعرت بقدماي تلمسان الأرض .. فصحت بكبرياء المنتصر , غير مصدقاً أن اللعبة بهذه البساطة.
    _ لقد ربحت .. أفتحوا الأبواب إذن

    *****

    أضيء النور على فراغ تام ..ثم ما ففتئت الظلمة تعود من جديد. أناس آخرون يلتفون حولي رافعين أيديهم متصلبين كالتماثيل , لا يحركون ساكنا .. تقدم كبيرهم نحوي وقال بصرامة
    _ اسمع .. ليس لديك خيار .. اللعبة لعبتنا الآن .. أولئك الرجال الملتفين من حولك في دائرة .. عليك أن تري يذراع أحدهم .. وقتها تنتهي اللعبة ويسمح لك بالخروج .. انتهى
    وقبل أن أمسك به مستوضحا كيف سأرى ذراع أحدهم في هذا الظلام الدامس ؟.. كانت الإجابة تأتيني عبر هذا الصفع الذي انهال عليّ من كل اتجاه , ليخبرني أنني أمام مرحلة جديدة ..
    _ لقد رأيت ذراعك
    قلتها للتو وقد توقفوا .. عندما تمكنت من الإمساك بيدٍ غليظةٍ قربتها أمام عيني , لتهبطت أخرى على قفاي .. أفلت الأولي وأمسك بالثانية
    _ لقد رأيت ذراعك
    فتهبط عليّ الثالثة .. واستمر هذا الوضع حتى أكاد أجزم أنني رأيت أيديهم جميعا تصفع بلا رحمة . صحت فيهم
    _ اللعبة انتهت , لقد رأيت أكثر من ذراع
    فتوقفت جميعها عن الصفع مرة أخرى .. إلا واحدة فقط , شعر صاحبها أنها بحاجة لتلقنني درسا قاسيا , كانت نتيجته السقوط فاقدا للوعي !

    ******

    رائحة بخور لازالت عالقة بذهني , أذكر أنني أعرفها منذ زمن ما , ولا أدري ما الحالة التي كانت تنتابني عندما أشمها !.. هي نفسها التي تتسلل الآن عبر أنفي فتبعث الطمأنينة والسكون في قلبي .. أفتح عيني بصعوبة .. أتحسس موضع اللكمة في وجهي .. أشعر بيدٍ تمتد نحو الجرح لتمسح أثار الدم عليه .. وأخرى تمسك بي وترفعني من مكاني .. أقف خائر القوى .. في نفس الظلمة الأولى .. أسمع صوت أحدهم يأتي من فمه الملتصق بأذني , وهو يتكلم في صوت رخيم

    _عزيزي كان مؤلماً ما حدث لك .. أطمئن لقد أرسلنا القدر إليك لنرشدك إلى طريق الخروج .

    استوت عندي الأشياء فأهدرت التفاؤل بلامبالاة, اكتسبتها من محاولاتي الأخيرة , فقلت هازئاً
    _ صندوق أم صفع ؟ وما هي القواعد الجديدة .. أخبرني فقد سئمت ؟
    _ لا هذه ولا تلك .. لا مكايد , ولا استقواء..أمرك يعنينا .. فقط ثق بنا .. نقسم لك أننا سنخرجك

    كان ثمة أمل يفوح من كلمات الرجل , فلم اسأله متى , ولا كيف سيتم إخراجي , اطمأننت لقسمه , ولنتيجةٍ إيجابية لمقارنةٍ عقدتها بينه وبين من سبقوه في هذه الغرفة .

    *****
    .. أمضيت _ربما _ سنوات كثيرة .. كان يطل علي أحدهم بين الحين والأخر يلقي بقطعة خبز .. وعندما كنت أذكره بوعده كان يبتسم ويمضي .. حتى لم يعد هناك ما يهتم بشأن هذا القابع في عالم من أربع جدران , مطلية بالظلمة , ومضاءة بأمل مصدره قَسَم من أناس طفوا فجأة على سطح القدر .
    وجاء يوم وفتح باب جانبي دونما مقدمات .. المرة الأولى التي أكتشف فيها أن باب من شأنه النجاة , يمكن أن يكون بجانبي ..تغمرني فرحة عارمة ..أنظر يمينا ويسارا ثم أعبر الطريق الوحيد الذي يمتد أمامي , أرى في نهايته ضوء يزداد قوة باقترابي إليه ..أصل لنهاية الممر , فيزعجني كم الضوء الآتي من جدار من الزجاج يعلن نهاية الطريق , أحاول تفادى الضوء بيدي ..ألمح أشخاص كثر خلف الجدار, يقفون على مسافة بعيدة .. أضرب الجدار بقوة وأصرخ فيهم
    _ هاي .. أنا منكم ..هل تسمعونني .. أخرجوني من هنا ؟
    لكنهم لم يسمعونني قط .. كانوا يهمهمون ويتخبطون في بعضهم البعض .. أعاود الطرق من جديد بقوة أكثر وأكثر.. حتى تخر قواي وأسقط باكيا , مسندا رأسي إلى الجدار الزجاجي .. أتساءل
    _ أكتب عليّ أن أموت هنا ؟
    وانتابني أحساس هرم , ظل يعلن عن حضور شاحب يضج بأصحاب الصندوق , ودائرة الصفع , وحاملي البخور.. يعبث خيالهم بإدراكي المنهك في تشويش وصفير , وقرقعة خطي مسرعة نحوي .. ظننت معها أن أحدهم عاد ثانية .. حتى أدركت أن جمعاً غفيرا يتجه نحوي من خلف الجدار .. هم أولئك الذين ظننت بهم السوء منذ قليل لعدم مساعدتي .. ها هم يتجهون نحوي .. فقمت أعاود الطرق في ضحكات هستيرية ممزوجة بدموع الأمل .. حتى وقفت أمامهم مباشرة , ملتصقة وجوهنا لا يفصلها سوى الجدار الزجاجي .. لكن ما أثار رعبي واتسعت له حدقتاي عن أخرهما , أن رأسي كانت ترتد للخلف من أثر طرقاتهم القوية على الجدار ..
    وكان صدى صوتهم يأتي كالنعيب الفاجع
    _ أخرجنا .. نحن منك !



    .........

    التعديل الأخير تم بواسطة حازم البيومي; الساعة 04-12-2012, 22:02.

  • ميساء عباس
    رئيس ملتقى القصة
    • 21-09-2009
    • 4186

    #2
    جميلة غريبة
    جميلة غريبة
    خيال خصب
    أسلوب مؤثر
    سرد جميل مميز
    قص مشوق
    غموض مثير
    خطفت الأنفاس
    متألق يالحازم
    شكرا لحرفك الجميل
    ننتظر جديدك ومشاركاتك بشغف
    كل التقدير
    ميساء العباس
    مخالب النور .. بصوتي .. محبتي
    https://www.youtube.com/watch?v=5AbW...ature=youtu.be

    تعليق

    • حسن لختام
      أديب وكاتب
      • 26-08-2011
      • 2603

      #3
      أحب طريقتك في سرد الأحداث..جميلة ومشوّقة. استمتعت هنا..أشكرك
      تقديري،أخي حازم

      تعليق

      • أمنية نعيم
        عضو أساسي
        • 03-03-2011
        • 5791

        #4
        رائع رائع استاذ حازم
        مثّلت للموت بطريقة لا مثيل لها
        كأني شاهدت أحداثاً لها علاقة بالقبر هنا
        وما قبل القبر
        فالصندوق ربما كان رمزاً يشي بلحظة مفارقة الحياه
        والصفعات وكأنني اراها تغسيل الميت
        هو يراها وهي لا تحسه
        وذاك العالم البرزخي هو نفق النور الزجاجي الذي قضى به السجين وعد الحق بالخلاص ولكن بعد حين
        هكذا أخذتني الصور في قصتك الفوق مدركات الحس العادي
        ربما اصبت وربما اخطأت ولكني هكذا قرأت ...
        تحياتي وكل التقدير ...
        [SIGPIC][/SIGPIC]

        تعليق

        • عائده محمد نادر
          عضو الملتقى
          • 18-10-2008
          • 12843

          #5
          الزميل القدير
          حازم البيومي
          نص جميل
          مفحم حد الخرسان
          اتصوره حالة الفوضى
          التداخل
          التشابك حد الإلتحام لحظة
          نص أدخلني دوامة اليوم حتى أني عشتها وكانني هناك معكم
          أحسنت التصوير
          أحسنت الرؤى
          أحسنت النهاية
          كانت رائعة
          لأننا فعلا هكذا
          اليوم أيقنت أني لست وحيدة
          ودي وتحياتي سيدي الكريم
          الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

          تعليق

          • حازم البيومي
            قاص
            • 15-05-2011
            • 60

            #6

            وافر الشكر وجزيله لكل الأساتذة الأفاضل الذين مروا من هنا
            ووجدا مايستحق أن يقرأ ,فلم يبخلوا بجميل حرفهم للرد عليه
            أ/ ميساء
            أ/ حسن لختام
            أ/ أمنية نعيم
            أ /عائدة
            مودة بيضاء أعزائي
            وأعتذر عن تأخري .. كنت منقطع عن الملتقي لمدة طويلة لظروف خاصة
            لكن وها قد رجعت مرة ثانية
            فأحب أن أخبركم أن ( اللعبة )
            اقتنصت المركز الأول في مسابقة اتحاد كتاب مصر /دورة الأديب عبد المنعم شلبي
            في حفل حضره 150 كاتب هم مجموع المشاركين في المسابقة
            وتم طباعتها في كتاب مجمع للفائزين بالمراكز ال20 الأولى , وحمل الكتاب عنوان القصة ( اللعبة )
            والذي أعلن عنه في حفل ضخم أخر
            شكرا لثقتكم ..
            شكرا جزيلاً



            [IMG][/IMG]
            التعديل الأخير تم بواسطة حازم البيومي; الساعة 07-10-2014, 00:31.

            تعليق

            • حازم البيومي
              قاص
              • 15-05-2011
              • 60

              #7
              http://img01..com/uploads/image/2014...414f65f601.jpg
              التعديل الأخير تم بواسطة حازم البيومي; الساعة 07-10-2014, 00:34.

              تعليق

              يعمل...
              X