بنت السيّد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    بنت السيّد

    لو كانت النخلة أطول بعشرين أو ثلاثين سنتيمتراً لضمني ظلها، هكذا كنت أفكر وأنا أجهز الأرض للزهور قرب الممر، فتح باب وفرت منه بضع نغمات بيانو تسابقها مناداة باسمها........ خنقت نغمات البيانو وولدت نغمات خطى لاهية، اشتقت للنظر لكن الشمس رفعت سياطها على جانب وجهي فبقي دون التفات، اقترب عزف الخطى نحوي على إيقاع قضم تفّاحة، وقفت العازفتان اللاهيتان أمامي على الممر الحجري، أبصرتهما على إيقاع مضغ التفاح، قدماها ..... قدّيستان توأمتان، مستلقيتان على سريرين ورديين وتلبسان عقدين مزينين بالؤلؤ.

    قالت وهي تدير مضغة التفاح بلسانها

    -أنت جديد!؟

    وددت أن أرفع وجهي لأجيبها لكن أشواك الشمس اخترقت عيني فأعدت وجهي للأرض، قلت

    -نعم سيدتي......بدأت عملي هنا اليوم فقط.

    عزفت خطوتين للأمام ثم استدارت لي قائلة

    -عرفت أنك جديد، يد البستاني السابق كانت أكثر سمرة من يدك.

    تمايل أسفل ردائها في حركة لولبية ونفرت شرايين القديستان تحت البشرة الشفافة...... قضمت تفاحتها .......قالت

    -لا أحب هذه النخلة تحت نافذتي، كلّها أشواك، لا أدري مالذي يعجب أبي فيها!!!، سأقترح عليه أن يقلعها ويضع مكانها شجرةً أخرى، ما رأيك؟

    -سيدتي....النخلة هذه بلدها ، أين ستذهب المسكينة لو قلعت.

    هيء لي أنها أمسكت ذقنها تفكّر خلال السكتة التي أعقبت كلامي. نزلت من الممر للعشب تمشي، أحسستها وقفت بين ورائي والنخلة، فكرت أنها اللحظة المناسبة لأرى وجهها دون أن تراني الشمس، تظاهرت أني أزحف للوراء أبحث عن شيء حتى غافلت الشمس وتلحفت بظل النخلة، رسمت ملامح العفوية على وجهي واستدرت نحوها......شهقت وأنا أسقط من أعلى شلّال الشعر وأنساب معه حتى الخصر، تعلقت بأطرافه الذهبية أتأرجح.

    لا أدري متى التفتت نحوي، أجزم أن السقوط والتأرجح أفقداني الوعي للحظة، تمنيت لو أن خالها الذي بين حاجبيها هو بيتي. قالت وهي تمسح رحيق التفاح عن جانبي الفستقة

    -تكلمت عن النخلة وكأنها شيء حي، لقد نظرت لها الآن.....إنها ليست إلا شجرة.

    من فرط جمالها أشفقت على نفسي وفضّلت أن أعود بوجهي حيث كان، قلت

    -نعم يا سيدتي، هي شجرة لكنها مع ذلك تشبه أهل هذه البلد، قامتها مستقيمة ، وكريمة ، وصبورة.

    شعرت بالتفاتتها نحو النخلة قالت وصوتها متجه لهناك

    -أممممم......فعلاً، كيف لم أنتبه لذلك، ولها شعر أيضاً، لكن لا تعجبني تسريحتها.


    تغير فصل السنة، وجئت بزهور الربيع الملونة لأزرعها. فتح الباب وخرجت منه الخطى اللاهية بإيقاع متسارع، انتظرت حتى وقفت أمامي، قالت

    -أريدك أن تحلق شعر هذه النخلة التي بقرب نافذتي.

    -تقصدين أقطع سعفها، لكن لماذا يا سيدتي؟!......السعف ضروري للنخلة.

    -إنها تخربش على نافذتي طول الوقت، أكاد أموت غيظاً بسبب خربشتها الغبيّة.

    -أستطيع يا سيدتي أن أقطع السعف، لكن لا يمكن وقف الريح، ستنمو سعفات جديدة وستحركها الريح هي الأخرى وستخربش.

    -إذن اقلع النخلة بكلها.

    -سيدتي..... أرجوك، قد يغضب منّي أبوك لو فعلت ذلك.

    -لا تقلق لهذا الأمر أبداً، هناك نخيل صناعية لا تحركها الريح، بعد أن تقلع هذه سنضع واحدة مكانها ولن يحس أبي بالفرق.


    شكراً لكم.
  • ميساء عباس
    رئيس ملتقى القصة
    • 21-09-2009
    • 4186

    #2
    نعممم
    جميلة
    وجميلة
    وجميلة
    سرد جميل
    وصف دقيق ..
    لكنها ليست قصة
    صباح الخير والأمل
    ننتظر جديدك ومشاركاتك بشغف
    ميساء العباس
    مخالب النور .. بصوتي .. محبتي
    https://www.youtube.com/watch?v=5AbW...ature=youtu.be

    تعليق

    • ريما ريماوي
      عضو الملتقى
      • 07-05-2011
      • 8501

      #3
      يا خسارة النخلة.. لم كانت تخربش تلك الشقية..
      حتى التفاحة وجدتها لذيذة وهي تقضمها... الله
      يصبر هذا الســـــتنجي المتعبد للجمال، وعليه
      أن يقنعها بالإبقاء عليها لأنها تضج بالحياة.

      جميل وصفك أستاذ سالم.. كعادتي استمتعت معك.
      شكرا لك، تحيتي وتقديري.


      أنين ناي
      يبث الحنين لأصله
      غصن مورّق صغير.

      تعليق

      • آسيا رحاحليه
        أديب وكاتب
        • 08-09-2009
        • 7182

        #4
        أحببت لغتك هنا و وصفك و تعابيرك
        و كرهت قديسة القدمين تلك ..
        قصة جميلة و عميقة المغزى .
        تحياتي لك .
        يظن الناس بي خيرا و إنّي
        لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

        تعليق

        • مباركة بشير أحمد
          أديبة وكاتبة
          • 17-03-2011
          • 2034

          #5
          قلم متمكن وخيال رحب، استطاع أن يمرر مخيَلتنا على مشاهد مجتثة من حياة المترفين ، المسيجة بذهب الكتمان، بعيدا عن عالم البشرية المنهكة أنفاسها وراء لقمة العيش والأمان . بنت السيدة جميلة ،ساذجة ،تفكيرها مشدود نحو التفاهات " نخلة تخربش بنافذتها" الوصف كان دقيقا ،ينم عن براعة في التقاط تشكيلات الصور ،وهذا يدل على رهافة الإحساس . والنهاية مغلفة بالإعجاب ." نخلة بلاستيكية"بدون علم الوالد العزيز. طبعا هذا باختصار شديد. ( عليه أن يقلعها) ربما كلمة ( يقتلعها) أفضل. تكرير كلمة ( أشواك ) ...أشواك الشمس - أشواك النخلة ،ربما يتطلب إعادة نظر. تحيتي وتقديري لك أيها الكاتب القدير /سالم الجابري ودامت لك براعة القص الجميل.

          تعليق

          • سالم الجابري
            أديب وكاتب
            • 01-04-2011
            • 473

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة ميساء عباس مشاهدة المشاركة
            نعممم
            جميلة
            وجميلة
            وجميلة
            سرد جميل
            وصف دقيق ..
            لكنها ليست قصة
            صباح الخير والأمل
            ننتظر جديدك ومشاركاتك بشغف
            ميساء العباس
            جزيتِ الجنة أختنا ميساء وجمّلك الله بالصحة والسعادة أبد الدهر، وأبعد عنك كل حسود.

            صدقيني يا أختي أني لا أعرف ما هي مقاييس القصة.......أرجو المعذرة إن كنت أخطأت المكان.

            تعليق

            • سالم الجابري
              أديب وكاتب
              • 01-04-2011
              • 473

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
              يا خسارة النخلة.. لم كانت تخربش تلك الشقية..
              حتى التفاحة وجدتها لذيذة وهي تقضمها... الله
              يصبر هذا الســـــتنجي المتعبد للجمال، وعليه
              أن يقنعها بالإبقاء عليها لأنها تضج بالحياة.

              جميل وصفك أستاذ سالم.. كعادتي استمتعت معك.
              شكرا لك، تحيتي وتقديري.
              جزاك الله خيرا أختنا ريما ووفقك لما يحب ويرضى

              تعليق

              • سالم الجابري
                أديب وكاتب
                • 01-04-2011
                • 473

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                أحببت لغتك هنا و وصفك و تعابيرك
                و كرهت قديسة القدمين تلك ..
                قصة جميلة و عميقة المغزى .
                تحياتي لك .
                جزيت الجنة أختنا الفاضلة آسيا.

                ما هو إلا ما تعلمناه منكم أختي

                تعليق

                • سالم الجابري
                  أديب وكاتب
                  • 01-04-2011
                  • 473

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة مباركة بشير أحمد مشاهدة المشاركة
                  قلم متمكن وخيال رحب، استطاع أن يمرر مخيَلتنا على مشاهد مجتثة من حياة المترفين ، المسيجة بذهب الكتمان، بعيدا عن عالم البشرية المنهكة أنفاسها وراء لقمة العيش والأمان . بنت السيدة جميلة ،ساذجة ،تفكيرها مشدود نحو التفاهات " نخلة تخربش بنافذتها" الوصف كان دقيقا ،ينم عن براعة في التقاط تشكيلات الصور ،وهذا يدل على رهافة الإحساس . والنهاية مغلفة بالإعجاب ." نخلة بلاستيكية"بدون علم الوالد العزيز. طبعا هذا باختصار شديد. ( عليه أن يقلعها) ربما كلمة ( يقتلعها) أفضل. تكرير كلمة ( أشواك ) ...أشواك الشمس - أشواك النخلة ،ربما يتطلب إعادة نظر. تحيتي وتقديري لك أيها الكاتب القدير /سالم الجابري ودامت لك براعة القص الجميل.
                  تباركت الصفحة وتزيّنت باسمك أختي مباركة.

                  أدامك الله لنا أختاً مباركة

                  تعليق

                  يعمل...
                  X