أهل الهوى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    أهل الهوى

    اجتاحتني فرحة عارمة لكوني استطعت أن أحدث ثلما في جدار قلعة تقاليدنا المباركة..نجحت في الزواج من حبيبتي متجاوزا كل الأعراف و الموانع الواهية..أرغمت قبيلتينا على مباركة هذا الزواج..
    صحيح أنني لم أكن أقابلها و ما حظيت بهذا الشرف، بيد أن قلبينا كانا قد ارتبطا بنبض المحبة منذ النظرة الأولى..فكان شوق الوصال يبغي ارتواء..و مده جارفا..
    ها نحن اليوم نحاط بظلال أهلينا يحملوننا على أكف الرضا إلى عشنا الطاهر ليشهد على نقاوتنا، واضعا حبنا على المحك..
    سرنا بحطى الطاوس مكللين بالبهاء، محاطين بموسيقى عذبة و غناء دافئ، و طرب يرقص القلوب..تكلؤنا عيون السما..
    بللنا القمر بنداوة المشاعر المتأججة، ثم صعد إلى الأعلى ضاحكا يبثنا رضاه..أما النجوم فأبت إلا أن تشاركنا الفرحة، فراشات نورها هالة حب كللت ناصيتي عشقنا المضطرم بالسنا..
    انفردت بها و انفردت بي..قلت لها :
    _هيت لك !
    فقالت لي
    _ أنا لك !
    و ظل القوم خارج غرفتنا المغلقة بإحكامـ في خيامهم المنصوبة و سط حقول القمح الشاسعة، سادرين في فرحهم و رقصهم الملتهب المجنون، بحرارة المزامير و الطبول و طلقات البنادق و سنابك الخيول..
    تركناهم سادرين في غي الانتظارفوق رؤوسهم طائر الترقب يغرد لحن الخروج ، و قد ارتفعت حرارة دمائهم إلى حد الانفجار، و هم الذين ينتظرون انفراجا..
    التحم بعضنا في بعضنا..أما خيول فحولتي فكانت تركض في مرابع البراءة لاستخراج كنوز الطهارة المخبوء في تجاويف الخفر السميك.
    وجدت معطفها يعاكسني، لا يني عن إعادة أزراره إلى عروتها كلما عالجتها بالفتح..
    حتى كاد الجهد يأكلني و النصب يطير بي إلى مهاوي الجنون..و أخيرا ربحت الرهان..في تلك اللحظة أتانا سلطان النوم فطرد أرق الخوف و أباد سوء الظنون..فكنا من المغرقين في لججه الماتعة..
    استيقظنا بعد حين، و نداوة الفرح و النشوة مازالت تسري في أوصالنا، وجدت صمتا مريبا يجلل المكان..انتابني الوسواس الخناس، و استبد بي القلق و الحيرة..خرجت استطلع الأمر و انا احمل معي صك الطهارة، و برهان حسن المعالجة، و نجاح الوصال..
    بيد أن المشهد الذي صفع عيني فرض علي فغر فمي..وجدت سياجا يحيط بغرفتي، و بحديقة غناء لم تكن موجودة من قبل، تساءلت :
    _أين الخيام ؟ بل أين القوم المنتظرون ؟
    خلف السياج انتصبت دور و عمارات..
    _كيف حدث iذا الأمر العجيب ، و متى؟!
    أثار انتباهي وجود شابين متعانقين تحت شجرة حور، داعب أنفي عطر وصالهما فسرت باتجاههما، كنت أبغي جوابا..لما دنوت منهما أحسست بطائر الفزع يطل من عينيهما..و لما فتحت أمام ناظريهما سروال الطهارة المضمخ بتوابل الفحولة، هزهما الخوف و صير أرجلهم عجلة تبغي العجلة..فرا صارخين، و أنا الذي ما نطقت بكلام :
    _وحش قاتل ؟ !
    استغربت لردة فعلهما..استدرت أبغي العودة إلى غرفتي و كانت الخيبة تثقل خطوي، فشاهدت جمعا من الأجانب يلتقط صورا لها ،و كأن غرفتي صارت متحفا، بآلات تصوير في غاية الدقة و الصغر ما لي بها عهد..ثم صوبوها باتجاهي، و قد ارتسم الفضول في أعينهم..
    دخلت غرفتي جافلا و عفاريت الإنس و الجن تركبني..
    نظرت إلى حبيبتي مذعورة ثم قالت :
    _ماذا وراءك ؟أراك مضطربا ؟
    _لم اجد أحدا، و المكان قد تغير ؟
    ماذا ؟ و اين ذهبوا ؟ و لماذا؟ و ما السبب ؟كانت في غاية التوتر..
    لم اجد أجوبة شافية أقنعها بها، فقد كنت تحت وطأة الحيرة نفسها..
    ظلت أسئلتها معلقة تناطح الفضاء..في تلك اللحظة سمعت أصوات سيارات، و وقع أقدام، و خطوات تقترب، ثم اقتحام لغرفتنا..
    رأيت رجالا أشداء تعلو ملامحهم القسوة ، علمت من زيهم و طريقة كلامهم أنهم من الشرطة، ينقضون علينا سريعا و كأننا طرائد،، مسنعينين بشبكة ذات عيون ضيقة ، و يضعون أساور الحديد في أيدينا، ثم و قد فرغوا من المهمة الصعبة ، قادونا أمام استغراب الناس المتجمهرين، على جنبات الطريق و أعينهم المندهشة، إلى قسم الشرطة، قصد استجوابنا عن المكان الذي قدمنا منه.، و عن مقصدنا من وجودنا في هذا المكان بالذات..
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    #2
    اقدم هاته القراءة التي انجزها المبدع هشام النجار
    اريد بها منح دفء للنص و قد كاد يتجمد من النسيان..



    هذه ليست قصة عادية بالمرة ، بل ربما نجحنا فى تحميلها مكتبات ومجلدات ومؤلفات أجيال من المفكرين والعباقرة والفلاسفة والمجددين .
    قرأت القصة مرتين ، ومن عادتى ألا أقرأ القصة القصيرة فوق اثنتين ، الا أننى هنا خالفت طقوسى وزدتُ مرة ثالثة لأمتعَ ناظرى بهذه البراعة وهذا السحر القصصى الذى جمع مناظرات وجدليات ومعارك طه حسين والرافعى والعقاد والطهطاوى .
    فهاهنا واقعان وأرض واحدة ، ووطن وبشر مختلفون ، قوم يفدون هنا بشرف ورجولة وفحولة وعزة ونظافة وطهْر وبساطة وعلاقات أسرية مترابطة ودفء وسكن ومودة ورحمة وحب جميل ترعاه المدينة ويحتفل به الأقارب .. يبدو أنه ينتمى لزمن ضارب فى القدم مسافر عبر الزمن حيث أضفيت الشرعية على العلاقة بين الذكر والأنثى لتسمو بهما وتعلو وحتى لا يُترك البشر تتحكم فيهم نزواتهم ويعيشون كالبهائم ينزو بعضهم على بعض ذكراناً واناثاً .
    عاش هذان الزوجان دهوراً ومرت على هذه الشريعة قروناً وتواصلَ هذا المنهجُ جيلاً بعد جيل يتوارثونه فى عزة وعفة ونقاء .
    حتى وفدَ منهج آخر وشرعة أخرى وتيار لا أخلاقى ولا شرعى جارف يريد أن يقتلع الفضيلة من جذورها .
    تيار لا قيمى مستغرب استوردَ أخس وأحقر ما عند الغرب من شذوذ ورذيلة ، ومن تولى كبرَ المُؤامرة يُغذون البرامج والأفلام والكازينوهات والفنادق والملاهى وشقق الدعارة والشذوذ ليطغى هذا الواقع الوافد ويسيطر ويهيمن لتختنق الفضيلة والشرعية وتموت .
    بل ان النص يبدو أنه يمر بواقعنا الذى لم يشهد هذه الغربة الشديدة للطهر والعفة بعد ، وان ظهرتْ بوادرها . فالزمن الذى يُمارس فيه الشذوذ على قارعة الطريق لم يأتِ بعد ، وكان مشهدُ فزع المخنثين من رمز العفة وعلامة الشرعية فارقاً !
    وحق لهما الفزع والهرولة ، فالفارق شاسع بين منهج وطريقة وشرعة يعتنقها الرجال ، وأخرى يفضلها الموبوءون .
    هذا زمن لم يأتِ بعد ولكن ظهرت أماراته على شاشات التلفاز وفى الأفلام ، وربما أرادوا واقعنا النظيف الطاهر انعكاساً ومرآة لواقعهم وليس العكس ، حيث المنطقى أن يكون الفن مرآة الواقع ، لا أن يكون الواقعُ مرآة الفن .
    المكان تغير والفضيلة مطاردة والقيم الأسرية غريبة ، والزوجان يُقبض عليهما وتوضع فى يديهما الكلبشات ويُساقان الى السجن ، فى حين يتحرر العهر والفجر والشذوذ ، وصارَ المنهج والمكان والزمان والتراث والمرجعية موضعَ تحقيق من السلطات ودهشة من الجماهير .

    أهنئ القاص البارع على هذا النص الماتع ، الذى رسم من خلاله مسارَ التاريخ الطويل الذى يفصل بين فتاة اليوم فى بدايات القرن الحادى والعشرين وبين ليلى العامرية قديماً ؟ بين قصص الحب الجميلة العفيفة العريقة المتوجة بالزواج والفرحة الجماعية ، وقصص العهر الجماعى والدعارة واللواط والقذارة والانحراف والرذيلة والبغاء الذى ترعاه الدولة وتحرسه .
    بين حب شريف عفيف نما فى أحضان الفروسية والرجولة العربية الأصيلة ، وعلاقات شاذة ترعاها العولمة والدول الحديثة بمركباتها الفضائية ومخترعاتها العصرية .
    خالص تحياتى وكامل مودتى .

    تعليق

    • أمنية نعيم
      عضو أساسي
      • 03-03-2011
      • 5791

      #3
      والله إنك مبدع
      أولا أضحكتني وربي
      كيف تقتنص اللحظة بهذه البراعة النادره ...؟
      أراني وقد زينتك في بداية النص تقاليد القبيلة والعرف الجميل
      وتلك المعاناة بفك الأزرار ...! لله درك
      ثم وبكل سطوة
      تنقلنا لمياعة الجيل الجديد وبيع الهوى على الطرقات
      حتى باتوا يعتبرون الزواج من المحرمات ؟؟؟وعجبي
      آآآآآآآآآآآآآآآه يا أستاذنا ما زلنا نحبو خجلين من رقي هذا الفكر
      ما زلنا نرجو الثبات ...أدعوا لنا .
      رائع وأكثر .
      التعديل الأخير تم بواسطة أمنية نعيم; الساعة 24-12-2012, 17:23.
      [SIGPIC][/SIGPIC]

      تعليق

      • عبدالرحيم التدلاوي
        أديب وكاتب
        • 18-09-2010
        • 8473

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة أمنيه نعيم مشاهدة المشاركة
        والله إنك مبدع
        أولا أضحكتني وربي
        كيف تقتنص اللحظة بهذه البراعة النادره ...؟
        أراني وقد زينتك في بداية النص تقاليد القبيلة والعرف الجميل
        وتلك المعاناة بفك الأزرار ...! لله درك
        ثم وبكل سطوة
        تنقلنا لمياعة الجيل الجديد وبيع الهوى على الطرقات
        حتى باتوا يعتبرون الزواج من المحرمات ؟؟؟وعجبي
        آآآآآآآآآآآآآآآه يا أستاذنا ما زلنا نحبو خجلين من رقي هذا الفكر
        ما زلنا نرجو الثبات ...أدعوا لنا .
        رائع وأكثر .
        سرب محبة لك، اختي الرائعة، امنيه نعيم
        لقد سعدت بتفاعلك القيم و باهتمامك الذي اراه دعما معنويا كبيرا..
        كنت انتظر تعليقات اخر دون جدوى..لا يهم، فقد روى عطشي تحليلك السديد و رضاك.
        بوركت
        مودتي

        تعليق

        • عبد الأحد بودريقة
          أديب وكاتب
          • 09-02-2010
          • 202

          #5
          صباح النور المبدع عبد الرحيم التدلاوي
          صباحي جميل بهذا النص السردي المتمكن من أدواته
          لغة وسردا وبناء والذي اتكأ على المتخيل في عملية بناء
          واقعية النص وجعله متكاملا دون زيادة أو نقصان
          أهنئك وأتمنى الالتفات لبعض أخطاء الرقن
          قصة تستحق اعتلاء عرش الثتبيت
          محبتي وكل التقدير

          لم يعد بالوسع أن نقول أيهما هو الآخر
          جورج أورويل

          تعليق

          • عبدالرحيم التدلاوي
            أديب وكاتب
            • 18-09-2010
            • 8473

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة عبد الأحد بودريقة مشاهدة المشاركة
            صباح النور المبدع عبد الرحيم التدلاوي
            صباحي جميل بهذا النص السردي المتمكن من أدواته
            لغة وسردا وبناء والذي اتكأ على المتخيل في عملية بناء
            واقعية النص وجعله متكاملا دون زيادة أو نقصان
            أهنئك وأتمنى الالتفات لبعض أخطاء الرقن
            قصة تستحق اعتلاء عرش الثتبيت
            محبتي وكل التقدير

            صباحك سعد، اخي المبدع الراقي، عبدالاحد بودريقة
            انا الاسعد لان نصي حظي بتفاعل كاتب كبير اقدره منذ كنا بدفاتر..لم اكن اعلم ان عبدالاحد هو سالم رزقي..
            سعيد بقراءتك الدافئة.
            شكرا لك على الاهتمام المحفز.
            بوركت
            مودتي

            تعليق

            • ربيع عقب الباب
              مستشار أدبي
              طائر النورس
              • 29-07-2008
              • 25792

              #7
              اجتاحتني فرحة عارمة لكوني استطعت أن أحدث ثلما في جدار قلعة تقاليدنا المباركة..نجحت في الزواج من حبيبتي متجاوزا كل الأعراف و الموانع الواهية..أرغمت قبيلتينا على مباركة هذا الزواج..
              صحيح أنني لم أكن أقابلها و ما حظيت بهذا الشرف، بيد أن قلبينا كانا قد ارتبطا بنبض المحبة منذ النظرة الأولى..فكان شوق الوصال يبغي ارتواء..و مده جارفا..
              ها نحن اليوم نحاط بظلال أهلينا يحملوننا على أكف الرضا إلى عشنا الطاهر ليشهد على نقاوتنا، واضعا حبنا على المحك..
              سرنا بحطى الطاوس مكللين بالبهاء، محاطين بموسيقى عذبة و غناء دافئ، و طرب يرقص القلوب..تكلؤنا عيون السما..
              بللنا القمر بنداوة المشاعر المتأججة، ثم صعد إلى الأعلى ضاحكا يبثنا رضاه..أما النجوم فأبت إلا أن تشاركنا الفرحة، فراشات نورها هالة حب كللت ناصيتي عشقنا المضطرم بالسنا..
              انفردت بها و انفردت بي..قلت لها :
              _هيت لك !
              فقالت لي
              _ أنا لك !
              و ظل القوم خارج غرفتنا المغلقة بإحكامـ في خيامهم المنصوبة و سط حقول القمح الشاسعة، سادرين في فرحهم و رقصهم الملتهب المجنون، بحرارة المزامير و الطبول و طلقات البنادق و سنابك الخيول..
              تركناهم سادرين في غي الانتظارفوق رؤوسهم طائر الترقب يغرد لحن الخروج ، و قد ارتفعت حرارة دمائهم إلى حد الانفجار، و هم الذين ينتظرون انفراجا..
              التحم بعضنا في بعضنا..أما خيول فحولتي فكانت تركض في مرابع البراءة لاستخراج كنوز الطهارة المخبوء في تجاويف الخفر السميك.
              وجدت معطفها يعاكسني، لا يني عن إعادة أزراره إلى عروتها كلما عالجتها بالفتح..
              حتى كاد الجهد يأكلني و النصب يطير بي إلى مهاوي الجنون..و أخيرا ربحت الرهان..في تلك اللحظة أتانا سلطان النوم فطرد أرق الخوف و أباد سوء الظنون..فكنا من المغرقين في لججه الماتعة..
              استيقظنا بعد حين، و نداوة الفرح و النشوة مازالت تسري في أوصالنا، وجدت صمتا مريبا يجلل المكان..انتابني الوسواس الخناس، و استبد بي القلق و الحيرة..خرجت استطلع الأمر و انا احمل معي صك الطهارة، و برهان حسن المعالجة، و نجاح الوصال..
              بيد أن المشهد الذي صفع عيني فرض علي فغر فمي..وجدت سياجا يحيط بغرفتي، و بحديقة غناء لم تكن موجودة من قبل، تساءلت :
              _أين الخيام ؟ بل أين القوم المنتظرون ؟
              خلف السياج انتصبت دور و عمارات..
              _كيف حدث iذا الأمر العجيب ، و متى؟!
              أثار انتباهي وجود شابين متعانقين تحت شجرة حور، داعب أنفي عطر وصالهما فسرت باتجاههما، كنت أبغي جوابا..لما دنوت منهما أحسست بطائر الفزع يطل من عينيهما..و لما فتحت أمام ناظريهما سروال الطهارة المضمخ بتوابل الفحولة، هزهما الخوف و صير أرجلهم عجلة تبغي العجلة..فرا صارخين، و أنا الذي ما نطقت بكلام :
              _وحش قاتل ؟ !

              إلي هنا كنت أكثر من مدهش
              كتابة رائعة إلي حد بعيد .. أعطت و تجاوزت العادية بكثير
              فكانت أكثر امتاعا

              ما أتي بعد رغم جماله إلا أنه لم يقنعني كمتلقي

              سعيد بك هنا هنا كثيرا

              محبتي


              sigpic

              تعليق

              • عبدالرحيم التدلاوي
                أديب وكاتب
                • 18-09-2010
                • 8473

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                اجتاحتني فرحة عارمة لكوني استطعت أن أحدث ثلما في جدار قلعة تقاليدنا المباركة..نجحت في الزواج من حبيبتي متجاوزا كل الأعراف و الموانع الواهية..أرغمت قبيلتينا على مباركة هذا الزواج..
                صحيح أنني لم أكن أقابلها و ما حظيت بهذا الشرف، بيد أن قلبينا كانا قد ارتبطا بنبض المحبة منذ النظرة الأولى..فكان شوق الوصال يبغي ارتواء..و مده جارفا..
                ها نحن اليوم نحاط بظلال أهلينا يحملوننا على أكف الرضا إلى عشنا الطاهر ليشهد على نقاوتنا، واضعا حبنا على المحك..
                سرنا بحطى الطاوس مكللين بالبهاء، محاطين بموسيقى عذبة و غناء دافئ، و طرب يرقص القلوب..تكلؤنا عيون السما..
                بللنا القمر بنداوة المشاعر المتأججة، ثم صعد إلى الأعلى ضاحكا يبثنا رضاه..أما النجوم فأبت إلا أن تشاركنا الفرحة، فراشات نورها هالة حب كللت ناصيتي عشقنا المضطرم بالسنا..
                انفردت بها و انفردت بي..قلت لها :
                _هيت لك !
                فقالت لي
                _ أنا لك !
                و ظل القوم خارج غرفتنا المغلقة بإحكامـ في خيامهم المنصوبة و سط حقول القمح الشاسعة، سادرين في فرحهم و رقصهم الملتهب المجنون، بحرارة المزامير و الطبول و طلقات البنادق و سنابك الخيول..
                تركناهم سادرين في غي الانتظارفوق رؤوسهم طائر الترقب يغرد لحن الخروج ، و قد ارتفعت حرارة دمائهم إلى حد الانفجار، و هم الذين ينتظرون انفراجا..
                التحم بعضنا في بعضنا..أما خيول فحولتي فكانت تركض في مرابع البراءة لاستخراج كنوز الطهارة المخبوء في تجاويف الخفر السميك.
                وجدت معطفها يعاكسني، لا يني عن إعادة أزراره إلى عروتها كلما عالجتها بالفتح..
                حتى كاد الجهد يأكلني و النصب يطير بي إلى مهاوي الجنون..و أخيرا ربحت الرهان..في تلك اللحظة أتانا سلطان النوم فطرد أرق الخوف و أباد سوء الظنون..فكنا من المغرقين في لججه الماتعة..
                استيقظنا بعد حين، و نداوة الفرح و النشوة مازالت تسري في أوصالنا، وجدت صمتا مريبا يجلل المكان..انتابني الوسواس الخناس، و استبد بي القلق و الحيرة..خرجت استطلع الأمر و انا احمل معي صك الطهارة، و برهان حسن المعالجة، و نجاح الوصال..
                بيد أن المشهد الذي صفع عيني فرض علي فغر فمي..وجدت سياجا يحيط بغرفتي، و بحديقة غناء لم تكن موجودة من قبل، تساءلت :
                _أين الخيام ؟ بل أين القوم المنتظرون ؟
                خلف السياج انتصبت دور و عمارات..
                _كيف حدث iذا الأمر العجيب ، و متى؟!
                أثار انتباهي وجود شابين متعانقين تحت شجرة حور، داعب أنفي عطر وصالهما فسرت باتجاههما، كنت أبغي جوابا..لما دنوت منهما أحسست بطائر الفزع يطل من عينيهما..و لما فتحت أمام ناظريهما سروال الطهارة المضمخ بتوابل الفحولة، هزهما الخوف و صير أرجلهم عجلة تبغي العجلة..فرا صارخين، و أنا الذي ما نطقت بكلام :
                _وحش قاتل ؟ !

                إلي هنا كنت أكثر من مدهش
                كتابة رائعة إلي حد بعيد .. أعطت و تجاوزت العادية بكثير
                فكانت أكثر امتاعا

                ما أتي بعد رغم جماله إلا أنه لم يقنعني كمتلقي

                سعيد بك هنا هنا كثيرا

                محبتي


                استاذي الراقي، ربيع عقب الباب
                اسعدني كثيرا تفاعلك القيم، و ملاحظتك البانية.
                ان ينال النص رضاك فذاك املي.
                بوركت
                سنة سعيدة و كل عام و انت ربيع.
                مودتي

                تعليق

                • صالح صلاح سلمي
                  أديب وكاتب
                  • 12-03-2011
                  • 563

                  #9
                  فعلا قصة جميلة وممتعه الى حد بعيد
                  اطلعت عليها في عجالة من قبل
                  لكن الآن قرأت, وحملتني اللغة الى افاق بعيدة.
                  الأستاذ/عبد الرحيم التدلاوي
                  كنت موفقا. تحية وتقدير
                  شكرا لك

                  تعليق

                  • عبدالرحيم التدلاوي
                    أديب وكاتب
                    • 18-09-2010
                    • 8473

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة صالح صلاح سلمي مشاهدة المشاركة
                    فعلا قصة جميلة وممتعه الى حد بعيد
                    اطلعت عليها في عجالة من قبل
                    لكن الآن قرأت, وحملتني اللغة الى افاق بعيدة.
                    الأستاذ/عبد الرحيم التدلاوي
                    كنت موفقا. تحية وتقدير
                    شكرا لك
                    اخي العزيز، صالح
                    لقد امتعني حضورك العطر، و تفاعلك الطيب.
                    اشكرك على الاطراء المشجع.
                    بوركت
                    مودتي

                    تعليق

                    • محمد المهدي السقال
                      مستشار أدبي
                      • 07-03-2008
                      • 340

                      #11
                      شدني للنص السردي عاملا جذب،
                      بصما بميسمهما ما انطبع في ذهني حول جمالية حدثيته وتصويره،
                      فمن جهة ،
                      أبدع الكاتب في خلق جو غرائبي ذي أبعاد تأملية في خلفية الواقع الذي استوحى منه مادته الحكائية،
                      و هو مناخ سردي تحرر فيه من إكراه البناء السردي المحكوم بالاتصال على الوحدة بين مكوناته،
                      بعد الانفصال في الزمان والتنوع في المكان.

                      ومن جهة أخرى،
                      أبدع الكاتب في جمالية العبارة التصويرية،
                      للموقف والحالة ضمن سياق تطور الحدث،
                      انتقالا بالوصف الحسي إلى إيحاءاته التجريدية في ذاكرة المتلقي.

                      بقي شيء من النقد حول التأكيد بالتكرار الذاهب إلى الاستطراد في بعض المقاطع،
                      دونما حاجة إليه في غياب تحقيق إضافة للأصل.

                      تحية خاصة للصديق عبد الرحيم التدلاوي ساردا.

                      " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "

                      تعليق

                      • عبدالرحيم التدلاوي
                        أديب وكاتب
                        • 18-09-2010
                        • 8473

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة محمد المهدي السقال مشاهدة المشاركة
                        شدني للنص السردي عاملا جذب،
                        بصما بميسمهما ما انطبع في ذهني حول جمالية حدثيته وتصويره،
                        فمن جهة ،
                        أبدع الكاتب في خلق جو غرائبي ذي أبعاد تأملية في خلفية الواقع الذي استوحى منه مادته الحكائية،
                        و هو مناخ سردي تحرر فيه من إكراه البناء السردي المحكوم بالاتصال على الوحدة بين مكوناته،
                        بعد الانفصال في الزمان والتنوع في المكان.

                        ومن جهة أخرى،
                        أبدع الكاتب في جمالية العبارة التصويرية،
                        للموقف والحالة ضمن سياق تطور الحدث،
                        انتقالا بالوصف الحسي إلى إيحاءاته التجريدية في ذاكرة المتلقي.

                        بقي شيء من النقد حول التأكيد بالتكرار الذاهب إلى الاستطراد في بعض المقاطع،
                        دونما حاجة إليه في غياب تحقيق إضافة للأصل.

                        تحية خاصة للصديق عبد الرحيم التدلاوي ساردا.
                        الله الله
                        ما اسعدني هذا الصباح و انا احظى بتعليق رائع من استاذ اروع، الراقي، محمد المهدي السقال.
                        اشكرك جزيل الشكر على قراءتك المتينة و ملاحظتك القيمة.
                        باقة ورد لك من جنان القلب، ايها الرائع.
                        مودتي

                        تعليق

                        • محمد المهدي السقال
                          مستشار أدبي
                          • 07-03-2008
                          • 340

                          #13
                          بعيدا عن المجاملة أخي عبد الرحيم،
                          أعترف بما تحقق لدي من تجاوب مع نصك العميق متعة ولذة،
                          ولأني أتابع إبداعك السردي عبر أكثر من منبر،
                          أزعم أنه يشكل طفرة نوعية في كتابتك،
                          على مستووي المحتوى الغرائبي حكائيا ،
                          والتشكيل الفني باللغة التصويرية سرديا،
                          مع ارتهان واع لحضور المتلقي في قصتك،
                          بحيث يستدعي مشاركته في فهمه وتأويله،
                          ليس فقط من خلال تلقيه الذاتي في مستواه الانطباعي،
                          ولكن عبر استعادة إحالاته السياقية في أفق احتمالي،
                          يغني القراءة التأملية.



                          " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "

                          تعليق

                          • عبدالرحيم التدلاوي
                            أديب وكاتب
                            • 18-09-2010
                            • 8473

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة محمد المهدي السقال مشاهدة المشاركة
                            بعيدا عن المجاملة أخي عبد الرحيم،
                            أعترف بما تحقق لدي من تجاوب مع نصك العميق متعة ولذة،
                            ولأني أتابع إبداعك السردي عبر أكثر من منبر،
                            أزعم أنه يشكل طفرة نوعية في كتابتك،
                            على مستووي المحتوى الغرائبي حكائيا ،
                            والتشكيل الفني باللغة التصويرية سرديا،
                            مع ارتهان واع لحضور المتلقي في قصتك،
                            بحيث يستدعي مشاركته في فهمه وتأويله،
                            ليس فقط من خلال تلقيه الذاتي في مستواه الانطباعي،
                            ولكن عبر استعادة إحالاته السياقية في أفق احتمالي،
                            يغني القراءة التأملية.


                            أعلم صدقك و صراحتك، أستاذي الرائع، محمد المهدي السقال، و هذا مبعث سروري.
                            إن ما تفضلت به لشهادة قيمة من أحد أهرام السرد الذين أعتز بأرائهم و بإبداعاتهم، أفتخر بها أيما افتخار.
                            تابعت عبر الفيسبوك خبر نشر أضمومتك القصصية، و هي فرصة لأبارك لك مولودك الجديد، راجيا لك مسيرة موفقة.
                            مودتي

                            تعليق

                            • محمد الشرادي
                              أديب وكاتب
                              • 24-04-2013
                              • 651

                              #15
                              أهلا أخي عبد الرحيم
                              زواج أهل الكهف لا بد أن بثير انتباه الناس و يتساءلون من أي زمن قدم العروسان
                              تخياتي

                              تعليق

                              يعمل...
                              X