الآنسة حياة : قصة قصيرة طويلة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فوزي سليم بيترو
    مستشار أدبي
    • 03-06-2009
    • 10949

    الآنسة حياة : قصة قصيرة طويلة

    الآنسة حياة

    جلست صاحبتنا أمام شاشة جهاز الحاسوب تنهل من شبكة " الإنترنت " كعادتها كل يوم .
    وإذا بومضات مفاجئة أخذت تتراقص أمامها حتى كادت أن تنطلق من داخله.
    تارة تتكور كنقطة مضيئة بركن الشاشة البعيد , ثم تنفجر ناثرة ضيائها. وتارة تتشكل بأشكال هندسية فائقة الدقة والجمال .
    اندهشت صاحبتنا ، فالحدث مدهش ومثير . اعتدلت في جلستها
    أشعلت سيجارة , سَحَبَتْ نفسا عميقا , ثم زفرت دخانها من أنفها ومن فمها . شاهدت الدخان يُسحَب نحو الشاشة يجوب فضائها كغيوم أمشير .
    بدأت الشاشة تأخذ لونا أبيض مائلا الى الفضي .
    ظهرت نقطة مشعة فبدت كنجمةٍ في سماء لا قمر يضيئها . أخذت تقترب رويدا رويدا حتى ملأت الشاشة ببريقها .
    وإذا ببغاء أخضر اللون آتٍ من الركن البعيد , يرفرف بجناحيه مخترقا ضياء النجمة المشعة .
    توقف عن الحركة بوسط الشاشة موحيا رغبته بالكلام .
    تذبذبت فلقتي منقاره , فبدا وكأنه يتكلم . عبر صوته طبلة
    أذن صاحبتنا المندهشة فازدادت اندهاشا على اندهاشها عندما سمعته يقول :
    ــ أهلا بالآنسة حياة الجالسة أمامي الآن .

    حياة , الابنة البكر في اسرتها . قوية الشخصية , حادة الذكاء , أما جمالها فمقبول إلى حدّ ما .
    طويلة القامة عالية الجبين ذات أنف تكرهه ، ضخم ومعقوف كمنقار الصقر ولها عينان عسليتان وبشرة قمحية .
    إنها ليست الصورة المطبوعة بذهن الرجل الشرقي الراغب بحورية جميلة تكون مطيعة ومتواضعة الذكاء .
    تفوقت بدراستها الجامعية , وانتظمت بصفوف القادة في اتحاد الطلبة الجامعيين .
    فكانت الأكثرهم حماسة لحقوق حرية الفكر والرأي .
    رغم أنها تعشق التواصل مع أصدقائها في الحي وفي الجامعة . تسبب موت حبيبها ماهر في عزلتها حتى عن الأهل. لكنها عقب ركود عواطفها الهائجة , أيقنت أن لا بد للحياة أن تستمر . فدأبت تبحث عن قرين يُقِرّ بأنوثتها ويحترمها كإنسان كما فعل ماهر صديقها وحبيبها ، حتى فترت همتها فاستسلمت يائسة.
    تشرَّبَ قلبها حب الفنون بأشكاله المتعددة وحب الوطن كما أحبته جميلة بو حريد ودلال المغربي . تراها ترتجف قهرا لدى سماعها
    الأنباء عن ظلم الشعب الفلسطيني أو عن الدمار الذي وقع على العراق . وغالبا ما تراها تبكي صامتة على ما جلبه الربيع العربي من ويلات ومآسي وعار على شعوب تأمَّلت كثيرا وتألّمت أكثر عندما تم سرقة الحلم .
    لهذا تجدها في أغلب الاوقات عصبية المزاج , وتمارس الحب والكراهية في اليوم الواحد عشرات المرات .
    على ذاك فهي إنسانة لا تخلو من تناقضات , فما تلقته من حقائق علمية خلال فترة نضوجها لا يقاس بعشر معشار ما ترسب في باطن عقلها من الغيبيات والخوارق والأحلام وتأويلها , وقراءة الطالع , الأمر الذي أغرقها.
    مما دفعها للسبر في غياهب أحلام يقظة تبحث فيها عن اللذة أينما وجدت .
    الى أن جاء الزمن بالإنترنت طارقا بابها , فتلقفته تُقلِّب صفحاته كيفما تشاء ووقت تشاء ، حتى أصبح جهاز الحاسوب وكأنه امتداد لشخصها , لا تفارقه ولا يفارقها .
    لكن , أن تدب الحياة به ويحاورها كند , هذا لم يخطر لها
    على بال قط .


    تململ الببغاء داخل شاشة الحاسوب ثم هز رأسه ايذانا بمتابعة
    ما بدأه من كلام .
    اهتزت فلقتا منقاره , فبدا كمن يتكلم قائلا :
    ــ هل أنت معي يا حياة ؟ اسمعيني جيدا . بحوزتي الان برنامج لن تصل اليه عبقرية انسانكم مهما عظمت . سوف أهديه لك . ما عليك سوى نقر الفارة ثلاث نقرات متتالية . سوف يظهر داخل الشاشة مربع ، تكتبين داخلة رغباتك , فتتحقق .

    اعتدلت بمجلسها وهي تنفض عمود رماد سيجارتها في المنفضة . أسندت رأسها المترنح بقبضة يدها ترنو بنظرها شاشة الحاسوب التي أمامها وكأنها منومة مغناطيسيا .
    انتفضت فزعة حين نهرها الببغاء قائلا :
    ــ استيقظي يا امرأة . ما بالك , هل دب النعاس بجفونك ؟
    اجابته بلا وعي قائلة :
    ــ كيف عرفت اسمي ، ولماذا اخترتني أنا بالذات ؟
    ــ وما الفرق بينك وبين أي إنسان آخر ؟ على أي حال , لقد وقعت عليك القرعة .
    ــ اسمع يا حضرة الببغاء المحترم . لدي ما يكفي من هموم فلا تزدها واحدا .
    ــ ظريفة يا حياة . اشكرك على اطرائك لي . لكن اعلمي أنني صادق فيما أقول . امتحنيني .
    ــ وما أدراني أنك لا تلهو بي , وتعبث ببراءتي ؟
    ــ هيا . لا تَجبُني وتضيع منك الفرصة .
    ــ أنا خائفة .

    ابتسم الببغاء . وهل تبتسم الحيوانات والطيور كما يفعلها البشر ؟
    ابتسم الببغاء فاغرا فاه ثم قال هامسا :
    ــ سوف تعبرين عالم النشوة وتصعدين ذروة القمم . سوف آخذ بيدك تجوبين بلاد الدنيا كلها , وتشاهدين ما لم يشاهده أحد . اعتبري أن خاتم سليمان قد غدا في
    اصبعك ، فقط قومي بالتمني وستلبى أمنياتك في طرفة عين .
    ارتفعت نبرة صوته وهو يقول :
    ــ سوف أدعك تقفين بين الجماهير التي شاهدت صلب المسيح . وأدخلك فلك نوح . وأجعلك تصفقين ليعقوب وهو ينازل الرب . سوف أدعك ترفعين الصخرة عن ظهر سيزيف وتضعينها فوق كتفي بوش . سوف تتقززين من مرأى عورة لوط , وتفرحين لمقص دليلة برأس شمشون .
    عاد يهمس قائلا :
    ــ سوف اطلعك على سر بناء الاهرامات . وإن رغبت بنقلها من صحراء الجيزة الى صحراء النقب سأفعل . سوف أفشي لك سر ليلة القبض على صدام ولمن أهدي رأسه . سوف اجمعك بالبطوطي داخل قمرة قيادته وتكتشفين كيف سقطت طائرته . سوف اكشف لك سر اغتيال جون كيندي . وأروي لك قصة أبراج الحادي عشر من سبتمبر وكيف هوت بدقائق معدودات .
    وسوف أتيح لعينيك التي ستأكلهما الديدان مشاهدة فن وخبايا تزوير الانتخابات . وسوف أدخلك غرف الاجتماعات المغلقة فتشاهدين وتسمعين كيف تُحاك المؤامرات .

    سقطت السيجارة من يدها , نظرت إليها تسقط ثم عادت تبحلق بشاشة الجهاز وقد بدا عليها الحزم وهي تقول للبغاء :
    ــ تمهل يا ببغاء النحس , تمهل . انا لست راغبة بهذا كله .
    مدَّ الببغاء رأسه إلى الأمام حتى كاد يخرج من الشاشة ثم قال :
    ــ من غير طولة لسان من فضلك . ظننتك طموحة ؟
    ــ ليس إلى هذا الحد .
    ــ هناك أكثر وأعظم . وسوف تحققين جميع أحلامك .
    ــ وما أدراني أنك صادق ؟ وما هو الثمن الذي تطلبه مقابل ذلك ؟

    تقدم إلى الأمام حتى تهيَّأ لها ان رأسه يكاد اختراق الشاشة والانفلات خارجها ثم قال :
    ــ لن أقوم بابتزازك كما تظنين . لأنك في اللحظة التي توافقين فيها على العرض ، تصبحين ملكي . هل أدركتِ الآن ما هو الثمن الذي أريد ؟ روحك وما تملكين من قدرات في اتخاذ قرار حر ، ولا مساومة على طلبي .
    قفزت برأسها مبتعدة عنه فزعةً وقالت :
    ــ أعطني مثال كي أصدقك ثم أوافق .
    ــ أطلبي .

    يبدو أنها كانت تعي ما سيؤول اليه هذا الموقف العجيب , فأجابته بلا تردد وكأنها تمتحنه قائلة :
    ــ هل تستطيع أن تعيد تشكيل أنفي ليصبح جميلا ومتناسقا ؟
    ــ انظري بالمرآة .
    دست يدها داخل حقيبتها وأخرجت مرآة صغيرة . بحلقت بها حتى كادت تدخل في أعماقها ثم قالت بسرها :
    ــ أنا في ورطة .
    طيَّرَ الببغاء قبلة من فمه بينما كان يهم بالمغادرة ثم قال وهو يغمز بعينه :
    ــ لا بل أصبحت تحفة .
    قفزت بعجيزتها من فوق المقعد ونفثت ريحا خرج كالرعد . ثم قالت وهي تبتسم ابتسامة ساخرة :
    ــ نعم , تحفة جوفاء بلا حياة وبلا روح !

    وقبل أن يختفي الببغاء من جوف الشاشة , همس وهو بركنها البعيد قائلا :
    ــ أوصيك بحفظ البرنامج يا حياتي , وإلاّ ضاع كل شيء وذهب تعبي معك سدى .

    قرصت خدها كي تتيقن أنها ليست بحالة حلم . جلست برفق على حافة المقعد وكورت يديها فوق المكتب ثم القت برأسها حتى أدركها النعاس .
    ايقظها شخيرها. (تمطعت) ثم تثاءبت وعيناها تحدقان بشاشة جهاز الحاسوب.
    توقفت فجأة عن (التمطع) والتثاؤب , وكأنها تذكرت شيئا ما .
    مدت يدها نحو المرآة الصغيرة التي أمامها . بحلقت بها ثم ابتسمت .
    شاهدت نفسها بالمرآة . ضحكت كاشفة عن ارتجاج أحبال صوتها ثم همست بسرها قائلة :
    ــ الأيام القادمة لك يا حياة . هَيَّا .
    التقطت الفارة بكف يدها ونقرتها بسبابتها ثلاث نقرات متتالية .

    كان ماهر من أحب الناس إلى قلبها . ومنذ لقائها الأول به في الجامعة أحبته وأحبها . وتعرض لذلك , كما تعرضت هي كذلك إلى غضب أسرتيهما لتباين المعتقد الديني لدى كل طرف . كان ماهر متعثر الخطوات في دراسته , ولكنه وبدافع حبه لحياة سلك سبيل النجاح وتفوق حائزا على درجات الشرف .
    لم ينغمس ماهر كما انغمست حياة في ترف الحوارات السياسية والأدبية والفنية . لكنه كان من النشطاء الفاعلين في حركة المقاومة ، واللذين يعملون بصمت دون ضجيج .
    في نهاية فصل الربيع وقبل شهرين من التخرج سافر مع بعثة من الطلبة المتفوقين الى مدينة سالونيك باليونان في رحلة دراسية , وخطر له ان يستحم في شاطيء ( الاياترياذا ) هناك مع بعض الأصحاب , فخانه البحر وغرق .
    حقا لقد أحدث موته هزة عنيفة في الجامعة وفي الأسرة ولكنه ترك في أعماق حياة جرحا لم يقدر له أن يندمل أبدا .
    قيل فيما قيل عن موت ماهر أن للموساد الإسرائيلي ولأجهزة المخابرات العربية يدا بذلك بسبب نشاطه في مقاومة الاحتلال
    وانتقاده لرموز الساسة الفلسطينيين والعرب ، حيث كان يرى
    فيهم الوجه الآخر من الاحتلال .

    بدت حياة أمام شاشة جهاز الحاسوب فاقدة الحواس بعدما تخايلت شريط علاقتها بماهر الذي غمرها بعواطف الزمن الماضي . لكنها سرعان ما استفاقت بعدما تبين لها أنها قد تعبر محنتها بفضل هذا الببغاء , فأخذت ترتجف كأنما تنفض عن جسدها غبار الذكريات الأليمة حين جاءها خبر موته .
    همهمت بسرها قبل ان تبدأ بكتابة رغبتها داخل المربع الذي ظهر
    امامها داخل الشاشة قائلة :
    ــ لِمَ لا أستكشف سر موت ماهر , وأطلب من الببغاء إظهار لحظات ما قبل غرقه ؟ هذا إن كان قد مات غرقا بالفعل ؟
    نقرت زر الإدخال بعدما كتبت رغبتها داخل المربع الذي بدأ بالابتعاد والانكماش تدريجيا حتى اختفى تماما . بذات الوقت بزغ مربع آخر ذو خلفية زرقاء كزرقة السماء , أخذ يقترب ويكبر حتى ملأ الشاشة .

    ها هي حياة تشاهد الشمس داخل المربع ترسل أشعتها في سماء صافية فتغمر رمل الشاطئ حيث تلمع ذرّاته . وتسمع زقزقة طيور النورس المختلطة بهدير الموج وصيحات المتنزهين والباعة المتجولين على الشط .
    وها هو ماهر بلباس البحر يسير طابعا خطاه فوق الرمال المتلبدة بمحاذاة زبد الأمواج المتكسرة, فتتسارع نبضات قلبها فرحا وكأنها في سباق معه .
    على بعد أمتار من ماهر , كان هناك رجل يلوح بيديه ويصرخ قائلا :
    ــ ماهر .. ماهر
    توقف ماهر عن السير والتفت نحو الرجل , وإذ بهما يعدوان باتجاه بعضهما وكل يحضن الآخر . والرجل يقول لماهر :
    ــ (تيكانس) ماهر . انت فين ؟
    ــ (كالا) يورجوس , (بولي كالا ). شُغلت عنك بالتحضير لأمور السفر . في الغد سوف أعود للوطن . هل ترغب بشي ارسله لك من هناك ؟
    ــ (فخاريستو) ماهر . أما زلت عند وعدك بقضاء شهر العسل في ربوع اليونان ؟ انقل تحياتي وتحيات خطيبتي ميلينا إلى حياة التي
    تتشوق للقائك، انها في الطريق الى هنا , انتظرها .
    ــ ماذا قلت ؟ حياة هنا ؟
    ــ يا صديقي الولهان اقصد ميلينا خطيبتي . لقد صدق المثل القائل أن الجوعان يحلم برغيف الخبز .
    قهقه الرجلان حتى كادا السقوط من فرط انفعالهما فانتقلت عدوى الضحك الى حياة الجالسة أمام الشاشة فضحكت حتى امتلأت عيناها بالدموع .
    صافح ماهر صديقه يورجوس وهو يشير نحو صخرة كبيرة بعمق البحر تبتعد عن الشط عشرات الأمتار قائلا له :
    ــ حسنا يا صديقي , إني ذاهب للعوم قرب تلك الصخرة . لوِّح لي بمنديلك عندما تحضر ميلينا .
    ــ هذا المكان يا ماهر غير صالح للسباحة , به دوامات بحرية قد تغدر بك .
    ما هي إلا دقائق حتى بدا ماهر كمن يصارع القدر إلى أن التقطته إحدى الدوامات وأخذت تدور به كأنبوب اختبار في جهاز الطرد المركزي حتى سقط بفوهتها , وكان ما كان .

    سحبت حياة شهيقاً فرَّغ الغرفة من هوائها ثم زفرته بتأنٍ وكأنها تعيد تقييم ما حدث علَّها تتمكن من تحويل سير الاحداث بما ترغب وتشتهي .
    أدارت ما كانت قد سمعته من الببغاء في رأسها طويلا فدهمها كصاعقة . توثبت متسائلة :
    ــ اذا قام الببغاء بنسخي ثم إلصاقي بالمكان الذي يتواجد به ماهر ربما استطيع انقاذه ؟ .
    دون وعي منها قامت بنقر الفارة ثلاث نقرات متتالية .

    ها هي الشمس داخل الشاشة ترسل اشعتها من سماء صافية فتغمر رمل الشاطيء حيث تلمع ذراته . وها هي طيور النورس المختلطة زقزقتها بهدير الموج وصيحات المتنزهين والباعة المتجولين على الشط .
    ها هو ماهر بلباس البحر واقفا مع صديقه يورجوس يتكلمان .
    على بعد أمتار منهما شاهدت حياة نفسها بردائها الأزرق تتلفت حولها . يرنو ماهر بنظره نحوها فتتلاقى النظرات ويثب كل منهما على الآخر يحتضنه . لم ينتظر ماهر ركود العاطفة المتأججة داخل صدره ، فبادرها بالسؤال وعينه ترمق يورجوس قائلا :
    ــ لست مصدقا نفسي , ما الذي جاء بك الى هنا ؟ وأنفك ؟ متى اقدمت على عمل عملية تجميل له ؟ وأنت يا سيد يورجوس متى علمت بقدومها وكيف عرفتها وأنت لم تلتقِ بها من قبل ؟
    وخزته حياة بخاصرته ثم همست بأذنه قائلة :
    ــ لا تتعجل , لاحقا سوف أخبرك بكل شيء عندما نكون لوحدنا .
    أما يورجوس فقد أجابه وهو يشير لفتاة تقترب نحوهم قائلا :
    ــ يا صديقي الولهان , كنت اقصد ميلينا خطيبتي وها هي أمامك الآن .
    وقفت حياة أمام ميلينا مبهورة بجمالها الفاتن , بَدَت بوجهها المائل
    للبياض وبشرتها الناعمة وقسماتها المتناسقة وشعرها الذهبي الغزير وقدها الرشيق مثالا للحسن بغير منازع في الشط كله .
    تقدم ماهر نحو ميلينا آخذا يدها بكفه يقبلها احتراما ثم غمز يورجوس قائلا :
    ــ هل تسمح لي بكلمة أجامل بها خطيبتك ميلينا . وسوف أقولها باليونانية لأنها لا تعرف لغتنا .
    ــ تفضل يا روميو عصرك .
    ــ آنستي الجميلة , أنت من النساء اللواتي يدخلن القلب من أول نظرة .
    سحبت ميلينا يدها من كف ماهر بعصبية . بينما سقط يورجوس على الارض مغشيّا عليه من شدة الضحك .
    ــ يبدو أني قد (خبَّصت) بالكلام . بماذا اخطأت يا يورجوس ؟
    ــ بسيطة , لقد أضفت حرفين لا لزوم لهما . (كارذيامو) تعني القلب , لكنك قلت (أركاذيامو) وتعني الخصية

    كان هناك رقبة لماهر , انكمشت وأصبحت بحجم السمسمة .

    لم تهمل حياة المهمة التي أتت من أجلها ، تظاهرت بالتثاؤب وهي تمسك بيد ماهر قائلة :
    ــ هل تسمحان لنا بالذهاب , أشعر بالتعب والنعاس . هيّا بنا يا ماهر .

    همست ميلينا بأذن يورجوس . هزَّ رأسه مستجيبا لطلبها ثم قال :
    ــ تقول لكما ميلينا أنها لن تسمح لكما بالمغادرة قبل أن نستمتع سويا برحلة بحرية على متن (شختورتها) التي أهداها لها والدها بعيد ميلادها .


    قذفت الامواج مركبهم الصغير حتى اقترب من الصخرة التي غرق قربها ماهر . جذبت الدوامة البحرية مركبهم ثم هوى بجوفها . غمرت مياه البحر أجسادهم .

    حاولت حياة الإمساك بالقارب لكن محاولتها باءت بالفشل .
    فغاصت تحت سطح الماء كاتمة أنفاسها .

    بدت حياة الجالسة أمام شاشة الحاسوب مرهقة وتتنفس بصعوبة بالغة . مدت يدها نحو الفارة ونقرتها نقرتين متتاليتين، وقبل أن تنقر النقرة الثالثة فصل التيار الكهربائي .

    عاد التيار بعد ثوانٍ . وحياة لم تزل تبذل جهدها كي تضغط على زر الإشغال .
    ومضت الشاشة ايذانا بإعادة التشغيل . أضاء وميض الشاشة وجه حياة فبدت كمن يصارع الموت .


    واذا ببغاء أخضر اللون آتٍ من الركن البعيد , يرفرف بجناحيه . توقف عن الحركة بوسط الشاشة موحيا رغبته بالكلام . تذبذبت فلقتي منقاره فبدا وكأنه يتكلم .
    ــ ألم احذرك يا حياة ؟ونصحتك بحفظ البرنامج .
    ابتسم ابتسامة لا تخلو من مكر وأكمل ، لكنه لم يكن يوجه كلامه إلى حياة .
    ــ كثيرون ممن زرتهم يتصورون مسئوليتي فيما جرى
    لهم على غير حقيقتها .
    فقالت حياة بنبرة انكسار :
    ــ ولكنك قبضت على روحي كما قبضت على روح ماهر من قبلي .
    ــ لم أقبض في حياتي على روح أحد قط إلاّ بقبوله ورضاه ، وما أنا سوى بوق أردد ما أسمعه دون وعي ودون فهم .
    لاذ الببغاء بالصمت قليلا وحدج حياة بنظرة نافذة ثم
    واصل حديثه :
    ــ بالإذن الآن ، مهمتي معك قد انتهت .


    *****
    دلال المغربي = مناضلة فلسطينية
    جميلة بوحريد = مناضلة جزائرية
    أمشير " بالقبطي " = هو شهر من أشهر الشتاء
    كالا = كويس
    بولي كالا = كتير كويس
    فخاريستو = شكرا
    شختورة = مركب صغير
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    الله .. الله .. الله

    ما أجملك و تلك الحلوة
    تمتعت كثيرا كثيرا بهذا البناء و تلك الحالة الذكية في طرح يستحق التثبيت عن جدارة
    و الاشتغال النقدي عليه لما يحمل من اسرار أعطته النكهة و الرائحة و اللون الجميل

    محبتي
    sigpic

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      عدت ثانية .. أرجوك تحملني قليلا

      العنوان حبيبي لا بد من تغييره فهو لا يليق بقصة كهذه

      محبتي
      sigpic

      تعليق

      • فوزي سليم بيترو
        مستشار أدبي
        • 03-06-2009
        • 10949

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
        عدت ثانية .. أرجوك تحملني قليلا

        العنوان حبيبي لا بد من تغييره فهو لا يليق بقصة كهذه

        محبتي
        نعم معك كل الحق بشأن العنوان أخي ربيع
        على فكرة . اختيار العنوان لا يقل أهمية عن النص
        كنص له أركانه من فكرة وشكل ولغة وصياغة استهلال
        وقفلة وأسلوب سرد .
        لقد وضعت " فيروس " عنوانا بعد أن " غلب حماري ".
        تخيَّل أن وقوفي أمام اختيار العنوان أخذ وقتا أكثر من
        الوقت الذي كتبت فيه النص . فوضعته وأنا لست براض .
        كل الشكر لإهتمامكم
        فوزي بيترو

        تعليق

        • نجاح عيسى
          أديب وكاتب
          • 08-02-2011
          • 3967

          #5
          المشكلة في قصتك الطويله هذه يا صديقي
          ان القاريء لا يستطيع أن يتركها ( أبداً )
          دون أن ينتهي من القراءة ، ويصل إلى نهاية الأحداث ..
          أسلوب عصري بامتياز ، تشويق ، إثارة ، سرد سلس
          جميل ، خفيف على المتلقيّ ..يحمل سمات السهل الممتنع بجدارة .
          انا شخصياً قرأتها مرتين ..الآولى بسرعة متلاحقة الأنفاس يقودها
          الفضول لمعرفة النتيجة ، والثانية متأنية ، هادئة ، مستبصرة
          مستقصية ..هذا الفكر الخلاّق ، الذي ضيّعني بين سطور نصّه
          الفضفاض ..
          وجعل هذا الببغاء الخبيث هو محور الأحداث ، إلى جانب هذه ( الحياة)
          التائهة بين يأسٍ ورجاء ..
          تقديري استاذ ود. فوزي وكل الإحترام .

          تعليق

          • عبد الأحد بودريقة
            أديب وكاتب
            • 09-02-2010
            • 202

            #6
            صباح النور المبدع الجميل فوزي سليم بيترو
            قصة حققت الكثير من شروط الإبداع السردي
            بناء وخيالا وحبكة وفكرة
            هناك هنات لا بد من تصحييحها أتمنى الانتباه إليها
            ودي وتقديري
            وبالطبع
            تثبيت
            لم يعد بالوسع أن نقول أيهما هو الآخر
            جورج أورويل

            تعليق

            • فوزي سليم بيترو
              مستشار أدبي
              • 03-06-2009
              • 10949

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة نجاح عيسى مشاهدة المشاركة
              المشكلة في قصتك الطويله هذه يا صديقي
              ان القاريء لا يستطيع أن يتركها ( أبداً )
              دون أن ينتهي من القراءة ، ويصل إلى نهاية الأحداث ..
              أسلوب عصري بامتياز ، تشويق ، إثارة ، سرد سلس
              جميل ، خفيف على المتلقيّ ..يحمل سمات السهل الممتنع بجدارة .
              انا شخصياً قرأتها مرتين ..الآولى بسرعة متلاحقة الأنفاس يقودها
              الفضول لمعرفة النتيجة ، والثانية متأنية ، هادئة ، مستبصرة
              مستقصية ..هذا الفكر الخلاّق ، الذي ضيّعني بين سطور نصّه
              الفضفاض ..
              وجعل هذا الببغاء الخبيث هو محور الأحداث ، إلى جانب هذه ( الحياة)
              التائهة بين يأسٍ ورجاء ..
              تقديري استاذ ود. فوزي وكل الإحترام .
              مرحبا بالأخت الأديبة نجاح عيسى
              فعلا معك حق . هذا الببغاء الماكر يطاردنا حتى في
              أحلامنا .
              المشكلة أنه يضع لنا السم في العسل ، ونقع في شباكه
              ونحن راضون .
              شكرا لك للمرور والتعليق
              فوزي بيترو

              تعليق

              • فوزي سليم بيترو
                مستشار أدبي
                • 03-06-2009
                • 10949

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة عبد الأحد بودريقة مشاهدة المشاركة
                صباح النور المبدع الجميل فوزي سليم بيترو
                قصة حققت الكثير من شروط الإبداع السردي
                بناء وخيالا وحبكة وفكرة
                هناك هنات لا بد من تصحييحها أتمنى الانتباه إليها
                ودي وتقديري
                وبالطبع
                تثبيت
                كل الشكر والإمتنان لك أخي بودريقة
                للتثبيت والمرور
                بالنسبة للهنات ، أتمنى من إخوتي في الملتقى ومن
                حضرتك الإشارة إليها غدا في السهرة حتى أقوم
                بتصحيح الأخطاء وتصويبها
                ودمت
                فوزي بيترو

                تعليق

                • حسن لختام
                  أديب وكاتب
                  • 26-08-2011
                  • 2603

                  #9
                  استمتعت هنا ..أشكرك
                  كل التقدير والإحترام، أخي فوزي

                  تعليق

                  • فوزي سليم بيترو
                    مستشار أدبي
                    • 03-06-2009
                    • 10949

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة حسن لختام مشاهدة المشاركة
                    استمتعت هنا ..أشكرك
                    كل التقدير والإحترام، أخي فوزي
                    أخي العزيز حسن لختام
                    أكون سعيدا بوجودك معنا
                    تحياتي لك
                    وكل عام وأنت بخير
                    فوزي بيترو

                    تعليق

                    • عبدالرحيم التدلاوي
                      أديب وكاتب
                      • 18-09-2010
                      • 8473

                      #11
                      هل اضيف شيئا اذا قلت ان النص عميق ؟
                      مودتي

                      تعليق

                      • فوزي سليم بيترو
                        مستشار أدبي
                        • 03-06-2009
                        • 10949

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
                        هل اضيف شيئا اذا قلت ان النص عميق ؟
                        مودتي
                        هل اضيف شيئا اذا قلت ان النص عميق ؟
                        كلَّك نظر يا أستاذنا عبد الرحيم التدلاوي
                        أنت كريم ونحن نستاهل .
                        مجرد مروركم فوق قصتي هو إضافة وشرف لي
                        لا تزعل مني . تعرفني أحب أن أمزح مع الذين أحبهم
                        تحياتي ومحبتي
                        فوزي بيترو

                        تعليق

                        • فوزي سليم بيترو
                          مستشار أدبي
                          • 03-06-2009
                          • 10949

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                          عدت ثانية .. أرجوك تحملني قليلا

                          العنوان حبيبي لا بد من تغييره فهو لا يليق بقصة كهذه

                          محبتي
                          عفوا لرفعي النص إلى الواجهة .
                          أستاذ ربيع عقب الباب
                          بعد غياب 6 سنوات ، ها أنا أضع عنوانا آخر !
                          أرجو أن يكون مناسبا .
                          تحياتي

                          تعليق

                          • عائده محمد نادر
                            عضو الملتقى
                            • 18-10-2008
                            • 12843

                            #14
                            بيترو صباح الخير والورد والحياة
                            كنت أدري أنك متعدد المواهب لكنك هنا استطعت أن تتغلب على نفسك وموهبتك
                            رائعة بيترو وفيها فسحة خيال رهيبة وغير مطروقة ( على الأقل مني هاهاها )
                            هنا يكمن الفرق بين الموهبة وادعائها
                            أحببتها والنجوم قليلة
                            أحسنت يالغلا محبتي لك
                            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                            تعليق

                            • عائده محمد نادر
                              عضو الملتقى
                              • 18-10-2008
                              • 12843

                              #15
                              العنوان بيترو
                              العنوان يحتاج رؤية لأن النص كبير جدا وعميق
                              الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                              تعليق

                              يعمل...
                              X