قصة سهرة الجمعة 21/12/2012 :فيروس :قصة طويلة قصيرة / للمبدع فوزي سليم بيترو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الأحد بودريقة
    أديب وكاتب
    • 09-02-2010
    • 202

    قصة سهرة الجمعة 21/12/2012 :فيروس :قصة طويلة قصيرة / للمبدع فوزي سليم بيترو

    [table1="width:97%;background-image:url('http://www.bdr130.net/vb/images/star11.gif');background-color:maroon;border:2px groove orange;"][cell="filter:;"][align=left][align=center][table1="width:81%;background-image:url('http:///up/uploads/images/w-93509fddd2.gif');background-color:#300003;border:2px groove orange;"][cell="filter:;"][align=right]

    الأخوات والأخوة الكرام
    نسهر الليلة الجمعة21 -12-2012
    في تمام 12 والنصف بتوقيت القاهرة مع أمسية :
    ~ القصّـــة ~
    قصّة الليلة للدكتور:
    ~~
    فوزي سليم بيترو~~
    بعنوان :
    ~~فيـــــروس~~
    ولكم فائق تحيات فريق الإشراف الأدبي.



    De. Souleyma Srairi

    [/align][/cell][/table1][/align][/align][/cell][/table1]


    لم يعد بالوسع أن نقول أيهما هو الآخر
    جورج أورويل

  • سليمى السرايري
    مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
    • 08-01-2010
    • 13572

    #2

    [table1="width:97%;background-image:url('http://www.bdr130.net/vb/images/star11.gif');background-color:maroon;border:2px groove orange;"][cell="filter:;"][align=left][align=center][table1="width:81%;background-image:url('http:///up/uploads/images/w-93509fddd2.gif');background-color:#300003;border:2px groove orange;"][cell="filter:;"][align=right]


    فيروس
    للدكتور فوزي سليم بيترو

    جلست صاحبتنا أمام شاشة جهاز الحاسوب تنهل من شبكة " الإنترنت " كعادتها كل يوم .
    وإذا بومضات مفاجئة أخذت تتراقص أمامها حتى كادت أن تنطلق من داخله.
    تارة تتكور كنقطة مضيئة بركن الشاشة البعيد , ثم تنفجر ناثرة ضيائها. وتارة تتشكل بأشكال هندسية فائقة الدقة والجمال .
    اندهشت صاحبتنا ، فالحدث مدهش ومثير . اعتدلت في جلستها
    أشعلت سيجارة , سَحَبَتْ نفسا عميقا , ثم زفرت دخانها من أنفها ومن فمها . شاهدت الدخان يُسحَب نحو الشاشة يجوب فضائها كغيوم أمشير .
    بدأت الشاشة تأخذ لونا أبيض مائلا الى الفضي .
    ظهرت نقطة مشعة فبدت كنجمةٍ في سماء لا قمر يضيئها . أخذت تقترب رويدا رويدا حتى ملأت الشاشة ببريقها .
    وإذا ببغاء أخضر اللون آتٍ من الركن البعيد , يرفرف بجناحيه مخترقا ضياء النجمة المشعة .
    توقف عن الحركة بوسط الشاشة موحيا رغبته بالكلام .
    تذبذبت فلقتي منقاره , فبدا وكأنه يتكلم . عبر صوته طبلة
    أذن صاحبتنا المندهشة فازدادت اندهاشا على اندهاشها عندما سمعته يقول :
    ــ أهلا بالآنسة حياة الجالسة أمامي الآن .

    حياة , الابنة البكر في اسرتها . قوية الشخصية , حادة الذكاء , أما جمالها فمقبول إلى حدّ ما .
    طويلة القامة عالية الجبين ذات أنف تكرهه ، ضخم ومعقوف كمنقار الصقر ولها عينان عسليتان وبشرة قمحية .
    إنها ليست الصورة المطبوعة بذهن الرجل الشرقي الراغب بحورية جميلة تكون مطيعة ومتواضعة الذكاء .
    تفوقت بدراستها الجامعية , وانتظمت بصفوف القادة في اتحاد الطلبة الجامعيين .
    فكانت الأكثرهم حماسة لحقوق حرية الفكر والرأي .
    رغم أنها تعشق التواصل مع أصدقائها في الحي وفي الجامعة . تسبب موت حبيبها ماهر في عزلتها حتى عن الأهل. لكنها عقب ركود عواطفها الهائجة , أيقنت أن لا بد للحياة أن تستمر . فدأبت تبحث عن قرين يُقِرّ بأنوثتها ويحترمها كإنسان كما فعل ماهر صديقها وحبيبها ، حتى فترت همتها فاستسلمت يائسة.
    تشرَّبَ قلبها حب الفنون بأشكاله المتعددة وحب الوطن كما أحبته جميلة بو حريد ودلال المغربي . تراها ترتجف قهرا لدى سماعها
    الأنباء عن ظلم الشعب الفلسطيني أو عن الدمار الذي وقع على العراق . وغالبا ما تراها تبكي صامتة على ما جلبه الربيع العربي من ويلات ومآسي وعار على شعوب تأمَّلت كثيرا وتألّمت أكثر عندما تم سرقة الحلم .
    لهذا تجدها في أغلب الاوقات عصبية المزاج , وتمارس الحب والكراهية في اليوم الواحد عشرات المرات .
    على ذاك فهي إنسانة لا تخلو من تناقضات , فما تلقته من حقائق علمية خلال فترة نضوجها لا يقاس بعشر معشار ما ترسب في باطن عقلها من الغيبيات والخوارق والأحلام وتأويلها , وقراءة الطالع , الأمر الذي أغرقها.
    مما دفعها للسبر في غياهب أحلام يقظة تبحث فيها عن اللذة أينما وجدت .
    الى أن جاء الزمن بالإنترنت طارقا بابها , فتلقفته تُقلِّب صفحاته كيفما تشاء ووقت تشاء ، حتى أصبح جهاز الحاسوب وكأنه امتداد لشخصها , لا تفارقه ولا يفارقها .
    لكن , أن تدب الحياة به ويحاورها كند , هذا لم يخطر لها
    على بال قط .


    تململ الببغاء داخل شاشة الحاسوب ثم هز رأسه ايذانا بمتابعة
    ما بدأه من كلام .
    اهتزت فلقتا منقاره , فبدا كمن يتكلم قائلا :
    ــ هل أنت معي يا حياة ؟ اسمعيني جيدا . بحوزتي الان برنامج لن تصل اليه عبقرية انسانكم مهما عظمت . سوف أهديه لك . ما عليك سوى نقر الفارة ثلاث نقرات متتالية . سوف يظهر داخل الشاشة مربع ، تكتبين داخلة رغباتك , فتتحقق .

    اعتدلت بمجلسها وهي تنفض عمود رماد سيجارتها في المنفضة . أسندت رأسها المترنح بقبضة يدها ترنو بنظرها شاشة الحاسوب التي أمامها وكأنها منومة مغناطيسيا .
    انتفضت فزعة حين نهرها الببغاء قائلا :
    ــ استيقظي يا امرأة . ما بالك , هل دب النعاس بجفونك ؟
    اجابته بلا وعي قائلة :
    ــ كيف عرفت اسمي ، ولماذا اخترتني أنا بالذات ؟
    ــ وما الفرق بينك وبين أي إنسان آخر ؟ على أي حال , لقد وقعت عليك القرعة .
    ــ اسمع يا حضرة الببغاء المحترم . لدي ما يكفي من هموم فلا تزدها واحدا .
    ــ ظريفة يا حياة . اشكرك على اطرائك لي . لكن اعلمي أنني صادق فيما أقول . امتحنيني .
    ــ وما أدراني أنك لا تلهو بي , وتعبث ببراءتي ؟
    ــ هيا . لا تَجبُني وتضيع منك الفرصة .
    ــ أنا خائفة .

    ابتسم الببغاء . وهل تبتسم الحيوانات والطيور كما يفعلها البشر ؟
    ابتسم الببغاء فاغرا فاه ثم قال هامسا :
    ــ سوف تعبرين عالم النشوة وتصعدين ذروة القمم . سوف آخذ بيدك تجوبين بلاد الدنيا كلها , وتشاهدين ما لم يشاهده أحد . اعتبري أن خاتم سليمان قد غدا في
    اصبعك ، فقط قومي بالتمني وستلبى أمنياتك في طرفة عين .
    ارتفعت نبرة صوته وهو يقول :
    ــ سوف أدعك تقفين بين الجماهير التي شاهدت صلب المسيح . وأدخلك فلك نوح . وأجعلك تصفقين ليعقوب وهو ينازل الرب . سوف أدعك ترفعين الصخرة عن ظهر سيزيف وتضعينها فوق كتفي بوش . سوف تتقززين من مرأى عورة لوط , وتفرحين لمقص دليلة برأس شمشون .
    عاد يهمس قائلا :
    ــ سوف اطلعك على سر بناء الاهرامات . وإن رغبت بنقلها من صحراء الجيزة الى صحراء النقب سأفعل . سوف أفشي لك سر ليلة القبض على صدام ولمن أهدي رأسه . سوف اجمعك بالبطوطي داخل قمرة قيادته وتكتشفين كيف سقطت طائرته . سوف اكشف لك سر اغتيال جون كيندي . وأروي لك قصة أبراج الحادي عشر من سبتمبر وكيف هوت بدقائق معدودات .
    وسوف أتيح لعينيك التي ستأكلهما الديدان مشاهدة فن وخبايا تزوير الانتخابات . وسوف أدخلك غرف الاجتماعات المغلقة فتشاهدين وتسمعين كيف تُحاك المؤامرات .

    سقطت السيجارة من يدها , نظرت إليها تسقط ثم عادت تبحلق بشاشة الجهاز وقد بدا عليها الحزم وهي تقول للبغاء :
    ــ تمهل يا ببغاء النحس , تمهل . انا لست راغبة بهذا كله .
    مدَّ الببغاء رأسه إلى الأمام حتى كاد يخرج من الشاشة ثم قال :
    ــ من غير طولة لسان من فضلك . ظننتك طموحة ؟
    ــ ليس إلى هذا الحد .
    ــ هناك أكثر وأعظم . وسوف تحققين جميع أحلامك .
    ــ وما أدراني أنك صادق ؟ وما هو الثمن الذي تطلبه مقابل ذلك ؟

    تقدم إلى الأمام حتى تهيَّأ لها ان رأسه يكاد اختراق الشاشة والانفلات خارجها ثم قال :
    ــ لن أقوم بابتزازك كما تظنين . لأنك في اللحظة التي توافقين فيها على العرض ، تصبحين ملكي . هل أدركتِ الآن ما هو الثمن الذي أريد ؟ روحك وما تملكين من قدرات في اتخاذ قرار حر ، ولا مساومة على طلبي .
    قفزت برأسها مبتعدة عنه فزعةً وقالت :
    ــ أعطني مثال كي أصدقك ثم أوافق .
    ــ أطلبي .

    يبدو أنها كانت تعي ما سيؤول اليه هذا الموقف العجيب , فأجابته بلا تردد وكأنها تمتحنه قائلة :
    ــ هل تستطيع أن تعيد تشكيل أنفي ليصبح جميلا ومتناسقا ؟
    ــ انظري بالمرآة .
    دست يدها داخل حقيبتها وأخرجت مرآة صغيرة . بحلقت بها حتى كادت تدخل في أعماقها ثم قالت بسرها :
    ــ أنا في ورطة .
    طيَّرَ الببغاء قبلة من فمه بينما كان يهم بالمغادرة ثم قال وهو يغمز بعينه :
    ــ لا بل أصبحت تحفة .
    قفزت بعجيزتها من فوق المقعد ونفثت ريحا خرج كالرعد . ثم قالت وهي تبتسم ابتسامة ساخرة :
    ــ نعم , تحفة جوفاء بلا حياة وبلا روح !

    وقبل أن يختفي الببغاء من جوف الشاشة , همس وهو بركنها البعيد قائلا :
    ــ أوصيك بحفظ البرنامج يا حياتي , وإلاّ ضاع كل شيء وذهب تعبي معك سدى .

    قرصت خدها كي تتيقن أنها ليست بحالة حلم . جلست برفق على حافة المقعد وكورت يديها فوق المكتب ثم القت برأسها حتى أدركها النعاس .
    ايقظها شخيرها. (تمطعت) ثم تثاءبت وعيناها تحدقان بشاشة جهاز الحاسوب.
    توقفت فجأة عن (التمطع) والتثاؤب , وكأنها تذكرت شيئا ما .
    مدت يدها نحو المرآة الصغيرة التي أمامها . بحلقت بها ثم ابتسمت .
    شاهدت نفسها بالمرآة . ضحكت كاشفة عن ارتجاج أحبال صوتها ثم همست بسرها قائلة :
    ــ الأيام القادمة لك يا حياة . هَيَّا .
    التقطت الفارة بكف يدها ونقرتها بسبابتها ثلاث نقرات متتالية .

    كان ماهر من أحب الناس إلى قلبها . ومنذ لقائها الأول به في الجامعة أحبته وأحبها . وتعرض لذلك , كما تعرضت هي كذلك إلى غضب أسرتيهما لتباين المعتقد الديني لدى كل طرف . كان ماهر متعثر الخطوات في دراسته , ولكنه وبدافع حبه لحياة سلك سبيل النجاح وتفوق حائزا على درجات الشرف .
    لم ينغمس ماهر كما انغمست حياة في ترف الحوارات السياسية والأدبية والفنية . لكنه كان من النشطاء الفاعلين في حركة المقاومة ، واللذين يعملون بصمت دون ضجيج .
    في نهاية فصل الربيع وقبل شهرين من التخرج سافر مع بعثة من الطلبة المتفوقين الى مدينة سالونيك باليونان في رحلة دراسية , وخطر له ان يستحم في شاطيء ( الاياترياذا ) هناك مع بعض الأصحاب , فخانه البحر وغرق .
    حقا لقد أحدث موته هزة عنيفة في الجامعة وفي الأسرة ولكنه ترك في أعماق حياة جرحا لم يقدر له أن يندمل أبدا .
    قيل فيما قيل عن موت ماهر أن للموساد الإسرائيلي ولأجهزة المخابرات العربية يدا بذلك بسبب نشاطه في مقاومة الاحتلال
    وانتقاده لرموز الساسة الفلسطينيين والعرب ، حيث كان يرى
    فيهم الوجه الآخر من الاحتلال .

    بدت حياة أمام شاشة جهاز الحاسوب فاقدة الحواس بعدما تخايلت شريط علاقتها بماهر الذي غمرها بعواطف الزمن الماضي . لكنها سرعان ما استفاقت بعدما تبين لها أنها قد تعبر محنتها بفضل هذا الببغاء , فأخذت ترتجف كأنما تنفض عن جسدها غبار الذكريات الأليمة حين جاءها خبر موته .
    همهمت بسرها قبل ان تبدأ بكتابة رغبتها داخل المربع الذي ظهر
    امامها داخل الشاشة قائلة :
    ــ لِمَ لا أستكشف سر موت ماهر , وأطلب من الببغاء إظهار لحظات ما قبل غرقه ؟ هذا إن كان قد مات غرقا بالفعل ؟
    نقرت زر الإدخال بعدما كتبت رغبتها داخل المربع الذي بدأ بالابتعاد والانكماش تدريجيا حتى اختفى تماما . بذات الوقت بزغ مربع آخر ذو خلفية زرقاء كزرقة السماء , أخذ يقترب ويكبر حتى ملأ الشاشة .

    ها هي حياة تشاهد الشمس داخل المربع ترسل أشعتها في سماء صافية فتغمر رمل الشاطئ حيث تلمع ذرّاته . وتسمع زقزقة طيور النورس المختلطة بهدير الموج وصيحات المتنزهين والباعة المتجولين على الشط .
    وها هو ماهر بلباس البحر يسير طابعا خطاه فوق الرمال المتلبدة بمحاذاة زبد الأمواج المتكسرة, فتتسارع نبضات قلبها فرحا وكأنها في سباق معه .
    على بعد أمتار من ماهر , كان هناك رجل يلوح بيديه ويصرخ قائلا :
    ــ ماهر .. ماهر
    توقف ماهر عن السير والتفت نحو الرجل , وإذ بهما يعدوان باتجاه بعضهما وكل يحضن الآخر . والرجل يقول لماهر :
    ــ (تيكانس) ماهر . انت فين ؟
    ــ (كالا) يورجوس , (بولي كالا ). شُغلت عنك بالتحضير لأمور السفر . في الغد سوف أعود للوطن . هل ترغب بشي ارسله لك من هناك ؟
    ــ (فخاريستو) ماهر . أما زلت عند وعدك بقضاء شهر العسل في ربوع اليونان ؟ انقل تحياتي وتحيات خطيبتي ميلينا إلى حياة التي
    تتشوق للقائك، انها في الطريق الى هنا , انتظرها .
    ــ ماذا قلت ؟ حياة هنا ؟
    ــ يا صديقي الولهان اقصد ميلينا خطيبتي . لقد صدق المثل القائل أن الجوعان يحلم برغيف الخبز .
    قهقه الرجلان حتى كادا السقوط من فرط انفعالهما فانتقلت عدوى الضحك الى حياة الجالسة أمام الشاشة فضحكت حتى امتلأت عيناها بالدموع .
    صافح ماهر صديقه يورجوس وهو يشير نحو صخرة كبيرة بعمق البحر تبتعد عن الشط عشرات الأمتار قائلا له :
    ــ حسنا يا صديقي , إني ذاهب للعوم قرب تلك الصخرة . لوِّح لي بمنديلك عندما تحضر ميلينا .
    ــ هذا المكان يا ماهر غير صالح للسباحة , به دوامات بحرية قد تغدر بك .
    ما هي إلا دقائق حتى بدا ماهر كمن يصارع القدر إلى أن التقطته إحدى الدوامات وأخذت تدور به كأنبوب اختبار في جهاز الطرد المركزي حتى سقط بفوهتها , وكان ما كان .

    سحبت حياة شهيقاً فرَّغ الغرفة من هوائها ثم زفرته بتأنٍ وكأنها تعيد تقييم ما حدث علَّها تتمكن من تحويل سير الاحداث بما ترغب وتشتهي .
    أدارت ما كانت قد سمعته من الببغاء في رأسها طويلا فدهمها كصاعقة . توثبت متسائلة :
    ــ اذا قام الببغاء بنسخي ثم إلصاقي بالمكان الذي يتواجد به ماهر ربما استطيع انقاذه ؟ .
    دون وعي منها قامت بنقر الفارة ثلاث نقرات متتالية .

    ها هي الشمس داخل الشاشة ترسل اشعتها من سماء صافية فتغمر رمل الشاطيء حيث تلمع ذراته . وها هي طيور النورس المختلطة زقزقتها بهدير الموج وصيحات المتنزهين والباعة المتجولين على الشط .
    ها هو ماهر بلباس البحر واقفا مع صديقه يورجوس يتكلمان .
    على بعد أمتار منهما شاهدت حياة نفسها بردائها الأزرق تتلفت حولها . يرنو ماهر بنظره نحوها فتتلاقى النظرات ويثب كل منهما على الآخر يحتضنه . لم ينتظر ماهر ركود العاطفة المتأججة داخل صدره ، فبادرها بالسؤال وعينه ترمق يورجوس قائلا :
    ــ لست مصدقا نفسي , ما الذي جاء بك الى هنا ؟ وأنفك ؟ متى اقدمت على عمل عملية تجميل له ؟ وأنت يا سيد يورجوس متى علمت بقدومها وكيف عرفتها وأنت لم تلتقِ بها من قبل ؟
    وخزته حياة بخاصرته ثم همست بأذنه قائلة :
    ــ لا تتعجل , لاحقا سوف أخبرك بكل شيء عندما نكون لوحدنا .
    أما يورجوس فقد أجابه وهو يشير لفتاة تقترب نحوهم قائلا :
    ــ يا صديقي الولهان , كنت اقصد ميلينا خطيبتي وها هي أمامك الآن .
    وقفت حياة أمام ميلينا مبهورة بجمالها الفاتن , بَدَت بوجهها المائل
    للبياض وبشرتها الناعمة وقسماتها المتناسقة وشعرها الذهبي الغزير وقدها الرشيق مثالا للحسن بغير منازع في الشط كله .
    تقدم ماهر نحو ميلينا آخذا يدها بكفه يقبلها احتراما ثم غمز يورجوس قائلا :
    ــ هل تسمح لي بكلمة أجامل بها خطيبتك ميلينا . وسوف أقولها باليونانية لأنها لا تعرف لغتنا .
    ــ تفضل يا روميو عصرك .
    ــ آنستي الجميلة , أنت من النساء اللواتي يدخلن القلب من أول نظرة .
    سحبت ميلينا يدها من كف ماهر بعصبية . بينما سقط يورجوس على الارض مغشيّا عليه من شدة الضحك .
    ــ يبدو أني قد (خبَّصت) بالكلام . بماذا اخطأت يا يورجوس ؟
    ــ بسيطة , لقد أضفت حرفين لا لزوم لهما . (كارذيامو) تعني القلب , لكنك قلت (أركاذيامو) وتعني الخصية

    كان هناك رقبة لماهر , انكمشت وأصبحت بحجم السمسمة .

    لم تهمل حياة المهمة التي أتت من أجلها ، تظاهرت بالتثاؤب وهي تمسك بيد ماهر قائلة :
    ــ هل تسمحان لنا بالذهاب , أشعر بالتعب والنعاس . هيّا بنا يا ماهر .

    همست ميلينا بأذن يورجوس . هزَّ رأسه مستجيبا لطلبها ثم قال :
    ــ تقول لكما ميلينا أنها لن تسمح لكما بالمغادرة قبل أن نستمتع سويا برحلة بحرية على متن (شختورتها) التي أهداها لها والدها بعيد ميلادها .


    قذفت الامواج مركبهم الصغير حتى اقترب من الصخرة التي غرق قربها ماهر . جذبت الدوامة البحرية مركبهم ثم هوى بجوفها . غمرت مياه البحر أجسادهم .

    حاولت حياة الإمساك بالقارب لكن محاولتها باءت بالفشل .
    فغاصت تحت سطح الماء كاتمة أنفاسها .

    بدت حياة الجالسة أمام شاشة الحاسوب مرهقة وتتنفس بصعوبة بالغة . مدت يدها نحو الفارة ونقرتها نقرتين متتاليتين، وقبل أن تنقر النقرة الثالثة فصل التيار الكهربائي .

    عاد التيار بعد ثوانٍ . وحياة لم تزل تبذل جهدها كي تضغط على زر الإشغال .
    ومضت الشاشة ايذانا بإعادة التشغيل . أضاء وميض الشاشة وجه حياة فبدت كمن يصارع الموت .


    واذا ببغاء أخضر اللون آتٍ من الركن البعيد , يرفرف بجناحيه . توقف عن الحركة بوسط الشاشة موحيا رغبته بالكلام . تذبذبت فلقتي منقاره فبدا وكأنه يتكلم .
    ــ ألم احذرك يا حياة ؟ونصحتك بحفظ البرنامج .
    ابتسم ابتسامة لا تخلو من مكر وأكمل ، لكنه لم يكن يوجه كلامه إلى حياة .
    ــ كثيرون ممن زرتهم يتصورون مسئوليتي فيما جرى
    لهم على غير حقيقتها .
    فقالت حياة بنبرة انكسار :
    ــ ولكنك قبضت على روحي كما قبضت على روح ماهر من قبلي .
    ــ لم أقبض في حياتي على روح أحد قط إلاّ بقبوله ورضاه ، وما أنا سوى بوق أردد ما أسمعه دون وعي ودون فهم .
    لاذ الببغاء بالصمت قليلا وحدج حياة بنظرة نافذة ثم
    واصل حديثه :
    ــ بالإذن الآن ، مهمتي معك قد انتهت .




    De. Souleyma Srairi

    [/align][/cell][/table1][/align][/align][/cell][/table1]


    لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

    تعليق

    يعمل...
    X