
[gdwl]مقامة : ضُمَّتِ المَطاوي فعَمَّتِ المَهَاوِي
[/gdwl]
أهابَ بي جَارِي عَافاهُ الله، ليُحَدِّثَنِي بمَا قدْ أتاهُ فقالَ :
" أيْ جاري الطيِّب ومكمَنَ سرِّي، تعالَ أُتْحِفْكَ بحدِيثِ كرِّي وفرِّي." ... انْصَعْتُ كعَادَتِي لِلَجِينِ قوْلةٍ، أمَنِّي النَّفْسَ بطُرْفةٍ أوْ بكريم نَوْلَةٍ ... فأضَافَ : "لا بُدَّ أنك أدْمَنْتَ غِيَابي، بدليل أنكَ كدْتَ تمُرُّ الآنَ مُشِيحًا عنْ بَابي." ..
قلتُ : "بلىَ، فبَعْدَ أنْ بَلغَنِي ما صرْتَ عليْهِ منْ عيْبٍ وخِسَّة، رَبَأتُ بنفْسِي عنْ قِرَانِكَ وضيَّقتُ دُونكَ المِجَسَّة ... هلْ هَانتْ أمَامَك كلُّ الأمُور، حتىَّ بتَّ تبيعُ تلاميذنا الكيْفَ والفجُور ؟؟ أما وَجَدْتَ دُونَ ذلك تِجَارَة، أمْ هو سَعْيٌ لربْح سَريع ويَا لَلْخَسَارَة ؟؟" ...
صَمَتَ مُحَدِّثِي بُرْهَة كمَنْ بهِ اللَّسْم، ثمَّ حَوْقلَ وسَبْحَنَ وقالَ فِي حَسْم : "تالله تظلِمُنِي يا جَارَ الجُنُبْ، أتتَّهِمُنِي أنيِّ مُهْلِكٌ جيلاً بعَجِين "القُنَّبْ" ؟؟" ...
قلتُ : "فمَا الذي وَارَاكَ السِّجْنَ إذنْ، وكيْفَ بعْدَئِذٍ لا أُسِيءُ بكَ الظَّنَّ ؟؟." ..
قال : "هو سعْيٌ لوْ تدْري جمِيل، وستجِدُ في سَرْدِي الدَّليل .. فهاك منيِّ مُجْمَلَ الرِّوَايَة، واللهَ أسْألُ أن يَكفِينا وإيَّاكَ الغِوَايَة .. لقدْ تبَاهَيْتُ طويلا بقوْمِي بعْدَ الثورَة، وحَلمْتُ بكِسَاءٍ حضَارِيٍّ يُخْفِي كلَّ عوْرَة ... لكنْ للأسَفِ وما إنْ ضُمَّتِ المَطَاوِي، حتى عَبَقَ الرِّجْسُ وزَادَتِ المَهَاوي، فصِرْنَا بيْنَ المُسْتجِير بالشَّرِّ و النَّاوِي ... واشْتدَّ يَأسِي لِمَا صَارَ إليْهِ بعضُ الشَّبَاب، إذ أنسَتْهُمْ مِحَنُهُمْ بُهْرَةَ الصَّوَاب، فمَا أقِيمَ للصَّبْر وزْنٌ ومَا قِيسَ علىَ الأخْذِ بالأسْبَاب ... فعجَّلُوا إلى تجَارَةٍ تفضَحُهَا أخْنَابُهَا، وانتصَبُوا في فوْضًى بسِلع لا تُعْلمُ أنسَابُهَا ... وطبْعًا كانَ منْ ضمْنِهَا الخمُورُ والمُسْكرَات، ومَا لفَّ لفُّهَا منَ الحَشِيش والمُهَلوسَات، تُبَاعُ شَيَاعًا في جُلِّ السَّاحَات، وعلىَ أبْوَابِ المَدَارس والجَامِعَات ... اسْتبَدَّ بي الضَّيْمُ، وعزَمْتُ صادِقًا علىَ الشَّيْم ... فقضيتُ اللياليَ ألعنُ الإنسِحَاب، وسَألْتُ الله أنْ يُلهِمَنِي الصَّوَابَ، فألْهَمَنِيهِ بعْدَ لأْيٍ، وخرَجْتُ منْ درْكِي برَأيٍ ... اخْتَرْتُ منَ الحَشائِشِ أطيَبَها ومن الصُّمَاغاتِ أرْيَبَهَا، فعالجْتُهَا دقًّا وعَلْكًا، حتىَّ صَارَتْ كاللبَان عِلْكًا، ثم خلطْتُهَا بالشَّاي حِفْظا للألوَان، وعرَضْتُهَا للبيْع بأبْخَسِ الأثمَان. وبذلك سَحَبْتُ البسَاطَ منْ تحْتِ باعَةِ الشَّر، وبتُّ سيِّدَ المَشْهَدِ ومَرْجعَ النَّظَر، بعد أنْ دَانتْ لِي رُؤُوسُ المُدْمنينَ دُونَ اسْتفحَال الضَّرَر. أوليْسَ فيمَا عرَضْتُ نفْعًا وشِفَاء ؟ فمَنْ سَارَ إلى بضَاعتِي كفيْتهُ البَلاءْ .. ما ترَى الآن وقدْ امْتنعَ زبَائِنِي عن "الحَشِيش" امْتناعًا، وهَا "وُصَيْفَتِي" دوَاءً مندُوبًا لمَنْ كانَ يَشْكُو صُدَاعًا ؟؟ " ...
قلتُ : "كيْفَ ذاكَ يا رَازيَ العَصْر ؟ أبُؤْتَ بالتحَزِّي حتىَّ حَالفَكَ النصْر ؟؟" ... أجاب محدثي : " وأيْمُ الله ما كُنْتُ الكاهنَ ولا الطَّبيب، لكنيِّ عُدْتُ إلى أسِّ التدَاوي والتطبيب، فعَلِمْتُ أن قلويدَاتَ الأقْحُوَان، تُبْرِئُ الرَّأسَ وتُلْجِمُ الإدْمَان، وبهذا كفيْتُ حُرَفَائِي جَللَ الكارثةِ وغضَبَ الرَّحْمَان ..."
اسْتسَغْتُ صِدْقَ حَدِيثِه، وقرَّرْتُ طوْعًا أنْ أظلَّ رَبِيثَهُ .. حتىَّ يُمِيطَ عنْ سَبَبِ سَجْنِهِ، ويخْرُجَ منْ طوْرِ لجْنِهِ ، فسَألته : " ما سَلكَكَ في غيَاهِبِ السُّجُون، وقدْ زعَمْتَ حَرْبًا على تعَاطِي الأفيُون ؟؟" ..
أجابني : " اِعْلمْ أنيِّ اتَّفَقْتُ وشُعْبَة المُخَدِّرَات، على كشْفِ هويَّةِ تُجَّارِ "الكِيف" والمُسْكِرَات، فلمَّا بتُّ مَقصَدَ المُدْمِنينَ والنُّدَمَاء، دَانَ لي أغلبُ البَاعَةِ بالوَلاء، وطَمِعُوا في أنْ ألقِيَ عليْهِمْ الأرْوَاق، وأتْرُكَ لهُمْ فرْصَة للارْتزَاق .. وبالطَّبْع أنَخْتُ لهُمْ عِيرَ المُدَاهَنة، وأدْرَكْتُ معَ الشُّرْطَةِ كلأ المُرَاهَنة، وحِينَ بَاتتْ بيْنَ دفاتِر النَّائِب العَام قائمَة إسْمِيَة، الْتمَّ لدَيْهِ شتِيتُ الخَطْبِ فرَفَعَ القضِيِّة .. وكوْنِي شاهدًا وشَريكَ الشُّرْطة، فقدْ جُوزيتُ خيْرًا أنْ أنْقَذْتُ جيلاً منَ الوَرْطَة، أفلا كفيْتنِي نعُوتكَ يَا ذا الفُرْطَة.؟؟" [/gdwl]
تعليق