تأليف: رضا الهجرسي
ليالي بعد ألف ليلة وليلة
لما فرغت شهرزاد من آخر حكاياتها لشهريار وخلال ألف ليلة وليلة
وفي نهاية الليلة الواحدة بعد الألف قامت علي قدميها وقبلت الأرض
بين يدي شهريار ووضعت بين يديه أولادها الثلاثة التي أنجبتهم منه
خلال الألف ليلة وليلة ليتشفعوا لها عنده ..
أخذت تبكي متوسلة ..
- يا ملك الزمان وفريد العصر والأوان أني جاريتك شهرزاد ..
ولي ألف ليلة وليلة وأنا أحكي لك حديث السابقين وعجائب
الزمان والأنس والجان ..وها أنا ذا قد فرغت حكاياتي ..
فهل أطمع في عفوك وتعتقني من القتل..أكراما لأولادك الصغار
فإن قتلتني ..صاروا لليتم صيدا.. وللحزن والهم مآرب ..
فالأم ستارا بل جدارا لأولادها من كل هم وحزن ..
ويصيروا من بعدي ..لقمة سائغة ..لشياطين الأنس والجان ..
بكي شهريار بكاءا شديدا وضم أولاده إلي صدره ..
- يا شهرزاد... لقد عفوت عنك منذ زمن طويل..
عندما تيقنت من طهارتك وعفتك ..ف قري عينا وأطمئني ..
يا مهجة فؤادي وأم أولادي ..وسميرة ليالي وأحلامي ..
وغدا ترفع الزينات..وتنصب الولائم ..ولينشد المنشدون ..وترقص
الراقصات..وتدق الدفوف ..فرحا بنجاة شهرزاد ..
جلست شهرزاد وقد أطمئن قلبها وهدأت سريرتها ..وبجانبها شهريار
يمازحها ويداعبها في مرح وحبور..والراقصات يرقصون ويدقون الدفوف..والمنشدون ينشدون ..والطعام والشراب يغرق المكان ..

الجميع مستغرق في لهوه..
إلا شهرزاد فعقلها وذكائها الأنثوي لم يهدأ هنيهة..والسؤال اللحوح الملح..لم يتركها تهنأ برهة بنجاتها من الموت ..
- ثم ماذا بعد ؟
فهي أعلم الناس بشهريار ..والطفل الملول بداخله..
والذي قد يعيد سيرته الأولي من ذبح وسفك دم العذاري..
وقد هباها الله هذة الهبة في قدرتها علي سرد الحكايات والنوادر وعجائب الزمان ..لألهاءه.. ألف ليلة وليلة ..
وعزمت علي إكمال خدعتها في أن يظل مشدودا إليها بوثاق من
حريرالفضول والترقب فيما هو آت ..من عظائم الأمور وعجائب الكون وأسرارة ..وممالك الأنس والجان والسحرة والمشعوذين..
تنبهت من دوامتها تلك علي صوت المنشد ..وهو ينشد موالا حزينا..
يا ليل ..يا عين ..يا ليل ..يا عين ..
في البحر لم فتكم..في البر فتوني..
بالتبر لم بعتكم ...بالتبن بعتوني ..
برقت عيناها وأبتهج فؤادها ..فقد حصلت علي مرامها ..
حكاية جديدة
أخذت تبحث عن هدفها المنشود..وصدق حدسها ..

فوجدته كما توقعت يرقص مع الجواري الحسان ..في سعادة غامرة
أشتعلت الغيرة في قلب شهرزاد..وصممت علي تنفيذ خطتها..
وإرجاعه لشبكتها الحريرية
في ساعته وأوانه دون أبطاء ..
وقبل أن تقع عيناه علي جارية خمرية
أو بيضاء أيرانية ..أو عذراء تذهب بعقله ..ويعود معها لسيرته الأولي
أنقضت عليه في فزع وسحبته من وسط الجواري الحسان ..
تعجب شهرزاد من فعلتها ..وفي غضب ..
- ما بك يا شهرزاد ..ماذا تريدين ..
- أسمعت المنشد ..ماذا كان ينشد ..
- أجننتي يا امرأة..
تجرينني كالبهيم من وسط أحبائي وجواري ..
لأسمع منشد ..أسود الوجه ..قبيح الخلقه..ورجل أيضا ..
- هذا الأسود..قبيح الخلقه ..قد ذكرني بحكاية بها الأعاجيب العجاب..
- حكاية من ..ألم تقولي أن جراب حكاياتك قد فرغ ..وقريحتك
قد نضبت ..وطلبتي العفو ..
وعفونا ..
- نعم يا ملك الزمان وفريد العصر والأوان ..
ولكن المنشد ذكرني بأعجب حكاية ستسمعها أذنيك ..
برقت عينا شهريار ببريق طفولي وهو يصرخ فرحا ..
- حقا يا شهرزاد ..إذن ماذا ننتظر ..هيا بنا إلي مجلسنا ..
لتقصي لي حكاياتك العجيبة ..
مدينة الخُرس
الليلة الثانية بعد الألف

قالت شهرزاد ..بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد والعمر المديد ..
أنه كان في حديث الزمان وسالف العصر والأوان ..
حاكم من الحكام ..وُلِي أمر العباد ..وتحكم في الرقاب والنفوس
والأرزاق ..علي مدينة الآمنين الواقعة علي النهر العظيم ..ذات
الخيرات الوفيرة ..كانت المدينة السعيدة لا تنام من ليل أو نهار
أصوات البيع والشراء بالأسواق لا تنقطع.. نهارا ..
وأصوات الدفوف والمنشدين والشعراء والذاكرين.. ليلا ..
وكانت للملك زوجة ..جمالها يفتن القلوب ..ويسلب العقول ..
كانت ناصية أمره بيدها ..تأمر فيلبي..
أنجبت له وليا للعهد ..فإزداد ولها وعشقا بها ..وأصبح الولد هو
العين التي يريان بها الدنيا..فأسموه ..عين الحياة..وينادي ..عين
أقلقت أصوات المدينة التي لا تنقطع من ليلا أو نهار .. نوم عين
فطلبت الملكة من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..بفرض أتاوة
مالية..علي كل من يصل صوته الي غرفة نوم عين ..ويزعجه في
نومه .. أو يومه.. ولم يُأت هذا المرسوم ثمارة ..
وظل أهالي المدينة يبيعون ويسمرون..ويدفعون الأتاوة وهم يهزأون ويستهزأون بهذا المرسوم الملكي العجيب..
وأستمرت الأصوات تصل الي مخدع عين وأمه الملكة وتزعجهم ..
في نومهم.. ويومهم ..
أشتد غضب الملكة وأزداد سخطها علي أهالي المدينة ..
وطلبت من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..أشد قسوة علي هؤلاء الرعاع السفهاء..
وعلي الفور أصدر الملك مرسوما ملكيا ..
كل من يصل صوته إلي مخدع عين ويزعجه في نومه أو صحوه
يسجن فورا ..دون محاكمة أو أمر من قاضي القضاة..
وإختفت الأصوات من المدينة ..عندما اختفي كل من أصدر صوتا
ثم عادت ترتفع مع مرور الزمان ..وسخط العباد علي الحال ..
وعادت أصوات المدينة ..تزعج الأمير عين في نومه وفي صحوه
فأستشاطت الملكة غضبا وسخطا ..علي الرعاع والدهماء من العامة
وجن جنونها ..فطلبت من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..
علي كل من يصل صوته لمخدع الأمير عين ..يعاقب ب ..
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الليلة الثالثة بعد الألف
جلست شهرزاد سعيدة بعودة طفلها الملول الي أحضان حكاياتها..
ورأت اللهفة والترقب في عينيه ..ليعرف باقي الحكاية..
قالت عندما عادت أصوات الرعاع تزعج الأمير عين في نومه
ويومه .. كان غضب الملكة شديدا ..وأزداد غيظها ..وطلبت من
من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..
كل من يصل صوته الي مخدع الأميرعين..ويزعجه في نومه ويومه
يقطع لسانه علي الفور ..
أصدر الملك مرسومة ..
وأستاء بعض الناس وعلت أصواتهم معترضين..
فقطعت ألسنتهم علي الفور ..دون الرجوع الي قاضي القضاة ..

وخرست المدينة ..
ومع مرور الزمان والأيام ..قطع من قطع لسانه .. وخرس من خرس
خوفا وجبنا ..
أصبح الجميع يتحدثون بأشارات الأصابع والأيدي ..
توقف الشعراء عن قرض الشعر في الحبيب أو المعشوق ..
وتبدل أسم المدينة ..من مدينة الآمنين ..
إلي مدينة الخرس ..
وتمر الأيام والأزمان ..والمدينة علي حالها ..
شاخ الملك وظهرت عليه علامات الزمان من خرف وسفة ..ولم يفلح
معه شراب طبيب ..أو سحر ساحر ..أو رقية وحجاب مشعوذ ..
وأصبحت الملكة هي الحاكم الفعلي لمدينة الخرس..
من وراء ستار الملك.. الميت..الحي..
وكما شرب عين الحياة.. اللبن من صدر أمه رضيعا..

شرب من قلبها الحقد والغل ..والتهوين من شأن الغوغاءوالدهماء..والفقراء..والمعدومين..شابا..
وإلتفت من حوله بطانة المنتفعين والفاسدين..وطالبي السلطة ..والثراء
زينوا لة الباطل ..حقا ..عشق سلطاته المطلقة ..ونسي الله العلي القدير
الذي وهبه كل شئ ..من شباب وصحة وجاة وسلطان ..فعاث في الأرض فسادا دون رادع من ضمير ..أو خوف من غضب عزيز مقتدر ..
وفي ليلة نجومها متلالئة ..ونسمتها رقيقة ..والمدينة غارقة في خرسها
شق قلب الصمت ..صوت شجي ..قوي النبرة ..حزين في شجن ..يغني
ويبكي بكاءا مريرا يمزق القلوب المقهورة ..
سمعة كل من في المدينة ..وسمعة أيضا كل من في قصر الحاكم ..
وكأنه صوت شيطان أو عفريت ..يتنقل من مكان لمكان في غمضة عين..وهو ينشد ..
يا ليل ..يا ليل
في البحر لم فتكم ..في البر فتوني
بالتبر لم بعتكم ......بالتبن بعتوني
يا ليل ..يا ليل
أنتفض عين الحياة فزعا من نومه ..علي الصوت ..
الذي أخترقت كل كلمة من كلمات المنشد الحزين الباكي ..
قلبه قبل أذنه ..فظن نفسه في كابوس بشع ..ولم يصدق أذنيه ..
أقتحمت أمه الملكة مخدعه وهي ترتعد في رعب ..
- أسمعت ما سمعت ..أم أني واهمة ..
- نعم ياأمي سمعت..ما هذا الصوت العجيب الذي يخترق الجدران قبل الأذان .
صرخ في غضب شديد مناديا كبير الحرس ..وطلب منه أن يحضر
هذا الفاجر الزنديق الذي أخترق صوته الجدران قبل الأذان ..
وليُقطع لسانه في الحال ..
هرول كبير الحرس منفذا لأمر عين الحياة ..وأنتشر العسس والجند
يبحثون ويفتشون في أرجاء المدينة ..وهم في ذهول وخوف شديدين
فما زال الصوت يشق صمت المدينة ..وكلما أقترب الجند من مكانه
أنتقل الي أقصي المدينة ..ثم يعود وينتقل بسهولة ويسر الي وسط
المدينة ..وكأنة صوت بألف صوت ..وظل الصوت ينشد ..
يا ليل ..يا ليل ..
في البحر لم فتكم ..في البر فتوني.
بالتبر لم بعتكم ......بالتبن بعتوني.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الليلة الرابعة بعدالألف
قالت بلغني أيها الملك السعيد ..أن كبير الحرس والجند والعسس ..
ظلوا يطاردون صوت المنشد في أرجاء مدينة الخرس ..دون أن
يعثروا علي منشده ..دون طائل ..
وتوقف صوت المنشد وأقواله العجيبة.. مع أذان الفجر ..
وعاد كبير الحرس الي القصر مطأطئ الرأس في ذهول وحيرة ..
وسأله عين في لهفة ..
- لقد توقف الصوت ..أذن قد أمسكتم به ..هل قطعتم لسانه ..هل
قتلتموه ..أجبني ..أيها الأبلة الغبي ..صمتك يقتلني ..تكلم ..
- لا أدري يا مولاي بماذا أجيبك ..هذا عمل ساحر أو مشعوذة
أي بالله ..هذا ليس بعمل أنس ..
- أحضروا لي علي الفور ..السحرة والمنجمين وطالعي الغيب
وكبير الحكماء ..هيا تحرك أيها الأبلة ..
حضر الجميع الي بلاط الملك..وهم يتحاورون ويتعجبون ويتناظرون
فيما حدث ..ودخل عليهم عين وهم في هرج ومرج .. وجدال..
فصمت الجميع ..وأنحنوا لعين ..أشار لكبير الحكماء ..وسأله ..
- هل سمعت هذا المنشد الذي يخترق صوته الجدران قبل الأذان ..
- سمعتة يا مولاي ..وأخترق جدران بيتي وأذني وقلبي ..
- وهل وجدت تفسيرا لما حدث ..وما هذة الكلمات العجيبة التي
ينشدها الصوت الباكي الحزين ..يا ليل ..يا ليل ..أي ليل يقصد
- لقد تحاورنا جميعا ..وقرأنا النجوم والطالع ..وطالعت بلورتي
السحرية ..وأحضرنا عفريت من الجن من العالم السفلي ..
- وهل علمتم شيئا عن هذا الصوت وكلماته العجيبة تلك ..
- شئ واحد كنا نعلمة جميعا ..وردده الصوت ..
- وما هو ..
- ليل ..
- ما معني هذا..تحاورتم وطالعتم النجوم..وأحضرتم جني من
العالم السفلي ..لتعرفوا ما هو الليل ..لقد شخت وهرمت وذهب
عقلك ..يا حكيم..
- أنصت لي يا مولاي أقبل يدك ..المسألة خطيرة بل كارثة..
- أي خطر في هذا ..فالليل هو الليل ..والنهار هو النهار..
- ليل يا مولاي.. هي.. وليست هو ..
- أتطرح علي أحجية لأحلها ..تكلم أيها العجوز الخرف ..
من هي ليل تلك ..
-أمرك ..أمرك يا مولاي ..هي ليل ذات الشعور الذهبية ..
أميرة البحور السفلية ..
وأبنة دندان ملك الجان ..
ملك ملوك العوالم السفلية ..
وأدرك شهر زاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
وإلى لقاء قريب مع باقى الليالى ..
ليالي بعد ألف ليلة وليلة
لما فرغت شهرزاد من آخر حكاياتها لشهريار وخلال ألف ليلة وليلة
وفي نهاية الليلة الواحدة بعد الألف قامت علي قدميها وقبلت الأرض
بين يدي شهريار ووضعت بين يديه أولادها الثلاثة التي أنجبتهم منه
خلال الألف ليلة وليلة ليتشفعوا لها عنده ..
أخذت تبكي متوسلة ..
- يا ملك الزمان وفريد العصر والأوان أني جاريتك شهرزاد ..
ولي ألف ليلة وليلة وأنا أحكي لك حديث السابقين وعجائب
الزمان والأنس والجان ..وها أنا ذا قد فرغت حكاياتي ..
فهل أطمع في عفوك وتعتقني من القتل..أكراما لأولادك الصغار
فإن قتلتني ..صاروا لليتم صيدا.. وللحزن والهم مآرب ..
فالأم ستارا بل جدارا لأولادها من كل هم وحزن ..
ويصيروا من بعدي ..لقمة سائغة ..لشياطين الأنس والجان ..
بكي شهريار بكاءا شديدا وضم أولاده إلي صدره ..
- يا شهرزاد... لقد عفوت عنك منذ زمن طويل..
عندما تيقنت من طهارتك وعفتك ..ف قري عينا وأطمئني ..
يا مهجة فؤادي وأم أولادي ..وسميرة ليالي وأحلامي ..
وغدا ترفع الزينات..وتنصب الولائم ..ولينشد المنشدون ..وترقص
الراقصات..وتدق الدفوف ..فرحا بنجاة شهرزاد ..
جلست شهرزاد وقد أطمئن قلبها وهدأت سريرتها ..وبجانبها شهريار
يمازحها ويداعبها في مرح وحبور..والراقصات يرقصون ويدقون الدفوف..والمنشدون ينشدون ..والطعام والشراب يغرق المكان ..

الجميع مستغرق في لهوه..
إلا شهرزاد فعقلها وذكائها الأنثوي لم يهدأ هنيهة..والسؤال اللحوح الملح..لم يتركها تهنأ برهة بنجاتها من الموت ..
- ثم ماذا بعد ؟
فهي أعلم الناس بشهريار ..والطفل الملول بداخله..
والذي قد يعيد سيرته الأولي من ذبح وسفك دم العذاري..
وقد هباها الله هذة الهبة في قدرتها علي سرد الحكايات والنوادر وعجائب الزمان ..لألهاءه.. ألف ليلة وليلة ..
وعزمت علي إكمال خدعتها في أن يظل مشدودا إليها بوثاق من
حريرالفضول والترقب فيما هو آت ..من عظائم الأمور وعجائب الكون وأسرارة ..وممالك الأنس والجان والسحرة والمشعوذين..
تنبهت من دوامتها تلك علي صوت المنشد ..وهو ينشد موالا حزينا..
يا ليل ..يا عين ..يا ليل ..يا عين ..
في البحر لم فتكم..في البر فتوني..
بالتبر لم بعتكم ...بالتبن بعتوني ..
برقت عيناها وأبتهج فؤادها ..فقد حصلت علي مرامها ..
حكاية جديدة
أخذت تبحث عن هدفها المنشود..وصدق حدسها ..

فوجدته كما توقعت يرقص مع الجواري الحسان ..في سعادة غامرة
أشتعلت الغيرة في قلب شهرزاد..وصممت علي تنفيذ خطتها..
وإرجاعه لشبكتها الحريرية
في ساعته وأوانه دون أبطاء ..
وقبل أن تقع عيناه علي جارية خمرية
أو بيضاء أيرانية ..أو عذراء تذهب بعقله ..ويعود معها لسيرته الأولي
أنقضت عليه في فزع وسحبته من وسط الجواري الحسان ..
تعجب شهرزاد من فعلتها ..وفي غضب ..
- ما بك يا شهرزاد ..ماذا تريدين ..
- أسمعت المنشد ..ماذا كان ينشد ..
- أجننتي يا امرأة..
تجرينني كالبهيم من وسط أحبائي وجواري ..
لأسمع منشد ..أسود الوجه ..قبيح الخلقه..ورجل أيضا ..
- هذا الأسود..قبيح الخلقه ..قد ذكرني بحكاية بها الأعاجيب العجاب..
- حكاية من ..ألم تقولي أن جراب حكاياتك قد فرغ ..وقريحتك
قد نضبت ..وطلبتي العفو ..
وعفونا ..
- نعم يا ملك الزمان وفريد العصر والأوان ..
ولكن المنشد ذكرني بأعجب حكاية ستسمعها أذنيك ..
برقت عينا شهريار ببريق طفولي وهو يصرخ فرحا ..
- حقا يا شهرزاد ..إذن ماذا ننتظر ..هيا بنا إلي مجلسنا ..
لتقصي لي حكاياتك العجيبة ..
مدينة الخُرس
الليلة الثانية بعد الألف
قالت شهرزاد ..بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد والعمر المديد ..
أنه كان في حديث الزمان وسالف العصر والأوان ..
حاكم من الحكام ..وُلِي أمر العباد ..وتحكم في الرقاب والنفوس
والأرزاق ..علي مدينة الآمنين الواقعة علي النهر العظيم ..ذات
الخيرات الوفيرة ..كانت المدينة السعيدة لا تنام من ليل أو نهار
أصوات البيع والشراء بالأسواق لا تنقطع.. نهارا ..
وأصوات الدفوف والمنشدين والشعراء والذاكرين.. ليلا ..
وكانت للملك زوجة ..جمالها يفتن القلوب ..ويسلب العقول ..
كانت ناصية أمره بيدها ..تأمر فيلبي..
أنجبت له وليا للعهد ..فإزداد ولها وعشقا بها ..وأصبح الولد هو
العين التي يريان بها الدنيا..فأسموه ..عين الحياة..وينادي ..عين
أقلقت أصوات المدينة التي لا تنقطع من ليلا أو نهار .. نوم عين
فطلبت الملكة من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..بفرض أتاوة
مالية..علي كل من يصل صوته الي غرفة نوم عين ..ويزعجه في
نومه .. أو يومه.. ولم يُأت هذا المرسوم ثمارة ..
وظل أهالي المدينة يبيعون ويسمرون..ويدفعون الأتاوة وهم يهزأون ويستهزأون بهذا المرسوم الملكي العجيب..
وأستمرت الأصوات تصل الي مخدع عين وأمه الملكة وتزعجهم ..
في نومهم.. ويومهم ..
أشتد غضب الملكة وأزداد سخطها علي أهالي المدينة ..
وطلبت من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..أشد قسوة علي هؤلاء الرعاع السفهاء..
وعلي الفور أصدر الملك مرسوما ملكيا ..
كل من يصل صوته إلي مخدع عين ويزعجه في نومه أو صحوه
يسجن فورا ..دون محاكمة أو أمر من قاضي القضاة..
وإختفت الأصوات من المدينة ..عندما اختفي كل من أصدر صوتا
ثم عادت ترتفع مع مرور الزمان ..وسخط العباد علي الحال ..
وعادت أصوات المدينة ..تزعج الأمير عين في نومه وفي صحوه
فأستشاطت الملكة غضبا وسخطا ..علي الرعاع والدهماء من العامة
وجن جنونها ..فطلبت من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..
علي كل من يصل صوته لمخدع الأمير عين ..يعاقب ب ..
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الليلة الثالثة بعد الألف
جلست شهرزاد سعيدة بعودة طفلها الملول الي أحضان حكاياتها..
ورأت اللهفة والترقب في عينيه ..ليعرف باقي الحكاية..
قالت عندما عادت أصوات الرعاع تزعج الأمير عين في نومه
ويومه .. كان غضب الملكة شديدا ..وأزداد غيظها ..وطلبت من
من الملك أن يصدر مرسوما ملكيا ..
كل من يصل صوته الي مخدع الأميرعين..ويزعجه في نومه ويومه
يقطع لسانه علي الفور ..
أصدر الملك مرسومة ..
وأستاء بعض الناس وعلت أصواتهم معترضين..
فقطعت ألسنتهم علي الفور ..دون الرجوع الي قاضي القضاة ..

وخرست المدينة ..
ومع مرور الزمان والأيام ..قطع من قطع لسانه .. وخرس من خرس
خوفا وجبنا ..
أصبح الجميع يتحدثون بأشارات الأصابع والأيدي ..
توقف الشعراء عن قرض الشعر في الحبيب أو المعشوق ..
وتبدل أسم المدينة ..من مدينة الآمنين ..
إلي مدينة الخرس ..
وتمر الأيام والأزمان ..والمدينة علي حالها ..
شاخ الملك وظهرت عليه علامات الزمان من خرف وسفة ..ولم يفلح
معه شراب طبيب ..أو سحر ساحر ..أو رقية وحجاب مشعوذ ..
وأصبحت الملكة هي الحاكم الفعلي لمدينة الخرس..
من وراء ستار الملك.. الميت..الحي..
وكما شرب عين الحياة.. اللبن من صدر أمه رضيعا..

شرب من قلبها الحقد والغل ..والتهوين من شأن الغوغاءوالدهماء..والفقراء..والمعدومين..شابا..
وإلتفت من حوله بطانة المنتفعين والفاسدين..وطالبي السلطة ..والثراء
زينوا لة الباطل ..حقا ..عشق سلطاته المطلقة ..ونسي الله العلي القدير
الذي وهبه كل شئ ..من شباب وصحة وجاة وسلطان ..فعاث في الأرض فسادا دون رادع من ضمير ..أو خوف من غضب عزيز مقتدر ..
وفي ليلة نجومها متلالئة ..ونسمتها رقيقة ..والمدينة غارقة في خرسها
شق قلب الصمت ..صوت شجي ..قوي النبرة ..حزين في شجن ..يغني
ويبكي بكاءا مريرا يمزق القلوب المقهورة ..
سمعة كل من في المدينة ..وسمعة أيضا كل من في قصر الحاكم ..
وكأنه صوت شيطان أو عفريت ..يتنقل من مكان لمكان في غمضة عين..وهو ينشد ..
يا ليل ..يا ليل
في البحر لم فتكم ..في البر فتوني
بالتبر لم بعتكم ......بالتبن بعتوني
يا ليل ..يا ليل
أنتفض عين الحياة فزعا من نومه ..علي الصوت ..
الذي أخترقت كل كلمة من كلمات المنشد الحزين الباكي ..
قلبه قبل أذنه ..فظن نفسه في كابوس بشع ..ولم يصدق أذنيه ..
أقتحمت أمه الملكة مخدعه وهي ترتعد في رعب ..
- أسمعت ما سمعت ..أم أني واهمة ..
- نعم ياأمي سمعت..ما هذا الصوت العجيب الذي يخترق الجدران قبل الأذان .
صرخ في غضب شديد مناديا كبير الحرس ..وطلب منه أن يحضر
هذا الفاجر الزنديق الذي أخترق صوته الجدران قبل الأذان ..
وليُقطع لسانه في الحال ..
هرول كبير الحرس منفذا لأمر عين الحياة ..وأنتشر العسس والجند
يبحثون ويفتشون في أرجاء المدينة ..وهم في ذهول وخوف شديدين
فما زال الصوت يشق صمت المدينة ..وكلما أقترب الجند من مكانه
أنتقل الي أقصي المدينة ..ثم يعود وينتقل بسهولة ويسر الي وسط
المدينة ..وكأنة صوت بألف صوت ..وظل الصوت ينشد ..
يا ليل ..يا ليل ..
في البحر لم فتكم ..في البر فتوني.
بالتبر لم بعتكم ......بالتبن بعتوني.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
الليلة الرابعة بعدالألف
قالت بلغني أيها الملك السعيد ..أن كبير الحرس والجند والعسس ..
ظلوا يطاردون صوت المنشد في أرجاء مدينة الخرس ..دون أن
يعثروا علي منشده ..دون طائل ..
وتوقف صوت المنشد وأقواله العجيبة.. مع أذان الفجر ..
وعاد كبير الحرس الي القصر مطأطئ الرأس في ذهول وحيرة ..
وسأله عين في لهفة ..
- لقد توقف الصوت ..أذن قد أمسكتم به ..هل قطعتم لسانه ..هل
قتلتموه ..أجبني ..أيها الأبلة الغبي ..صمتك يقتلني ..تكلم ..
- لا أدري يا مولاي بماذا أجيبك ..هذا عمل ساحر أو مشعوذة
أي بالله ..هذا ليس بعمل أنس ..
- أحضروا لي علي الفور ..السحرة والمنجمين وطالعي الغيب
وكبير الحكماء ..هيا تحرك أيها الأبلة ..
حضر الجميع الي بلاط الملك..وهم يتحاورون ويتعجبون ويتناظرون
فيما حدث ..ودخل عليهم عين وهم في هرج ومرج .. وجدال..
فصمت الجميع ..وأنحنوا لعين ..أشار لكبير الحكماء ..وسأله ..
- هل سمعت هذا المنشد الذي يخترق صوته الجدران قبل الأذان ..
- سمعتة يا مولاي ..وأخترق جدران بيتي وأذني وقلبي ..
- وهل وجدت تفسيرا لما حدث ..وما هذة الكلمات العجيبة التي
ينشدها الصوت الباكي الحزين ..يا ليل ..يا ليل ..أي ليل يقصد
- لقد تحاورنا جميعا ..وقرأنا النجوم والطالع ..وطالعت بلورتي
السحرية ..وأحضرنا عفريت من الجن من العالم السفلي ..
- وهل علمتم شيئا عن هذا الصوت وكلماته العجيبة تلك ..
- شئ واحد كنا نعلمة جميعا ..وردده الصوت ..
- وما هو ..
- ليل ..
- ما معني هذا..تحاورتم وطالعتم النجوم..وأحضرتم جني من
العالم السفلي ..لتعرفوا ما هو الليل ..لقد شخت وهرمت وذهب
عقلك ..يا حكيم..
- أنصت لي يا مولاي أقبل يدك ..المسألة خطيرة بل كارثة..
- أي خطر في هذا ..فالليل هو الليل ..والنهار هو النهار..
- ليل يا مولاي.. هي.. وليست هو ..
- أتطرح علي أحجية لأحلها ..تكلم أيها العجوز الخرف ..
من هي ليل تلك ..
-أمرك ..أمرك يا مولاي ..هي ليل ذات الشعور الذهبية ..
أميرة البحور السفلية ..
وأبنة دندان ملك الجان ..
ملك ملوك العوالم السفلية ..
وأدرك شهر زاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
وإلى لقاء قريب مع باقى الليالى ..
تعليق