[align=justify]جدلية الأنا-الآخر: نظرة تفكيكية في "آنستُ نايا" للشاعرة القديرة راضية العرفاوي
فالصورة التي ترسمها الشاعرة هنا تؤصّل لإحساس شاعري تثيره في مفتتح النص بما تحمله من دلالات تخرج عن المبتذل واليومي. فالذات الشاعرة تنبض بمشاعرها المضطربة، فتقول "أنست" بفعل الأنس والتجمع والتوحد من بعد فراق وبعاد وتشظي، وتحمل الأنا ثقل المشاعر بما حوت وأنبتت جذورها الباطنية، فمصدر الأنس هو "الناي" وليس شئ آخر خارج دائرة السمع والصوت وما يصحبهما، فالشاعرة – كما غيرها من الإنس – بحاجة لصوت مسوع وقوي يبدد وحشتها وعزلتها ولو كانت وجدانية أو نفسية، وبخاصةٍ في تناصها مع القول الديني وبإزاحة الكلمة الأصل "ناراً" لتصبح بفعل الوعي والتجربة "ناياً" تختلف في الدلالة والرمزية والفضاء الشاعري. فالنار لها دلالات الحريق والموت والألم والفناء والتآكل والوجع والعقاب، ومنها دلالات الدفء والحرارة والتحدي والصبر وكل ما توحي به أسطورة النار في العرف التاريخي والثقافي والوعي الجمعي العالمي/الإنساني. ورغم ذكر آنست ناياً بالتجاور إلا أننا نستحضر متعاكسات الفعل والمفعول في هجرت و تركت وغادرت وضيعت وفقدت وعزلت، ما يعني تحيز الشاعرة لفكرة الأنس والتوحد والتلاحم والبحث عن الذات في موسيقى الناي. اما متعاكسات الناي فيتم استحضارها من قاموس الشاعرة نفسها ومن النص ذاته في: الحيرة و الشَّقاء و الجرح و الشهادة والوجع و غيرها. قد تكون الصورة هنا محض واقعية ويومية من وعي الذات الشاعرة بما حولها واستحبابها للناي دون سواه من أدوات العزف والموسيقى وتبديد الصمت والحزن والسكوت.
ثم تصرح القصيدة – والوعي نفسه والتجربة ذاتها بكل طقوسها – بمكان الحصول على فعل الأنس، فهو ليس مكاناً مأمولاً أو طبيعياً للنفس الإنسانية المتظشية والباحثة عن مأوى ومحيط يبدد الوحشة والأحزان والحيرة، وذلك كان في "مهبِّ الرُّوحِ" بكل دلالات الروح التي تعصف بالباطن الشاعرة وتسكب العواطف سكباً في رديف الروح: العقل الكامن في صورة تتفجر منها شاعرية البوح ولا تترك الصيحات هنا – التي ربما تكون صيحات الناي التي تحولت لإنسان يفضي بروح المشاركة والتماهي والتوحد واللقاء والحوار.
ثم ننتقل لحالة تأويلية أخرى تتضح فيها معالم التضاد، ففي "تتلعثم الصيحات" و "يزف توقاً" توتر شعوري ودلالي ينطوي على حالة نفسية من الارتباك والحيرة والتشظي وتكشف عن ثنائية تعاكسية للمعنى والتصريح الشاعري، فالمقصد ألا "تتلعثم الصيحات" بل تخرج سائبةً وسليمة ما دامت تبحث عن مستقر نفسي ووجداني يخرج الذات الشاعرة من "عرش الشقاء" و حالة الجرح التي تنطوي على مفارقة هنا، بحيث تصرح الشاعرة بأنها تمنح الآخر "سند"، حتى لو تطلب أمرها اللجوء أو العودة للبدء كي تعيد تكوين الباطن والذات دون الولوج في عالم الشقاء الجارح:
أعطيكَ من جُرحي سَنَدْ..
يا شهيدَ الوجدِ ..؟ وهنا تقنية التضاد في تجاور "شهيد" مع "حالة "الوجد،" فكان أجدى للذات الشاعرة وأدل على تحقيق حلم التخلص من حالتي الشقاء والجراح وللتوحد مع الآخر وهو حي يرزق لتتحقق الأحلام والآمال في استحضار حالات من الأُنس والحراك الاجتماعي والوجداني، كان أجدى وأدل منها أن تزيح حالة "الشهادة" بحالة أكثر حياة في الواقع ومستثمرة في الدنيا فوق الأرض وليس تحت الأرض في العالم السفلي. وهذا المقترح يستدل عليه من صوت الشاعرة المنطوي على اعتراف قوي وصريح بحالة التراسل الدلالي والتعبيري في:
"شاعرةٌ وربِّي" و "مازلتُ شاعرةً بنا" و "أهديكَ عطرَ تَبَسُّمي" و "وأعدُّ زنبقةً و مِنديلاً". فهنا خلق لحالة توتر جديدة في فضاء النص عندما يتغير صوت البوح الشاعري من "مهب الروح" إلى "محطة الوجع" – ليس الوجع المتسفحل والمستدام - بل الوجع الذي يتم أنسنته ويهرب شريداً طريداً، وهو ما يبدد الوجع الفعلي في باطن الشاعرة وعالمها الجواني:"
أعدُّ محطّةَ الوجعِ الشريدِ
زما سبق يدخل عالماً آخر من التوترات النصية والسياقية التي توظفها الشاعرة للدلالة على عالمها النفسي والاجتماعي والوجداني، وذلك حين تصرح عن ذاتها وكينونتها بأنها "خضراءَ ما مُسَّت بسوءٍ"، مخالفاً للموقف الشعوري والشاعري الأول، ويدعم رؤية الشاعرة هنا رؤية إنبات "العشب" للسؤال الذي لا مناص منه:
يَنبتُ العُشبُ السؤالُ
وثنائية طارئة ودالة على نفسية تتأزم وتتشظى في:
بصهيلِ موجٍ صاخبِ التِّحنانِ
بحيث تتجاور – في ثنائية تنطوي على تعاكس وتضاد - مفردتا الموج الموصوف بأنه صاخب، ليس للإغراق والموت، بل للتحنان والتواصل. وفي صهيل الموج صورة شاعرية تجسد فيها الشاعرة موج البحر بحصان /حصن تصهل، وتبعث الصورة هنا على حالة أخرى من التوتر وإراهاصات التأزم النفسي والوجداني، لذا تواصل الشاعرة بوحها بوعي مطلق بالحالة التي تستدعي المزيد من البوح والتحدث والحراك، ولكن هذه المرة "خلفَ ستائرِ الكونِ التي تتهامسُ اللحنَ العجيبَ" وبحيث تجعلها بكل أريحية "تغوصُ في أعماقِنا" مثل "(شالٍ) من الضوءِ الحميمِ ".والصور المتراسلة هنا تبعث على مزيد من التوتر بين المفردة ودلالاتها والآخرى وإيحاءاتها ومغازيها. ففي غوص الستائر التي تحولت لشخوص تتهامس ولأدوات موسيقية تعطي النفس ما فيها من ألحان عجيبة، مع تجاور يبعث على الغرائببة والدهشة وعدم التصديق مع "شال الضوء الحميم."
ثم التحول المفاجئ في استحضار مفردات تتضاد فيما بينها عندما ترسم الشاعرة صورة أخرى لواقعها النفسي والوجداني - وبكل ما تحمله من مشاعر إنسانية، قد تكون لغيرها وفي غيرها – فالصمت بطل الموقف الذي يُؤنْسنُ ليحضن الذات الشاعرة ويغلف مشاعرها وأحاسيسها كي لا يكون البوح عيباً أو مجروحاً أو جارحاً، يتجاور مع صخب المطر وصوته المتنوع:
يضُمُّنا صمتٌ ثَمِلْ.
...
و المطرَ الهتونَ
وفي التعبير اللاحق للصور السابقة، تخلق الشاعرة حالة جديدة من التضاد والتوتر في الدلالة والرمزية، حين تصرح:
مثلَ صلاةِ قدّيسٍ حزينٍ
يعزف النأيَ
وتنطوي على تواصل حالة التشظي والتأزم والتوتر العاطفي والوجداني، والمصاحب للجسدي أو الميكانيكي:
وبعد أن تخلق فينا الشاعرة أملاً في التلاقي والتوحد، تتجه بوصلة النص نحو معترك جديد للبوح المنطوي على توتر وتضاد وتعاكس، وذلك حين تقول:
و يظلُّ وجهُكَ
غامضاً مثلَ الوطنْ.
فكيف يكون الوجه المأمول بإشراقته وبشراه وأمل التبدل والتغيير عامضاً، ثم كيف يكون هكذا للوطن، لذا أرى أن الصورة هنا لا تنطوي فقط على غرائبية ودهشة وحيرة، بل على تعاكس في البوح مع ما يسكن الباطن والنفس والعقل.
وفي المقطع الأخير الذي كا يجب أن يخلصنا ومن حالات التوتر المتواترة والمتزايدة والمتوسعة أو الممتدة بين نهارات الشاعرة ولياليها، تواصل الشاعرة باجترار صوراً أخرى متواترة ومتوترة حين تعزف على ورق النص ألحان النزف الغائر الذي تحول في عرفها الشاعري إلى نغم يبدد صمت المكان والزمان:
و يظلّ نزفُكَ
غائراً مثلَ النَّغمْ.
وتوتر أخير في التصريح باستسلام الشاعرة ورضاها بأن تكون مثل "فرشة" تنعم بالحرية والاستقلال والكينونة وتستمتع بطبيعتها الخلابة أينما ولت وجهها، ولكن أيضاً بعالم مسكون ب"نور القبل"، ويكفي الذات الشاعرة تلك النتيجة والحلم المتحقق في "فراشة... تطوافها نور القبل":
و أظلُّ مثل فراشةٍ
تطوافها نورُ القُبَلْ.
أخيراً، لقد جسدت الشاعرة منحنىً تقنياً وشاعرياً وفكرياً قالت فيه وعنه ما يعتمل في هواها وخيالها وعالمها الباطني والنفسي والواقعي، موظفة وإلى حد معقول تقنية التجاور المنطوية على ثنائيات متعاكسة، ما خلق حالات من التوتر في المعنى والدلالة، ولكنها تركت لنا نوافذ نحو عالمها الشعري/الثيماتي كي نسمع فيه صوتها ونحس نبضها حد التماهي والتوحد ونقول أن أناها هي الآنا الجمعية في الوعي الجمعي والإنساني، محبذةً في ذلك التركيز على إراهاصات التشظي والتوتر والحيرة والجراح والحلم المتصاعد في الخلاص وتطهير النفس مما اعتارها أو اعتورها.
[/align]
فالصورة التي ترسمها الشاعرة هنا تؤصّل لإحساس شاعري تثيره في مفتتح النص بما تحمله من دلالات تخرج عن المبتذل واليومي. فالذات الشاعرة تنبض بمشاعرها المضطربة، فتقول "أنست" بفعل الأنس والتجمع والتوحد من بعد فراق وبعاد وتشظي، وتحمل الأنا ثقل المشاعر بما حوت وأنبتت جذورها الباطنية، فمصدر الأنس هو "الناي" وليس شئ آخر خارج دائرة السمع والصوت وما يصحبهما، فالشاعرة – كما غيرها من الإنس – بحاجة لصوت مسوع وقوي يبدد وحشتها وعزلتها ولو كانت وجدانية أو نفسية، وبخاصةٍ في تناصها مع القول الديني وبإزاحة الكلمة الأصل "ناراً" لتصبح بفعل الوعي والتجربة "ناياً" تختلف في الدلالة والرمزية والفضاء الشاعري. فالنار لها دلالات الحريق والموت والألم والفناء والتآكل والوجع والعقاب، ومنها دلالات الدفء والحرارة والتحدي والصبر وكل ما توحي به أسطورة النار في العرف التاريخي والثقافي والوعي الجمعي العالمي/الإنساني. ورغم ذكر آنست ناياً بالتجاور إلا أننا نستحضر متعاكسات الفعل والمفعول في هجرت و تركت وغادرت وضيعت وفقدت وعزلت، ما يعني تحيز الشاعرة لفكرة الأنس والتوحد والتلاحم والبحث عن الذات في موسيقى الناي. اما متعاكسات الناي فيتم استحضارها من قاموس الشاعرة نفسها ومن النص ذاته في: الحيرة و الشَّقاء و الجرح و الشهادة والوجع و غيرها. قد تكون الصورة هنا محض واقعية ويومية من وعي الذات الشاعرة بما حولها واستحبابها للناي دون سواه من أدوات العزف والموسيقى وتبديد الصمت والحزن والسكوت.
ثم تصرح القصيدة – والوعي نفسه والتجربة ذاتها بكل طقوسها – بمكان الحصول على فعل الأنس، فهو ليس مكاناً مأمولاً أو طبيعياً للنفس الإنسانية المتظشية والباحثة عن مأوى ومحيط يبدد الوحشة والأحزان والحيرة، وذلك كان في "مهبِّ الرُّوحِ" بكل دلالات الروح التي تعصف بالباطن الشاعرة وتسكب العواطف سكباً في رديف الروح: العقل الكامن في صورة تتفجر منها شاعرية البوح ولا تترك الصيحات هنا – التي ربما تكون صيحات الناي التي تحولت لإنسان يفضي بروح المشاركة والتماهي والتوحد واللقاء والحوار.
ثم ننتقل لحالة تأويلية أخرى تتضح فيها معالم التضاد، ففي "تتلعثم الصيحات" و "يزف توقاً" توتر شعوري ودلالي ينطوي على حالة نفسية من الارتباك والحيرة والتشظي وتكشف عن ثنائية تعاكسية للمعنى والتصريح الشاعري، فالمقصد ألا "تتلعثم الصيحات" بل تخرج سائبةً وسليمة ما دامت تبحث عن مستقر نفسي ووجداني يخرج الذات الشاعرة من "عرش الشقاء" و حالة الجرح التي تنطوي على مفارقة هنا، بحيث تصرح الشاعرة بأنها تمنح الآخر "سند"، حتى لو تطلب أمرها اللجوء أو العودة للبدء كي تعيد تكوين الباطن والذات دون الولوج في عالم الشقاء الجارح:
أعطيكَ من جُرحي سَنَدْ..
يا شهيدَ الوجدِ ..؟ وهنا تقنية التضاد في تجاور "شهيد" مع "حالة "الوجد،" فكان أجدى للذات الشاعرة وأدل على تحقيق حلم التخلص من حالتي الشقاء والجراح وللتوحد مع الآخر وهو حي يرزق لتتحقق الأحلام والآمال في استحضار حالات من الأُنس والحراك الاجتماعي والوجداني، كان أجدى وأدل منها أن تزيح حالة "الشهادة" بحالة أكثر حياة في الواقع ومستثمرة في الدنيا فوق الأرض وليس تحت الأرض في العالم السفلي. وهذا المقترح يستدل عليه من صوت الشاعرة المنطوي على اعتراف قوي وصريح بحالة التراسل الدلالي والتعبيري في:
"شاعرةٌ وربِّي" و "مازلتُ شاعرةً بنا" و "أهديكَ عطرَ تَبَسُّمي" و "وأعدُّ زنبقةً و مِنديلاً". فهنا خلق لحالة توتر جديدة في فضاء النص عندما يتغير صوت البوح الشاعري من "مهب الروح" إلى "محطة الوجع" – ليس الوجع المتسفحل والمستدام - بل الوجع الذي يتم أنسنته ويهرب شريداً طريداً، وهو ما يبدد الوجع الفعلي في باطن الشاعرة وعالمها الجواني:"
أعدُّ محطّةَ الوجعِ الشريدِ
زما سبق يدخل عالماً آخر من التوترات النصية والسياقية التي توظفها الشاعرة للدلالة على عالمها النفسي والاجتماعي والوجداني، وذلك حين تصرح عن ذاتها وكينونتها بأنها "خضراءَ ما مُسَّت بسوءٍ"، مخالفاً للموقف الشعوري والشاعري الأول، ويدعم رؤية الشاعرة هنا رؤية إنبات "العشب" للسؤال الذي لا مناص منه:
يَنبتُ العُشبُ السؤالُ
وثنائية طارئة ودالة على نفسية تتأزم وتتشظى في:
بصهيلِ موجٍ صاخبِ التِّحنانِ
بحيث تتجاور – في ثنائية تنطوي على تعاكس وتضاد - مفردتا الموج الموصوف بأنه صاخب، ليس للإغراق والموت، بل للتحنان والتواصل. وفي صهيل الموج صورة شاعرية تجسد فيها الشاعرة موج البحر بحصان /حصن تصهل، وتبعث الصورة هنا على حالة أخرى من التوتر وإراهاصات التأزم النفسي والوجداني، لذا تواصل الشاعرة بوحها بوعي مطلق بالحالة التي تستدعي المزيد من البوح والتحدث والحراك، ولكن هذه المرة "خلفَ ستائرِ الكونِ التي تتهامسُ اللحنَ العجيبَ" وبحيث تجعلها بكل أريحية "تغوصُ في أعماقِنا" مثل "(شالٍ) من الضوءِ الحميمِ ".والصور المتراسلة هنا تبعث على مزيد من التوتر بين المفردة ودلالاتها والآخرى وإيحاءاتها ومغازيها. ففي غوص الستائر التي تحولت لشخوص تتهامس ولأدوات موسيقية تعطي النفس ما فيها من ألحان عجيبة، مع تجاور يبعث على الغرائببة والدهشة وعدم التصديق مع "شال الضوء الحميم."
ثم التحول المفاجئ في استحضار مفردات تتضاد فيما بينها عندما ترسم الشاعرة صورة أخرى لواقعها النفسي والوجداني - وبكل ما تحمله من مشاعر إنسانية، قد تكون لغيرها وفي غيرها – فالصمت بطل الموقف الذي يُؤنْسنُ ليحضن الذات الشاعرة ويغلف مشاعرها وأحاسيسها كي لا يكون البوح عيباً أو مجروحاً أو جارحاً، يتجاور مع صخب المطر وصوته المتنوع:
يضُمُّنا صمتٌ ثَمِلْ.
...
و المطرَ الهتونَ
وفي التعبير اللاحق للصور السابقة، تخلق الشاعرة حالة جديدة من التضاد والتوتر في الدلالة والرمزية، حين تصرح:
مثلَ صلاةِ قدّيسٍ حزينٍ
يعزف النأيَ
وتنطوي على تواصل حالة التشظي والتأزم والتوتر العاطفي والوجداني، والمصاحب للجسدي أو الميكانيكي:
وبعد أن تخلق فينا الشاعرة أملاً في التلاقي والتوحد، تتجه بوصلة النص نحو معترك جديد للبوح المنطوي على توتر وتضاد وتعاكس، وذلك حين تقول:
و يظلُّ وجهُكَ
غامضاً مثلَ الوطنْ.
فكيف يكون الوجه المأمول بإشراقته وبشراه وأمل التبدل والتغيير عامضاً، ثم كيف يكون هكذا للوطن، لذا أرى أن الصورة هنا لا تنطوي فقط على غرائبية ودهشة وحيرة، بل على تعاكس في البوح مع ما يسكن الباطن والنفس والعقل.
وفي المقطع الأخير الذي كا يجب أن يخلصنا ومن حالات التوتر المتواترة والمتزايدة والمتوسعة أو الممتدة بين نهارات الشاعرة ولياليها، تواصل الشاعرة باجترار صوراً أخرى متواترة ومتوترة حين تعزف على ورق النص ألحان النزف الغائر الذي تحول في عرفها الشاعري إلى نغم يبدد صمت المكان والزمان:
و يظلّ نزفُكَ
غائراً مثلَ النَّغمْ.
وتوتر أخير في التصريح باستسلام الشاعرة ورضاها بأن تكون مثل "فرشة" تنعم بالحرية والاستقلال والكينونة وتستمتع بطبيعتها الخلابة أينما ولت وجهها، ولكن أيضاً بعالم مسكون ب"نور القبل"، ويكفي الذات الشاعرة تلك النتيجة والحلم المتحقق في "فراشة... تطوافها نور القبل":
و أظلُّ مثل فراشةٍ
تطوافها نورُ القُبَلْ.
أخيراً، لقد جسدت الشاعرة منحنىً تقنياً وشاعرياً وفكرياً قالت فيه وعنه ما يعتمل في هواها وخيالها وعالمها الباطني والنفسي والواقعي، موظفة وإلى حد معقول تقنية التجاور المنطوية على ثنائيات متعاكسة، ما خلق حالات من التوتر في المعنى والدلالة، ولكنها تركت لنا نوافذ نحو عالمها الشعري/الثيماتي كي نسمع فيه صوتها ونحس نبضها حد التماهي والتوحد ونقول أن أناها هي الآنا الجمعية في الوعي الجمعي والإنساني، محبذةً في ذلك التركيز على إراهاصات التشظي والتوتر والحيرة والجراح والحلم المتصاعد في الخلاص وتطهير النفس مما اعتارها أو اعتورها.
[/align]
تعليق