جدليّة اللّغة و الفكر عند "النّاصين" سلامةً و سقامةً.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    جدليّة اللّغة و الفكر عند "النّاصين" سلامةً و سقامةً.

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    جدليّة اللّغة و الفكر عند "النَّاصِّين" سلامةً و سقامةً.

    1- تأخذ السّوائل أشكال الأواني الّتي تحتويها، و اللّغة وعاء الفكر، العام أو الخاص كفكر النَّاص، الكاتب أو المتحدث، فهي إناؤه يأخذ شكلها استقامة و اعوجاجا، فمن استقامت لغته، من المتحديثن أو الكُتّاب، استقام فكره و من اعوجت لغته اعوج فكره بقدرها، فاللغة مجموعة من القوالب تحمل دلالات، و هذه الدلالات تأتي في أنساق معبرة عن الفكر، فكر الكاتب أو المتحدث، في بيئة ثقافية ما تفهمها.

    2- هذه قناعتي و هذا اعتقادي و عندما أقول "اللغة" لا أعني شكلها الخارجي من رسم و إملاء و صرف و نحو فقط بل تحريرا و تحبيرا و تصويرا و تعبيرا كذلك و إنما أعني هذا كله إضافة إلى مضمونها الداخلي و هو ما يقصد إليه من أغراض التعبير عن الفكر المختلفة و هو فحوى الخطاب أو مفهومه، و هذا ما تتناوله علوم البلاغة كعلم المعاني و علم البيان و علم البديع الذي يهتم بتنميق الخطاب فنيا أو جماليا، فاللغة إذن كلٌّ متماسك، فهي كلمات، أي قوالب، تضم معانيَّ، أي دلالات، هي المقصودة بالتعبير لفظا أو كتابة.

    3- و بناءً على ما تقدم يمكننا الحكم إيجابا و سلبا على كتابة ما بملاحظة شكلها الخارجي ابتداءً من الرسم و الإملاء إلى الصياغة النهائية المعبرة عن فكر الكاتب أو المتحدث، أو فكره المستبطن و من ثمة الحكم على شخصية هذا المتحدث أو ذاك الكاتب و بقدر نقص اللغة، لغة المُخاطِب، ينقص الفكر و إذا رَبَت اللغة و زكت ربا فكره و زكا في ترابط حقيقي (ترابط جدلي صارم).

    4- فاللغة و الفكر يترابطان بجدلية صارمة من حيث السلامة و السقامة في البيئة الثقافية المعبر عنها أو فيها بلغة تلك البيئة فمن أرد أن يتسع فكره فعليه بتوسيع لغته لفظا و معنى.

    5- و لعل في فنيات النقد الأدبي المؤسس على تحليل الخطاب المكتوب و الملفوظ ما يساعد على إدراك ما أقصده من حديثي النظري هذا، و للحديث بقية - إن شاء الله تعالى - و آمل ألا يبخل علي الأساتيذ الفضلاء بآرائهم و إضافاتهم إثراءً للموضوع و لهم مني جزيل الشكر سلفا.

    البُلَيْدة، صبيحةَ يوم الأحد الفاتح من ربيع الأول 1434 الموافق 13 يناير 2013.

    (نشرت هذه المقالة أول مرة بتاريخها في "ملتقى المفكرين والسياسيين العرب" ونقلتها إلى هنا لظروف غلق الملتقى العام وما فيه من الملتقيات الخاصة، أما المشاركات التي أثرت الموضوع فموعدها يوم إعادة الملتقى المغلق إلى النشاط وعسى أن يكون ذلك قريبا إن شاء الله تعالى).

    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

  • فريد البيدق
    عضو الملتقى
    • 31-10-2007
    • 801

    #2
    بوركت وأكرمت!

    ليس تكرارا النشر هنا وهناك جليلنا النبيل.
    لماذا؟
    لأنه يوجد هنا من لا يوجد هناك، ويوجد هناك من لا يوجد هنا.

    تعليق

    • حسين ليشوري
      طويلب علم، مستشار أدبي.
      • 06-12-2008
      • 8016

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة فريد البيدق مشاهدة المشاركة
      بوركت وأكرمت!
      ليس تكرارا النشر هنا وهناك جليلنا النبيل. لماذا؟ لأنه يوجد هنا من لا يوجد هناك، ويوجد هناك من لا يوجد هنا.
      و بورك فيك أستاذنا المبجل فريد البيدق.
      نعم، هذا هو السبب في نشر هنا بعض ما ينشر ... هناك فالزوار هنا ليسوا هناك و العكس صحيح تماما و قد تم التصحيح.
      تحيتي و تقديري و كل سنة و أنت طيب.

      sigpic
      (رسم نور الدين محساس)
      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

      "القلم المعاند"
      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

      تعليق

      • فريد البيدق
        عضو الملتقى
        • 31-10-2007
        • 801

        #4
        طبت وأمنت أيها الكريم!

        تعليق

        • مباركة بشير أحمد
          أديبة وكاتبة
          • 17-03-2011
          • 2034

          #5
          ترسم اللغة حدود التفكير، وهذا يعني أنه لا يمكن للعقل البشري أن ينتج من الأفكار إلا ما يمكن للغة أن تسمح به، وطبيعة الفكر تتحدد بطبيعة اللغة التي نتحدثها، وكلما ارتقى مستوى اللغة، وتزايد اتساع محتواها كلما تزايد المستوى الفكري لدى أبنائها، وكل لغة تعمل على تشكيل وجهة نظر متحدثيها تجاه العالم،
          *************
          إذا اللغة ترسم حدودا للتفكير،بمعنى أنها المسيَرة لطرق تفكيرنا كبشر،فكيف نفسر ابتكار ما لم يكن مسيجا بلغة ،كالإختراعات الحديثة مثلا ؟ هل كان الناس قديما يعرفون إختراعا إسمه الحاسوب ،موبايل ، بلوتوث ....الخ؟
          إنما هي اختراعات برزت على أرض الواقع تشكيلاتها الملموسة ، في هذا العصر ،نتيجة لتفكير العلماء المتواصل في عالم تجريدي لايستند على ركائز لغوية ثابتة،ثم تسميتها بما رأوه يفسَر حراكها المنفعي أوالضار للإنسان،والعالم أجمع. فالموسيقار الكبير / بيتهوفن ،افتقاده للسمع ،لم يؤثر على نتاجه الإبداعي ،بل ازداد في تلك المرحلة واتسع لدرجة الإدهاش.أي نعم رقي اللغة التي نكتسبها يزيد مساحة العقل رحابة لكن إذا ما اكتنف العقل قابلية للتمازج مع هذه اللغة، وتسييرها كخادمة لمتطلبات التفكير ، فقد يُشحن ذهن الغبي بلغة اكتسبها زميله الذكي في نفس طاولة الدرس ،ولكن إذا طُلب منهما تلخيص فقرة ما ،لاتخرج عن سياق دراستهما ، فبالتأكيد سنلحظ فروقا بين تفكير هذا وذاك . ورغم أن لغتنا العربية متطورة ،عن باقي لغات العالم ،ولها من المعاني والمفردات ما يرفرف بالعقل في فضاءات العبقرية ،ولنا دين قويم ،غير مُحرَف ، إلا أننا نلمسُ إختلافا بين سلوكات ،رجل العالم الثالث ،و،،، رجل العالم المتحضر ،للأسف الشديد.فليس باللغة وحدها نطمح في تطوير عقليات الأفراد المتحجرة ،إنما وجب مراعاة جانب التفكير، والذي إما أن يكون خلقة وراثية اكتسبها الشخص من أحد والديه أو المقربين ،أو نتيجة انغماسه في مناخ مبنية أساسات مدائنه على العشوائية والتبلد الذهني أوالعكس . وإن تثقيف أفراد المجتمع لايتطلب لغة قويمة ،راقية ،إنما على قدر الفهم ،تتحقق المآرب .

          - وجهة نظر-

          تعليق

          • حسين ليشوري
            طويلب علم، مستشار أدبي.
            • 06-12-2008
            • 8016

            #6
            من الأسبق: اللغة أم الفكر ؟

            المشاركة الأصلية بواسطة مباركة بشير أحمد مشاهدة المشاركة
            ترسم اللغة حدود التفكير، وهذا يعني أنه لا يمكن للعقل البشري أن ينتج من الأفكار إلا ما يمكن للغة أن تسمح به، وطبيعة الفكر تتحدد بطبيعة اللغة التي نتحدثها، وكلما ارتقى مستوى اللغة، وتزايد اتساع محتواها كلما تزايد المستوى الفكري لدى أبنائها، وكل لغة تعمل على تشكيل وجهة نظر متحدثيها تجاه العالم،
            *************

            إذا (إِذَنْ) اللغة ترسم حدودا للتفكير، بمعنى أنها المسيَرة لطرق تفكيرنا كبشر، فكيف نفسر ابتكار ما لم يكن مسيجا بلغة، كالإختراعات الحديثة مثلا ؟ هل كان الناس قديما يعرفون اختراعا اسمه الحاسوب، موبايل، بلوتوث ....إلخ ؟ إنما هي اختراعات برزت على أرض الواقع تشكيلاتها الملموسة، في هذا العصر، نتيجة لتفكير العلماء المتواصل في عالم تجريدي لايستند على ركائز لغوية ثابتة،ثم تسميتها بما رأوه يفسَر حراكها المنفعي أوالضار للإنسان، والعالم أجمع. فالموسيقار الكبير / بيتهوفن ،افتقاده للسمع، لم يؤثر على نتاجه الإبداعي، بل ازداد في تلك المرحلة واتسع لدرجة الإدهاش. أي نعم رقي اللغة التي نكتسبها يزيد مساحة العقل رحابة لكن إذا ما اكتنف العقل قابلية للتمازج مع هذه اللغة، وتسييرها كخادمة لمتطلبات التفكير، فقد يُشحن ذهن الغبي بلغة اكتسبها زميله الذكي في نفس طاولة الدرس، ولكن إذا طُلب منهما تلخيص فقرة ما ،لاتخرج عن سياق دراستهما، فبالتأكيد سنلحظ فروقا بين تفكير هذا وذاك. ورغم أن لغتنا العربية متطورة ،عن باقي لغات العالم ، ولها من المعاني والمفردات ما يرفرف بالعقل في فضاءات العبقرية ،ولنا دين قويم ،غير مُحرَف ، إلا أننا نلمسُ إختلافا بين سلوكات ،رجل العالم الثالث، و،،، رجل العالم المتحضر، للأسف الشديد.فليس باللغة وحدها نطمح في تطوير عقليات الأفراد المتحجرة، إنما وجب مراعاة جانب التفكير، والذي إما أن يكون خلقة وراثية اكتسبها الشخص من أحد والديه أو المقربين، أو نتيجة انغماسه في مناخ مبنية أساسات مدائنه على العشوائية والتبلد الذهني أوالعكس. وإن تثقيف أفراد المجتمع لايتطلب لغة قويمة، راقية، إنما على قدر الفهم، تتحقق المآرب.
            - وجهة نظر-
            الأستاذة الأديبة الأريبة و الكاتبة اللبيبة مباركة : تحية طيبة لك.
            قرأت مشاركتك الذكية هذه مرتين و انتظرت تعقيب الأستاذ حسام الدين مصطفى لكنه لم يعقب لعله مشغول بمهامه الكثيرة و المتنوعة.
            أنت تطرحين إشكالية جديدة/قديمة هي إشكالية: من الأسبق آلبيضة أم الدجاجة ؟ اللغة أم الفكر ؟ الفكر أم اللغة ؟ في جدلية فلسفية محيِّرة.
            ساقني ما تعرضينه هنا إلى التفكير مليا و قد تناقشنا شيئا ما في هذه القضية في موضوعي "جدلية اللغة و الفكر عند الناصين سلامة و سقامة"، و للرد "الموضوعي" حسب تقديري الشخصي أنهما متلازمان و لا أسبقية لأحدهما على الأخر و لفهم هذه الإشكالية أعود دائما إلى بدء الخليقة الآديمة أو البشرية فلو تتبعنا حسبما تسمح به النصوص الموثوقة أو الموثقة طبعا القطعية الثبوت و الدلالة كما يقررهما المختصوص في نقد النصوص لوجدنا الحل الذي يرتاح له بسهولة كبيرة.
            نؤمن نحن المسلمين بما جاء في القرآن الكريم و الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من تراب و نفخ فيه الروح و التي هي كذلك من خلق الله تعالى و أسجد له الملائكة و علمه الأسماء كلها ؛ و هنا تعرض الأسئلة الكثيرة و الخطيرة: هل تعلم آدم، عليه السلام، الكلام و التفكير في آن واحد أم كانت فيه قدراته التفكيرية في حالة كمون ثم تفتقت مع تعلمه الكلام ؟ و هل لما علمه الله تعالى الأسماء كلها كان يعرف كيف يتكلم و كيف يفكر ؟ و هل تكلم آدم عليه السلام قبل أن يعلمه الله تعالى تلك الأسماء الكثيرة ؟ و هل تلك الأسماء هي كل ما تعلمه آدم عليه السلام فقط أم تراه كان يعرف أسماء أخرى قبل التعلم ؟
            هذه أسئلة كثيرة تصنف ضمن "الغيبيات" التي لا يعلمها إلا الله تعالى وحده و يعلمها المطلع على الغيب مثل الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة و السلام، و هنا يطرح السؤال الكبير: هل ما نعتمد عليه من نصوص موثوق أو موثق ؟ و هل ما جاء في تلك النصوص الموثوقة أو الموثقة صريح في دلالاته و معانيه بحيث يمكننا فهمه بسهولة ؟
            فحسب ما تيسر لي من نصوص أظنها موثوقة أن آدم عليه السلام تكلم مباشرة عند نفخ الروح فيه قبل أن يعلمه الله الأسماء كلها كما جاء في الآية الكريمة من سورة البقرة و تحاور مع الملائكة قبل تعلم الأسماء بلغة تفهمها الملائكة و خاطبوه هم بلغة يفهمها هو.
            ثم إن نص الآية الكريمة يوحي بأن آدم عليه السلام فهم ما عُلِّم فورا و هذا يقتضي ذكاءً و قدرةً على الحفظ، الذاكرة، و الاستيعاب و التجاوب و هذه قدرات ضرورية للتفكير كانت موجودة فيه و هو منجدل في طينته فلما واتته الفرصة انفتقت تلك القدرات الكامنة و من هنا أرى أن الفكر و اللغة متلازمان تلازم صفحتي قطعة النقود الواحدة، الوجه و القفا، في آن واحد فلا أسبقية لأحدهما على الآخر، و الله تعالى أعلم و نسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
            و هذه وجهة نظر أخرى و للحديث بقية إن شاء الله تعالى إن سمحتِ بذلك طبعا و السؤال المركب، الثلاثي الأبعاد (3d) التالي: هل يفكر الإنسان باللغة أم بصور الأشياء المتمثلة، أو الشاخصة، في ذهنه ؟ ثم هل التفكير و الفكر شيء واحد ؟ هل الصنعة و المصنوع شيء واحد ؟
            تحيتي و تقديري.



            sigpic
            (رسم نور الدين محساس)
            (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

            "القلم المعاند"
            (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
            "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
            و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

            تعليق

            • حسام الدين مصطفى
              رئيس الجمعية المصرية للترجمة
              • 04-07-2007
              • 408

              #7
              الأستاذ الفاضل: حسين ليشوري الموقر
              سلام الله عليك ورحمته وبركاته
              طالعت ما جاد به قلمكم في مقالكم الموسوم "جدلية اللغة و الفكر عند "النّاصِّين" سلامة و سقامة" بعد تفضلكم بالإشارة إليه في تعليقكم الذي تصدر التعليقات حول موضوعي المتواضع، ووجدت فيه كثير من النقاط عميقة البحث وقوية الدلالة، ولعل مقالي هذا قد تعاظمت قيمته حين ألمحتم لما أدرجتموه في مقالكم ... فأنت تناولت الأمر من وجهة الباحث المنقب وأنا تناولته وفق خبرة المترجم وانطلاقه من قاعدة الصنعة التي تقوم على الممارسة اللغوية ...
              لك جزيل الشكر أستاذنا على ما أضفت ولا عدمت متابعتك ونصحك وإضافاتك القيمة...
              حسام الدين مصطفى
              مترجم - باحث- كاتب
              رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
              رئيس المجلس التأسيسي للرابطة المصرية للمترجمين- المركز القومي للترجمة
              أمين عام المجلس التأسيسي لنقابة المترجمين المصريين
              www.hosameldin.org
              www.egytrans.org

              تعليق

              • حسام الدين مصطفى
                رئيس الجمعية المصرية للترجمة
                • 04-07-2007
                • 408

                #8
                أخي الحبيب الأستاذ محمد الدرعي ...
                رعاك الله وأكرمك .. سعدت بمتابعتك وغلبتني ذكرى تلك الأيام الطيبة التي كنا فيها على تواصل شبه يومي سواء فيما كان يطرح من قضايا الترجمة أو الأدب والثقافة ...
                وأقف أمام ما تفضلت به في تعقيبك الكريم...
                "
                في حين يرى القلة منهم أن لا علاقة تربط بين
                العنصرين إذ يرون أن اللغة قد تحدث أحيانا
                دون إرتباط بالتفكير كأثناء النوم مثلا
                كما أن التفكير قد يحدث دون لغة
                كالتأمل دون الكلام و هذه نظرية لا أسلم بها شخصيا
                "
                فأنا أتفق مع عدم تسليمك بهذا القول وذلك أنه
                حتى في حالة النوم أو الصمت فإن العقل يستخدم اللغة التي يتحدثها الحالم أو الصامت وإن كان لا ينطق بها لسانه... فالأمر هنا مرهون باستخدام المكونات اللغوية ولو بصورة غير منطوقة، فالعربي حين يحلم يستخدم مفردات ومكونات اللغة العربية ولا نحسب أن هناك شخص روسي مثلا يحلم بحلم تدور أحداثه باللغة الصينية وكذا ذلك المتأمل الصامت في الهند لا يفكر بلغة سواحيلية وإنما باللغة التي يعرفها ويمارسها..
                لذا فحتى في الحلم أو التفكير الصامت فإننا نستخدم لغة غير منطوقة في مرحلة بينية ذهنية ...
                ولا يمكننا القول أنه يمكن لنا أن نحلم أو نفكر بدون استخدام مكونات اللغة التي نجيدها ...
                الأمر فقط أننا نستخدم كلمات وعلامات وإشارات بل وأحيانا أصوات ولكن في سياق يغلب عليه الصمت والسكون عندما نحلم أو نفكر..
                لك تحيتي ومحبتي
                حسام الدين مصطفى
                مترجم - باحث- كاتب
                رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
                رئيس المجلس التأسيسي للرابطة المصرية للمترجمين- المركز القومي للترجمة
                أمين عام المجلس التأسيسي لنقابة المترجمين المصريين
                www.hosameldin.org
                www.egytrans.org

                تعليق

                • حسام الدين مصطفى
                  رئيس الجمعية المصرية للترجمة
                  • 04-07-2007
                  • 408

                  #9
                  الأديبة المبدعة مباركة بشير أحمد
                  أستاذنا الجليل حسين ليشوري الموقر
                  تحية بقدر همتكما و تقدير لطرحكما المميز وتناولكما الدقيق
                  وقد جعلتني مداخلاتكما الكريمة أستعيد ما لم أحظ به من سعادة حين أدرجتماها ... ولكن لا عدمتكما فالحمد لله أني طالعت ما تفضلتما به الان...
                  وبقدر حكمتكما فإنني سأبتعد عن الإسهاب والشرح وأدلف مباشرة إلى جوهر ما تفضلتما بإثارته من نقاش..
                  وسأبدأ من التساؤل الذي طرحته الأستاذة المبدعة مباركة بشير..
                  "
                  فكيف نفسر ابتكار ما لم يكن مسيجا بلغة، كالاختراعات الحديثة مثلا ؟ هل كان الناس قديما يعرفون اختراعا اسمه الحاسوب، موبايل، بلوتوث ....إلخ ؟"
                  إن تسمية هذه الاختراعات أو حتى أي مصطلحات مستحدثة في أي لغة لابد وأن تسبقها مراحل من استخدام اللغة.. ولنأخذ مثلا كلمة حاسوب - والأمر ينطبق على كل المسميات التي تفضلت بإدراجها-، فسنجد أن الوصول إلى اختراع هذا الجهاز العبقري
                  سبقته مراحل من الصياغة اللغوية لعلوم الرياضيات والتقنية هي التي ساعدت المخترع في أن يصوغ فكرته حول طريقة إنشاء أو اختراع هذا الجهاز، فالحاسوب لم يخترع دون تفكير، والتفكير في اختراع الحاسوب جاء نتيجة لعلم، والعلم مصاغ في كلمات وتعبيرات واصطلاحات أخذت معان مسبقة حتى قبل اختراع الحاسوب منها مثلا كلمة (حساب)، لذلك فمخترع الحاسوب استخدم مفردات لغته ليفكر ويجيب على سؤال كيف أخترع جهازا يقوم بكذا وكذا وكذا ..
                  فالتفكير كان هو الطريق واللغة هي الأداة التي صيغت بها الأفكار... ولو لم يكن هناك مفردات لغوية سبقت هذا الاختراع وصاغت العلوم التي على أساسها تم تجسيد الأفكار المعنوية في هذا الاختراع... لما عرفنا الحاسوب أصلا..
                  الأمر الثاني: "اختراع" كلمة حاسوب ... لو نظرنا إلى تسمية هذا الجهاز في لغتنا العربية لوجدنا أنه تتفق مع قواعد الاشتقاق اللغوي -وان لم يكن هذا هو همنا الآن-، ولكن لماذا أسميناه حاسوبا؟؟ ذلك لأن لدينا في لغتنا كلمات " حساب، ويحسب" وهنا منحناه وصفا يدل على وظيفته... أي ان هناك مكونات لغوية هي التي دفعتنا لهذا التسمية...
                  وحتى في اللغات الأجنبية قلما نجد كلمة أو مصطلحا لا تاريخ له أو لا جذر لغوي له في لغته الأصلية...
                  والتسميات التي تبدو غريبة أو جديدة هي أمر مقبول أيضا في اللغة، فقد فسرنا الآن سبب تسمية الحاسوب حاسوبا... ولكن ماذا مثلا عن تسمية الماء ماءً .. أو تسمية الأسد أسدا .. تلك تسميات مبتكرة في حينها وهذا مقبول في إدخال اللفظ إلى اللغة شريطة الالتزام بقواعد الاشتقاق، ويحق لكل صاحب اختراع أو ابتكار أن يسميه ما يشاء ولكن وفق أصول الصياغة اللغوية..
                  فعدم وجود المصطلح في وقت ما لا يعني إن الوصول إليه جاء من فراغ.... فعلى سبيل المثال
                  في قوانين الجاذبية الأرضية لدينا وحدة قياس تسمى نيوتن Newton (وبعرفها أهل العلم بأنها القوة التي لو أثرت على كتلة كيلوغرام واحد لأكسبتها تعجيل مقداره 1 متر/ ثانية2.)...
                  هنا سميت هذه الوحدة على اسم مكتشف قوانين الجاذبية ولكن الوصول لهذه التسمية لم يكن لفقر لغوي وإنما تخليدا لاسم الرجل، وكان بإمكان الانجليز أن يطلقوا عليها أي مسمى آخر وفق قواعد الاشتقاق والنحت اللغوي لديهم..
                  ولكن السؤال... هو هل كان بإمكان إسحاق نيوتن أو غيره الوصول إلى صياغة هذه القوانين المستحدثة دون استخدام الأنماط اللغوية التي سبقت اكتشافاتهم؟؟ بالطبع لا ..
                  وهنا نخلص إلى أنه لابد من وجود لغة نفكر بها ونصوغ بها أفكارنا سواء كنا صامتين أو حالمين أو متأملين أو حتى كنا في طريقنا لاستحداث لفظ جديد...
                  الأمر الثالث: والمتعلق بالحديث عن النابغة الألماني "لودفيج فان بيتهوفن"... والذي جاء في قولك عنه..."
                  فالموسيقار الكبير / بيتهوفن ،افتقاده للسمع ،لم يؤثر على نتاجه الإبداعي ،بل ازداد في تلك المرحلة واتسع لدرجة الإدهاش.أي نعم رقي اللغة التي نكتسبها يزيد مساحة العقل رحابة لكن إذا ما اكتنف العقل قابلية للتمازج مع هذه اللغة"
                  لنقف عند حقيقة هامة وهي أن
                  بيتهوفن لم يولد أصما ولو ولد أصما فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصل إلى أي قدر من الإبداع المرتكز على التعبير الصوتي .. وكان حاله كما الأعمى الذي لا يستطيع تبين الألوان مهما استخدم من حواس أخرى..
                  فبيتهوفين لم يصب بالصمم إلا بعد أن بلغ الثلاثين من عمره، وهذا معناه أنه كانت لديه ذخيرة ضخمة من التراكيب الموسيقية التي برع فيها واختزنها في عقله منذ أن بدأ العزف في طفولته، وكل ما قام به بعد الثلاثين هو المزج بين تلك التراكيب وفق ما يذكره من تداخل النغمات ونسق تركيبها إلى جوار بعضها البعض... فهو هنا لم يعتمد على حاسة السمع لضبط موسيقاه بل كان يتألم أنه لا يسمع وقع تلك التراكيب التي كان يؤلفها...
                  ولتفسير أوضح لحالة بيتهوفن فالأمر كمن يفقد النطق ولكنه لا يزال قادرا على الكتابة، أو كمن يفقد الرؤية ولكنه لا يزال قادرا على تصور الأشكال والمحسوسات التي طالما كان يراها وهو بصير..
                  ولكن لو أن بيتهوفن ولد أصما أو أن أحدهم ولد كفيفا أو أخرسا لكان الأمر مختلفاً
                  أرجو أن تكون وجهة نظري المتواضعة قد أصابت بعض الصواب ... وأرحب بمراجعة ونقاش مع قامتين كشخصيكما الكريمين.
                  حسام الدين مصطفى
                  مترجم - باحث- كاتب
                  رئيس جمعية المترجمين واللغويين المصريين
                  رئيس المجلس التأسيسي للرابطة المصرية للمترجمين- المركز القومي للترجمة
                  أمين عام المجلس التأسيسي لنقابة المترجمين المصريين
                  www.hosameldin.org
                  www.egytrans.org

                  تعليق

                  • مباركة بشير أحمد
                    أديبة وكاتبة
                    • 17-03-2011
                    • 2034

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة

                    الأستاذة الأديبة الأريبة و الكاتبة اللبيبة مباركة : تحية طيبة لك.
                    قرأت مشاركتك الذكية هذه مرتين و انتظرت تعقيب الأستاذ حسام الدين مصطفى لكنه لم يعقب لعله مشغول بمهامه الكثيرة و المتنوعة.
                    أنت تطرحين إشكالية جديدة/قديمة هي إشكالية: من الأسبق آلبيضة أم الدجاجة ؟ اللغة أم الفكر ؟ الفكر أم اللغة ؟ في جدلية فلسفية محيِّرة.
                    ساقني ما تعرضينه هنا إلى التفكير مليا و قد تناقشنا شيئا ما في هذه القضية في موضوعي "جدلية اللغة و الفكر عند الناصين سلامة و سقامة"، و للرد "الموضوعي" حسب تقديري الشخصي أنهما متلازمان و لا أسبقية لأحدهما على الأخر و لفهم هذه الإشكالية أعود دائما إلى بدء الخليقة الآديمة أو البشرية فلو تتبعنا حسبما تسمح به النصوص الموثوقة أو الموثقة طبعا القطعية الثبوت و الدلالة كما يقررهما المختصوص في نقد النصوص لوجدنا الحل الذي يرتاح له بسهولة كبيرة.
                    نؤمن نحن المسلمين بما جاء في القرآن الكريم و الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من تراب و نفخ فيه الروح و التي هي كذلك من خلق الله تعالى و أسجد له الملائكة و علمه الأسماء كلها ؛ و هنا تعرض الأسئلة الكثيرة و الخطيرة: هل تعلم آدم، عليه السلام، الكلام و التفكير في آن واحد أم كانت فيه قدراته التفكيرية في حالة كمون ثم تفتقت مع تعلمه الكلام ؟ و هل لما علمه الله تعالى الأسماء كلها كان يعرف كيف يتكلم و كيف يفكر ؟ و هل تكلم آدم عليه السلام قبل أن يعلمه الله تعالى تلك الأسماء الكثيرة ؟ و هل تلك الأسماء هي كل ما تعلمه آدم عليه السلام فقط أم تراه كان يعرف أسماء أخرى قبل التعلم ؟
                    هذه أسئلة كثيرة تصنف ضمن "الغيبيات" التي لا يعلمها إلا الله تعالى وحده و يعلمها المطلع على الغيب مثل الأنبياء و الرسل عليهم الصلاة و السلام، و هنا يطرح السؤال الكبير: هل ما نعتمد عليه من نصوص موثوق أو موثق ؟ و هل ما جاء في تلك النصوص الموثوقة أو الموثقة صريح في دلالاته و معانيه بحيث يمكننا فهمه بسهولة ؟
                    فحسب ما تيسر لي من نصوص أظنها موثوقة أن آدم عليه السلام تكلم مباشرة عند نفخ الروح فيه قبل أن يعلمه الله الأسماء كلها كما جاء في الآية الكريمة من سورة البقرة و تحاور مع الملائكة قبل تعلم الأسماء بلغة تفهمها الملائكة و خاطبوه هم بلغة يفهمها هو.
                    ثم إن نص الآية الكريمة يوحي بأن آدم عليه السلام فهم ما عُلِّم فورا و هذا يقتضي ذكاءً و قدرةً على الحفظ، الذاكرة، و الاستيعاب و التجاوب و هذه قدرات ضرورية للتفكير كانت موجودة فيه و هو منجدل في طينته فلما واتته الفرصة انفتقت تلك القدرات الكامنة و من هنا أرى أن الفكر و اللغة متلازمان تلازم صفحتي قطعة النقود الواحدة، الوجه و القفا، في آن واحد فلا أسبقية لأحدهما على الآخر، و الله تعالى أعلم و نسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
                    و هذه وجهة نظر أخرى و للحديث بقية إن شاء الله تعالى إن سمحتِ بذلك طبعا و السؤال المركب، الثلاثي الأبعاد (3d) التالي: هل يفكر الإنسان باللغة أم بصور الأشياء المتمثلة، أو الشاخصة، في ذهنه ؟ ثم هل التفكير و الفكر شيء واحد ؟ هل الصنعة و المصنوع شيء واحد ؟
                    أسمى تحية و تقدير.





                    وتحية طيَبة ،أستاذنا الفاضل / حسين ليشوري " مشاكل النت لاتنتهي ،فمعذرة على تأخري في الرد ".
                    وأرجو ألاَ يُفسد الإختلاف في وجهات النظر ،للإحترام قضية.


                    التفكير يسبق اللغة ،في اعتقادي ، ولي من البراهين مايثبت ذلك:
                    1- إننا نعجز أحيانا عن صياغة ما يختلج في الخاطر من أفكار متزاحمة ،فنبحث عن إيجاد المقدمات لكي نتوغل في بحار التعبير بالكلمات ،فنكتفي بالصمت أوالتأفف .ثم إن اكتسابنا لرصيد لغوي ثري ليس بإمكانه التحليق بنا إلى قمم الرفعة إذاما جُبلت طريقة تفكيرنا على درب غريب الإتجاهات ،وإلا فما الفرق بين الغبي والذكي ؟ فالإنسان المبدع الذي حباه الله موهبة تمتص في بؤرتها صيغ المفردات ،و تصاميم الصور المُخزَنة ،ليس كمن يمتلك مكتبة فاخرة ،و تنعدم بين ضلوعه موهبة إبداعية ،فهو كثير القراءات ، محدود الإبتكارات. ولو اعتمدنا على اللغة في كل ما ينبع في النفس من مشاعر ،فحتما ستكون عملية إنتاج المعلومات بطيئة ،وبالتالي فإن التواصل بين بني البشر سيغدو مملا وباعثا للتذمر ،بل كيف تتمايز القدرات العقلية بين المدير والموظف ،الرئيس والمرؤوس ...؟؟ أي نعم ،اللغة التي تحمل في هودج حروفها ،معارف ذات فائدة ،بإمكانها تهذيب الفكر الإنساني ،وتطوير الذات البشرية .لكن لا يُستحسن التغافل عن الفروق في كيفية التفكير ،والتي تحددها الموهبة ، المحيط الإجتماعي ،والوراثة.


                    2- الرضيع مباشرة بعد اصطدام ناصيته بضوء الحياة ،يصرخ بشدة ، مُعبَرا عن امتعاضه وعدم تقبَله للوضع الجديد المفروض عليه ، ثم ،يجتهد في البحث عن حلمة ثدي والدته ،وإذاما قوبل طلبه بالرفض ،يغيَرمن نغمة البكاء ،التي تُدلل على شعوره بالخذلان والمهانة .وتتعاقب الأيام ،وهويبدي من السلوكات المختلفة مابين رضا ،وغضب ،ولغته محددة ببعض صرخات ومُناغات.ونظرا لالتصاقه بوالدته ،فإنه يسهل عليها فهم مطالبه الكثيرة ،وهذه السلوكات بطبيعة الحال منجرَة عن تفكير .فطفل بدون لغة ،لا يعني أنه مجرَد آلة تسيَرها الأكفَ قسرا . وبدون لغة الكلام ،يظل الطفل هو المُدلل الذي تُنفذُ أوامره بلغة الإشارة . بل كيف لايخذله العقل في التمييز بين والدته وامراة أخرى ،وبين المألوف من الوجوه وغريبها، إذاما حقا تفكيره تائه في مغارات العدم قبل استيعابه للكلام ؟


                    3- وماذا عن الحيوان ؟ ألا يُخطط بدهاء لاصطياد فريسته ؟ وهل سلوك القط في حالة رؤيته متلبسا بسرقة ما ،يشابه حالته وهو يستعطف صاحب البيت لإطعامه ؟
                    لاتشابه بين الحالتين أكيد . ومن يستنكر أن للحيوان والحشرات تفكير ،فليتدبر سورة النمل ، تحذيرالنملة لصاحباتها ،وحوار الهدهد و سليمان عليه السلام.
                    وليس من المعقول طبعا أن الحيوان يفكر قبل الفعل ،بلغة الرمز، أولغته الحيوانية الظاهرة للعيان. باعتبار التفكير الإنساني لا يكون إلا بلغة كلامية.



                    وختاما أقول: يستوجب التفكير باللغة في حالة واحدة فقط ،وهي إنتاج الأفكار الإبداعية
                    من قصص وأشعار ،فزيادة على نمط التفكير ،فإن ذلك الفعل الجلل ،يتطلب لغة راقية ،
                    الشكل والمعنى.أما التفكير بصفة عامة للإنسان ،الحيوان والحشرات ،فهيهات أن يتوصل إلى كنه حقيقته بشر .ربما بعد قرون من البحوث المشتركة مابين فلسفة وعلوم تجريبية.

                    أسمى تحية وتقدير

                    تعليق

                    • حسين ليشوري
                      طويلب علم، مستشار أدبي.
                      • 06-12-2008
                      • 8016

                      #11
                      الأستاذة الأديبة مباركة بشير أحمد و الأستاذ الأديب المترجم حسام الدين مصطفى و أخي الأستاذ المختار محمد الدرعي و كل من سيمر من هنا لمشاركتنا الحور: السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته و عساكم بخير و عافية.
                      أنا سعيد بهذا الحوار المثمر و كما رددت كثيرا قولي :"بالحوار تتلاقح الأفكار" و ها نحن نلقح أفكارنا بتبادل الحوار و في سياق الحديث عن الأفكار و الفكر و التفكير عنَّ لي أسئلة هي : ما الفكر و ما التفكير و ما الأفكار أو الفكرة و ما هو حامل الفكرة و كيف تصنع الأفكار في الذهن ؟ و أنا "أفكر" في هذا الموضوع تبادر إلى ذهني أن أميز بين : التفكير كآلية تصنيع الأفكار و الفكر الذي هو المنتوج المصنع بـ "التفكير" و آليات هذا التفكير و المادة التي تصنع منها الأفكار و أحببت أن أتناول الموضوع من بعده الفلسفي لأن الفلسفة عندي هي التساؤل المُوَجَّه و المُوَجِّه في الوقت نفسه لإنتاج الأفكار.
                      ما هي المادة الأولية التي يمكن بها تصنيع الأفكار ؟ إنها اللغة أو ما يعادلها مما يحمل معنىً أو معانيَّ.
                      اللغة كما يعرفها ابن جني في "خصائصة" "هي أصوات يُعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم" فاللغة أو مفرداتها تحمل المعاني و ليست المفردات أو الألفاظ عبارة عن أوان فارغة بل هي حمالات دلالات، هي معانيها، التي أعطاها لها واضعها الأول إما الخالق البارئ سبحانه و تعالى و إما المخلوق الذي مكَّنه الله تعالى من استعمال القدرات الكامنة فيه للحديث أو للتكلم أو للتعبير عن أغراضه المختلفة و المتنوعة و هذه الأغراض نوعان : مادية هي الأشياء الموجودة خارج الإنسان و معنوية هي التي يشعر بها هذا الإنسان نفسه داخله، العواطف و المشاعر و الأحاسيس و ... الأفكار ؛ فالتفكير في تقديري الشخصي شيء و الفكر أو الأفكار شيء آخر، التفكير هو العملية الإنتاجية و الفكر هو المنتوج نفسه و اللغة هي المادة الخام التي تُحوَّل في ذهن الإنسان المخلوق الوحيد على الأرض القادر أو المُمَكَّنُ من التكلم بأحبال صوتية أو جهاز تصويت مناسب، أما الملائكة و الجن فلا نعلم كيف يتكلمون أبجهاز تصويت كالإنسان أو بجهاز آخر مغاير و هذا كله لا يهم فما داموا يتكلمون و يفْهَم الناس عنهم ما يقولونه لهم فهُمْ يوظِّفون لغة دالة أي تحمل دلالات يفهمها الإنسان بسهولة.
                      و قبل الاسترسال في الحديث أعيد عناصر الموضوع : نحن أمام أربعة عناصر:1) التفكير، 2) الفكر، 3) جهاز التفكير أو آلياته بقدراته الكامنة و التي تتحول من حالة كونها موجودة بالقوة إلى حالة وجود بالفعل، 4) مادة التفكير أو اللغة أو صورها المنطبعة في الذهن ... المفكر، فنحن هنا و الآن نفكر في التفكير.
                      أتوقف هنا الآن آملا مواصلة الحديث قريبا إن شاء الله تعالى لأنني أخشى أن ينطفئ الحاسوب بسبب الحمى التي تنتابه حين ... يعمل طويلا.
                      sigpic
                      (رسم نور الدين محساس)
                      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                      "القلم المعاند"
                      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                      تعليق

                      • حسين ليشوري
                        طويلب علم، مستشار أدبي.
                        • 06-12-2008
                        • 8016

                        #12
                        موضوع ذو صلة: اللغة والتفكير.. حسام الدين مصطفى

                        اللّغة والتّفكير..

                        حسام الدين مصطفى

                        يرى البعض أن اللغة قدرة ذهنية تؤثر عليها التغيرات الجسدية، مثل تركيب الجهاز العصبي والسمعي والصوتي، وهناك فريق يراها اختراعاً بشرياً يقوم على تراكيب صوتية لا تترابط أجزائها بصورة متعمدة، ثم يبدأ العقل في صبغ هذه التراكيب الصوتية بمفاهيم ودلالات معينة، أما الفريق الثالث فيراها ضرورة حتمية لنجاح التواصل ضمن المجتمع البشري، وهذا كله صواب!! ولكن هذا يدفعنا لتساؤل .. إذا كانت اللغة متوقفة على القدرات الصوتية، فهل يمكن للحيوان الناطق كالببغاء مثلاً أن يكتسب اللغة البشرية؟ ويتعلمها؟ ويطور فيها؟ وينظم تراكيبها بصورة سليمة؟؟

                        بالطبع لا .... وذلك لأن الببغاء إذا كان يمتلك قدرات صوتية، فهو لا يمتلك قدرات ذهنية، ولا يمتلك مهارات التفكير الراقي، لذا لا يمكنه أن يحقق الفائدة من استخدام اللغة المنطوقة، وهذا لا يمنع أن في عالم الحيوان لغات خاصة، ولديها نظم تواصل تختلف عن ما لدى الإنسان من لغات وطرق اتصال، بل وقد تكون أنظمة التواصل لدى الحيوان أعقد منها لدى البشر!!!
                        ترسم اللغة حدود التفكير، وهذا يعني أنه لا يمكن للعقل البشري أن ينتج من الأفكار إلا ما يمكن للغة أن تسمح به، وطبيعة الفكر تتحدد بطبيعة اللغة التي نتحدثها، وكلما ارتقى مستوى اللغة، وتزايد اتساع محتواها كلما تزايد المستوى الفكري لدى أبنائها، وكل لغة تعمل على تشكيل وجهة نظر متحدثيها تجاه العالم، لذا فإن لكل أصحاب لغة نظرة خاصة تجاه العالم الذي نعيش فيه، ولكل لغة خصائص مميزة ترتبط بطريقة تفكير أهلها، وبذلك فإن أكثر الصعوبات التي تتعلق بالترجمة لا تكمن في ترجمة ألفاظ اللغة المصدر، بل في ترجمة الفكر المرافق للغة المصدر.
                        إننا إذا نظرنا إلى العلاقة التي تربط اللغة بالفكر لوجدنا أن العرف الفلسفي القديم كان يتعامل مع اللغة بوصفها وعاء لفظي، ويكون دور التفكير هو استنباط محتوى هذا الوعاء!! ونجد أن ترتيب العلاقة هنا يجعل اللغة في المقام الأول ثم تتبعها عملية التفكير،ولكن ما مدى صحة ذلك خاصة عندما تجد لسان حالك يقول: إنني لا أستطيع التعبير عن أفكاري أو أحاسيسي؟!! هنا نجد أن الفكر قد سبق اللفظ، فصرت تبحث عن ألفاظ تعبر بها عن أفكارك،ونجد أن اللغة قد استحالت إلى أداة للتعبير عن الفكرة.
                        يمكننا أن نستنبط طريقة تفكير أهل اللغة من خلال اللغة التي يتكلمونها، فحين أقول (جاء أحمد إلى البيت)، نجد أن التركيب اللغوي هو ( فعل+ فاعل+ التكملة)، أي أن الاهتمام الأول لدى المتحدث باللغة العربية ينصب على الفعل متبوعاً بفاعله، وهذا ما يسر في اللغة العربية بناء الفعل للمجهول، وهذا يقودنا إلى استنتاج أن العربي يمكنه أن يؤمن بالغيبيات، وهذا ما يعكسه عدم اهتمامه بتقديم الفاعل وانصباب تركيزه على الفعل. أما عند تناول نفس الجملة باللغة الإنجليزية مثلاً فستصبح: Ahmad came home….، فنجد أن اهتمام الإنجليزي كان منصباً على الفاعل فبادر بذكره، وهذا ينفي صفة الميل إلى قبول الغيبيات عن هذا النسق اللغوي، كما أن ذلك يعكس أيضاً النمط البدائي الأولي للغة الإنجليزية التي تقوم على نسق تركيبي أساسي واحد، ودليل آخر على بدائية الإنجليزية أن لا مجال فيها لثنية الأسماء، فالاسم في الإنجليزية يأتي في صيغتي المفرد أو الجمع، فكل ما زاد عن الفرد في أسماء اللغة الإنجليزية تتم معاملته على أنه جمع. أما في لغتنا العربية، فالجملة تأتي على وجهين إما فعلية (يتصدر الفعل فيها الكلام)، أو اسمية (مبنية على منطقية الابتداء والخبر)، واللغة العربية تصنف الاسم على حالات ثلاث، فهو إما مفرد أو مثنى أو جمع، كما أن في العربية صيغ عديدة للجمع ( جمع التكسير، والمذكر السالم والمؤنث السالم، وجمع الكثرة والقلة ...)، بينما يغيب ذلك عن الإنجليزية، وهذا يعكس لنا ثقافة العربي الذي يولي اهتماما كبيراً للجماعة، بينما تغلب على أهل لغات الغرب النزعة الفردية. كذلك فيما يتعلق بالنعت، فالصفة في الإنجليزية لا تميز بين مذكر أو مؤنث، ولا تتبع موصوفها في العدد، بينما نجد أن الصفة مميزة للموصوف في العربية، تابعة له في النوع والعدد، وحتى في إعرابها.
                        تعبر اللغة أيضاً عن بيئة الفرد، فنجد في لغة أهل الاسكيمو ما يزيد على مائة وخمسين اسماً تشير جميعها للجليد، وعند العرب سبعين اسماً للسيف، فهذا يعطينا خلفية عن البيئة التي يعيش فيها أهل اللغة، وإضافة إلى ذلك فإن مجتمع العرب تغلب عليه السمة الذكورية، وذلك لأن تفاعل المرأة في المجتمع ظل محدوداً لفترات طويلة، فبات استخدام اللفظ المذكر مغنياً عن استخدام اللفظ المؤنث، بل إن معظم التسميات اقتصرت على إطلاق الاسم المذكر، وصار لزاماً لتمييز المؤنث أن نضيف إليه لفظ أنثى، ومثال ذلك قولنا (الأسد) ففيه نشير إلى الأسد بمعنى واضح مباشر، أما عند ذكرنا للفظ "اللبؤة" فإننا نفسره بقولنا (أنثى) الأسد، وهذا يعكس لنا حرص المجتمع العربي عند التعامل مع الأنثى، وسعيه إلى مواراتها والتعامل فيما يتعلق بها بحيطة وحذر وخوف من التصريح الفاضح، وهكذا فإن اللغة قد تميزت بخصائص معينة دفعتنا إلى التفكير واستنباط الخصائص المميزة للمجتمع الذي يتحدث هذه اللغة، وهذه نقطة بالغة الأهمية سنعرض لها عند الحديث عن العلاقة بين الترجمة واللغة!!!
                        إن اللغة الملفوظة ليست هي الأساس أيضاً في التعبير عن المشاعر والوجدان، بل إن غالبية التواصل الشعوري الوجداني قد يتم بدون استخدام لغة لفظية، بل من خلال لغة قوامها التعبيرات الوجهية، والجسدية، والإشارات، والإيماءات، ونبرة ومستوى الصوت، فنبرة الصوت قد تكون هي المعبرة عن المحتوى الشعوري، وقد تجد أن نفس الكلمات تحمل دلالات مختلفة، بل ومتناقضة إذا ما تم نطقها بصورة معينة، وهنا يتوجب علينا أن ننتبه إلى نقطة هامة، وهي أن إدراك معنى الكلام يجب أن لا يقتصر على ظاهر اللفظ المسموع أو المكتوب، بل لابد وأن ندرك المحتوى غير اللفظي والذي يعبر عن الشعور المرافق للفظ، ففي هذه الحالة وحدها يمكننا القول أننا قد أدركنا دلالة ومعنى اللفظ والكلام.
                        اللغة هي الجسر الذي تعبر عليه الأفكار من عالم السكون والغيب إلى عالم التصريح والواقع، فالتفكير عملية صامتة واللغة أداة نطقها، ومن خلال اللغة يصوغ الإنسان المفاهيم، ووفق هذه الصياغات تتشكل طبيعة فهم الإنسان للبيئة المحيطة به، واللغة لها عظيم الدور في العمليات العقلية، وكلما زاد ثراء المحتوى اللفظي للغة كلما أسهم ذلك في تطور البناء المعرفي لأهلها، وأدى إلى تطور مجتمعاتهم، كما أن اللغة تخدم عملية صياغة الأفكار وحفظها وتجعل من السهل استعادة هذه الأفكار واسترجاعها.
                        يعد التفكير أعقد أنماط السلوك البشري، فمن خلاله يمكن للإنسان التعامل مع الأشياء بصورة تخيلية رمزية لا تنحصر في صياغات واقعية فكرية، وهو عملية معرفية يتحول فيها الإدراك الحسي للأشياء إلى رموز تدل على هذه الأشياء، واللغة مبنية على استخدام الرموز ذات الدلالة، فهي بالتالي أداة محورية يعتمد عليها التفكير، وهي ضرورية في عملية التفكير، وينبغي أن ننتبه هنا إلى أن اللغة الملفوظة ليست الأداة الوحيدة للتفكير فحتى غير القادرين على النطق يمكنهم التفكير، والأساس دوماً أن بني الإنسان يولدون ولديهم القدرة على التفكير، ثم تكتسب بعد ذلك اللغة التي تثري هذا التفكير وتعززه..
                        والتفكير هو أداتنا كي يفهم المرء ذاته، فهو حين يفكر فإن ذلك يجعله يفهم ما يعيشه من خبرات شعورية وحسية، أما اللغة فهي أداة المرء كي يجعل الآخرين يفهمونه ويدركون أفكاره، والتفكير عملية واسعة النطاق، وليس بالضرورة أن ننقل كل أفكارنا من خلال اللغة بل يمكننا أن نحتفظ ببعض هذه الأفكار دون أن نصرح بها، لكن اللغة لابد وأن تكون ناتجة عن التفكير، ولو أن بذهنك خمس أفكار فيمكنك أن تستخدم اللغة للتعبير عن ثلاث منها وتكتم اثنتين!!! ولكن حينما تنطق أو تكتب خمس كلمات، فلابد وأن يكون ذلك ناتجاً عن تفكير، فإذا خرجت كلماتك دون تفكير في معناها ودلالتها صارت ضرباً من الأصوات الخالية من المعاني وفقدت قيمتها اللغوية، ويرى المعاصرون من علماء اللغة أن الإنسان لا يفكر حتى بينه وبين ذاته إلا من خلال أنماط لغوية،وما يمكننا أن نخلص إليه من هذه الجدلية أنه لا يمكن فصل اللغة عن التفكير، فلا تفكير بغير لغة، ولا لغة بغير معنى فكري...

                        sigpic
                        (رسم نور الدين محساس)
                        (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                        "القلم المعاند"
                        (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                        "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                        و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                        تعليق

                        • حسين ليشوري
                          طويلب علم، مستشار أدبي.
                          • 06-12-2008
                          • 8016

                          #13
                          sigpic
                          (رسم نور الدين محساس)
                          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                          "القلم المعاند"
                          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                          تعليق

                          • حسين ليشوري
                            طويلب علم، مستشار أدبي.
                            • 06-12-2008
                            • 8016

                            #14
                            تذكير بما قيل.

                            كتب حسين ليشوري:
                            "(...) و للحديث بقية - إن شاء الله تعالى - و آمل أن لا يبخل علي الأساتيذ الفضلاء بآرائهم و إضافاتهم إثراءً للموضوع و لهم مني جزيل الشكر سلفا" اهـ، فلا بقية أتت ولا إضافات الأساتيذ جاءت، والله المستعان.
                            sigpic
                            (رسم نور الدين محساس)
                            (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                            "القلم المعاند"
                            (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                            "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                            و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                            تعليق

                            • حسين ليشوري
                              طويلب علم، مستشار أدبي.
                              • 06-12-2008
                              • 8016

                              #15
                              موضوع ذو صلة.

                              موضوع ذو صلة: اللغة والثقافة والفكر معا على طرق التعبير تحليليا ونقديا للنصوص الأدبية
                              للأديبة لميس الامام

                              العلاقة الخاصة بين المثقف ثقافات مختلفة وبين لغته والمقدره على التعبير تحليليا ونقديا هي الاساس وراء كل اسلوب نقدي متُزامع فكر القارئ الحر ودون الانحياز الى منهج معين.

                              اني ارى ان اختلاف مذاهب علماء الكلام من اهل الباطن مع الظاهر او العكس كما يطلق عليهم في دراسات النصوص الادبية انما يتمحور حول الثقافة الفكرية أو اللغوية للقارئ والمحلل نفسه من النص المراد دراسته.

                              إن الدراسات التحليلية في رأيي المتواضع هي عملية زحزحة لمركزية الكاتب او الشاعر او القاص بشكل يتناغم مع جوهر العمل الادبي ولما هو أبعد من سياق النص حسب رؤية المحلل دون التقيد بلغة الكاتب (خصوصا ان كانت رمزية بحتة او مباشرة) بل الدنو من اعماق الفكرة التي عمل عليها النص الادبي او الفلسفي..

                              تتوخى هذه الدراسات النقدية والتحليلية السعي لتأسيس وعي اجتماعي ثقافي جديد في النظر إلى النص الأدبي وصاحبه، بعيداً عن اسلوب المنافسات والمباريات العكاظية.. فلكل ناقد ومحلل رؤيته الخاصة .

                              إن الكثير من القراءات النقدية كما ورد لي من خلال قراءاتي المختلفه كان شغلها الشاغل الاهتمام بالشكل الخارجي دون الفكر، والاحتفاء بالعموميات دون رصد التفاصيل وفرز الفكرة الداخلية منها، لذلك بقي النص النقدي تابعاً للنص الأصلي ودائراً حوله دون الخروج منه إلى الواقع مكانه وزمانه المدرجة في النص. وهذا مخالف برأيي لفكرة التحليل والابحار في عمق النصوس تحت الدراسه...
                              رأيت ان هناك مدارس مختلفة من المحللين والناقدين للنصوص الفكرية واللغوية بعضهم وقف على ظاهر النص والبعض منهم اتجه في تأويله الى اعتبار ان اللغة رمزا اكثر منها تحديدا لواقع او حقيقة موقف او تجربة ما وآخرين اعتبروا ان اللغة حدودا وحقائق مطابقة لمعانيها في النصوص المقرؤة.

                              وهكذا يعود الهدف في أساسه الى تحديد علاقة الفكر باللغة وعلاقة الواقع باللغة بين تساؤلات عدة فهل تفوق اللغة العقل، وما فوق حدود الفكر، ام أن العقل هوالذي يفوق اللغة ومن ثم وجوب تحكمه فيها؟. وقد ظهرت المشكلة في عمقها بادئ ذي بدء في بداية ظهور الفكر الاسلامي عندما اصبح النص القرآني موضع نظر وتأويل وتحليل.

                              وقد واجهت من خلال قراءاتي علماء عدة عبروا باسلوبهم عن ادراك المشكلة في اطارها اللغوي من مجال الفكر الاسلامي الى مجال الشعر ومجال القصة والرواية ونصوص اجتماعية فلسفية في مقدمتهم ابن قتيبة الذي الف رسالة قيمة بعنوان "الاختلاف في اللغة والرد على جهمية والمشبهة" راجعا بالخلاف بين المحدثين والمتكلمين يومئذ في بعض قضايا علم الكلام الى مشكلة فهم اللغة وطبيعة دلالتها.

                              قادني ما سبق الى أن فهم ودراسة النصوص المراد الابحار في اعماقها وتحليلها فكريا وادبيا الى ان اشكالية اللغة والفكر على الصعيدين لا تكون قراءة عن طريق الفهم اللغوي البحت وحسب ولكن كما تبدى لي ان القراءة يجب ان تتعلق بالفكر وبالوجود الانساني من حيث هو الى جانب الثراء اللغوي.

                              فاذا كان الانسان يدرك بقدرته الفطرية نظاما لغويا ما ثم يظل يتعلم كما هو شأن الطفل في كيفية تحويل ادراكه لذلك النظام الى بناء لغوي (كلام) فما دور الفكر اذن داخل اللغة او خارجها؟ (نظرية تشومسكي) التي تقول ان اللغة شئ والتفكير شئ آخر.. وان التفكير يستعمل اللغة كوسيلة واداة للتعبير.

                              من خلال تلك الدراسة المتعمقة وجدت ان المواقف الرئيسية من علاقة الفكر باللغة تعود الى ثلاثة مواقف:

                              اولا: موقف يعتبر اللغة والفكر شيئا واحدا.
                              ثانيا: موقف يعتبر اللغة قبل الفكر وبواسطتها يتم انشاء الفكر ذاته.
                              ثالثا: موقف يعتبر الفكر قبل اللغة ومستقلا عنها ، وأن اللغة مجرد وعاء خارجي لعملية التفكير.

                              ووجدت ان اصحاب الموقف الاول هم ا لعلماء النفسانيون السلوكيون امثال (سكينير Skinner) ، والذين لم تثبت نظريتهم عند التمحيص فقط ..لانه فضلا عما ثبت بالتجارب من كون الفكر يظل يشتغل حتى في حالة عجز الانسان عن الكلام او عدم قدرته على التعبير، فإننا نشعر جميعا بشكل مباشر ان تفكيرنا مستقل عن اللغة التي نعبر ، وقد يختلف معي الكثيرون بأن المقصود باللغة هو النظام التجريدي العميق الذي يدركه كل انسان بفطرته ويستخدمه بقدر طاقته؟ وان هذا النظام ملازما للتفكير وضروري له. وهذا اعتراض وجيه اقدره ولكن لكل نظريته..

                              اصحاب الموقف الثاني هم الدارسون الانثروبولوجيون بعامة وبعض المفكرين الفلاسفة والمناطقة الوضعيين المعاصرين الذين قادهم البحث الى الاعتقاد بأن اللغة هي التي تحدد طبيعة التفكير فخصائص كل لغة تحدد خصائص التفكير لاهلها؟ والقائلون بهذه النظرية متأثرون طبعا بالنزعة الاجتماعية القائلة بأن المجتمع هو الذي يصنع افراده، يحدد لهم لغتهم كما يحدد لهم تفكيرهم.

                              وهنا ابرز الفيلسوف النمسوي (لودفينغ فتجنشتين -1889-1951) من اكبر الفلاسفة الوضعيين والمناطقة الكبار المعاصرين الذي تعمقوا علاقة الفكر باللغة وكان يعتقد وهذه عبارته ان حدود اللغة التي يفهمها هي حدود عالمه. كما كان يعتقد ان الفلسفة عبارة عن معركة ضد البلبلة التي تحدث في عقولنا نتيجة استخدام اللغة وسبب الشكوك الفلسفية كلها ليس الا استخدام اللغة استخداما خاطئا..

                              اما اصحاب الموقف الثالث فهم الفلاسفة المثاليون بعامة الذين يعتقدون بأن اللغة ليست سوى وسيلة للتعبير وبأنها مستقلة عن الفكر وتابعة له تماما، وان الافكار تنشأ من غير ان يكون للغة دور في تكوينها لان الفكر الانساني ينبعث داخليا في حالات الصفاء الذهني البعيد عن كل اصوات اللغة وتأثيرها وهذا معنى كون الانسان يستغرق في تفكيره؟؟ويستطيع ان يعبر عنه بغير اللغة..وبشتى اشكال التعبير الاخرى..بل هناك من يذهب بعيدا فيدعي ان اللغة كثيرا ما تجهض الفكر وان الشاعر الحالم مثلا ينتهي من قصيدته شاعرا بأن ما اراد التعبير عنه اكثر بكثير مما عبر عنه بالفعل..

                              ويتسق هذا الموقف مع النظرية القائلة بأن اللغة هي نظام من التواصل اي من الرموز والاشارات المعبرة عن افكار ومعان لها استقلالها.

                              وللخروج من هذا المأزق الفكري ـ بين قبول الهيمنة لنظرية بعينها، ورفض النقد باسم تعدد مناحيه ـ تقوم الدراسات التحليلة والنقدية الى مقاربة "جمالية" تعتبرها اقل اثارة لخيبة الظن والشك. وبمقتضى هذه المقاربة يمكن التمييز في عمليةالدراسة الى مختلف الأنظمة الثقافية بين ما هو ابداعي وبين ما هو فلسفي اجتماعي وبين ما هو قانوني وسياسي، بحيث توحد بعض التعبيرات الثقافية، التي تُمثّل جزءًا من الذاكرة الجماعية لهذا الشعب او ذاك، والذي تتجذر في أصوله وتمثل مصدر إلهام له بحيث لا تمثل تراثا للانسانية قاطبة بتعدد حدود وجغرافية الاماكن، أي لا يمكن ان تُرْفَعَ الى مرتبة الكوني أو الكلّي الذي يدعى الجميع الى الانتماء اليه أو تبنّيه من خلال مدارس النقد والتحليل.

                              sigpic
                              (رسم نور الدين محساس)
                              (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                              "القلم المعاند"
                              (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                              "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                              و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                              تعليق

                              يعمل...
                              X