بسم الله الرحمن الرحيم.
جدليّة اللّغة و الفكر عند "النَّاصِّين" سلامةً و سقامةً.
1- تأخذ السّوائل أشكال الأواني الّتي تحتويها، و اللّغة وعاء الفكر، العام أو الخاص كفكر النَّاص، الكاتب أو المتحدث، فهي إناؤه يأخذ شكلها استقامة و اعوجاجا، فمن استقامت لغته، من المتحديثن أو الكُتّاب، استقام فكره و من اعوجت لغته اعوج فكره بقدرها، فاللغة مجموعة من القوالب تحمل دلالات، و هذه الدلالات تأتي في أنساق معبرة عن الفكر، فكر الكاتب أو المتحدث، في بيئة ثقافية ما تفهمها.
2- هذه قناعتي و هذا اعتقادي و عندما أقول "اللغة" لا أعني شكلها الخارجي من رسم و إملاء و صرف و نحو فقط بل تحريرا و تحبيرا و تصويرا و تعبيرا كذلك و إنما أعني هذا كله إضافة إلى مضمونها الداخلي و هو ما يقصد إليه من أغراض التعبير عن الفكر المختلفة و هو فحوى الخطاب أو مفهومه، و هذا ما تتناوله علوم البلاغة كعلم المعاني و علم البيان و علم البديع الذي يهتم بتنميق الخطاب فنيا أو جماليا، فاللغة إذن كلٌّ متماسك، فهي كلمات، أي قوالب، تضم معانيَّ، أي دلالات، هي المقصودة بالتعبير لفظا أو كتابة.
3- و بناءً على ما تقدم يمكننا الحكم إيجابا و سلبا على كتابة ما بملاحظة شكلها الخارجي ابتداءً من الرسم و الإملاء إلى الصياغة النهائية المعبرة عن فكر الكاتب أو المتحدث، أو فكره المستبطن و من ثمة الحكم على شخصية هذا المتحدث أو ذاك الكاتب و بقدر نقص اللغة، لغة المُخاطِب، ينقص الفكر و إذا رَبَت اللغة و زكت ربا فكره و زكا في ترابط حقيقي (ترابط جدلي صارم).
4- فاللغة و الفكر يترابطان بجدلية صارمة من حيث السلامة و السقامة في البيئة الثقافية المعبر عنها أو فيها بلغة تلك البيئة فمن أرد أن يتسع فكره فعليه بتوسيع لغته لفظا و معنى.
5- و لعل في فنيات النقد الأدبي المؤسس على تحليل الخطاب المكتوب و الملفوظ ما يساعد على إدراك ما أقصده من حديثي النظري هذا، و للحديث بقية - إن شاء الله تعالى - و آمل ألا يبخل علي الأساتيذ الفضلاء بآرائهم و إضافاتهم إثراءً للموضوع و لهم مني جزيل الشكر سلفا.
البُلَيْدة، صبيحةَ يوم الأحد الفاتح من ربيع الأول 1434 الموافق 13 يناير 2013.
(نشرت هذه المقالة أول مرة بتاريخها في "ملتقى المفكرين والسياسيين العرب" ونقلتها إلى هنا لظروف غلق الملتقى العام وما فيه من الملتقيات الخاصة، أما المشاركات التي أثرت الموضوع فموعدها يوم إعادة الملتقى المغلق إلى النشاط وعسى أن يكون ذلك قريبا إن شاء الله تعالى).
تعليق