الأزرق أم الزهري؟
في تلك اللحظة التي سمعتُ فيها نبضات قلبك لأول مرة شعرت بأن العالم قد توقف وأن احساسي بالزمان والمكان قد اختفى تماماً . تضاءلتُ امام هذه المعجزة الربانية فقد كان عقلي البشري أصغر من أن يستوعب ظاهرة اعجازية مثلك أنت . شعرت بصغري أمامك أنت الذي لم يكن يتعدى طولك وقتها (1 سم ) فكيف لروح أن تُخلق من روح وجسد يتخلق داخل جسد. نعم ، لقد توقف الزمان حينما أدركتُ أنني أحمل معجزة استثنائية... جدا متجسدة في "مُضغة".
منذ تلك اللحظة أضحيت غاليا وان كنت فقط حقيقة مسموعة لا ملموسة، فأنت وأنا قد بتنا قلبان في جسد واحد.
وقد ذاب قلبي حنيناً وترقُباً لأن أعرف أي لون سأغطي به جسدك الصغير حينما يأتي الى هذا العالم أسيكون الزهري ام الأزرق؟ الا ان رغبة قوية خفيّة داخل وجداني كانت تميل دوما نحو الزهري.
في التاسع من ابريل حددنا موعداً لنراك ونسمعك مرة ثانية ، لنسمع نبضات قلبك ومناداتك الخفية لنا بأن "أنا هنا إطمئنّا فلا بأس عليّ في كنف هذه الظلمات الثلاث" .
في لحظات الكشف تلك سألتنا الطبيبة في اذ كنا نود معرفة جنسك ام نُخلي بيننا وبين الاجابة لنكشتفها لاحقاً وقت ميلادك. صدقني لو لم يكن اختراع الألوان موجودا لأخترتُ أن احتفظ بك مفاجآة آجلة الكشف لأُصبغك صبغة المفاجآت
،الا ان حيرة الألوان قد أخذت مني حينها كل مأخذ.
وما بين السؤال والجواب توقف قلبي! شعرت بأن تلك اللحظات كأنها الدهر فقد كنت أخشى شيئاً واحداً أن أُحلّق فرحاً بأن جنيني ولداً أو أحزن قليلا لان الجنين بنتاً.
خفتُ أن تكون تلك اللحظة الأولى التي سأتحرّجُ بها من نفسي وتسقط عني ورقة التوت لتكشف سَوءة تناقضي . كنت أخشى أن تغلب شرقيتنا عليّ فأتهلل بذكورتك او أحزن لأنوثتك.
في زاوية الغرفة تلك تجلّت مرآة لم أكن قد رأيتها حين دخولي للعيادة ، كانت كالمقصلة في انتظاري لتفضح بانعكاساتها ما سيخُفى عن الآخرين ولم يكن سيُخفى عن نفسي .كانت اللحظة الفاصلة الكاشفة الفاضحة بأن تكون أفكاري ليست الا تغريدات مُجرّدة من الاعتقاد والايمان.
وظهرت انعكاساتي مبتهجة في المرآة! نعم، فقد كانت نتيجة استثنائية جدا فحينئذ اشتريتُ صكاً آخر من صكوك الحرية ونزعت قيداً آخر من قيود العقل الجماعي.
لقد بتُ حرةً أكثر ، متجانسة أكثر، متوحدة في الفكرة والرغبة فقد استقبلت يا صغيري خبر ذكورتك بكل حيادية، ولذلك أحبتتك أكثر ! بكل جدارة استحققتَ ان تكون جنين المفاجآت .فلم يكن حبي لك لأن الأزرق سيسدل ستاره قريبا على حياتي.
احبتتك أكثر لأنك كنت من أهم الاختبارات التي خضتها في حياتي: اختبار ما بين الفكرة المجردة والرغبة الخفية ...ما بين المثالية والواقعية...ما بين فكرة وأخرى توازيها...ما بين موروث وآخر يزاحمه تناقضا.
كنتَ طفليّ وكفى! كنتَ تلك النبضة الأولى التي هزت كل أركان جسدي...وكنتَ ذلك الشعور المدويّ الغريب بعد نتيجة فحص الدم...كنت السؤال وكنت الإجابة...وكنتَ المعجزة الكبيرة وأنا اللاشيء أمامك....كنتَ أكبر مني وكنتُ أصغر منك...كنتَ بخير؟ نعم! وذلك يكفيني وسيكفيني دوماً بأن تكون بخير وتجيء إلى خير وتحيا بخير وتمضي إلى خير.
بتاريخ 11/4/2012
تعليق